"سألت نفسي كثيرا، لماذا أتّبع هذا النظام الغذائي؟ في الماضي كنت أرى أنه لا مانع من تناول منتجات الألبان والغلوتين، لكنني الآن أعتقد أن لدينا حياة واحدة نعيشها وأود أن أعيشها بأفضل قدر من الصحة والحيوية"

النجمة الأميركية "كورتني كارداشيان"، متحدثة عن قيامها وأطفالها الثلاثة بالتخلص من الغلوتين ومنتجات الألبان من وجباتهم الغذائية(1)

تعد "كورتني كارداشيان" مجرد مثال واحد في قائمة المشاهير الذين خرجوا معلنين تخليهم عن الأطعمة المحتوية على الغلوتين.

مثال آخر بارز هو لاعب الكرة المصري "محمد صلاح" الذي أكد، خلال أحد اللقاءات التلفزيونية، أنه يتناول خلال وجبة الإفطار خبزا خاليا من الغلوتين(2). ربما تغريك هذه التصريحات أنت أيضا بأن اتباع نظام غذائي خال من الغلوتين يدعم صحتك ويعزز لياقتك، خاصة مع غزو هذه الأطعمة أرفف متاجر البقالة ومحلات البيع بالتجزئة، لكن هل يستحق الأمر هذا العناء؟ وهل يتعين عليك فعلا بذل الجهد ودفع المزيد من المال من أجل تجنب تناول الغلوتين في طعامك؟

 

الشرير الغذائي المشكلة الأساسية المعروفة بـ"عدم تحمل الغلوتين" ليست مشكلة عامة، بل مرتبطة بأشخاص بعينهم يعانون من هذا النوع من الاضطراب. (شترستوك)

الغلوتين هو مجموعة من البروتينات موجودة بشكل طبيعي في بعض الحبوب مثل القمح والشعير والجاودار. بروتينات الغلوتين تتميز بكونها مرنة للغاية، وهذا هو السبب في أن الحبوب المحتوية على الغلوتين مناسبة لصنع المخبوزات. تخيل صانع بيتزا وهو يقذف ويمد كرة من العجين، بدون الغلوتين سوف ينشق العجين بسهولة(3)(4).

 

يُقدم كثيرون اليوم الغلوتين على أنه الشرير الغذائي للقرن الحادي والعشرين، ويلقون باللوم عليه في العديد من الأمراض، بل إنهم يقترحون حظره تماما من قوائم غذاء البشر. والسبب الرئيسي وراء ذلك هو أن أجسامنا لا تمتلك الإنزيمات المناسبة لتفكيك البروتينات المعقدة الموجودة في الغلوتين.

 

غير أن هذه التحذيرات المبالغ فيها تتجاهل حقيقة أن البشر تناولوا القمح على مدار أكثر من 10 آلاف عام دون مشكلات تُذكر(5). بخلاف ذلك، لا يوجد سوى القليل من الأبحاث المنشورة التي تدعم الادعاءات المنتشرة حول أضرار الغلوتين. في الواقع فإن المشكلة الأساسية المعروفة بـ"عدم تحمل الغلوتين" ليست مشكلة عامة، بل مرتبطة بأشخاص بعينهم يعانون من هذا النوع من الاضطراب.

 

يُشير مصطلح "عدم تحمل الغلوتين" إلى 3 أنواع من الاضطرابات الصحية، أولها هو مرض الاضطرابات الهضمية أو "اعتلال الأمعاء الحساسة للغلوتين"، وهو مرض مناعي ذاتي التهابي ناتج عن عوامل وراثية وبيئية(6). والثاني هو حساسية القمح، وهو أكثر شيوعا لدى الأطفال، ولكنه يمكن أن يؤثر على البالغين أيضا. أما النوع الثالث فهو التحسس الغلوتيني اللابطني(7). في هذه الحالات، ربما تتسبب إزالة الغلوتين من النظام الغذائي في عكس الأضرار، وفي حالة مرض الاضطرابات الهضمية تحديدا، يكون النظام الغذائي الخالي من الغلوتين هو العلاج الطبي الأساسي(4).

