لجريدة عمان:
2025-10-09@13:43:54 GMT

في السابع من أكتوبر «الطوفان» يزلزل المحتل

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

بعد حرب السادس من أكتوبر 1973، التي أعادت الثقة للجندي العربي في أن لدى العقلية العربية ما يمكنها أن تغيّر النظرة السائدة؛ أننا لا نملك ما لدى الآخر من القدرات للتخطيط المحكم، صحيح أن هذه الحرب لم تحقق كل الأهداف التي نريدها، ولا تمت استعادة كل الأراضي العربية المحتلة؛ لاعتبارات عسكرية وتكتيكية وسياسية، ليست محلا للمناقشة في هذا المقال.

بعدها بسنوات أطلق الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عبارة أن حرب السادس من أكتوبر 73 هي آخر الحروب، وربما يقصد أنه يمكن استعادة كل الأراضي العربية المحتلة، ومنها الأراضي الفلسطينية بالوسائل السلمية، لكن هذا القول لم يتحقق من خلال المفاوضات السياسية بالنسبة للأراضي العربية في سوريا ولا لبنان، ولا الأراضي العربية الفلسطينية؛ بسبب الرفض الإسرائيلي للسلام العادل في المنطقة، بل يريد سلاما منقوصا، وهي أساس المشكلة في الحروب العربية/ الإسرائيلية، نعم أن مصر استعادت أراضيها المحتلة بعد حرب 1967، لكن السلام كان أحاديا بين مصر وإسرائيل، أما القضية الفلسطينية فلم يتم حلها، وهذا ما تريده إسرائيل من ابتعاد مصر من الصراع العربي/ الإسرائيلي، بعد اتفاقية السلام المعروفة باتفاقية «كامب ديفيد»، والتي لم تنجح إلا بثمن باهظ؛ كون مصر من أكبر الدول العربية في المنطقة، بمكانتها وتأثيرها السياسي والعسكري وأهميتها الإقليمية.

وقد سعت مصر للحل السلمي في تحركات ولقاءات بين مفاوضين فلسطينيين وإسرائيليين في سنوات عديدة، لكن لم تحقق شيئا؛ لأن إسرائيل لا تريد سلاما حقيقيا وشاملا، من خلال استعادة العرب ما احتلته في حروب عام 1948، وحرب 1967، وانتهى الأمر باتفاقيات «أوسلو» عام 1992، بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهي مجرد سلطة إدارية بلا حكم ولا دولة قابلة للحياة، ومع ذلك هذه السلطة الإدارية في ظل الاحتلال في الأراضي الفلسطينية؛ فإسرائيل بحكم تفوقها العسكري ودعم الولايات المتحدة الأمريكية لها، ترى أنها متفوقة على كل الدول المحيطة، وأن بإمكانها -كما تعتقد- أن تحتفظ بالأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، وهذا ما جعل الصراع قائما ومستمرا، وسيستمر أيضا حتى لو كانت بعض الدول العربية التي إلى جوار فلسطين ضعيفة عسكريا، في ظل الظروف الراهنة، ولذلك ترى وتشعر أنها تتفوق عسكريا عليهم، إلا هذا الأمر لن يبقى دائما، مهما طال الوقت على هذا الاحتلال، أو الاعتقاد أنها القوة التي لا تهزم، أو من خلال دعم الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الغربية، لكنه يظل شعورا أو توهما في أن ما تملكه من قوة عسكرية قادرة على هزيمة الدول المحيطة، لكن الحقوق المغتصبة لأي أمة من الأمم لا يمكن نسيانها، ولا تجاوزها، حتى مع اختلال موازين القوى العسكرية بين العرب وإسرائيل، وحتى مع المقاومة الفلسطينية التي شبّت عن الطوق والخوف من القوة العسكرية الضاربة، خاصة فارق القوة العسكرية والقدرات الأخرى بينها وبين إسرائيل، ولذلك فهذا الشعور بالتفوق الأبدي، وهو من الأوهام -كما أشرت آنفا- والتجارب في هذا الصدد كثيرة، ومدعاة للنظر والمراجعة للعقول الواعية للتغيرات والتحولات لحركة الشعوب والإرادة على قهر الظلم والتكبر والتفوق؛ فالقوة العسكرية للاتحاد السوفييتي -السابق- كدولة عظمى لم تستطع البقاء في أفغانستان، عندما تخلت عن حماية النظام الماركسي آنذاك في عام 1979، وخسرت عشرات الألوف من القتلى في أفغانستان وانسحبت منها، ويقال إن من أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي كان بسبب دخول السوفييت أفغانستان، والولايات المتحدة لم تستطع الصمود أمام المقاومة الفيتنامية مع ضربهم بآلاف القنابل من طائرات الفانتوم، وعندما قامت الولايات المتحدة باحتلال أفغانستان عام 2002 لم تستطع البقاء في أفغانستان بعد احتلالها، ولم تستفد مما جرى للسوفييت بعد احتلالهم، وخرجت هاربة بسبب المقاومة العنيفة، وتركت النظام يهرب بعد ذلك من الحكم، والسبب هو إرادة المقاومة في استعادة الحق المسلوب، وهكذا هي الشعوب لا بد لها أن تقاوم وتجاهد لاسترداد أراضيها المحتلة.

