شرع البرلمان التونسي في دراسة مشروع قانون الصلح الجزائي الهادف إلى إيجاد تسويات مع رجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد، بعد أن واجه مرسوم رئاسي صدر في هذا الجانب، قبل نحو عامين، "ثغرات وعقبات" حالت دون تحقيقه الأهداف المرجوة.

وتكثف السلطات التونسية خلال السنوات الأخيرة، مساعيها من أجل استعادة الأموال المنهوبة سواء بالداخل والخارج، غير أن تعقيدات إدارية وقانونية، حالت دون إصدار أحكام نهائية بشأن استخلاص أموال تعول عليها لإنعاش اقتصاد البلاد الذي يواجه صعوبات عدة.

"عملية جراحية دقيقة"

الباحث السياسي التونسي، نزار الجليدي، يرى أن المبادرة التي أطلقها الرئيس التونسي قيس سعيد تمر الآن من صيغة المرسوم الرئاسي إلى القانون القائم بذاته، واصفا التعديلات التي سيخضع لها بالبرلمان بـ"العملية الجراحية الدقيقة".

ويضيف الجليدي في تصريح لموقع "الحرة"، أن المرسوم واجه "عقبات" وكان "عرضة لكثير من التلاعب وغياب المردودية خلال بحث الدولة في عدد من الملفات وقضايا الفساد العالقة منذ سنوات".

وفي مارس من عام 2022 ، أصدر سعيّد مرسوما رئاسيا، هدف إلى إبرام اتفاق بين المتورطين في هذه القضايا والدولة على أساس استرجاع الأموال التي حصلوا عليها مقابل إسقاط الملاحقة القضائية، فيما تضخ العوائد المستردة في ميزانية الدولية أو عبر استثمارات في المناطق المهمشة بالبلاد.

غير أنه بعد نحو سنة من تنفيذ المرسوم الذي أنشئت بموجبه "اللجنة الوطنية للصلح الجزائي"، انتقد سعيّد عمل هذه الأخيرة وأقال رئيسها، وقال في اجتماع مع أعضائها "لا أرى أي شيء على الإطلاق.. لم يتحقق أي شيء يُذكر"، منددا ما وصفه "بالتراخي" في تنزيل المرسوم.

ويشير الجليدي إلى أن خطوة تحويل هذا الأخير إلى قانون يشرعه البرلمان تطمح لـ"تحميل المسؤولية لكل الأطراف، سواء تنفيذية أو قضائية، حتى تذهب البلاد نحو المعالجة الحقيقية لملفات الفساد، والتي تعود لشركات وأباطرة أعمال يجيدون التلاعب بالنصوص القانونية القديمة".

ويشدد الباحث التونسي، على أن القوانين السابقة المتعلقة كذلك بالاستثمار والتجارة تحتاج كلها إلى إعادة قراءة.

وأعلن الرئيس التونسي، وسط ديسمبر الماضي، عن إعداد مشروع قانون جديد يتعلق بالصلح الجزائي، مشيرا إلى أن هذا المشروع سيتم عرضه "قريبا" على مجلس الوزراء، قبل عرضه على البرلمان.

وقال سعيد إن هذه الخطوة تهدف إلى "تلافي عدد من النقائص التي أظهرتها التجربة"، في إشارة إلى تنزيل المرسوم الرئاسي.

ويتكوّن مشروع القانون المقترح، والذي تمت إحالته إلى لجنة التشريع بالبرلمان، الجمعة، من 17 فصلا،  منها 13 فصلا جديدا.

ويوضح الباحث التونسي، أن بند الخلاص مقابل العفو القضائي التام، سيكون "أهم بند وعلى رأس أولويات مشروع القانون، مشيرا إلى أنه سيكون "مغريا للشركات والمؤسسات ورجال الأعمال الذين هم الآن قاب قوسين من محاكمات تصل أحكامها إلى ما هو أبعد من السجن".

صيغ جديدة وانتقادات للمسار

وتضمن القانون المقترح عددا من الإجراءات الجديدة، من أبرزها تحديد آجال النظر في مطالب الصلح، إذ نص على أنه "تنظر اللجنة الوطنية للصلح الجزائي في مطالب الصلح خلال أجل لا يتجاوز 4 أشهر من تاريخ تعهدها بملف الصلح الجزائي"، بحسب موقع الإذاعة التونسية.

