محللون: الحرب بين إسرائيل وحماس اختبار لقدرة مصر على التوازن
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
سلط محللون الضوء على تداعيات الحرب بين إسرائيل وحركة حماس على مصر، وأشاروا إلى أن القاهرة تسعى إلى لعب دور الوسيط في كل من مفاوضات وقف إطلاق النار ومفاوضات حول تبادل الأسرى، لكن هناك أزمة إنسانية تلوح في الأفق على حدودها مع غزة.
وفي هذا الإطار، أفاد محللون بأن مصر سارعت، منذ الهجوم غير المسبوق الذي شنته حماس على إسرائيل يوم السبت الماضي، إلى تأكيد موقفها كصانعة سلام، وحثت الجانبين على وقف التصعيد، إذ أعرب الرئيس، عبدالفتاح السيسي، عن الحاجة إلى حل عادل على أساس دولتين وإعطاء الأولوية للأمن الداخلي من خلال إبقاء الحدود بين سيناء وغزة مغلقة، حسبما أورد موقع "العربي الجديد" وترجمه "الخليج الجديد".
وفي السياق، قال ياسين عاشور، الخبير في شؤون الشرق الأوسط: "إنها (مصر) تسعى إلى وقف التصعيد وترغب في العمل كوسيط لحل الوضع".
وأضاف أن نظام السيسي يتطلع إلى التعامل مع الوضع بدقة قبل الانتخابات الرئاسية المصرية في ديسمبر/كانون الأول القادم، وأظهر استعداده للعمل كوسيط سلام، كما جرى في محادثات الهدنة لعام 2021 بين إسرائيل وحماس.
وتابع عاشور: "عندما يتعلق الأمر بالتصعيد بين الفلسطينيين وإسرائيل، فإن مصر يجب أن تكون الوسيط دائمًا، مشيرا إلى أن الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة، تتطلع إلى مصر منذ عهد رئيسها الأسبق، حسني مبارك، للتفاوض على السلام بين إسرائيل وحماس ومنظمة التحرير الفلسطينية".
ووفقاً لماثيو سباركس، عالم الأنثروبولوجيا ومؤرخ سيناء والنقب، فإن "الحكومة (المصرية) الحالية لديها كل ما تكسبه من محاولة الحفاظ على توازن القوى مع حماس والإسرائيليين. لذلك لا أعتقد أنهم سيفعلون أي شيء لتغيير ذلك".
وبصرف النظر عن فرصة رفع مكانتها الجيوسياسية، فإن مصر أيضًا ستخسر إذا انجرفت إلى الصراع في وقت تضعف فيه الدولة بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، بحسب سباركس، مردفا: "إذا تصاعد القتال، فهناك خطر حدوث أزمة إنسانية عبر الحدود وتهديد السلام الذي تم التوصل إليه بشق الأنفس في سيناء".
وفي السياق، قال جوزيبي دينتيس، رئيس مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمركز الدراسات الدولية: "سيحاول السيسي الحفاظ على موقف متوازن بين ضرورة خلق نموذج جديد بين مصر وحماس، لكنه في الوقت نفسه سيظل غير منخرط في الصراع، لأن مصر هشة للغاية في هذه اللحظة".
دعم القضية الفلسطينية
ورغم تأكيدها لإسرائيل بأنها ستساعد في التفاوض على إطلاق سراح الرهائن، ألقت القاهرة في الوقت نفسه باللوم في القتال على المعاملة غير العادلة للشعب الفلسطيني وغياب حل الدولتين.
وقال السيسي للمستشار الألماني، أولاف شوتز، يوم الأحد الماضي، إن هناك حاجة إلى معالجة "الأسباب الجذرية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال دعم مسار التهدئة وتعزيز جهود تسوية القضية الفلسطينية".
ويدعم المصريون القضية الفلسطينية إلى حد كبير، ووصف العديد منهم، على وسائل التواصل الاجتماعي، الأحداث بأنها استمرار مباشر لحرب 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 1973.
وفي السياق، يرى عاشور أإن القاهرة طالما دعمت تصفية الاستيطان بالأراضي الفلسطينية واحتلالها، ولا يتوقع أن تغير هذا الموقف.
وأضاف: "مصر لم تذهب إلى حد الدول الموقعة على اتفاق إبراهيم، مثل البحرين أو الإمارات أو السودان، من حيث عدم المطالبة بالعودة إلى حدود الرابع من يونيو 1967".
