لجريدة عمان:
2025-06-18@05:12:48 GMT

طوفان الأقصى .. قراءة في السياق والمآل

تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT

صبحية 7 أكتوبر 2023م.. فاجأت حماس الإسرائيليين والعالم، بهجوم على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، في عملية واسعة أسمتها «طوفان الأقصى».

المقال.. يحاول أن يقرأ مبدئيًا مآلات القضية الفلسطينية إثر هذه العملية المتغيّرة أحداثها كل حين، بسياقاتها: التاريخية والعسكرية والسياسية.

السياق التاريخي: لا يحتاج أن نرجع بعيدًا لنقف على تطور المقاومة الفلسطينية، فيكفي أن نتذكر «انتفاضة الحجارة الأولى»؛ التي انطلقت بتاريخ: 8/ 12/ 1987م، وحماس.

. هي أول من أطلق عليها «الانتفاضة» بتاريخ: 11/ 12/ 1987م، لتصبح مصطلحًا معترفًا به عالميًا، ويدخل بفونيمه العربي قواميس اللغات؛ بما فيها اللغة العِبرية، وهذا يكشف عن العمق النفس-اجتماعي التي استطاعت أن تخترقه المقاومة الفلسطينية في الاجتماع البشري. وكان الأطفال والشباب هم «جنود» الانتفاضة، وهم آباء جيل الطوفان الذي اجتاح إسرائيل.

حماس.. ليست وحدها في المقاومة الفلسطينية، فهناك حركات وفصائل عدة، إلا أن الصدارة لها، وتصدرها يعود لوضعين: تخلي معظم التيارات السياسية عن المقاومة العسكرية بعد أفول اليسار وانحسار القومية العربية. ودخول العالم العربي في مرحلة السلام والتطبيع مع إسرائيل. وهذا يثبت أمرين: الأول.. أن حماس وليدة الإسلام السياسي استفادت من أيديولوجيا هذا التيار دون أن تقع رهينة انغلاقه وتعسفه، إذ جعلت مرتكزها الأساس هو القضية الفلسطينية وبوصلتها تحرير الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن معتقدات وتوجهات من يدعمها، مع عدم ارتهانها له. الثاني.. كانت لديها قدرة على التحرك السياسي في المنطقة، دون أن تتخلى عن هدفها الأعلى وهو تحرير فلسطين، فجعلت القضية الفلسطينية محط اهتمام عالمي، كما أنها خففت من آثار حركة التطبيع في المنطقة على الفلسطينيين.

طوفان الأقصى.. أكد أن مسار المقاومة الفلسطينية يحرز تقدمًا متواصلًا، وأن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي يتحمل فيه الفلسطينيون عبئًا ثقيلًا؛ في الأنفس والبُنية الأساسية لبلدهم، ما هو إلا ضريبة تحررهم. إن مقدار التقدم الذي وصلت إليه المقاومة يعكسه اعتراف إسرائيل بأنها لم تصب بما أصيبت به منذ حرب أكتوبر 1973م، ولذلك؛ أعلنت على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو لأول مرة منذ خمسين عاماً «حالة الحرب»، وشكّل حكومة طوارئ، ومنيت بأكبر خسارة منذ تلك الحرب؛ بتكلفة مبدئية تقدر بأكثر من سبعة مليارات دولار، و1400 قتيل، و4000 جريح. واعترف قائد أركان الجيش الإسرائيلي بفشل جيشه في مواجهة أحداث اليوم الأول من العملية. كما أن أمريكا وبريطانيا حركت قواتهما إلى المنطقة، وهما لا يفعلان ذلك إلا في الحروب المصيرية. بالإضافة إلى توحّد الموقف الأوروبي المساند لإسرائيل، الذي اعتبر ما قامت به حماس عملًا إرهابيًا. ويؤكد هذا التقدم كذلك قدرة حماس طولَ مسارها النضالي على إيجاد قيادات قوية، فهي تتعرض باستمرار لتصفية قادتها، إلا أنهم يتركون خلفهم قادة أقوى منهم في تسيير المقاومة ومواجهة إسرائيل على أرض المعركة.