 

مزاعم غير حقيقية يزعم بعض المروجين للأطعمة الخالية من الغلوتين أنه يُسبب زيادة غير مرغوب بها في الوزن، لكن تشير الأدلة إلى أن مستويات استهلاك الغلوتين ليست مرتبطة بمعدل السعرات الحرارية اليومية ولا بمؤشر كتلة الجسم. (شترستوك)

لكن في حين أن تجنب الغلوتين قد يكون مفيدا في التغلب على بعض الحالات المرضية، فإن الكثير من الادعاءات التي يُروج لها حول مخاطره على الأصحاء لم تثبت علميا. على رأس هذه الادعاءات الزعم بأن ببتيدات الغلوتين تدخل مجرى الدم وتسبب التهابا جهازيا (Systemic inflammation)، وهو ادعاء تثبت الدراسات العلمية خطأه تماما.

 

هدفت دراسة نُشرت عام 2021 إلى تحديد العلاقة بين تناول الغلوتين وخطر الإصابة ببعض الاضطرابات المعوية الالتهابية (IBD) وعلى رأسها مرض كرون والتهاب القولون التقرحي، وخلصت إلى عدم وجود أي علاقة بين الأمرين(11). تُبرّئ هذه النتيجة الغلوتين بالتبعية من اتهامات التسبب في الالتهابات الجهازية، والسبب في ذلك ببساطة هو أن ببتيدات الغلوتين تنتقل من تجويف الأمعاء إلى الدم بكميات منخفضة للغاية، وبمجرد وصول هذه الببتيدات إلى الدم فإنها تتحلل بسرعة وتفقد قدرتها على القيام بأي نشاط بيولوجي(7).

 

أيضا يدّعي البعض أن التخلص من الغلوتين يقوي الإدراك ويُحسّن التركيز بشكل عام، لكن ما تشير الأدلة إليه هو أن الأشخاص الذين يتناولون الغلوتين ولديهم حساسية شديدة تجاهه، مثل المرضى المصابين بمرض الاضطرابات الهضمية، هم فقط الذين يكونون أكثر عرضة للإصابة بضعف الإدراك بسبب الغلوتين، فالأدلة حول حالة ضعف التركيز أو ما يُعرف بـ"ضباب الدماغ" شائعة فقط لدى الأشخاص الذين شُخّصوا بمرض الاضطرابات الهضمية وتناولوا طعاما يحتوي على الغلوتين عن طريق الخطأ.

 

أما في حالة الأشخاص الذين لا يعانون من حساسية تجاه الغلوتين، فإن تجنب الغلوتين لن يشحذ قدراتهم العقلية. هذا ما تؤكده دراسة كبيرة، قامت بمتابعة ما يقرب من 13,500 امرأة في منتصف العمر لا يعانين من مرض الاضطرابات الهضمية، لمدة 28 عاما، لملاحظة أي روابط محتملة بين تناول الغلوتين والقدرات العقلية. أوضحت نتائج الدراسة أنه لم يكن هناك دليل إحصائي على وجود أي ارتباط بين تناول الغلوتين على المدى الطويل أو القصير مع الوظيفة الإدراكية. تشير هذه النتائج إلى أنه في حال عدم وجود مرض الاضطرابات الهضمية، لا يوجد ما يبرر تقييد الغلوتين الغذائي للحفاظ على الوظيفة الإدراكية(12).

 

كذلك يزعم بعض المروجين للأطعمة الخالية من الغلوتين أنه يُسبب زيادة غير مرغوب بها في الوزن. حققت دراسة حديثة في هذا الادعاء وخلصت إلى أنه لا يوجد دليل على أن ببتيدات الغلوتين تؤثر على مراكز التحكم في الشهية في الدماغ أو تغير من مُعدلات الحرق، مؤكدة أن الأدلة تشير إلى أن مستويات استهلاك الغلوتين ليست مرتبطة بمعدل السعرات الحرارية اليومية ولا بمؤشر كتلة الجسم(13).

 

فوائد محتملة أشارت إحدى الدراسات إلى أن تجنب الغلوتين أدى إلى تقليل استهلاك الناس للحبوب الكاملة المفيدة، الأمر الذي قد يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية على المدى الطويل. (شترستوك)

في مقابل ذلك تماما، تخلص الأدبيات العلمية والسريرية الحالية إلى أنه إذا لم تكن لدى الشخص حساسية من الغلوتين، فإن تناول الأطعمة التي تحتوي على الغلوتين ربما يكون مفيدا. خلال مقال نُشر له عبر موقع "سيكولوجي توداي"، يرى الدكتور "جاري إل وينك"، أستاذ علم المناعة وعلم الوراثة الطبية في جامعة ولاية أوهايو، أن الأدبيات العلمية، على العكس من النصائح الشعبية التي تصرّ على أن الغلوتين الغذائي ضار في المطلق، تخلص إلى أنه إذا لم تكن حساسا للغلوتين فإن تناول الأطعمة التي تحتوي عليه ربما يكون مفيدا لصحتك(6).