فيما علق دينتيس قائلاً: "مصر كمجتمع مرتبطة بشكل كبير بالقضية الفلسطينية بسبب هويتها الإسلامية والعربية"، مضيفا: "سيكون هذا عاملا مهما في دور مصر بالمفاوضات المستقبلية".
لكن على الرغم من علاقاتها العاطفية مع فلسطين، فقد أثبتت مصر باستمرار علاقتها ذات المنفعة المتبادلة مع إسرائيل وحافظت على علاقات سلمية منذ اتفاقيات كامب ديفيد في سبتمبر/أيلول 1978.
وأدى ذلك إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، وكذلك تقاسم الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن جائزة نوبل للسلام عام 1978.
وقال سباركس: "لطالما حظيت مصر بسلام بارد مع إسرائيل، والمصريون بشكل عام يدعمون القضية الفلسطينية بشدة".
حدود غزة وسيناء
وكانت إحدى نقاط الخلاف الشديدة هي مسألة ما إذا كانت مصر ستفتح معبر رفح، خاصة بعد أن طلب متحدث باسم الجيش الإسرائيلي من سكان غزة الفرار إلى سيناء.
وتشهد غزة أزمة إنسانية غير مسبوقة، ويشكل الأطفال ما يقرب من نصف سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة. وتقول وزارة الصحة الفلسطينية إن 140 طفلا قتلوا في الغارات الجوية الإسرائيلية منذ نهاية الأسبوع.
وأغلقت مصر الحدود مع قطاع غزة بعد إعلان الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء، والذي سبق قصف لاحق لمعبر رفح.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي تراجع عن هذا البيان في وقت لاحق، فمن المتوقع أن يظل المعبر مغلقا للحفاظ على أمن مصر، باستثناء المساعدات الإنسانية. وهددت إسرائيل فيما بعد بمهاجمة شاحنات المساعدات القادمة من مصر.
وهنا يلفت عاشور إلى أن "موقف نظام السيسي دائما هو مصر أولا"، مضيفا: "الحكومة فخورة بالطريقة التي دافعت بها عن نفسها ضد الإرهاب منذ عام 2014 وسيستمر النظام في إعطاء الأولوية للأمن. لا أعتقد أنهم سيخاطرون بهذا الموقف من خلال فتح حدود غزة – ربما سيفتحون المعبر أمام المساعدة الإنسانية".
وأشار آخرون إلى أنه من المفيد لمصر إبقاء الحدود مغلقة واحتواء حماس في منطقة خاضعة للرقابة خارج السيطرة المصرية المباشرة.
وفي السياق، قال سباركس: "خلال نظام السيسي الحالي، توترت العلاقة مع حماس بسبب علاقات حماس التاريخية مع جماعة الإخوان المسلمين (..) بالنسبة للرئيس السيسي، وأي زعيم يتبع نموذج الحاكم العسكري في مرحلة ما بعد عبد الناصر، فمن المنطقي احتواء حماس في غزة".
وأضاف: "كما يسمح للسيسي بمطالبة إسرائيل بتقديم مساعدات عسكرية إضافية لتأمين المنطقة الحدودية، كما رأينا في عام 2018".
وهناك تساؤلات حول ما إذا كان سكان غزة يرغبون في الفرار إلى سيناء. منذ أن عانى الفلسطينيون من التهجير الجماعي ونزع الملكية خلال "النكبة"، أو كارثة الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948، كان هناك تصميم واسع النطاق على عدم مغادرة أراضيهم خوفًا من عدم قدرتهم على العودة أبدًا.
وقال سباركس: "تاريخياً، في عام 1948 فر سكان غزة إلى سيناء، ثم عادوا في عام 1967 (..) لا أعتقد أننا سنرى السماح لسكان غزة بالفرار هذه المرة لأن سيناء غير قادرة على دعم عدد كبير من السكان ومصر تواجه مشاكلها الداخلية الخاصة. ستُظهر مصر تضامنها من خلال المساعدات الإنسانية، لكن الحدود المفتوحة تبدو غير مرجحة".
إطلاق نار بالإسكندرية
وأثار إطلاق شرطي مصري النار على سائحين إسرائيليين في الإسكندرية، بعد يومين من هجوم حماس على إسرائيل، صدمة بين قوات الأمن المصرية وأثار دعوات لتهدئة داخلية سريعة.