وهذا ما فعلته المقاومة الفلسطينية في غزة يوم السابع من أكتوبر 2023، وما عُرِف بـ(طوفان الأقصى)، من خلال التخطيط لضربة عسكرية من كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، في التوغل في العمق الإسرائيلي ودخول العديد من القواعد والمعسكرات والمستوطنات وأسْر المئات، ويعد هذا العمل المباغت والمحكم، أحد أهم السوابق العسكرية لفصيل فلسطيني مقاوم لوحده، وليس من دولة مركزية بقوات ضخمة، وقد تحقق لها ما لم يتحقق في كل الحروب العربية/ الإسرائيلية السابقة، مع الفارق العسكري بين القوة الإسرائيلية وبين هذا الفصيل المقاوم في غزة: تلك المدينة الصغيرة والمحاصرة من قبل الاحتلال منذ عقود، لكن قوة الصمود وإرادة التحدي لتحقيق الهدف، مكّن لهم هذا الانتصار الضخم في هذه العملية، غير المسبوقة والنادرة في مخططها العسكري المفاجئ الخداع العسكري.

وإسرائيل منذ إنشائها منذ أكثر من قرن، سعت إلى طرد العرب الفلسطينيين من أرضهم، أو حتى سحقهم كما فعل النازيون، وهذا ما سعى إليه المؤسس للمشروع الصهيوني «تيودور هرتزل» لاحتلال فلسطين أو الهجرة اليهودية لهذه الأرض بأقوال وأساطير كثيرة، أو ما سمّاها هذا المؤسس: (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، لكن هذه الفكرة، كما يقول الكاتب الصحفي محمد حسنين في كتابه (نهايات طرق: العربي التائه 2001)، إن هرتزل يدرك أن هذه الكلمة التي أطلقها من أجل تحريك مخطط توطين اليهود في فلسطين، فيقول الأستاذ هيكل في قصة التأسيس: «أدرك (هرتزل) هذه الحقيقة أثناء قيادته للحركة الصهيونية وراعه بُعدها عن مخيلته (وكان الذي حدث أن «هرتزل» أراد أن يستوثق من استعداد فلسطين للاستيطان اليهودي، بعث باثنين من حاخامات «فيينا» لمهمة استطلاع، ومن فلسطين أرسل إليه الاثنان «تلغرافًا» يقول له بالرمز إن «العروس جميلة -لكن المشكلة أن لديها زوجًا»- يقصد الحاخامان أن «الأرض عليها شعب). وفي هذه المرحلة -ومن مخيلة «تيودور هرتزل» إلى مخطط «ديفيد بن غوريون»- كانت مهمة السلاح في المشروع الإسرائيلي أن يتكفل بقتل الزوج، أو طرده على الأقل لكي يحل شعب مكان شعب أو زوج مكان زوج».

