إستنفار دولي لتحييد لبنان عن التداعيات اللاهبة لطوفان الأقصى ورسالة نارية من حزب الله
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
أدخلت عملية «طوفان الأقصى» التي أطلقتها «حماس» ضد إسرائيل، لبنان في دائرة الاهتمام الدولي لرصد رد فعل «حزب الله» الذي وجّه، الأحد، رسالة تحذيرية لإسرائيل بإطلاقه دفعة أولى من القذائف الصاروخية استهدفت فيها ثلاثة مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، اضطرت تل أبيب للرد عليها، من دون أن يؤدي تبادل القصف حتى الساعة إلى تبديل في قواعد الاشتباك المعمول بها منذ صدور القرار الدولي 1701 عن مجلس الأمن الذي أدى إلى وقف حرب تموز 2006.
وفي هذا السياق افادت "الاخبار"ان الولايات المتحدة الاميركية أرسلت إلى الحكومة في بيروت رسائل تؤكد فيها أن إسرائيل لا تريد خوض حرب مع لبنان، لكن على لبنان كبح جماح حزب الله ومنعه من القيام بأي عمل عسكري دعماً للفلسطينيين.
وعُلم أن «باريس أبلغت حزب الله رسائل في هذا الخصوص»، فضلاً عن «رسائل أميركية وصلت إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تحمل تنبيهات من توريط لبنان في هذه الحرب»، الأمر الذي كان مندوب العدو لدى مجلس الأمن جلعاد إيردان كشف عنه بالإعلان عن طلب حكومته من «دول عدّة إبلاغ حكومة لبنان بأنّنا سنحمّلها مسؤولية أي هجوم لحزب الله على إسرائيل».
وكتبت" النهار": الساعات الثماني والأربعين الماضية لن تكفي وحدها للاستشراف الجازم بما يمكن ان يصيب او لا يصيب لبنان لان مجريات الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس لا يزال يغلفها غموض كثيف وسط مسار حتمي لا مجال لمناقشته هو مضي الحرب نحو فصول بالغة العنف والخطورة والاتساع. ولكن حصر "حزب الله" استهدافه الصاروخي امس بالمواقع الإسرائيلية في مزارع شبعا شكل رسالة موحية يمكن الاتكاء عليها للاستشراف بان شبح التورط الكبير لا يزال مستبعدا وان الحزب يعتمد ردا مدروسا يأخذ فيه في الاعتبار حتما واقع لبنان وظروفه، اقله حتى اللحظة وما لم "تنفجر" مفاجات ميدانية جديدة ليست في الحسبان. اما على مستوى رصد المشهد السياسي الداخلي بعد المفاجأة الصاعقة التي اذهلت اللبنانيين كما كل العالم جراء المجريات الحربية الجارية منذ صباح السبت فبدا واضحا ان التهيب طغى عليه ولو تصاعدت معالم "الابتهاج" لدى فئات سياسية وشعبية بالاختراق الضخم الذي حققته "حماس" بما يعكس النسبة العالية من التريث والانتظار ورصد كل الاحتمالات التي يمكن ان تلفح لبنان بقوة جراء هذا الحدث الاستثنائي المباغت بكل المعايير الفلسطينية والإسرائيلية والإقليمية والدولية.
