لاجئو دارفور إلى تشاد.. الهروب من الجحيم إلى الجحيم
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
محمد غلام محمدو- مدينة أدري على الحدود السودانية التشادية
من جحيم الموت والحرائق المشتعلة والدماء المراقة، إلى جحيم الحياة القاسي والمعيشة الضنك في هذه المخيمات البئيسة.
رحلة جهنمية تختصر مصير مئات آلاف اللاجئين السودانيين ممن طوّحت بهم صروف الليالي فجأة، واقتلعتهم من دياريهم في دارفور، ورمت بهم في مستنقع من البؤس والتشرد في مخيمات مترامية هنا وهناك شرقي تشاد.
أكبر هذه المخيمات وواجهتها وقنطرتها التي منها يتم توزيع اللاجئين إلى باقي المخيمات هو مخيم أدري الذي تنعدم فيه أبسط شروط الحياة من ماء وطعام وصحة وتعليم، ويتكدس فيه مئات الآلاف في عرش صغيرة من القش بناها اللاجئون بأنفسهم، وجلبوا موادها الأولية من الطبيعة القاسية من حولهم.
معاناة شديدةأما الحياة اليومية وسبل العيش فلا يخلوان من كبد، فهذا محمد قمر أبَّكر-كآخرين من حوله- لا يجد سبيلا لتدبر عيشه اليومي إلا من شراء جذوع الأشجار وتقسيمها إلى قطع صغيرة ثم مقايضتها مع لاجئين آخرين بحبات من الدُّخن أو الذرة، ليوقدها هؤلاء في تحضير وجباتهم المتواضعة، مما يؤدي إلى اختناق الأجواء بفعل الدخان المتصاعد.
ولرسم صورة أفضل عن واقع المخيم والحياة فيه عمدنا إلى مقابلة مسؤول من قبيلة المساليت الأفريقية التي وقع عليها العبء الأكبر والضرر الأجلّ في هذا البلاء المبين.
ويقول رئيس مخيم أدري إن عدد "قاطني" المخيم المؤقتين أكثر من 300 ألف شخص، وإن عدد الأسر المتدفقة عليه يوميا من مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور وما حولها، يصل إلى 200 أسرة.
ويضيف أنه لا يوجد في المخيم أي تعليم للأطفال ولا غذاء ولا دواء، وأن بعض المنظمات تقدم دعما صحيا محدودا خصوصا في الحالات الطارئة والولادة ومعالجة الملاريا المنتشرة.
ولم يقبل رئيس المخيم ظهور وجهه في الصورة "لأن كل الذين أدلوا بشهاداتهم لمحققين دوليين ولمحكمة الجنايات الدولية تعرض ذووهم في السودان للقتل من قبل الدعم السريع"، كما قال.
ويتابع أنه في يونيو/حزيران الماضي وحده وصل إلى المخيم أكثر من ألف جريح أغلبهم تعرضوا لكسور بليغة، وأن كثيرين منهم لم يجدوا العلاج الكافي، "لأنهم يحتاجون إلى الذهاب إلى أبشة أو انجمينا، وليست لديهم إمكانيات لذلك".
من جهته، يرسم شيخ قبيلة المساليت بمنطقة "مقرنية" شرق الجنينة، نائب مسؤول اللاجئين السودانيين في مخيم أدري، صورة بائسة للأوضاع هنا بالقول "لا يوجد هنا أي مأوى، لا شماعات (تقي من البعوض) ولا بطانيات ولا صحون للأكل، وما يوفره برنامج الغذاء العالمي (التابع للأمم المتحدة) لمن حصلوا على بطاقات لاجئ من زيت وذرة وبعض البقوليات الأخرى، لا يكفي نهائيا"، مشيرا في هذا الصدد إلى أن كثيرين لم يحصلوا بعد على تلك البطاقات.
عاشر المستحيلاتويلفت إلى أن بعض المنظمات المحلية تزود اللاجئين أحيانا ببعض المعكرونة والأفرشة والذرة والزيت. أما اللحم والدجاج والسمك، فمن عاشر المستحيلات الحصول عليها هنا.