هذه النظرية الصهيونية التي خرجت من أوروبا ليست بعيدة من الفكرة النازية التي يتم الآن إسقاطها على الشعب الفلسطيني، فيما جرى ويجري من قتل همجي وتدمير المباني على ساكنيها؛ فعقلية الإبادة أصبحت حاضرة فيما يتم في غزة منذ الثامن من أكتوبر الحالي، وهي لا تزال راسخة في العقلية الصهيونية، وتقال حتى الآن من بعض المؤثرين في القرار السياسي والعسكري الإسرائيلي، فبعد عملية كتائب القسام بعد اليوم السابع من أكتوبر التاريخي، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي في إحدى جلساته مع العسكريين الإسرائيليين (مجلس الحرب)، سكان غزة أنهم «حيوانات بشرية»، وأعتقد أن هذه كلمة خطيرة وعدوانية، لكنها لم تُقَل لأول مرة.. فقد فوجئت من أيام عندما قرأت في إحدى الدراسات، أن كلمة الحيوانات قيلت في مناسبة سابقة، من الجناح المتطرف نفسه الذي يحكم الآن في إسرائيل، فقبل أكثر من عشرين عاما، (في مقابلة نُشرت في -صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية في 10 مايو 2004)، مع «أرنون سوفر» الأستاذ في جامعة حيفا، والمستشار السابق «لأرئيل شارون»، قال ما نصه: «حين يعيش 2.5 مليون شخص في غزة المغلقة، ستكون كارثة إنسانية. فهؤلاء سيصبحون حيوانات أكثر مما هم عليه الآن، بمساعدة إسلام أصولي مجنون. إن الضغط على الحدود سيكون مخيفا. إنها ستكون حربا مرعبة. ولذا، إذا ما أردنا أن نبقى أحياء، يجب علينا أن نقتل ونقتل ونقتل. - !! - كل الأيام، كل يوم... إذا لم نقتل فلن نبقى في الوجود. الشيء الوحيد الذي يهمني هو كيف نضمن أن يكون في استطاعة الشبان والرجال الذين يتوجب عليهم القيام بالقتل، العودة إلى منازلهم وعائلاتهم والبقاء بشرا عاديين». هذا القول الخطير في آدمية الإنسان الفلسطيني، تكشف أن الفكر الصهيوني ينفّذ هذه الممارسات اللاإنسانية في حق مخلوقات بشرية، وهذا ما يحصل الآن في غزة تحت سمع العالم وبشره، بل إن الحيوانات تستحق الرفق عندما تُقتل عمدا، وهذا القول من هذا السياسي الإسرائيلي يجعل الإنسان العربي وهم أصحاب الحق الأصلي -في رؤيتهم- أدنى حتى من الحيوانات! وهذه الأقوال لا بد من كشفها للعالم، كيف يتم التخطيط القتل اللاإنساني الممنهج، نعم إسرائيل خسرت قدرتها في الاستئثار بالقوة الرادعة، وفشلت حتى استخباراتيا، وهذه بداية الانهيار الحقيقي من الناحية العسكرية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأراضی العربیة من أکتوبر وهذا ما من خلال فی غزة

إقرأ أيضاً:

فورين بوليسي: العالم بعد السابع من أكتوبر

لتقييم التأثيرات الجيوسياسية لعامين من الحرب وجرائم الحرب، نشرت مجلة فورين بوليسي مقالا لخصت فيه ما ورد في حوار بين رئيس تحرير المجلة رافي أغروال وبين الأستاذ في جامعة هارفارد والمؤلف المشارك لكتاب "اللوبي الإسرائيلي" ستيفن والت.