وكتبت" نداء الوطن": حضرت سريعاً تداعيات التطورات المذهلة من غزة وغلافها الى جنوب لبنان. وبدت نظرية «وحدة الساحات» التي سبق لـ»حزب الله» وسائر فصائل المقاومة في المنطقة أن أعلنوا ولادتها قبل أشهر، قد دخلت حيّز التنفيذ، لكن التطورات الميدانية في اليومَين الماضيَين على الحدود الجنوبية بقيت تحت السيطرة على جانبَي الحدود. وهذا الضبط الميداني، ترافق مع تصعيد لافت في مواقف «حزب الله»، يشير الى أن الوضع في الجنوب يمر في مرحلة حرجة لا يمكن الحكم على نهايتها الآن.ووسط ذلك، أبلغت مصادر ديبلوماسية «نداء الوطن» أنه «لا أجواء تصعيد حتى الآن جنوباً». وأضافت أنّ الاتصالات بمختلف الاتجاهات وبدول القرار انتهت الى «عدم وجود تصعيد، مع قرار بإبعاد التوتر عن الساحة الجنوبية».وفي سياق متصل، كشف مصدر وزاري لـ»نداء الوطن» عن أنّ «رسائل دولية وعربية وصلت الى القيادات اللبنانية، تنبّه من مغبة الحسابات الخاطئة لجهة الانخراط في المواجهة القائمة في قطاع غزة عبر فتح جبهة الجنوب».وقال المصدر إن «هذه الرسائل أُبلغت الى رئاستي مجلس النواب والحكومة والوزارات المعنية، و»حزب الله»، كما أنّ «الحزب» تبلّغ رسائل مباشرة في هذا الخصوص، وأنّ الرئيس نبيه بري يعمل بصمت على عملية تقدير الموقف، وهو على تنسيق عالٍ مع قيادة «الحزب» حتى تكون أي خطوة محسوبة»
وأوضح المصدر أنّ «إقدام «حزب الله» على مهاجمة مواقع اسرائيلية في مزارع شبعا، هو نوع من تنفيسة، خصوصاً أنّ الهجمات حصلت على أرض خارج نطاق القرار الدولي 1701. والاعتقاد الغالب، أنّ الأمور ستبقى محصورة في هذا الحيز من دون تطورها».وأكد المصدر أنه «من البديهي أن يكون «حزب الله» قد أجرى تقييماً ميدانياً للجبهة، وأنّ عنصر المباغتة الذي امتلكته «حماس» في الهجوم على مستوطنات غلاف غزة مستغلة يوم السبت والعيد اليهودي والاحتفالات القائمة، لا يمتلكه «الحزب» الذي فقد عنصر المباغتة على جبهة الجنوب، بعدما دفعت اسرائيل بتعزيزات كبيرة تحسباً لأي عمل عسكري يقوم به «الحزب».ونصح المصدر «قيادة «حزب الله» وحلفاءها في لبنان بانتظار جلاء صورة الموقف، لأنّ ما حصل في فلسطين المحتلة ستكون له تداعيات دولية بعد تحديد سبب ارتفاع عدد القتلى الإسرائيليين خارج المواقع العسكرية، ومدى الخسائر الناجمة عن مهاجمة حفل غنائي وأخذ رهائن من جنسيات غربية وتحديداً أميركية. وكذلك مدى إمكانية صمود «حماس» أمام الضغوط، خصوصاً من الدول التي تدعمها، ولا سيما قطر وتركيا اللتين ترتبطان بعلاقات قوية جداً مع واشنطن وأيضاً مع تل ابيب».
وكتبت" البناء": أشارت مصادر في فريق المقاومة لـ”البناء” الى أن “المقاومة في لبنان بجهوزية تامة للدخول في المعركة إلى جانب المقاومة في غزة في أي وقت يراه محور المقاومة مناسباً، وتُعُدّ للإسرائيليين مفاجآت أشد إيلاماً مما يشهده غلاف غزة اليوم”، لافتة الى أن “المقاومين على أتم الاستعداد لتنفيذ طلب قيادة المقاومة والسيد حسن نصرالله بالدخول الى الجليل”، موضحة أن “دخول حزب الله الحرب بشكل واسع مرتبط بالتطورات في فلسطين”.ووفق ما يشير خبراء في الشؤون العسكرية والاستراتيجية لـ”البناء” فإن “حزب الله أراد من خلف استهداف مواقع الاحتلال في مزارع شبعا توجيه إنذار لـ”إسرائيل” بعدم التمادي في العدوان على غزة، وإلا فسوف ينفجر الوضع على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة”.وأراد الحزب من العملية وفق الخبراء، الردّ على كل الرسائل والتهديدات لا سيما على الرسالة التي وصلته من فرنسا عبر قناة رسمية ومضمونها “التمني المشدّد” لعدم التصعيد في الجنوب.