وقال دينتيس: "ربما يكون هذا الحادث حالة معزولة، ولكن في الوقت نفسه من المهم للقوات العسكرية المصرية أن تمنع أي حالة تصعيد محتملة لأن التورط المباشر في صراع إقليمي جديد قد يضعف البلاد بشدة".
وفي أعقاب الهجوم، فر السياح الإسرائيليون من سيناء بشكل جماعي وطلبت السفارة الأمريكية في مصر من المواطنين في مصر "ممارسة المزيد من الوعي الأمني والاحتياطات".
سيتعرض قطاع السياحة في مصر، الذي سجل أرقاما قياسية هذا العام، لجراح عميقة ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم آثار الأزمة الاقتصادية بالنسبة للكثيرين.
فقبل جائحة كورونا، كان ما يصل إلى 1.4 مليون إسرائيلي يقضون إجازاتهم في سيناء كل عام، وزارها ما يقدر بنحو 200 ألف خلال عطلة عيد الفصح وحدها.
ولذا يرى سباركس أن حادثة الإسكندرية تعني توديع مصر السياحة الإسرائيلية لبعض الوقت، مردفا: "لن أتفاجأ إذا كانت هناك مقاطعة نشطة".
المصدر | لارا جيبسون/ العربي الجديد - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر حماس طوفان الأقصى غزة إسرائيل القضیة الفلسطینیة بین إسرائیل من خلال فی عام إلى أن
إقرأ أيضاً:
لو أن هذه الحرب الشرق أوسطية انتهت فاستعدوا لسياسات مثيرة
أرجو صادقا أن يصمد وقف إطلاق النار الحالي بين إيران وإسرائيل وأن يمتد ليشمل غزة، وذلك في المقام الأكبر والأول لكي نرى نهاية لكل ما يجري من قتل. وفي المقام الثاني، لأنني أعتقد أن هذه الحرب سوف تثير في أعقابها جدالات ضرورية للغاية في إيران وإسرائيل وفي المجتمع الفلسطيني.
لن تجري هذه الجدالات في غداة سكوت البنادق، حينما يحاول القادة في كل بلد معني ادعاء نصر من نوع ما. ولكن غريزتي تنبئني بشدة بأن هذه الجدالات سوف تجري في اليوم التالي لليوم التالي لسكوت البنادق، حينما تبدأ كل أنواع السياسات الداخلية في دخول الحلبة.
ففي ما بين الفلسطينيين سوف يثار سؤال إلى قادتهم من حماس: «فيم حقا كنتم تفكرون في السابع من أكتوبر سنة 2023؟ لقد بدأتم حربا مع إسرائيل، وهي خصم أقوى منكم كثيرا من الناحية العسكرية، بلا نهاية للعبة غير الدمار، فما كان من ذلك إلا أن دفع اليهود إلى الانتقام بلا نهاية للعبة غير الدمار. لقد ضحيتم بعشرات الآلاف من البيوت والأنفس لتظفروا بتعاطف الجيل التالي من شباب العالم في تيك توك، ولكن الآن لم يبق لشيء اسمه غزة من وجود».
وفي ما بين الإسرائيليين، سيكون هذا هو السؤال المطروح على حكومة إسرائيل القومية الدينية المتطرفة من عناصر المجتمع العلمانية إلى حد كبير ـ وقوامهم طيارون في القوات الجوية ومقاتلون سيبرانيون وتقنيون وعلماء ومصممو أسلحة وعملاء في الموساد وأناس هزموا بالفعل حماس وحزب الله وإيران: «إلى أين تأخذوننا في ما تظنون؟ لقد كنا نحن المنتصرين في هذه الحرب ولن نترككم تستغلون هذا الانتصار في الفوز بالانتخابات التالية وتنفيذ خطتكم لسحق محكمتنا العليا وضم الضفة الغربية وإعفاء المتطرفين الأرثودكس من الخدمة في الجيش وجعل إسرائيل منبوذة لا يرغب أبناؤنا في الحياة فيها. وهذا مستحيل».