 

في الواقع، حذّر مؤلفو دراسة نُشرت في عام 2017 من أن "الأنظمة الغذائية الخالية من الغلوتين" روّج لها اختصاصيو تغذية غير مطلعين بدرجة كافية، وأنه لا يوجد ما يكفي من الأدلة الموثوقة على فوائد الاستغناء عن الغلوتين على المدى الطويل. بحثت الدراسة تحديدا في العلاقة بين استهلاك الغلوتين لفترة طويلة لدى البالغين غير المصابين بمرض الاضطرابات الهضمية وخطر الإصابة بأمراض القلب التاجية، واستنتجت أن تناول الغلوتين الغذائي لم يرتبط بخطر الإصابة بهذه الأمراض.

 

على العكس تماما، أشارت الدراسة إلى أن تجنب الغلوتين أدى إلى تقليل استهلاك الناس للحبوب الكاملة المفيدة، الأمر الذي قد يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية على المدى الطويل. اختتمت الدراسة نتائجها بأنه لا ينبغي تشجيع الترويج للأنظمة الغذائية الخالية من الغلوتين بين الأشخاص غير المصابين بمرض الاضطرابات الهضمية(8).

 

بشكل مماثل، ربطت العديد من الدراسات استهلاك الحبوب الكاملة بتحسين الحالة الصحية العامة. مثلا، وجدت دراسة أن الأشخاص الذين يتناولون كمية أعلى من الحبوب الكاملة بما في ذلك القمح، بين 2-3 حصص يوميا، كانوا أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب والتعرض للسكتات الدماغية وتطور مرض السكري من النوع الثاني، مقارنة بالأشخاص الذين يتناولون أقل من حصتين يوميا(4).

 

لا تقف فوائد الغلوتين المحتملة عند هذا الحد، حيث أثبتت الدراسات أنه يلعب دورا في تغذية البكتيريا "الجيدة" في أجسامنا(9). مثلا، هناك "Arabinoxylan oligosaccharide"، وهو مركب مشتق من نخالة القمح ثبت أنه يحفز نشاط "بكتيريا البيفيدو (Bifidobacteria)" في القولون. توجد "بكتيريا البيفيدو" عادة في أمعاء الإنسان السليمة، وقد ارتبطت التغييرات السلبية في مقدارها أو نشاطها بالإصابة بأمراض الجهاز الهضمي بما في ذلك مرض التهاب الأمعاء وسرطان القولون والمستقيم ومتلازمة القولون العصبي(10).

 

تحقيق الربح من "اتهام" الغلوتين الرابح الأول من هذه المعتقدات السائدة ليست صحة المستخدم كما قد يظن البعض، إنما هي الشركات المتخصصة في إنتاج الأطعمة والمأكولات الخالية من الغلوتين. (شترستوك)

يشير موقع "healthline" إلى أن الابتعاد عن الغلوتين أصبح أكبر اتجاه صحي شائع في العقد الماضي(7)، وهو ما دفع الملايين من الأشخاص إلى التخلي عن الغلوتين على أمل فقدان الوزن وتحسين الحالة المزاجية والحصول على صحة أفضل، وذلك رغم كون الأدلة المقدمة على أضرار الغلوتين كانت مرتبكة ومثيرة للجدل في أدنى الأحوال.

 

على سبيل المثال، تُظهر البيانات المأخوذة من استقصاء الصحة الوطنية وفحص التغذية (NHANES) أن تجنب الغلوتين تضاعف 3 مرات في الولايات المتحدة من عام 2009 إلى عام 2014(4). ووفقا لمجموعة "NDP"، وهي منظمة لأبحاث السوق، يعتقد ما يقرب من 1 من كل 4 مستهلكين في الولايات المتحدة أن التخلص من الغلوتين أمر جيد للجميع، بالإضافة إلى أن نحو 11% من الأسر الأميركية تتبع نظاما غذائيا خاليا من الغلوتين(3).

 

الرابح الأول من هذه المعتقدات السائدة ليست صحة المستخدم كما قد يظن البعض، إنما هي الشركات المتخصصة في إنتاج الأطعمة والمأكولات الخالية من الغلوتين. لقد نمت صناعة الأغذية الخالية من الغلوتين بنسبة 136% من عام 2013 إلى عام 2015 وصولا إلى 12 مليار دولار، والمفاجأة أن الدراسات أظهرت أن الأشخاص الذين لا يعانون من مرض الاضطرابات الهضمية هم أكثر المشترين للمنتجات الخالية من الغلوتين(2).