وكتبت" اللواء": بصرف النظر، عن الأصوات التي تصاعدت برفض جرّ لبنان مجدداً الى حرب، ليس بإمكانه تحمل أعبائها المالية والتهجيرية والتدميرية، في ضوء الازمة الحادة التي يعاني منها.. فإن الاشارات التي بعث بها حزب الله، لا توحي بدخول أكيد في المواجهة، ولكن في الوقت نفسه لا تشير الى اسقاط هذا الاحتمال من الخيارات المطروحة على الأرض.
فخطوات الحزب تدرس بعناية فائقة، فأصل المعركة الموجعة، هو ما يحصل حالياً على الأرض، وتمثل المقاومة الفلسطينية، وحماس على رأسها الاصل في المواجهة في ضوء النجاحات العسكرية الفلسطينية، والاخفاقات القاتلة للمنظومة الامنية والعسكرية الاسرائيلية.
وقالت مصادر مطلعة على جو حزب الله لـ»الديار» ان «حزب الله مستعد للتعامل مع كل الخيارات، ومن ضمنها الحرب الكبرى لانهاء اسرائيل»، نافية «ان يكون هناك مخطط حاليا لاشعال الجبهة الشمالية «لإسرائيل»، بالتوازي مع ما يحصل في الجنوب»، مضيفة:»لكن اذا قررت «اسرائيل» ان تصعد جنوبا، فنحن على كامل الاستعداد لصدها والذهاب ابعد من ذلك».
وقالت مصادر سياسية لبنانية واسعة الاطلاع ان «سفراء دول كبرى ابلغوا مسؤولين لبنانيين بمخاطر وتداعيات جر لبنان للصراع الحاصل، وطالبوهم بممارسة كل الضغوط اللازمة على حزب الله لعدم اتخاذ قرار الانخراط بالقتال الحاصل».
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی مزارع شبعا حزب الله فی هذا
إقرأ أيضاً:
الحرب التي أعادت تعريف الوعي.. من نصر غزّة إلى يقظة الأمة
حين تتصدّع الجغرافيا تحت نيران الإبادة، ويُحاصَر الوعي بين إعلامٍ مضلِّل ونظامٍ دولي أعمى، تنبعث غزّة، كما في كلّ مرة، لتقول ما لا يستطيع أحد قوله: «إن الوعي أقوى من القوّة، وإن المقاومة ليست فعلًا عسكريًا فحسب، بل عملية تاريخية لإعادة تعريف الإنسان في وجه الظلم والهيمنة».
لقد كشفت الحرب الأخيرة على غزّة أنّ الشعوب لا تُهزم بالحديد والنار، بل تُهزم حين تُقنعها القوّة الغاشمة بأنّها بلا معنى. وما فعلته المقاومة خلال عامين من الصمود الأسطوري، لم يكن فقط تحدّيًا عسكريًا للكيان الصهيوني، بل كان تحديًا فلسفيًا للنظام العالمي نفسه، الذي أراد أن يجعل من العدالة ترفًا ومن الحرية استثناءً يُمنَح وفق ميزان المصالح الغربية.
من النصر العسكري إلى النصر السياسي والمعنوي
لم يكن ما حدث في غزّة مجرد مواجهة عسكرية بين فصيل مقاوم وجيشٍ مدجج بالتكنولوجيا، بل كان اختبارًا وجوديًا للوعي الإنساني: هل يمكن للضعيف أن ينتصر حين يمتلك المعنى؟
ففي حين حاولت «إسرائيل» أن تفرض معادلتها النفعية القائمة على الإبادة لتحقيق الأمن، أعادت المقاومة تعريف الأمن ذاته: أن يكون الإنسان آمنًا في كرامته، في هويته، في حقه على الأرض.
لقد تحولت غزّة إلى مرآة تعكس زيف مقولة «الردع» الصهيونية، إذ خرجت المقاومة من تحت الركام أكثر تماسكًا، وبقيت هي الطرف الوحيد القادر على فرض شروطه الرمزية والمعنوية على الساحة الفلسطينية. فحتّى وإن تراجعت القوّة المادية للمقاومة مؤقتًا، إلا أنّها حققت نصرها في المعنى: نصر الإرادة على التقنية، ونصر الذاكرة على النسيان.
