صمود غزة.. هل يكون انتصارا تاريخيا؟
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
1- شرف النهايات وعظمة البدايات
تحتاج بذور الخير تربة خصبة وطقسا مناسبا من أجل أن يكون المنتوج وفيرا والمحصول عالي الجودة وقابلا للادخار؛ ومعاودة البذر ضمن مسار تاريخي تتراكم فيه الخيرات والخبرات والانتصارات على كل مشتقات الموت.
إن أصحاب القضايا الكبرى وهم يقاتلون لا يبحثون فقط عن شرف النهايات ولا يستعجلون الشهادة كخلاص ذاتي من وضع صعب، إنما يبحث أصحاب القضايا الكبرى أساسا وهم يقاتلون عن عظيم البدايات، حين تكون انتصاراتهم مقدمات لانطلاقة عارمة نحو التحرر والريادة والمجد.
إن كثيرا من عمليات البذر تُحبطها التربة الجدباء ويعبث بمحصولها الكسالى والمفسدون والسفهاء، فلا يكفي تخيّر جودة البذور ولا يجدي بذل الجهد ما لم تتوفر حراسةٌ للمحصول وما لم "تُفتَح" فضاءات أوسع ومساحات أرحب لعرض ذاك المحصول والتعريف به وحمايته.
لقد علّمنا التاريخ أن كثيرا من دماء الشهداء استولى على نتائجها العملاء، وأن تعفف المقاومين ركبه المساومون يجنون المكاسب ويمضون على التسويات المائلة.
لقد تعلم المقاومون من التجارب السابقة بداية من حروب التحرير زمن الاستعمار للبلاد العربية، تعلموا كيف يُمسكون ملفاتهم بأيديهم ولا يكتفون بأن يكونوا هم الدماء ليكون غيرهم "الحكماء"، ولا أن يكونوا هم الشهداء ليكون غيرهم هم "الزعماء"، لم تعد لتنطلي على وعي المقاومين مقولة "لنا الآخرة ولكم الدنيا" أو "لنا الشهادة في عالم الأرواح ولكم الزعامة في عالم التاريخ"، إن الشهداء لم يعودوا بغير "أهل"، إنما أهلهم هم رفاق دربهم وشركاء معركتهم ممن يقتربون من الحياة كما يقتربون من الآخرة من نفس "المسافة صفر".
2- من "انتصار معجز" إلى "انتصار تاريخي"
القول بكون انتصار المقاومة في غزة هو "انتصار معجز"، ليس قولا خارج الأسباب، فلعل الأسباب لم تتكثف كما تكثفت في معركة "طوفان الأقصى"، إنما قولنا بـ"المعجز" هو للتعبير عن حالة العجز الخارجي عن فهم ما حدث وما يحدث، لكونه ما فوق المعتاد على كل المستويات العسكرية والإنسانية والأخلاقية، (نشرت في "عربي21" مقالين في هذا المعنى). لقد مثّلت طوفان الأقصى رجة في كل المسلّمات التقليدية وعلى رأسها الفلسفة الليبرالية وما روجته حول حقوق الإنسان وحول المدنية والحداثة والكونية.. "طوفان الأقصى" جرفت مساحيق الحضارة المادية المنافقة وفرض على النخب مراجعة فلسفات الغرب، خاصة بعد خيبة فلسفية كبرى أحدثها الفيلسوف الشهير يورغن هابرماس بعد توقيعه صحبة ثلاثة مفكرين ألمان رسالة دعم للكيان الصهيوني يوم 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، ذاك الموقف كان إهانة للفلسفة وتعرية لنفاق حضارة مادية متوحشة تتخفى خلف نظريات مغرية وشعارات بارقة ولكنها خادعة وخاوية.
ماذا نعني بـ"انتصار تاريخي"؟ إننا نعني كيف يتحول "انتصار معجز" من كونه انتصارا في مكان وزمان معينين؛ إلى انتصار في سياق التاريخ وضمن رؤية حضارية تصطحب الماضي وتتجه نحو المستقبل متعالية على الكراهية والعنصرية والهيمنة، ومتحركة ضمن أفق إنساني مستند إلى مبدأ "التعارف" وإلى قيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.
