سودانايل:
2025-12-07@19:39:21 GMT

امرأة مِن عهد البرهان – قصة قصيرة من وحي الواقع

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

إنسلت من عمق المكان بظهور عفوي طاغ. نبرات صوتها تنبأ عن قدرات قيادية وُأدت في مهدها المكلل بالفقر وسؤ الحظ. إنسانة لا تنقصها الجرأة على الخوض في أي حديث حتى وإن لم تكن طرف فيه.. ثوبها المتهدل حول قوامها الفارع يؤكد عفويتها فهو الآخر لا يلقي بالاً لوظيفته الأساسية في الهندام، أو ستر جسدها المفتخر طولاً وعرضاً.

.. فصاحبته لفرط عدم إهتمامها بتفاصيل إرتدائه المملة إضطرت لربط طرفيه بعقدة حتى لا يزعجها تنصله المتكرر. تنظر للجميع على أنهم أبناءها..أقحمت نفسها في حديث المحاربين الذين كانوا يتيهون بنشوة نصرهم وظفرهم بعاصمة ولاية الجزيرة وإطلالهم على مشارف ولاية سنار. يلتقطون الصور لبعضهم بعضاً بزيهم المميز وعمائمهم التي تلتف على رؤوسهم الشُعث وتحيط بوجوههم الغضة... فرضتْ نفسها على سير حديثهم بعفوية شملتهم جميعاً. قالت دون مقدمات
- برهان باع
- باع لمنو يا حجة؟؟
- باع ليكم إنتو ذاتكم.
فأختصرت بذات العفوية ما يستغرق المؤرخين أرتالاً من الصُحُف لتدوينه في سجلات التاريخ. وأبطلت مفاعيل الكذب الذي يتسيد ساحات الوغى كشرط من شروط خوض غمار الحروب. وأجلت حقيقة تدور في سبيل إخفائها أنخاب الخيانة في السر والعلن، وتلعو في طمس معالمها همم الإعلام المُزيّف والصدوق. ثم أردفت بالقبول وهي تضم راحتي يديها معاً بذات العفوية والثوب قد إنحسر عنهما تماماً حتى بان أعلى عضديها (قِبيل إنتو ما وااااحد)... ومضت لحال سبيلها تعانق ما تعتنقه بصدق لم يزيفه الحرص على مغانم الحياة، حتى تلاشت في المسافة الفاصلة بين الولايتين.
د. محمد عبد الحميد

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الرّاحلون يتركون خلفهم أبوابًا للذكرى

يقول الكاتب المصري الراحل د. أحمد خالد توفيق: "عندما يرحل شخصٌ عزيزٌ، لا نودّع فقط شخصًا، بل نودّع معه جزءًا من أنفسنا، من ذكرياتنا، من طريقتنا في رؤية العالم. يترك الراحلون خلفهم ثقوبًا لا يمكن لرجلٍ أو امرأةٍ أخرى أن تملأها، لأن الفراغ الذي تركوه ليس مجرد مساحة، بل هو شكلٌ محدّدٌ من العاطفة والتجربة لا يتكرّر".

لا نريد أن نفتح على أنفسنا أبوابًا نعلم بأن خلفها نهرًا جارِيًا من المشاعر الجياشة والأحاسيس المرهفة المتعبة بشقاء الفراق وشتات الفكر، ولكن ما يعنيها هو رصد كمية المعاناة الإنسانية التي تشتعل في قلب أي أمٍّ حنون فقدت أحد أبنائها، فكيف يكون حالها لو أنها فقدتهم جميعًا!

لله الأمر من قبل ومن بعد، صبرٌ جميل والله المستعان. ما أصعبه من فقدٍ، وما أقساه من ألم في هذا الوجود! يقول الشاعر السعودي الدكتور فواز اللعبون:

يا راحلين بعذبِ الذكرياتِ قِفوا

ردّوا عليَّ بقايا الروحِ وانصرفوا

لا تتركوني على الأعتابِ منتظرًا

وأنصفوني من الأشواقِ وانتصفوا

أي حزن يشبه فاجعة الألم في قلب أم أو أب فقدوا فلذات أكبادهم! وقد ورد في القرآن الكريم لفظ الحزن في مواضع كثيرة، منها حزن أبو يوسف على ولده بقوله: "قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ".