 

ماذا إذن عن الشهادات المتكررة للأشخاص الذين أبلغوا عن تحسن حالتهم الصحية والمزاجية وفقدان الوزن بعد اتباعهم حمية خالية من الغلوتين؟ السبب في ذلك على الأرجح هو أن تجنب الغلوتين عادة ما يتضمن تقليص الأطعمة المصنعة، مثل الوجبات السريعة والمخبوزات والحبوب السكرية. لا تحتوي هذه الأطعمة على الغلوتين فقط، بل تحتوي أيضا على نسبة عالية من السعرات الحرارية والسكر والدهون غير الصحية. من المحتمل أن تُعزى الفوائد الصحية التي يذكرها الأشخاص الذين يتجنبون الغلوتين إلى استبعاد الأطعمة غير الصحية وليس إلى تجنب الغلوتين نفسه كما هو شائع(6).

———————————————————————————-

المصادر:

1- Celebrities Who Are Gluten-Free

2- ماذا يأكل المشاهير كل يوم؟

3- Five myths about gluten

4- Gluten: A Benefit or Harm to the Body?

5- The Myth of Big, Bad Gluten

6- It’s Time to Correct the Myths About Dietary Gluten

7- Is Gluten Bad for You? A Critical Look

8- Long term gluten consumption in adults without celiac disease and risk of coronary heart disease

9- Wheat-derived arabinoxylan oligosaccharides with prebiotic effect increase satietogenic gut peptides

10- Intestinal microbiota in health and disease: Role of bifidobacteria in gut homeostasis

11- Dietary Gluten Intake Is Not Associated With Risk of Inflammatory Bowel Disease in US Adults Without Celiac Disease

12- Long-term Intake of Gluten and Cognitive Function Among US Women

13- Do gluten peptides stimulate weight gain in humans?

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: إلى أنه فی ذلک إلى أن أنه لا

إقرأ أيضاً:

هل ينهي اتفاق الكونغو ورواندا صراع الـ30 عاما بالبحيرات الكبرى؟

في محاولة لإنهاء الاقتتال بشرق الكونغو، ووقف أطول صراع بمنطقة البحيرات الكبرى الأفريقية، وقعت رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاق سلام بوساطة أمريكية وقطرية، في واشنطن.

وتعول مختلف الأطراف على هذا الاتفاق في إنهاء التوتر الدائر بشرق الكونغو بين الجيش الكونغولي، ومتمردي حركة "أم 23" المدعومين من رواندا.

ويتضمن الاتفاق مبادئ وأحكاما حول "احترام وحدة الأراضي"، و"وقف الأعمال العدائية" في شرق الكونغو، إضافة إلى "تسهيل عودة اللاجئين".

وفي احتفال حضره وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بمقر وزارة الخارجية الأمريكية، وقع وزيرا خارجية البلدين على الاتفاق الذي يتعهدان فيه بتنفيذ اتفاق عام 2024 الذي يقضي بانسحاب القوات الرواندية من شرق الكونغو في غضون 90 يوما، وفقا لنسخة وقعها بالأحرف الأولى فريقان فنيان الأسبوع الماضي.


30 عاما من الحرب
وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، إن توقيع هذا الاتفاق يعد "لحظة مهمة بعد 30 عاما من الحرب" في الشرق الكونغولي الغني بالمعادن.

وأضاف روبيو أنه "ما يزال هناك المزيد من العمل يتعين القيام به"، مشيرا إلى أن السلام "يمنحنا شركاء نتعامل معهم، وشركاء نعمل معهم لمعالجة انعدام الأمن والتهديدات التي يتعرض لها أمننا الوطني وأمننا القومي الجماعي".

ومن جانبها، قالت وزيرة الخارجية الكونغولية تيريز كاييكوامبا، إن الاتفاق "يفتح فصلا جديدا لا يتطلب الالتزام فحسب، بل الشجاعة اللازمة لتحقيقه"، مضيفة أن "السلام خيار، ولكنه أيضا مسؤولية تتمثل في احترام القانون الدولي، ودعم حقوق الإنسان، وحماية سيادة الدول".