يقول أغروال في مقدمته لهذا الحوار إن آثار ما حدث ويحدث في غزة امتدت إلى ما هو أبعد من ذلك القطاع الصغير. فقد هاجمت إسرائيل، بالتعاون المباشر مع واشنطن، إيران، كما شنت غارات جوية في لبنان وسوريا واليمن، وحتى قطر، مما دفع العديد من الخبراء إلى التساؤل عما إذا كانت قواعد القانون لا تزال سارية المفعول، وفوق كل هذا، هناك استقطاب عالمي عميق حول هذه القضية، فالمجتمعات والدول غدت منقسمة بشدة بسببها، وفقا للكاتب.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوبوان: كيف أفلتت أحداث 7 أكتوبر من رقابة الاستخبارات الإسرائيلية؟list 2 of 2صحيفة إسرائيلية: وثيقة مسرّبة تكشف خطة توني بلير لإدارة قطاع غزةend of list

ويضيف أغروال أنه أراد التراجع خطوة إلى الوراء لتقييم ما تغير في العالم منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيرا إلى أنه اختار للحديث عن هذه المسألة والت الذي يكتب كذلك عمودا في فورين بوليسي.

الغارات لم تتوقف على غزة حتى بعد مطالبة ترامب بوقفها فورا (الجزيرة)

ويمكن تلخيص ما جاء في هذا الحوار المنشور بالصوت والصورة على موقع المجلة في ما يلي:

أولا، نظرة عامة على الصراع وأثره المباشر

بخصوص هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتداعياته المباشرة، يشير أغروال إلى أنه أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، وأسفرت السنتان التاليتان من الصراع عن مقتل أكثر من 65 ألف فلسطيني في غزة.

ويبرز الكاتب هنا أن لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة وصفت ما قامت به إسرائيل في غزة بأنه إبادة جماعية، وهو تقييم تتفق معها فيه منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 90% من منازل غزة قد تضررت أو دمرت، وقد أعلن خبراء الأمن الغذائي التابعون للأمم المتحدة عن تفشي المجاعة في مدينة غزة.

كما امتد الصراع إلى ما هو أبعد من غزة، إذ هاجمت إسرائيل دولا عدة في المنطقة، مما دفع الخبراء إلى التشكيك في امتثالها لتطبيق القانون الدولي وتسبب ذلك في استقطاب عالمي عميق، وفقا للكاتب.

 

ثانيا، تغيرات وتحولات جيوسياسية

أعرب والت، المؤلف المشارك لكتاب "اللوبي الإسرائيلي"، عن دهشته من "النطاق الواسع للأحداث" والطبيعة البعيدة المدى للصراع. وقارن الوضع الحالي بمقال لمستشار الأمن القومي الأميركي السابق جيك سوليفان في مجلة فورين أفيرز، المنشور قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بقليل، والذي ذكر فيه أن الشرق الأوسط "أهدأ مما كان عليه لعقود".

إعلان

وأضاف أن ذلك ربما كان صحيحا يوم نشره، لكنه لم يكن يدري ما كان يجري في الخفاء، ولا أحد يجادل في أن الشرق الأوسط اليوم أكثر هدوءا مما كان عليه آنذاك، وفقا لوالت.

ولفت إلى أن تحولات شهدتها القوى الإقليمية، إذ ضعفت حماس وحزب الله بشكل كبير، كما سقط نظام الأسد في سوريا، وكانت الحرب عاملا مسهما في ذلك، فضلا عن تقلص البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير.

وفي خضم حديثه عن هذه التغيرات، أبرز والت أن ​​النفوذ الأميركي تضاءل وتراجعت معه قدرة الولايات المتحدة على إدارة الأحداث الإقليمية، مما دفع حلفاء سابقين إلى فقدان ثقتهم بالدعم الأميركي والبدء في البحث عن ترتيبات بديلة.

ثالثا، القانون الدولي والأمم المتحدة

قبل عامين، كانت معظم الدول تقول إن لإسرائيل الحق الكامل في الدفاع عن نفسها، أما اليوم فتقول معظم هذه الدول إن إسرائيل تجاوزت الحدود، ليس فقط في غزة، بل أيضا في هجماتها عبر الحدود خاصة على قطر، وفقا لأغروال الذي سأل والت عن رأيه عندما تستقر الأمور بشأن هذا الصراع، عن تأثيره الأطول أمدا على القانون الدولي والإفلات من العقاب.