ويصب جام غضبه على "الجيش السوداني والحكومة السودانية الذين لم يدافعا عنا" وعلى الحكومات العربية التي لم تقدم شيئا للاجئين رغم الفاقة والحاجة، وإن كان أشار إلى بعض الخيرين العرب الخواص ممن قدموا مساعدات وسلالا غذائية محدودة.
وبجولة في "سوق" المخيم يتبين انتشار الجراد المشوي كمادة يستخدمها "المترفون" من اللاجئين للتنويع في الوجبات اليومية التي لا تعدو أن تكون ذرة أو دخنا، وتستخدم لكيلها "كورة" وهي صحن صغير، ويبلغ سعرها، وفق فاطمة خاطر علي، 3000 فرنك غرب أفريقي "سي إف إيه" (CFA)، أي نحو 4 دولارات.
ويشكو كثيرون هنا، حتى ممن حصلوا على بطاقات من برنامج الغذاء العالمي، من غياب مادة السكر، ويقولون إنهم لم يحصلوا عليه إطلاقا. ويصحح بعضهم بأنهم حصلوا في إحدى المرات من خيرين كويتيين على سلال غذائية تضمنت قليلا من السكر.
وبرغم شظف العيش هنا، مقارنة ببعض المخيمات الدائمة الأخرى، يتمسك قمر وآخرون غيره كثر، بالبقاء فيه لقربه من الحدود السودانية التي لا تبعد إلا بضع مئات من الأمتار، وتقول "انتظارا لأي نبأ عن أولادي الذين انقطعت أخبارهم عنا إثر فرارنا في خضم عمليات القتل الهمجي الذين مارسه الدعامة (نسبة للدعم السريع) بحقنا".
توزيع جغرافيويتم توزيع اللاجئين وتصنيفهم من هنا، حيث يرسلون إلى مخيمات أخرى مثل مخيم أورانغ الذي يستضيف 50 ألف لاجئ، و"مكة" في حدود 40 ألفا، و"ألاشة" الذي يفترض أن يستقبل 60 ألفا، وفق ما صرح به نائب مسؤول اللاجئين السودانيين بمخيم أدري.
الطبيعة القاسيةولعل واحدة من أسباب العناء في وصول المساعدات إلى هذا الركن القصي من جمهورية تشاد، والذي يبلغ نحو 1000 كيلومتر من العاصمة انجمينا هو، إلى جانب الإرادة والإمكانات، تعاضُدُ الطبيعة غير المذللة وجهود التنمية المتعثرة.
فعلى سبيل المثال -وعلى طول الطريق الخطيرة غير المعبئة التي سلكناها من مدينة أبشة إلى أدري- كانت تتراءى لنا شاحنات برنامج الغذاء العالمي وبعض الجمعيات الخيرية التشادية التي أرسلها خيرون ببعض المؤن، وهي مستلقية إلى جانب الطريق بعد انقلابها وتبعثر محتوياتها هنا وهناك، أو منغرسة في الأرض، أو أن إطارات عجلاتها قد تمزقت بفعل الصخور المسننة الضخمة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أبواب الجحيم سلسلة كمائن للقسام ضد جنود الاحتلال
أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مايو/أيار 2025 بدء تنفيذ سلسلة كمائن مركبة أطلقت عليها اسم "أبواب الجحيم"، استهدفت فيها القوات الإسرائيلية المتوغلة بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، وذلك ردا على التصعيد العسكري الإسرائيلي الذي تزايد بعد 18 مارس/آذار من العام نفسه، إثر رفض إسرائيل الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، واستئنافها العمليات العسكرية في القطاع.
وتضمنت العمليات مجموعة تكتيكات، من الاستدراج إلى التفجير، ضمن خطة عسكرية تهدف إلى استنزاف القوات الإسرائيلية في المنطقة.
العملية الأولى: كمين "مسجد الزهراء"في الثالث من مايو/أيار 2025، نفّذت كتائب القسام أولى عمليات سلسلة "أبواب الجحيم" عبر كمين نوعي استهدف قوة راجلة من الجيش الإسرائيلي مكوّنة من 10 جنود، قرب مسجد الزهراء في حي الجنينة شرق مدينة رفح.