وأوضحت كاييكوامبا أن "اللحظة التي طال انتظارها لن تمحي الألم، لكنها قد تعيد ما سلبه الصراع من أمان وكرامة وشعور بالمستقبل لدى العديد من النساء والرجال والأطفال".

كما أعرب وزير الخارجية الرواندي أوليفييه ندوهونجيرهي عن استعداد بلاده "الوفاء بالتزاماتها المشتركة" إزاء هذا الاتفاق، معتبرا أن دعم واشنطن وشركائها، أوصل إلى "نقطة تحول".

وتحدث الوزير الرواندي كذلك عن العمل على "تعزيز التعاون الاقتصادي، بما في ذلك مع الشركات والمستثمرين الأمريكيين".

"منعطف حاسم"
وفي أول تعليق له بعد التوقيع قال الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، إن هذا الاتفاق "يمهد الطريق لعهد جديد من الاستقرار والتعاون والازدهار".

وأضاف تشيسيكيدي في خطاب بثه التلفزيون الرسمي الكونغولي الثلاثاء، أن الاتفاق يعتبر "منعطفا حاسما" لإنهاء الصراع الذي يشهده شرق الكونغو بين الجيش الكونغولي ومجموعة "أم23" المدعومة من رواندا.

واعتبر أن الاتفاق "ليس مجرد وثيقة، بل هو وعد بالسلام لشعب" الشرق الكونغولي، فيما اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الاتفاق من شأنه أن يطوي "صفحة العنف والدمار، وتبدأ المنطقة بأكملها فصلا جديدا من الأمل والفرص والوئام والازدهار".

من جهته اعتبر الاتحاد الأفريقي أن الاتفاق "إنجاز هام" ووصفته فرنسا بأنه خطوة تاريخية إلى الأمام.

ورحب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش بتوقيع الاتفاق، وقال إنه يمثل خطوة هامة نحو خفض التصعيد وإحلال السلام والاستقرار في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة البحيرات الكبرى.


تاريخ الصراع
ويعد الصراع بين الكونغو الديمقراطية ورواندا أطول صراع بمنطقة البحيرات الكبرى بأفريقيا، حيث بدأ التوتر بين البلدين منذ حقبة الاستعمار البلجيكي، لكنه تصاعد بشكل كبير على خلفية اتهام رواندا للكونغو بإيواء جماعات مسلحة معارضة لها.

واستمر هذا التوتر في التفاقم بعد أن اتهمت أيضا الكونغو الديمقراطية، رواندا، بدعم "حركة 23 مارس" (M23) ومحاولة احتلال أراضيها الغنية بالمعادن مثل الذهب وغيره.

وتأسست هذه الحركة (M23) سنة 2012 على يد منشقين عن الجيش الكونغولي، بحجة أن الحكومة المركزية في العاصمة كينشاسا لم تف بالتزاماتها معهم وفقا لاتفاقية سلام أبرمتها معهم عام 2009 وأنهوا بموجبها تمردهم وانضموا إلى القوات المسلحة للبلاد.

وتمكنت الحركة خلال السنوات الأخيرة من السيطرة على العديد من المناطق في الكونغو الديمقراطية، خصوصا في شرق البلاد الذي تنتج مناجمه كميات كبيرة من الذهب، بالإضافة إلى العديد من المعادن الأخرى.

وتقول الحركة، إنها تدافع عن مصالح "التوتسي" خاصة ضد "مليشيات الهوتو العرقية" مثل القوات الديمقراطية لتحرير رواندا التي أسسها "الهوتو" الذين فروا من رواندا بعد مشاركتهم في حملة إبادة جماعية عام 1994 لأكثر من 800 ألف من "التوتسي".

وعلى مدى السنوات الماضية ظلت كينشاسا (عاصمة الكونغو) تؤكد أن رواندا تسعى إلى نهب مواردها الطبيعية، لكن الأخيرة تنفي وتتحدث عن التهديد الذي تشكّله الجماعات المسلحة المعادية لها في شرق جمهورية الكونغو، خصوصا تلك التي أنشأها زعماء من الهوتو، وتعتبرهم مسؤولين عن الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا عام 1994.

ومطلع العام الجاري تصاعدت حدة الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية، ما تسبب في نزوح مئات الآلاف من السكان إلى بلدان مجاورة.

وخلف هذا الصراع خلال السنة الحالية فقط أكثر من 7 آلاف قتيل، كما أنه تسبب في عمليات لجوء ونزوح واسعة، فضلا عن تداعياته الاقتصادية والصحية.