وورد أيضًا في القرآن الكريم قصة أم موسى وحزنها على ابنها الذي ألقته في اليم، وفي قصة أخرى لمريم بنت عمران وخوفها على ابنها.. ومع ذلك فالله تعالى يربط على القلوب الموجوعة، ويلهمها الصبر والسلوان. وفي حياتنا اليومية، كم نرى بأم أعيننا كيف يفعل الحزن بالقلوب، وكيف يؤثر على وجه الحياة بشكل عام، ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى يخفف الحزن بالصبر والإيمان والاحتساب، ولهذا نزلت العديد من الآيات البيّنات التي لا يريد الله تعالى الحزن للنساء، مثل قوله تعالى في سورة القصص: "كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ"، وفي سورة الأحزاب: "أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنْ"، وفي سورة مريم: "فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي"، وفي سورة القصص: "وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي".

وقد أكد علماء الدين والفقه أن حزن المرأة هو حزن عميق، فمشاعرها رقيقة، والحزن يفقدها جمالها، ويزيدها ضعفًا ووهنًا لا يُطاق، وقد يحولها إلى شخصية أخرى غير التي ألفها الناس من حولها. فالحزن عند المصيبة يصبح قطعة من عذاب، تشتعل نيرانه في القلب ولا تموت إلا برحيل الأم من على ظهر الدنيا، ولهذا فإن الكثير من الأمهات تظل على حزنها حتى النهاية.

وقد أثبت علماء الطب بأن الحزن يؤثر سلبِيًّا على الغدد المفرزة للهرمونات الأنثوية. فكم هناك في هذا العالم المترامي الأطراف من امرأة حزينة لم تنجب أطفالًا، وكم حزينة تساقط شعرها بعد أن كان يسافر مع الريح، وكم من حزينة شحب لونها من فراق أحبتها، وكم وقفت امرأة أو رجل على قبر أبنائهم ممزّقي المشاعر، يتفكرون في الذي قد مضى من الوقت وقد ملأ الشوق قلوبهم، ولسان حالهم كما قال الشاعر:

كمْ نشتاقُ تحتَ الأرضِ قومًا

وقد رحلوا إلى ربّ كريمِ

إذا مروا بخاطرنا بكينا

وأغضينا على جرحٍ أليمِ

وكلٌّ عندهُ ميتٌ حبيبٌ

به يشتاقُ للعهدِ القديمِ

ألا يا ربِّ فارحمهم جميعًا

وأنزلهم بجناتِ النعيمِ

إن فقدان الأبناء "مصيبة عظيمة وجرح دامٍ لا يبرأ سريعًا"، بل يظل ينزف طوال الوقت، وربما يتسع مدى هذا الجرح مع الوقت، خاصة عندما تأتي الذكريات بشيء من ريح الماضي وذكريات الأبناء وصراخهم وضحكاتهم في المكان الذي أصبح فارغًا بعد رحيلهم. لذا فإن الصبر والاحتساب أجرٌ، وهو الطريق الصحيح لتجاوز مثل هذه المحنة العظيمة.

فرحم الله أرواحًا اشتقنا إليها، وبقيت في جوارحنا نبضًا لا يتوقف مع الزمن.

مقالات مشابهة

  • بينهم سارقو امرأة مسيحية بعد تكبيلها.. اعتقالات في 3 محافظات
  • القال راسو موجعو بربطولو كراعو؟
  • إعادة التفكيك!!
  • دعاء الصباح اليوم.. أدعية قصيرة تحميك من الهم وتيسر الأمور
  • صحيفة الثورة الأحد 17 جمادى الآخرة 1447 – الموافق 7 ديسمبر 2025
  • مع قرب انطلاق الحوار المهيكل في ليبيا.. ما التوقعات؟
  • مباراة النشامى 1 – 0 الكويت / بث مباشر
  • ما في كيزان!!
  • دعاء الصباح اليوم.. ابتهالات قصيرة تحميك من الهم وتيسر الأمور
  • الرّاحلون يتركون خلفهم أبوابًا للذكرى