وانطلقت العملية بخروج مجموعة من المقاومين من أحد الأنفاق القتالية، وفتحوا نيرانهم مباشرة على القوة الإسرائيلية المتمركزة في الموقع. وبعد الاشتباك الأولي، انسحب المقاومون إلى داخل النفق في خطوة تكتيكية لاستدراج الجنود إلى منطقة مفخخة.
ومع دخول القوات الإسرائيلية إلى المنطقة برفقة كلاب مدرّبة على اكتشاف العبوات، فجّرت الكتائب عبوات ناسفة معدّة سلفا، مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والمصابين في صفوف الجيش الإسرائيلي.
وقد اعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل الضابط نوعام رافيد، والجندي يهيلي سرور من وحدة "يهلوم" التابعة لسلاح الهندسة القتالية.
وفي مرحلة لاحقة من العملية، وبعد تقدم قوات النجدة الإسرائيلية لإجلاء القتلى والجرحى، استهدفت كتائب القسام دبابة "ميركافا" وجرافة "دي 9" المدنية بواسطة قذائف "الياسين 105".
إعلانوتلت العملية حالة استنفار عسكري شامل لقوات الاحتلال، بما في ذلك تدخل طائرات مروحية في محاولة لنقل المصابين وإخلاء الموقع.
العملية الثانية: كمين "مفترق المشروع"في السابع من مايو/أيار 2025، نفّذت كتائب القسام كمينا استهدف قوة هندسية تابعة للجيش الإسرائيلي في منطقة مفترق المشروع شرق مدينة رفح.
وبدأت العملية باستهداف الطابق الأرضي لمنزل تحصّن داخله عدد من جنود الاحتلال، عبر قذائف مضادة للتحصينات والدروع، وتبع ذلك اشتباك مباشر بين عناصر القسام والقوة الإسرائيلية داخل الموقع.
وعقب الاشتباك الأولي انسحب المقاومون تكتيكيا إلى أحد الأنفاق القتالية، بهدف استدراج الجنود نحو منطقة مُفخخة مسبقا. ومع تقدم القوات الإسرائيلية إلى الموقع، فجرت الكتائب عبوات ناسفة قوية، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجنود.
وقد رُصدت عمليات إنزال لمروحيات عسكرية إسرائيلية في محاولة لإخلاء المصابين، في مؤشر على شدة الضربة وتعقيد الكمين.
العملية الثالثة: كمين "حي التنور"في الثامن من مايو/أيار 2025، نفّذت كتائب القسام عمليتين نوعيتين متتاليتين ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في حي التنور شرق مدينة رفح.
فالعملية الأولى استهدفت قوة هندسية إسرائيلية مكوّنة من 12 جنديا، كانت تستعد لتنفيذ عملية نسف أحد المنازل قرب مفترق الفدائي، استخدم مقاتلو القسام قذيفتين مضادتين للأفراد والدروع لاستهداف القوة داخل المنزل، مما أدى إلى انفجار عنيف أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى بين صفوف الجنود، وفق ما أفادت به الكتائب في بيان رسمي عبر قناتها على "تليغرام".
أما العملية الثانية، فقد نُفذت عبر تفجير عبوة ناسفة موجهة استهدفت قوة إسرائيلية أخرى في المنطقة ذاتها، مما ضاعف الخسائر في صفوف الجيش.
وبعد ساعات من العملية، اعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل كل من الرقيب يشاي إلياكيم أورباخ من كتيبة الهندسة 605 ووحدة باراك 188، والرقيب يام فريد، أحد مقاتلي لواء غولاني.
إعلانوأعلنت كتائب القسام أن مجموع العمليتين أسفر عن مقتل وإصابة 19 جنديا إسرائيليا، كما رصدت هبوط مروحيات عسكرية إسرائيلية لإخلاء المصابين من موقع الكمين، ووثّق مقطع مصور نقل عدد من الجرحى إلى مستشفى "سوروكا" في إسرائيل.