وفي ما بين الإيرانيين من المؤكد أن السؤال الذي سيطرح على القيادات الدينية والحرس الثوري هو هذا: « لقد أنفقتم مليارات الدولارات في محاولة لصنع قنبلة نووية لتهديد إسرائيل وإدارة لبنان وسوريا واليمن عن بعد. فجئتم بالحرب إلى بلدنا، واضطرت عائلاتنا إلى الفرار من طهران ولقي جنرالاتنا مصرعهم بالمسيرات الإسرائيلية وهم في أسرّتهم. وكل ما فعلتموه أنكم دمرتم بعض المباني وقتلتم مدنيين في إسرائيل وحينما هاجم دونالد ترامب منشآتنا النووية الرئيسة الثلاث، كان ردكم عرضا للصوت والضوء لا ضرر منه فوق قاعدة جوية أمريكية في قطر. لقد كنتم نمورا من ورق لا يعرفون كيف يستعملون التكنولوجيا. وفي الوقت نفسه، باتت حضارتنا الفارسية العظيمة مهملة، كسيرة، متخلفة بأميال عن بقية العالم».
قد لا يحدث الأمر بين عشية وضحاها، ولكن كل خلية في جسمي تقول لي إن هذه المناقشات آتية بلا ريب. لأننا لم نخض حربا كهذه في المنطقة من قبل. فهذه حرب يقود فيها قوميون متدينون حماس وحزب الله وإيران ويحسبون أن الرب واقف في صفهم. وهي حرب أحالت فيها إسرائيل غزة إلى مكان غير صالح للسكنى، بعد أن أذلتها حماس وقتلت من اليهود في يوم واحد أكثر ممن قتل منهم في أي يوم منذ الهولوكوست. وهي حرب تمكنت فيها إسرائيل من قطع رأس قيادة حزب الله وتدميره إلى حد كبير بوصفه قوة سياسية في لبنان وسوريا اللتين ساعدت في سحق بشائر الديمقراطية فيهما منذ ثمانينيات القرن الماضي. وهي حرب شهدت قيام رئيس أمريكي بقصف منشآت إيران النووية الأساسية، وذلك ما لم يكن أحد يتصور إمكانية حدوثه في إيران.
باختصار، مضى كل طرف إلى أقصى مدى، مخترقين حواجز نفسية وعسكرية لم نتخيل يومًا اختراقها. وإذا لم يتوقفوا الآن، أو عما قريب، فسيصلون جميعا إلى ما يمضون في اتجاهه وهو الحرب الأبدية، الجارية بين الجميع، وفي كل مكان، وطوال الوقت، والتي لا يسلم منها أحد أو شيء.
لكل هذه الأسباب، أنا على قناعة بأن بعض المناقشات الداخلية الضخمة قادمة، إذا ما توقفت الحرب حقا.
بالنسبة للحركات الأوتقراطية، يعلمنا التاريخ أن تغيير النظام من الداخل لا يحدث إلا بعد انتهاء حرب، ودونما تدخل خارجي، مثلما قال خبير استطلاعات الرأي والعلوم السياسية كريج تشارني. فذلك يجب أن يحدث عضويا من خلال تغيير العلاقة بين القادة ومن يقودونهم.
قال تشارني في حوار: إن «الرئيس القومي سلوبودان ميلوسيفيتش سقط في صربيا سنة 2000 بعد أن خسر حربي البوسنة وكوسوفو حينما حاول السطو على الانتخابات التالية. وهزيمة العراق في حرب الخليج الأولى أدت إلى تمرد هائل على صدام حسين اضطره إلى قمعه بقسوة. وعندما خسر المجلس العسكري الأرجنتيني حرب فوكلاندس سنة 1982، اضطر إلى السماح بعودة الديمقراطية. وبعد الهدنة التي كان بمنزلة علامة على هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى جاءت ثورة نوفمبر التي أطاحت بالقيصر. فالحكام الأقوياء يفقدون مظهر القوة حينما ينهزمون».
وأضاف تشارني أن استطلاعات الرأي المحدودة التي تصلنا من غزة تشير إلى رد فعل عنيف على حماس بسبب الكارثة التي عانى منها الناس هناك. وما من استطلاع رأي بعد من إيران منذ بدء الصراع القائم «لكن الثرثرة على وسائل التواصل الاجتماعي ـ بحسب ما أفادت التقارير ـ كانت محابية عند بدء الضربات الموجهة لشخصيات في النظام لا تحظى بشعبية، ثم تحولت إلى الوطنية والالتفاف حول العلم مع تصاعد الوفيات بين المدنيين». فلنر الآن ما سيحدث في حال صمود وقف إطلاق النار.