وتعد منطقة شرق الكونغو ساحة صراع تتداخل فيها عوامل داخلية وإقليمية، وتنتشر فيها جماعات متمردة ومليشيات محلية تسعى للسيطرة على الموارد الطبيعية، خاصة المعادن.


اتفاق هش وتحديات متوقعة
ويرى متابعون للشأن الأفريقي، أن تطبيق الاتفاق سيواجه جملة من التحديات بينها انعدام الثقة بين طرفيه بفعل سنوات الحرب والمواجهة بينهما.

ويرى الباحث المختص في الشؤون الأفريقية سيدي ولد عبد المالك، أن الاتفاق الموقع بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، يمكن وصفه بالاتفاق الهش.

وأضاف في تصريح لـ"عربي21" أن الطريقة التي يدير بها الرئيس الأمريكي الحالي ترامب الملفات الإقليمية وحجم الأزمة بين الكونغو الديمقراطية وروندا التي هي أزمة تاريخية تجعل هذا الاتفاق اتفاق مرحلي هش قابل للانهيار في أي لحظة.

وأكد أن الأطراف التي قادت الوساطة (الولايات المتحدة وقطر) ستحرص في الأساس على تعزيز الثقة بين الطرفين تفاديا لانهيار الاتفاق.

ولفت إلى أن الضغط الأمريكي على الطرفين قد يساهم في صمود هذا الاتفاق لعدة أشهر أو حتى لسنوات، لكن تاريخ الأزمات بين البلدين وتعدد أوجه الصراع وتعقيدات المنطقة وتعقيد المشهد الميداني شرق الكونغو، تجعل هذا الاتفاق عرضة للانهيار في أي لحظة والعودة للصراع من جديد.

واعتبر أن الاتفاق في النهاية خطوة مهمة لخفض تصعيد الأزمات في منطقة البحيرات الكبرى التي تعتبر من أبرز بؤر التأزيم في افريقيا.


"تنازل عن السيادة"
ولفت ولد عبد المالك في حديثه لـ"عربي21" إلى أن السياسيين خاصة داخل المعارضة في الكونغو الديمقراطية، ترون أن الاتفاق تنازل عن السيادة الوطنية وأن فيه غبنا باعتبار أنه يثبت وصاية "حركة أم23" المستمرة على الأقاليم التي انتزعتها لحد الساعة وهو ما يعني في النهاية أن الحوزة الترابية للكنغو الديمقراطية جزء رئيسي منها أصبح تحت وصاية رواندا.

عين أمريكية على ثروات القارة
وأوضح ولد عبد المالك، أن الولايات المتحدة الأمريكية بذلت جهودا كبيرة لإبرام الاتفاق بعد ما فشلت كل الجهود الأفريقية، لافتا في الوقت نفسه إلى أن فلسفة تدخل أمريكا كان الهدف منه في الأساس الحفاظ على المصالح الأمريكية هناك لأن المنطقة المعنية بالاتفاق تعتبر من أغنى مناطق أفريقيا من حيث الثروات المعدنية.

وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية حريصة على إيجاد استقرار في هذا الحيز الجغرافي حتى تتمكن شركاتها من استغلال هذه الثروات وحتى تضمن استمرار مصالحها في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • ارتفاع مستوى الفقر في أوكرانيا ليصل إلى 25.2%
  • طيار يوضح أخطاء الركاب التي تزيد من مخاطر الاضطرابات الجوية
  • وزير الخارجية: التقينا الكثير من الرؤساء الذين أكدوا أنهم سيقدمون الدعم لشعبنا لإعادة بناء وطنهم، وحملنا في كل لقاء وجهاً جديداً لسوريا
  • أهالي المنيا يشيعون جثامين الأطفال الثلاثة الذين لقوا مصرعهم على يد والدهم.. شاهد
  • معارضة النواب الجمهوريين تؤخر التصويت على موازنة ترامب "الكبرى"
  • هل ينهي اتفاق الكونغو ورواندا صراع الـ30 عاما بالبحيرات الكبرى؟
  • راشد دياب: في انتقال عوض بابكر هل نحن مختلفون إلى هذا الحد من الدمار والخراب !!
  • عودة اضطرابات الإنترنت في إيران بسبب هجمات خارجية
  • 12 مليار ريال للمتقاعدين عن يوليو
  • ترامب: الفشل بتمرير قانون الإنفاق يعني زيادة في الضرائب بـ68%.. وماسك يهدد السياسيين الذين يصوتون لصالح تمريره