هنا تحديدًا يمكن الحديث عن «النصر الإستراتيجي بالأرقام»، لا من حيث عدد الطائرات أو الجنود، بل من حيث الأثر البنيوي في معادلة الردع. فـ»إسرائيل» فقدت عنصر المفاجأة، وتبدّدت هيبة جيشها الذي وُصف يومًا بأنه «لا يُقهر»، بينما اكتسبت المقاومة خبرة ميدانية وتنظيمية غير مسبوقة، جعلتها تنتقل من الدفاع إلى القدرة على إدارة الحرب الطويلة، ومن العزلة إلى التحول إلى مركز ثقلٍ إقليمي في معادلات الردع والقرار.
الوعي الجمعي الفلسطيني من النجاة إلى الفعل
حين فُتحت أبواب الجحيم على غزّة، كان المتوقع أن تنهار البنية الاجتماعية والنفسية للمجتمع الفلسطيني، لكن ما حدث كان العكس تمامًا. لقد تجلّى الوعي الجمعي في أبهى صوره: رفضٌ جماعي للتهجير، صمودٌ في المخيمات، وتنظيمٌ داخليّ قائم على المساندة الشعبية والعائلية، حتّى داخل الدمار.
هذا الوعي الجديد لم يَعُد يكتفي بالنجاة من القصف، بل تجاوزها إلى الفعل الإنساني والسياسي الواعي. فالمجتمع الغزّي لم يعد ضحيةً تنتظر الإغاثة، بل بات منتجًا للوعي المقاوم، يفرض على محيطه العربي والإسلامي، بل وعلى العالم، أن يعيد النظر في مفاهيمه عن «الحق» و«العدالة».
ولذلك، يمكن القول إنّ الحرب لم تغيّر فقط موازين القوّة، بل أعادت بناء الذات الفلسطينية. أصبح الفلسطيني يرى نفسه لا كأداةٍ في معركة الآخرين، بل كفاعلٍ أساسي في صياغة مصير المنطقة. ومن هنا يتجاوز النصر حدود السلاح، ليصبح انتصارًا على الوعي المبرمج الذي أرادت به القوى الاستعمارية طمس معاني المقاومة منذ أوسلو وحتّى «التطبيع».
يقظة الأمة من سبات التطبيع
لم تكن الحرب حدثًا فلسطينيًا فحسب، بل لحظة كشفٍ حضاري للأمة جمعاء. فقد تهاوت شعارات «السلام» الرسمي أمام مشاهد الأطفال تحت الركام، وانكشف الوجه الحقيقي للمنظومة الغربية التي تحتكر الحديث عن «حقوق الإنسان» بينما تبرر كلّ قنبلة تُلقى على المدنيين في غزّة.
لقد أيقظت غزّة الضمير الجمعي العربي والإسلامي من سباته الطويل بل حتّى المجتمعات الغربية. فالملايين التي خرجت في العواصم الأوروبية لم تكن فقط تعبّر عن الغضب، بل عن عودة الانتماء. أصبح الوعي الشعبي يتجاوز الخطوط التي رسمتها الأنظمة والسياسات، ليعيد تعريف الأمة كمجالٍ أخلاقيٍ مشترك يتجاوز حدود الدول.
هذه اليقظة لا تعني فقط تضامنًا إنسانيًا، بل تعني أيضًا تحوّلًا بنيويًا في إدراك موقع الأمة من العالم. فالحرب على غزّة، بما حملته من وضوحٍ أخلاقي حاد، جعلت الشعوب تدرك أن الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراع حدود، بل صراع وجودٍ وهويّة. ومن هنا، انتقل الخطاب العربي من «التسوية الممكنة» إلى «الكرامة الممكنة».