ستتوقف الحرب بالتأكيد وسيتم التبادل على قاعدة "الكل مقابل الكل" وسيُستجاب لطلبات المقاومة بمفتح المعابر وإدخال المساعدات، وسيكون الانتصار مبينا لا يحتاج ترجمة ولا تفصيلا، وإنما سنحتاج نحن طرح أسئلة عن مجالات "صرف" هذا الانتصار، وعن مدى استعداد الأمة للاستفادة منه، وعن إمكانية يقظة همّة بعض الأنظمة العربية الخائفة أو المطبعة أو المترددة، هل ستقتنع بأن هذا العدو إنما هو "أوهن من بيت العنكبوت"؟ وهل ستنتفض الشعوب على بعض الحكومات المتمادية في التذلل والعمالة والخيانة؟ وهل سيُستفاد من يقظة ضمير الشعوب في العالم من أجل تحويل تلك اليقظة إلى وعي إنساني مقاوم للظلم والهيمنة ومنتصر لكرامة الشعوب وحريتها؟.. لقد أنجزت المقاومة أكثر مما كان متوقعا، وحققت ما عجزت عنه جيوش رسمية.
twitter.com/bahriarfaoui1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة غزة غزة الاحتلال المقاومة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
أمريكا عدوة البشرية
الاسرة/متابعات
عندما أطلق الشهيد القائد (رضوان الله عليه) شعار البراءة من اليهود والنصارى في 2002م، خص بالقول أمريكا و”إسرائيل” (الموت لأمريكا ـ الموت لإسرائيل) لأنهم يمثلان رأس الشر ومصدر الفساد، ولأنه كان يعلم جيدا من هي أمريكا صانعة الإرهاب، وراعية الفساد، وصاحبة أكبر رصيد إجرامي بحق البشرية في تاريخ العالم، فهي الدولة التي نشأت على أشلاء الأبرياء، وكبرت وتمددت على أجساد الملايين من بني البشر في مختلف أقطار العالم، إذ لا يكاد يوجد شعب أو أمة في هذا العصر، إلا وأكتوى بالنار الأمريكية، وعانى من الصلف، والمكر، والكيد الأمريكي، فهي بحق عدوة الشعوب، ومصاص الدم البشري.
فأمريكا صاحبة أبشع وأفظع المجازر بحق البشرية، سواء في العراق، أو اليابان، أو فيتنام وأفغانستان، أو اليمن وليبيا، أو كوريا ويوغسلافيا، أو لبنان وفلسطين، أو أينما وليت وجهك فستجد الظلم والبغي الأمريكي، فمن سلم من نار السلاح الأمريكي لم يسلم من نار المكر، والخديعة، والتهديد، والمكائد الأمريكية، وسيبقى ظلمها واستبدادها بهذه الشعوب نقطة سوداء في تاريخها الدموي، ما بقيت تلك الشعوب تعاني من آثار أسلحة الدمار الشامل الأمريكية، كما في اليابان والعراقي الذى عانى ولازال يعاني من ويلات الغزو الأمريكي وتبعاته سواء من حيث فقدان الملايين من أبنائه أو من حيث الدمار الشامل الذي لحقه أومن حيث تفكك نسيجه الاجتماعي وتقسيمه وإيجاد بيئة خصبة لنشوء المشاكل وبروز الكثير من العوائق ومنها العوائق الاقتصادية الناجمة عن نهب ثرواته ومقدراته المالية.
وكما كانت أمريكا وراء الكثير من الحروب والنكبات في كثير من شعوب العالم، بفعل تهورها باستخدامها لأسلحة الدمار الشامل كالسلاح النووي، والكيمائي، فهي بلا شك وراء مآسي العالم من الأوبئة والأمراض الفتاكة، بفعل استخدامها وتطويرها المستمر لهذا السلاح البيولوجي الخطير جدا، واقدامها على نشر كثير من الفيروسات والجراثيم القاتلة ، كوباء الجدري، والطاعون، والجمرة الخبيثة، التي اجتاحت العالم وحصدت أرواح الملايين من البشر، خلال وبعد الحربين العالميتين، والتي كادت تقضي على بعض الأقليات كالهنود الحمر، الذين وزعت لهم فرشا موبوءة بالجدري، كما أنها بلا شك وراء ما عانى منه العالم من تفشي وباء كورونا الذي حصد أواح الآلاف في مختلف دول العالم.
وأمريكا هي صاحبة أكبر المعتقلات والسجون في العالم، وهي أكبر منتهك لحقوق الإنسان، وأكبر مبيد للأقليات العرقية، وهي قاتلة والأسرى، وصاحبة أفظع المعاملات بحقهم، وجوانتانامو وسجن أبو غريب خير شاهد على ذلك.