ومثلما أوضح لي الكاتب الإسرائيلي آفي شافيط فإن قطاع المجتمع الإسرائيلي الذي بذل أكبر الإسهام في الانتصار في الحرب على إيران «هو نفس القطاع الذي خرج للشوارع منذ ثمانية أشهر في ليلة كل سبت ليمنع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة من تدمير ديمقراطية إسرائيل الليبرالية».
وأشار شافيط إلى أنه المؤرخ الإسرائيلي شابتاي تافيث قام في عام 1970 بتأليف كتاب شهير عنوانه «النعمة اللعينة: قصة احتلال إسرائيل للضفة الغربية». وذهب فيه بالأساس إلى أن العواقب غير المقصودة لحرب 1967 أطلقت عنان القوى المشيحانية في المجتمع الإسرائيلي. وما كادت الضفة الغربية ـ وهي قلب إسرائيل التوراتية ـ ترجع إلى أيدي إسرائيل حتى بدا أن هذه القوى لن ترضى أبدا بردها وأنها سوف تصر على الاستيطان فيها. وها هي الآن ـ وهي لا تزال بين أيدي إسرائيل بعد ثمانية وخمسين عاما ـ تحت احتلال يستنزف الأرواح وينال من الديمقراطية.
وانتهى شافيط إلى سؤاله ماذا لو «نظرنا بعد عشرين سنة فرأينا ـ على غرار عواقب حرب 1967 غير المتوقعة ـ أن هذه الحرب جعلت إسرائيل أشبه بإيران اليوم وجعلت إيران أشبه بما كانت عليه إسرائيل من قبل. لأن المتطرفين في إسرائيل تمكنوا من الاستيلاء على النصر الذي حققته إسرائيل الليبرالية الديمقراطية العلمية المستنيرة وأحالت هذه الأمة إلى بقعة مظلمة».
والمجتمع الفلسطيني أيضا في أمسّ الاحتياج إلى إعادة التفكير. فمحنة الفلسطينيين هي أن اليهود عدوهم، ولذلك فقد حظيت محنتهم بقدر غير معهود من الاهتمام والدعم الدوليين اللذين لم تحظ بهما قط جماعات أخرى، من قبيل الأكراد الذين وقعوا في قتال من أجل دولة لهم ضد صدام حسين وضد تركيا في ظل حكم رجب طيب إردوغان. وهذه مشكلة، لأن الاهتمام بهم بوصفهم ضحايا أضعف إرادة كثير من الفلسطينيين وأثناهم عن اكتساب مزيد من القوة والقيام بالتأمل الذاتي الشاق الذي كان يجب أن تحثهم عليه هزائمهم العسكرية المتكررة.
فحينما ينادي طلبة الجامعات في شتى أرجاء أمريكا لـ«عولمة الانتفاضة»، لا يبالون بالمناداة بعودة سلام فياض، وهو أكفأ قائد فلسطيني قادر على بناء أمة.
هل ستكون هذه المرة مختلفة؟ هل الهزيمة الشنيعة التي ألحقتها هجمة حماس في السابع من أكتوبر بغزة ستوجه الفلسطينيين إلى الاصطفاف بوضوح وبلا مواربة وراء إصلاح مؤسسي للسلطة الفلسطينية، والمطالبة بقيادة احترافية ودعم لدولة منزوعة السلاح في حدود 1967؟ أرجو هذا. وهل ستنتج أكثر ما يريد نتنياهو اجتناب ظهوره: أي سلطة فلسطينية شرعية كفؤة ومتنازلة تكون شريكا حقيقيا للسلام؟ ألن تكون هذه مفارقة؟
اختصارا، كانت هذه الحرب الإقليمية بالنسبة للفاعلين في الشرق الأوسط معادلا للحرب العالمية الثانية بالنسبة لأوروبا: فهي تزعزع تماما الوضع القائم وتفتح السبيل لشيء جديد. فهل سيكون هذا الشيء الجديد أفضل أم أسوأ سواء فيما بين الأطراف أو داخل كل طرف على حدة؟ هذا ما سيكون الأكثر إبهارا ـ أو إحباطا ـ لي عند رؤيته.