ويطرح مشروع القانون أن يعرض الصلح على طالبه وتتفاوض معه الدولة حول قيمة المبالغ الواجب دفعها، وفق ثلاث صيغ؛ أولها: مشروع صلح نهائي يتضمن دفع كامل المبالغ المالية المستوجبة مرة واحدة.

أما الصيغة الثانية "مشروع صلح وقتي يتضمن دفع 50 بالمئة، على الأقل من المبالغ المالية المستوجبة، والالتزام بدفع النصف المتبقي في أجل لا يتجاوز ثلاثة أشهر.

أما الثالثة، "مشروع صلح وقتي يتضمن تأمين خمسين بالمائة 50 بالمئة، على الأقل من المبالغ المالية المستوجب دفعها وإنجاز إما مشروع أو مشاريع في حدود المبالغ المطالب دفعها".

بين "أنا يقظ" والخارجية التونسية.. جدل محتدم و"لا حلول" تعيد الأموال "المنهوبة" عاد ملف "الأموال المنهوبة" إلى واجهة النقاش بالأوساط التونسية بعد "تراشق" بالبيانات، بين وزارة الخارجية التونسية والمنظمة الرقابية "أنا يقظ" المتخصصة في قضايا مكافحة الفساد المالي، في أعقاب إعلان الرئيس التونسي عن خطوات جديدة لمواجهة الجرائم الاقتصادية في البلاد.

مدير المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير ، يقول إن لديه تحفظات بشأن مسار تنفيذ مبادرة الصلح الجزائي، مشيرا إلى "غياب استراتيجية واضحة للموضوع"، مما تسبب فيفشل مبادرات سابقة حتى قبل وصول قيس سعيد إلى الحكم.

ومن بين الانتقادات التي يوجهها، الناشط الحقوقي لهذا "المسار" ما اعتبره "عدم إشراك السلطات مختلف الأطراف المعنية بالموضوع، مثل المنظمات الحقوقية والعاملة في مجال مكافحة الفساد، وأيضا الأفراد المعنيين بحد ذاتهم ومؤسساتهم"، وأيضا أطراف خارجية، يقول إن "مشاركتها أساسية في الملف".

ويتأسف عبد الكبير في تصريحه لموقع "الحرة"، على بقاء المبادرة "حكرا" على رئاسة الجمهورية والهيكلين القضائي والتنفيذي، موضحا أن "هذا أدى إلى ظهور ثغرات قانونية في تطبيق المرسوم، قبل الذهاب به الآن إلى البرلمان، لتحويله إلى قانون".

ويؤكد على أن بقاء الملف على طاولة رئاسة الجمهورية والحكومة "جعل الجميع يبتعد عنه"، متوقعا أن الملف "لن يذهب بعيدا رغم التغييرات المرتقبة"، على اعتبار  الحاجة إلى "إقرار إجراءات هيكلية عميقة".

الاقتصاد بحاجة لـ"حلول مستدامة"

وتعاني تونس من تضخم كبير، وتدهورا في القوة الشرائية للدينار التونسي، فيما يبلغ دينها العام 80 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، وتجري مفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد لسدّ عجز موازنتها العامة.

وكان الصندوق أعطى ضوءا أخضر أول لتونس، أواخر 2022، بإعلان موافقة مبدئية على منحها هذا القرض. لكن منذ ذلك الحين تعثرت المفاوضات حول هذا القرض البالغة قيمته 1.9 مليار دولار وتوقفت المشاورات بين الطرفين منذ نهاية العام 2022.

ويرفض الرئيس قيس سعيّد ما يعتبره "إملاءات" الصندوق، خصوصا في ما يتعلق برفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية الأساسية، ويرى فيها "تهديدا للسلم الاجتماعي" في البلاد.

ومطلع يونيو الماضي، اقترح إدخال ضرائب إضافية تستهدف الأغنياء لتمكين الدولة من الاستغناء عن قرض الصندوق، كما يعول أيضا على أموال الصلح الجزائي من أجل إنعاش خزينة البلاد.

ويقدر سعيّد أن يصل مجموع الأموال التي على الدولة استرجاعها من المتهمين بالفساد، ما يصل إلى 13.5 مليار دينار (حوالى 4.3 مليار  دولار)، بناء على تقييمات لـ460 ملفا أحصتها لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد التي تم إحداثها بعد ثورة 2011.