سقوط الخطاب الغربي وولادة خطاب الحرية الجديد
الحدث الغزّي عرّى الغرب الرسمي، وكشف تناقضاته البنيوية. فبينما يرفع راية الديمقراطية، سكت عن المجازر، بل وشارك في تسليح القاتل وتمويله. هذه الازدواجية فجّرت وعيًا نقديًا واسعًا في الجامعات ووسائل الإعلام الغربية نفسها، حيث خرجت أصوات شبابية ومثقفون يعلنون أن «الضمير الإنساني لا يمكن أن يُحتكر باسم القيم الليبرالية».
هكذا، ولدت من تحت أنقاض غزّة حركة عالمية جديدة للوعي، لا تقف عند حدود التضامن، بل تعيد طرح الأسئلة الجوهرية حول بنية النظام الدولي. فمنذ الحرب، باتت فلسطين رمزًا لما نسميه «انقلاب المعنى»: حين تتحول الضحية إلى مركز لإنتاج القيم.
النخبة ودور الوعي في تشكيل المستقبل
تضع الحرب على غزّة النخب الفكرية والثقافية أمام مسؤوليات كبرى. لم يعد كافيًا الاكتفاء بالتحليل أو الشجب، بل المطلوب إعادة بناء المفاهيم التي تحكم علاقة الأمة بذاتها والعالم.
لقد قدّمت المقاومة نموذجًا عمليًا للحرية، لكنّ تحويل هذا النموذج إلى مشروعٍ حضاريٍّ دائم، يتطلب إنتاجًا معرفيًا متماسكًا يربط بين السياسة والثقافة، وبين التاريخ والمستقبل.
إنّ المعركة المقبلة لن تُخاض في الميدان فقط، بل في العقل واللغة والمناهج. فالصراع على فلسطين أصبح صراعًا على الرواية: من يروي التاريخ ومن يُمحى من صفحاته.
ولذلك، فإن دور النخبة اليوم هو تحويل تجربة غزّة من حدثٍ استثنائي إلى وعيٍ تاريخي متجذر، يُعيد تعريف العلاقة بين المقاومة والهوية، وبين الكرامة والسياسة.
من غزّة إلى الأمة.. الوعي الذي لا يُقهر
لقد خرجت الأمة من حرب غزّة مختلفة عمّا كانت عليه قبلها. لم يعد السؤال «من ينتصر؟» بل «من يملك حقّ المعنى؟». والمقاومة، بهذا المعنى، لم تنتصر فقط على «إسرائيل»، بل على منطق التاريخ الذي أراد الغرب كتابته باسم المنتصر الدائم.
لقد أعادت الحرب تعريف «الوعي الغربي والعربي» كقوةٍ فاعلة، لا ككتلة من الغضب العابر. فكلّ طفلٍ في غزّة أصبح رمزًا للإنسان الحر، وكلّ أمٍّ فقدت أبناءها أصبحت شاهدة على أن الحرية تُولد من رحم الألم. هذا الوعي الجديد لا يمكن اغتياله لا بالقصف ولا بالتطبيع، لأنه تحوّل من فكرة إلى ضميرٍ جمعي.
من الركام يولد التاريخ
في النهاية، يمكن القول إنّ الحرب على غزّة لم تكن مجرد فصل جديد من الصراع «الفلسطيني-الإسرائيلي»، بل كانت نقطة انعطافٍ في تاريخ الوعي الإنساني الحديث. لقد أثبتت أن المقاومة ليست خيارًا عسكريًا، بل حقًا وجوديًا لا يُقايض.
ومن بين الركام، وُلدت غزّة من جديد، لا كمدينةٍ محاصرة، بل كفكرةٍ محرّرة. أعادت تعريف النصر والكرامة والحرية، وأيقظت الأمة من سباتها الطويل لتدرك أن الطريق إلى النهضة يبدأ من حيث يتوقف الخوف.
فكما نقول دائمًا بعد كلّ حرب: «حين تُقصف المدن، تتكلم الأفكار، وحين يسقط الجسد، ينهض الوعي»، فإن غزّة اليوم، هي نهوض الوعي من تحت الركام، لتعلن أن الإنسان لا يُهزم، ما دام قادرًا على أن يقول «لا» في وجه العالم بأسره.
كاتب صحفي فلسطيني