اتفق كل من أغروال ووالت على أن القانون الدولي كان قد "تعرض لضربات موجعة" في السابق، مستشهدين بالحرب في أوكرانيا و"الحرب العالمية على الإرهاب" التي تشنها الولايات المتحدة.

ومع ذلك، يُشير والت إلى أن الكثير يعتمد الآن على محاسبة مرتكبي "الأعمال الشنيعة" من الجانبين الإسرائيلي وحماس.

وأوضح أن محاكمة المسؤولين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية سيعزز الشعور السائد بأنه لا ينبغي القبول ببعض الأفعال أو التسامح معها، وكذلك إذا تم ذلك بالنسبة للمسؤولين من حماس عن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول إن كان لا يزال منهم أحياء على أن يكون ذلك الحساب من قبل المجتمع الدولي.

وأوضح والت أن غياب المساءلة سيعزز فكرة أن "النظام القائم على القواعد لا معنى له"، مما قد يؤدي إلى "عالم لا يخضع لقانون".

ولفت في هذا الصدد إلى تسارع فقدان الأمم المتحدة مصداقيتها لأنها اتخذت مواقف متعارضة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ويشير الكاتب إلى تهديد الولايات المتحدة بمعاقبة مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية كدليل على أن أقوى دولة في العالم تُقوّض بنشاط البيئة المعيارية، مما يفتح الباب أمام دول مثل الصين وروسيا للقول إن النظام المدعوم من أميركا أخرق.

رابعا، تفسير الصراع: النظرية والسياسة والاستقطاب

بخصوص نظرية العلاقات الدولية، يُشير والت إلى أن كلا من النظريتين اللتين تُركزان على دور الأفراد (مستشهدين بالرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب) والواقعية السياسية تُسهمان في تفسير الوضع.

فالواقعية تشير إلى أن الدول ستخالف القواعد عندما تشعر بانعدام الأمن الشديد أو عندما ترى فرصا مغرية، كما تفسر كيف أن موقع القوة المناسب للولايات المتحدة يسمح لها باتباع سياسات "مفرطة في الذاتية" و"سياسات داخلية" قد تكون ضارة على المدى البعيد.

وعن توجس الدول العربية في ظل الوضع الحالي، يرى والت أن القلق إزاء أحداث غزة والخوف من تحول إسرائيل إلى قوة إقليمية مهيمنة دفع المملكة العربية السعودية مثلا إلى إبرام اتفاقية دفاع مع باكستان، كما دفع العديد من الدول إلى تعزيز علاقاتها مع الصين، وجعل السعودية تختار حالة انفراج في علاقتها مع إيران.

وعالميا، أبرز والت الاستقطاب الذي اتخذ جملة أبعاد، فهناك انقسام بين الجنوب العالمي والغرب، وانقسامات داخل الدول (على سبيل المثال: في إيطاليا حيث توجد خلافات بين الحكومة والنقابات العمالية، وفي الولايات المتحدة).

إعلان

وفي هذا الإطار، أبرز أغروال طرح المفكر الهندي بانكاج ميشرا في كتابه "العالم بعد غزة" أن الانقسام العالمي يتداخل مع انقسام ما بعد الاستعمار، حيث يتعارض الجنوب العالمي غير الأبيض مع الأغلبية البيضاء في الغرب، ويتفق والت مع هذه الرواية المناهضة للاستعمار والتي تتجلى عالميا وحتى داخل الدول الغربية نفسها.

خامسا، تحولات في السياسة الأميركية والأوروبية

تحدث والت عن تحول جذري في الرأي العام الأميركي، مستشهدا باستطلاع رأي جديد أجرته صحيفة نيويورك تايمز وجامعة سيينا أظهر تحولا جذريا في الدعم الأميركي، حيث انحاز المزيد من الناخبين إلى الفلسطينيين على حساب الإسرائيليين لأول مرة منذ عام 1998، الاستطلاع كشف أن 40% من الناخبين يقولون الآن إن إسرائيل تقتل المدنيين عمدا.