السياق العسكري: يلخصه تطور الأحداث؛ من أدوات بدائية كالحجارة والمقلاع، استعملها آباء منفذي الطوفان، إلى صواريخ وجرافات ومسيّرات وطائرات شراعية وخطط عسكرية تضرب العمق الإسرائيلي، وعمليات أمنية تسيطر رقميًا على مواقع إسرائيلية حساسة، في ظرف ثلاثة عقود فقط، مع حصار خانق للفلسطينيين، وحركة تطبيع تقطع وريد أي دعم لوجستي للمقاومة.

ولأول مرة كذلك؛ تواجه إسرائيل من المقاومة «عملية أمنية مزدوجة»، حيث استطاعت حماس تحصين جبهتها من الاختراق، مع اختراقها إسرائيل، فما قامت به من تحديد وقت ومكان وآلية تنفيذ طوفانها بسرّية تامة، لا يمكن من منظور أمني أن يحصل دون اختراقها الجانب الإسرائيلي.

طوفان الأقصى.. قام على «الصدمة الكبرى»، ولتحقق أكبر قدر من أهدافها ارتكزت على:

- المباغتة.. فلم يكن بحسبان الإسرائيليين ولا غيرهم أن تقوم حماس بهجوم مباغت بهذا الحجم والنوع. وهذه المباغتة ليست في التوقيت، كيوم السبت راحة اليهود فحسب، وإنما في مكان المعركة أيضاً، فإسرائيل.. ضربت بينها وبين غزة سياجًا أمنيًا وعسكريًا مستحِكم المراقبة؛ استطاعت حماس أن تحدد الثغرة المناسبة لنقبه. وهي أيضا مباغتة للقبة الحديدية؛ بتحطيم «أسطورة الدرع الذي لا يخترق».

- السرعة الخاطفة.. ظهرت في السيطرة على غلاف غزة، والقدرة على نقل المعركة إلى أماكن أخرى في إسرائيل، وقد استمر الطوفان محافظا على سرعته وتماسكه لأيام. هذه السرعة تمثلت في الاستيلاء على المواقع المستهدَفة، وإلحاق أكبر قدر من الخسائر بالإسرائيليين، وفي سوق الأسرى؛ بما فيهم الجنود الإسرائيليون، إلى غزة، وإخفائهم دون أن تتمكن إسرائيل من رصد حركتهم وأماكن وجودهم. وهذه حالة لا تتمكن منها إلا الجيوش عالية التدريب والجاهزية.

- الإرعاب.. المباغتة والسرعة الخاطفة وأسر العسكريين الإسرائيليين في مبتدأ الطوفان، زلزل نفوس المستوطنين الذين هاموا على وجوههم بالآلاف، وأرعب القيادات السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية، التي أصيبت بالذهول، واضطربت في تدارك الوضع؛ خاصة خلال الأيام الأولى من الطوفان. ومع ذلك.. حافظت المقاومة إلى حدٍّ كبير على أخلاقيات الحرب؛ رغم محاولة الإعلام الصهيوني تشويه صورتها.

- حرب المدن.. وهي تكتيك ذو قدرة فائقة على التخفي في المدن، بحيث تصبح الملاحقة شبه مستحيلة على العدو، مما جعل القوات الإسرائيلية غير قادرة على ضرب مواقع حماس، وما تفعله هو قتل المدنيين وتدمير غزة.

- ذكرى 6 أكتوبر 1973م.. لإيقاع أكبر أثر من الصدمة؛ جاءت ساعة الصفر للعملية في 7 أكتوبر، فهو يوم أسود للإسرائيليين لهزيمتهم بيد القوات المصرية، وقد وضعوا استراتيجياتهم بعدم تكراره، إلا أن الطوفان اكتسح هذه الاستراتيجيات العتيدة، وانتصر عليهم.

بسبب التقدم الذي أحرزته المقاومة الفلسطينية في الجانب العسكري؛ ليس من السهولة لإسرائيل ومعها الغرب تفكيك المنظومة العسكرية لحماس، بل النظر الواقعي يشير بأنها ستدخل مرحلة جديدة من التسلّح العسكري والخطط الحربية، بما يجعل فصائل المقاومة ذات قدرات جيش دولة.