الخبير الاقتصادي التونسي، رضا شنكدالي، يرى أن الأرقام التي يتوقعها الرئيس والسلطات تبقى "بعيدة عن الواقع"، موضحا أنه حتى وإن تم تحصيل هذا المبلغ فإن "مفعولها ظرفي ولا يعالج المشكلات الحقيقية للاقتصاد التونسي.

وفيما يوضح شنكدالي، في تصريح لموقع "الحرة"، أن مثل هذه الإجراءات مهمة وإيجابية، يقول إنها "لا توفر حلولا مستدامة للتحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد"، داعيا إلى البحث عن برامج اقتصادية لها عوائد وموارد مالية متواصلة على ميزانية الدولة وليس مؤقتة.

ويضيف الخبير الاقتصادي، أن من أبرز العقبات التي واجهت مبادرات استعادة الأموال المنهوبة "صعوبة تحديد فئة رجال الأعمال الفاسدين"، علاوة على البطء الملحوظ على مستوى تنفيذ عدد الإجراءات الإدارية.

ويكشف أيضا أن رقم القضايا والملفات التي تم جردها بعد الثورة، انخفض بشكل كبير من 460 قضية، موضحا أن من بين رجال الأعمال المتهمين من توفي ومن أفلس، مع مرور الوقت.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الصلح الجزائی

إقرأ أيضاً:

محامي نوال الدجوي: قابلت أحمد الدجوي وجهاً لوجه وعرض الصلح وموكلتي وافقت

أكد محمد إصلاح، محامي الدكتورة نوال الدجوي ومنى الدجوي والحفيدتين إنجي وماهيتاب، أنه على الرغم من قضية الحجر التي رفعها أحفادها من أبناء الدكتور شريف الديجوي ضد جدتهم الدكتورة نوال الدجوي عام 2024، إلا أنها ظلت حريصة على صلة الرحم، وظل وجود الأحفاد من ابنها شريف الديجوي قائماً ومقبولاً في حياتها، رغبة منها في عدم وجود مشكلة."

محامي نوال الدجوي: عملية نقل بعض الأسهم للراحلة منى الدجوي كان بمحض إرادة الدكتورة نوال الدجويمحامي نوال الدجوي: إذا كانت الضغوط تولد الانتحار فإن موكلتي بطلة ضغوط العالمالطبيب المعالج لنوال الدجوي: لا تتابع السوشيال ميديا.. وقد تكون لم تبلغ بوفاة حفيدهاطبيب نوال الدجوي يكشف مفاجآت صادمة عن حالتها ووفاة حفيدها | فيديو

وقال محمد إصلاح في مداخلة هاتفية مع الغعلامية لميس الحديدي في برنامج “ كلمة اخيرة ” المذاع على قناة “ أون”،:" العلاقات ظلت على هذا النحو وحرص منها، إلى أن وقعت ـ حسب وصفه ـ الطامة الكبرى، برفع دعوى حجر في الثالث من أغسطس 2024، حيث تفاجأت باتصال هاتفي من النيابة العامة يطلب منها الحضور، لوجود طلب مقدم لتوقيع الحجر عليها".


وأضاف:"نص الطلب المقدم من حفيدها عمرو الديجوي، يفيد أنه يتقدم بطلب لتوقيع الحجر عليها، بدعوى إصابتها بمرض الزهايمر وتصلب شرايين المخ، مما أدى ـ حسب وصفه ـ إلى عدم قدرتها على مباشرة شؤونها الشخصية أو إدارة مؤسساتها التعليمية."

وأشار إلى أن الدكتورة نوال خضعت للتحقيقات الرسمية أمام النيابة العامة، متسائلًا:"تخيلوا شعورها في تلك اللحظة، أن تأتي الطعنة الغادرة من حفيدها، وهو من رماها بتلك الأوصاف."
وحول سؤال لميس الحديدي: لماذا لم تقدم الدكتورة نوال على تقسيم الإرث شرعًا بعد وفاة ابنها وابنتها؟أجاب المحامي:"لم أكن موجودًا خلال تلك الفترة، لكن عندما سألت، قيل إن الجميع كان يُجلّ ويُقدّر الدكتورة نوال الديجوي، سواء نجلها الراحل الدكتور شريف الديجوي أو الدكتورة منى الديجوي أو حتى زوجها الراحل اللواء وجيه الديجوي. وولم يجرؤ أحد على فتح موضوع قسمة الإرث معها، من شدة تقديرهم لها.