ويشير والت إلى أن هذا التحول أعمق بين الديمقراطيين، ولكنه واضح أيضا في الحزب الجمهوري، على سبيل المثال مع تاكر كارلسون، موضحا أن هذا التوجه إن لم يُغيّر السياسة بعد فهو يُشكّل مصدر قلق بالغ للإسرائيليين الذين يعتمدون بشكل كبير على الدعم الأميركي.

وبخصوص اللوبي الإسرائيلي، جادل كتاب والت وجون ميرشايمر الصادر عام ٢٠٠٧ في أمرين كشفت حرب غزة أنهما صحيحان: أولا أن اللوبي الإسرائيلي قوي جدا وهو السبب الأهم وراء الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل، وثانيهما أن الولايات المتحدة والمنطقة ستكونان في وضع أفضل لو اتخذتا موقفا أكثر توازنا في هذا الصراع الذي ينبع من وجود 7.5 ملايين فلسطيني يريدون دولة وأغلبية 7.5 ملايين يهودي إسرائيلي يُعارضونها.

أما رد الفعل الأوروبي على ما يحدث في غزة، من احتجاجات واسعة، وتحركات من دول مثل فرنسا وبريطانيا للاعتراف بدولة فلسطينية، فاعتبره والت ردا مفهوما على القسوة المستمرة في القطاع الفلسطيني.

ويقترح والت أن تكون الخطوة التالية هي استخدام الدول الأوروبية لأدوات أخرى، مثل تقييد التجارة أو استبعاد إسرائيل من الفعاليات الرياضية مثل كأس العالم، والثقافية مثل مسابقة الأغنية الأوروبية.

وقال والت إن مثل هذا الضغط يذكر بما مورس على جنوب أفريقيا إبان نظام الفصل العنصري، لكن والت يختم بقوله إن السؤال يبقى: هل سيدفع هذا الضغط إسرائيل إلى تكييف سياستها أم سيشجعها على أن تصبح إسبرطة فائقة الاكتفاء الذاتي التي تحدث عنها نتنياهو؟

لكن هذا السيناريو سيشجع أيضا المزيد من الإسرائيليين التقدميين على مغادرة البلاد، كما حدث في جنوب أفريقيا. ونتيجة لذلك، سيصبح السكان الذين سيبقون في إسرائيل أكثر ميلا إلى اليمين والتطرف، وغير مستعدين للتنازل، وستكون إسرائيل أقل ازدهارا وفاعلية عسكرية واهتماما بالتطبيع، على حد تعبير والت.

مقالات مشابهة

  • “الأحرار الفلسطينية” تؤكد أهمية ضمان عدم عودة المجرم نتنياهو وحكومته الفاشية للعدوان على غزة
  • وزير الأمن القومي الإسرائيلي يمنع مؤتمرا للسلطة الفلسطينية في القدس الشرقية
  • قراءة إسرائيلية متشائمة بعد عامين على الطوفان: دفعنا ثمن الغطرسة والغرو
  • الطوفان ميلاد الأمة وسقوط الأوهام الكبرى
  • مؤسسات الأسرى الفلسطينية : أكثر من 11,100 معتقل في سجون العدو الإسرائيلي
  • فعالية في ذمار بالذكرى الثانية لعملية “طوفان الأقصى”
  • “اليد التي حركت العالم من أجل غزة.. كيف أعاد اليمن كتابة قواعد الحرب البحرية بعد الطوفان؟”
  • فورين بوليسي: العالم بعد السابع من أكتوبر
  • أبرز الإنجازات العالمية التي تحققت للقضية الفلسطينية بعد عامين من الإبادة
  • بين السادس من أكتوبر والسابع من أكتوبر.. يبقى المحتل محتلا