السياق السياسي: منذ اتفاقية كامب ديفيد 1978م، كان الوضع السياسي الدولي يتحرك في غير صالح المقاومة الفلسطينية، ولم يبقَ داعم لها إلا إيران. لكن على مستوى عملية السلام؛ تحركت السلطة الفلسطينية ومعها الدول العربية في مسار «حل الدولتين»، بحدود 1967م والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. أما جناحا الصراع: إسرائيل والمقاومة فلا يؤمنان به، ولذلك؛ كانت المحادثات قائمة لإقناعهما به. فهل سيقوض طوفان الأقصى هذه المساعي؟ بالنسبة للسلطة الفلسطينية والدول العربية.. ليس من الوارد أن تغيّر موقفها، بل قد تستغل الوضع للضغط على الطرفين لتحقيق هذا الحل. أما إسرائيل التي مُرغت هيبتها في التراب، ستصر على استردادها بالتدمير العسكري الشامل والمناورات السياسية؛ لتفكيك حماس والمقاومة الفلسطينية، وهذا ما نرى الحشد له الآن، ولن تقف إلا إن حسمت المقاومة المعركة لصالحها، وفرضت واقعًا جديدًا تجبر إسرائيل عليه. وبالنسبة لحماس.. التي من غير الوارد دخولها في «حل الدولتين»؛ فإن الطوفان أكد لها فاعلية السير في طريق التحرير، لاسيما إن انتصرت في المعركة.

هناك احتمال مطروح لدى المحللين السياسيين؛ بأن الحرب قد تتمدد في المنطقة لتشمل أطرافًا دولية. هذا يتحدد بالاجتياح الإسرائيلي برا المدعوم أمريكيا وأوروبيا لغزة، ولكن هذا بحد ذاته فخ تنتظره المقاومة، ولابد أنها أخذت في حسبانها إلحاق الهزيمة بالقوات الإسرائيلية، مما قد يجعل الحرب تخرج عن نطاقها الفلسطيني وتتمدد دولياً، لاسيما إذا دخل حزب الله في المعركة.

ختامًا.. إن المآل الذي يستتبع طوفان الأقصى مؤلم للشعب الفلسطيني في سياق مقاومته الطويلة، إلا أنه رسم مرحلة جديدة في خارطة تحرير بلاده. أسأل الله اللطف بالشعب الفلسطيني، وأن تنتهي الأزمة برفع الظلم عن هذا الشعب الصامد منذ قرن.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة طوفان الأقصى إلا أن

إقرأ أيضاً:

منشأة فوردو الإيرانية المدفونة على عمق نصف كيلومتر تحت الأرض… الاختبار الأقصى لقدرات إسرائيل الجوية

بالنسبة للمخططين العسكريين الإسرائيليين، تُشبه منشأة فوردو جبل “دوم” الأسطوري: منشأة محصنة بشدة لتخصيب اليورانيوم، مدفونة تحت جبل بعمق نصف كيلومتر، ومُحاطة بأنظمة دفاع جوي، وتقع بشكل رمزي قرب مدينة قم الدينية التاريخية.

أما بالنسبة لطهران، فتمثل منشأة فوردو رغبة إيران في حماية برنامجها النووي، المصمم ليصمد أمام أي هجوم مباشر، مع وجود عدد كافٍ من أجهزة الطرد المركزي واليورانيوم عالي التخصيب، ما يكفي لإنتاج سلاح نووي محتمل أو ما يعرف بـ “الاختراق النووي”.

المنشأة، المدفونة تحت صخور صلبة والمغلفة بالخرسانة المسلحة، تقع خارج نطاق التدمير من أي سلاح معروف علنًا لدى إسرائيل، مما يجعلها أيضًا رمزًا للقلق الاستراتيجي الإيراني.

يقول بهنام بن طالبلو، الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية:
“فوردو هي كل شيء في العملية النووية الإيرانية”.

وكانت إيران قد أعلنت يوم السبت عن تعرض منشأة فوردو لهجوم، حسب ما نقلته وكالة أنباء “إيسنا” شبه الرسمية عن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، لكن الأضرار كانت محدودة.

في المقابل، تمكنت إسرائيل من تدمير منشأة نطنز التجريبية الأكبر فوق الأرض، حسب ما أكده المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، لمجلس الأمن يوم الجمعة.

وفقًا لتحليل صور الأقمار الصناعية المفتوحة المصدر الذي أجراه معهد العلوم والأمن الدولي (ISIS)، فإن قاعات الطرد المركزي تحت الأرض في نطنز ربما أصبحت غير قابلة للاستخدام بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بشبكة الكهرباء.