مواصلاً : " ومع ذلك، عندما فتحت أنا الموضوع، بتكليف من المرحوم أحمد الديجوي، أبدت الدكتورة نوال موافقتها."


وتابع:"قابلت المرحوم أحمد الديجوي مرة واحدة، وكانت دائمًا الأوراق تتضمن أطرافًا آخرين مثل إيهاب وغيره.لكني قابلته وجهًا لوجه فجر يوم 26 يناير 2025، وتحدثنا بمفردنا بعيدًا عن هؤلاء (يقصد من وصفهم بـ"الأشرار")، وعرض عليّ الصلح، وعرضت بدوري الأمر على موكلتي الدكتورة نوال، ووافقت."


وردًا على اتهاماتٍ وُجهت لابناء الدكتورة منى الديجوي  بأنهن  أرسلن  بلطجية لتهديد أحفادها من أبناء الدكتور شريف، نفى المحامي ذلك جملة وتفصيلاً، وقال:"ما حدث كان العكس تمامًا.ارجعوا لأوراق القضية رقم 517 لسنة 2025 إداري أول أكتوبر، عندما جاء أحمد الديجوي برفقة مجموعة من البلطجية، وأطلق أعيرة نارية نحوي ونحو أفراد شركة الأمن.تراجعت وطلبت النجدة، وشرحت لهم الواقعة، وذهبنا إلى قسم الشرطة وكان أحمد بجانبي، ومن يومها نشأت بيننا علاقة بالغة الرقي."

وعن اتهامه لأحمد الديجوي في واقعة سرقة الخزن التي تحتوي على أموال، أوضح المحامي:"الاتهام من اختصاص النيابة العامة، وأنا بالفعل تقدمت ببلاغ رسمي في واقعة السرقة.أما الاشتباه فكان موجّهًا لأشخاص، وسُئلت: لماذا تشتبه فيهم؟فقلت: اشتبهنا في كلٍ من أحمد الديجوي وعمرو الديجوي.للاسباب السابقة "


وحول سبب وجود مبالغ مالية كبيرة في خزائن داخل إحدى الشقق، رد قائلًا:"الدكتورة نوال تعمل منذ عام 1958، وكل رواد الأعمال في تلك الفترة كانوا يعتمدون على حمل الأموال السائلة.وهي احتفظت بهذه السيولة في المنزل تحسّبًا لأي طارئ، خاصة في ظل القضايا المرفوعة ضدها، حتى لا تتعرض أعمالها للشلل إذا تم التحفظ على الأموال.فهي مؤسسة ضخمة، وكان لا بد أن تحتفظ بسيولة مالية لأي ظرف مفاجئ."


وفي سؤال ختامي من لميس الحديدي: هل كان أحمد الديجوي مسافرًا وقت الاشتباه؟أجاب المحامي:"لم نكن نتابعه في ذلك الوقت، لكن علمنا لاحقًا أن أحمد كان موجودًا في إسبانيا."

طباعة شارك الدجوي نوال الدجوي اخبار التوك شو منى الدجوي لميس الحديدي

مقالات مشابهة

  • أسباب تباطؤ النمو السكاني بتونس وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية
  • سوريا.. رئيس منظمة الإنقاذ يكشف لـCNN كيف تختلف المناطق التي كانت تحت سيطرة الأسد عن مناطق المعارضة وكيف ستزدهر البلاد؟
  • ننشر تفاصيل مقترح مشروع إعادة تأهيل نظام الرى في وادى النقرة
  • محامي نوال الدجوي: قابلت أحمد الدجوي وجهاً لوجه وعرض الصلح وموكلتي وافقت
  • “مكافحة الفساد” تحيل متهمين جدد في قضايا غسل أموال إلى النيابة
  • هل انتهى زمن السامبا؟.. ريو دي جانيرو تُقيّد الموسيقى الحية على الشواطئ
  • ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة
  • سابقة…الحكومة تتفاعل بقبول مقترح التناوب بين الأغلبية والمعارضة لمناقشة قضايا طارئة
  • تضارب في الأنباء حول تفاصيل مقترح ويتكوف التي وافقت عليه حماس
  • 50 مليون يورو الشرط الجزائي في عقد ألبارو كاريراس