وأمريكا أكبر مستهين بالأديان ، والمعتقدات البشرية، وأكبر مستهتر ومستهدف للرموز والمقدسات البشرية، فهي وراء حرق القرآن الكريم، وتدنيس المقدسات الإسلامية، والإساءات المتكررة إلى رموز الإسلام وعلى رأسهم نبي الإسلام محمد صلوات الله عليه وعلى آله.
وأمريكا أكثر دولة تملك رصيدا هائلا من جرائم الحرب بحق الأبرياء والعزل فهي من تقصف شعوبا بأكملها، دونما مراعاة لأبسط حقوق الإنسان، ومن دون تقيد بأي قرار أو معاهدة تجرم أو تحد من قصف الأبرياء، أو الالتزام بأي من أخلاق الحروب وأدبياتها، فهي بحق قاتلة الأطفال، والنساء، والعجزة والمسنين، والمعاقين والمكفوفين، وهي سفاكة دماء الأبرياء في الأسواق والمحافل، والأعراس والمناسبات، ومجالس العزاء، والمساجد، والمدارس، والجامعات، وهذا ما لمسناه وعايناه، وعانيناه خلال العدوان الإسرائيلي على غزة وكذلك العدوان الأمريكي على اليمن.
أمريكا هي أكبر محاصر للشعوب، وصاحبة أطول عقوبات في التاريخ البشري، حيث أمتد حصارها للشعب الإيراني منذ السبعينيات وإلى اليوم، كما أنها راعية ومهندسة الحصار المستمر على شعبينا العزيزين الفلسطيني واليمني، ولازال الكثير من شعوب العالم يعاني من الحصار الأمريكي، حتى صار الحصار في قاموسها السياسي قانونا تتهدد به من تشاء وتفرضه على من تشاء، متى شاءت وكيفما شاءت.
وأمريكا أكبر داعم وممول للإرهاب سواء الإرهاب الدولي المتمثل في العدو الإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية كالنظامين السعودي والإماراتي أو الإرهاب التنظيمي كالقاعدة وداعش والنصرة…إلخ.
وأمريكا هي أكبر من ينتهك حقوق الإنسان، ويصادر الحريات، ويكمم الأفواه، وينتهك حقوق الأقليات والقوميات كفعلها مع مواطنيها من الهنود الحمر وكذلك بعض الأقليات في العراق الذين كادت أن تصل بهم إلى حد الانقراض وهي أكبر من يهدد الأمن والسلم الدوليين، من خلال ما تقوم به من تدريبات عسكرية سرية لمليشيات وعناصر تخريبية ولبعض الجيوش النظامية، في كثير من بلدان العالم وخاصة مع حلفائها من دول العالم الثالث كما تفعله في كثير من بلدان أفريقيا، بهدف مساعدة تلك الدول على قمع الحريات، وتشجيعها على انتهاك حقوق الإنسان، وكذلك من خلال تسترها وحمايتها لتلك الدول التي تنتهك حقوق مواطنيها ما بالك بغيرهم فتحميها من الملاحقة القانونية في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن كما هو ديدنها مع ربيبتها “إسرائيل” وحلفائها في الخليج العربي.
وأمريكا أكبر من تتاجر بمعاناة البشر فتغسل أدمغتهم، وتستغل ظروفهم المعيشية التي أوصلتهم إليها، من خلال جشعها، وطمعها، واستيلائها على ثرواتهم ومقدراتهم الاقتصادية، فتشتري ولاءاتهم، وضمائرهم وذممهم، وتجندهم ضد شعوبهم، وأممهم لكي تثير بهم الفوضى وتزعزع بهم أمن واستقرار تلك الشعوب، في الوقت الذي تريد وكما تريد، كفعلها في الوطن العربي من خلال تنظيماتها الإرهابية التكفيرية الداعشية أو ما تفعله في القارة السمراء من خلال عدد من التنظيمات التي أنشأتها ودربتها.
وأمريكا أكبر مهندس للأزمات الاقتصادية والأمنية داخل دول العالم وأكبر مثير للشغب وأكبر داعم للانقلابات وهي من تلتف على ثورات الشعوب المستضعفين المشروعة كثورة الشعب البحريني والشعب المصري أو تحاول كسبها لصالحها كثورة الشعب الليبي أو القضاء عليها كثورة الشعب اليمني في 12 من سبتمبر.