يقول داني سيترينوفيتش، خبير شؤون إيران في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب:
“فوردو ستكون تحديًا صعبًا بدون الدعم الأمريكي، فهي محصنة بشدة ومدفونة في أعماق الجبل. لست متأكدًا من مدى الضرر الذي يمكننا إلحاقه بها”.
ويضيف:
“إيران لم تصل بعد إلى نقطة الصفر… لا تزال تملك قدرات كبيرة، ومنشأة فوردو ستكون الهدف الأصعب وربما الأخير في الحملة الجوية الإسرائيلية”.

على المستوى العالمي، فوردو ليست منشأة فريدة من نوعها من حيث الحماية. فكل قوة عسكرية كبرى لديها منشآت عسكرية نووية تحت الأرض.
فعلى سبيل المثال، منشأة “رافن روك” الأمريكية، المعروفة باسم “البنتاغون تحت الأرض”، بُنيت داخل جبل في بنسلفانيا.
أما روسيا، فلديها منشأة جبل “يامنتاو” السرية.
وكوريا الشمالية بنت قواعد صواريخ داخل الجبال، فيما تملك الصين قاعدة “لونغبو” البحرية المزودة بمنشأة نووية.

لكن ما يجعل فوردو مميزة، هو أنها أول منشأة عسكرية نووية تحت الأرض يتم استهدافها مباشرة، وهو ما يبرز مدى المجازفة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من خلال السماح بتنفيذ الهجمات الإسرائيلية هذا الأسبوع.

ورغم أن المسؤولين الإيرانيين ينكرون منذ فترة طويلة نيتهم صنع قنبلة نووية، فإن آخر تقييم للاستخبارات الأمريكية هذا العام أكد أن إيران لم تُعد تشغيل برنامج الأسلحة النووية الذي أوقفته في 2003.

لكن، بحسب تقديرات معهد (ISIS)، فإن فوردو قادرة على تحويل المخزون الإيراني الكامل من اليورانيوم عالي التخصيب – والمُقدّر بـ408 كغ من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مايو – إلى يورانيوم مُخصب بدرجة سلاح تكفي لصنع 9 قنابل نووية خلال 3 أسابيع فقط.

ويحذر المعهد من أنه:
“يمكن لإيران إنتاج أول كمية من 25 كغ من اليورانيوم المُخصب بدرجة سلاح في فوردو خلال يومين أو ثلاثة”.

تُجسد الفروقات بين فوردو ونطنز تاريخ البرنامج النووي الإيراني، وكذلك الجهود الدولية للحد من التخصيب الإيراني ولتفادي الهجمات مثل التي نفذتها إسرائيل هذا الأسبوع.

فبعد انكشاف موقع سري في نطنز، أعلنت إيران عنه للأمم المتحدة عام 2003. ويضم هذا المجمع الصناعي حوالي 16 ألف جهاز طرد مركزي، مصمم لتخصيب اليورانيوم بكميات ضخمة لكن بدرجات منخفضة. ومع وجود عمليات تفتيش دورية من الأمم المتحدة، كان الموقع أقرب للاستخدام المدني.

اقرأ أيضا

اتفاق قريب؟ ترامب يفاجئ العالم بشأن إيران وإسرائيل

مقالات مشابهة

  • “الوعد الصادق 3”.. قراءة عسكرية لمسار تطور الرد الإيراني على “إسرائيل”
  • مسير عسكري مهيب لخريجي “طوفان الأقصى” في ريف حجة دعماً لغزة
  • طوفان ناري يضرب إيران! إسرائيل تمطر غرب البلاد بصواريخ قاتلة وتستهدف قلب الإعلام الإيراني!
  • طوفان الأقصى: اتساع بقعة الزيت بالهجوم على إيران
  • تنديد فلسطيني بإغلاق الأقصى وخنق القدس بذريعة الحرب بين إسرائيل وإيران
  • حماس تُعقّب على استمرار إغلاق المسجد الأقصى لليوم الرابع على التوالي
  • إيران لا تواجه “إسرائيل” فقط.. قراءة أعمق في مشهد الصراع في الشرق الأوسط
  • لليوم الثاني على التوالي.. المقاومة الفلسطينية تنفذ كمينا مركبا للاحتلال في غزة
  • منشأة فوردو الإيرانية المدفونة على عمق نصف كيلومتر تحت الأرض… الاختبار الأقصى لقدرات إسرائيل الجوية
  • من غزة إلى طهران.. كيف مهّدت إسرائيل لهجومها على إيران؟