الرقابة على الحاكم بين الأمس واليوم
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم
سرف المداد
د. الطيب النقر
قد عانت الأمة في غيابها العسف وسامها الطواغيت الخسف، فدين الله الخاتم الذي لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، قد أزاح ذلك الركام الثقيل من الظلم والاستبداد، وكفل للرعية التي تمقت الجور والشطط أن تبسط رأيها في الحاكم دون أن تخشى المهالك والحتوف، ولعلنا لا نُنكر أو نرتاب في أمر تلك الطائفة التي كانت ندية الصوت، حافلة الخاطر، دامغة الحجة، في صدر الإسلام فقد كانت تتدفق تدفق السيل الهادر إلى سهول الحاكم لتهدي إليه دواوين من العبارات الجزلة، وباقات من البيان المشرق، وآكام من الحجج المُفحِمة، نعم لقد كانت تلك الأمة في أزهى عصورها نابية عن الضعف، أبيَّة على السكون، بما أوجب الله عليها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ يقول الله عزّ وجلّ في مُحكم تنزيله:«ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون» آل عمران:104.
إن الحقيقة التي لا يرقأ إليها شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن الرقابة في عهد الخلافة الراشدة لم تكن فيها معاظلة أو التواء، كما هو الحال الآن بل كانت حقًا مكفولاً للجميع، فمن وقت لآخر نبصر مشدوهين بعض الصحابة الميامين ينتقدون في رابعة النهار السلوك الذي يند من الخليفة كما حدث بين سلمان الفارسي وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في أمر الثياب، هذه الشواهد تجعلنا نشعر بوطأة خزي عجيب أيها السادة، فمجالسنا النيابية والوطنية التي اُنتخبت من قبل هذه الشعوب التي خلت حياتها من قلوب تحنو عليها، يتعالى صهيلها مطالبة «بحقوقها» المهدرة، كما نراها دائمة الوفاق مع السلطة التنفيذية التي لا يعتريها يأس، أو يخامرها قنوط، في تمرير ما توده من سياسات، فجل هذه المجالس تؤدي دون كلل أو ملال نفس الدور الذي تؤديه تلك المجموعات الجميلة التي تقف في شموخ ورفعة خلف مغنٍ فشا ذكره على الألسنة، وقرع صيته الأسماع، تجتر ما يقوله في نشوة، وتدمي أكفها في طرب بالغ
د. الطيب النقر
nagar_88@yahoo.com
/////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عن المنکر الله علیه رضی الله
إقرأ أيضاً:
انشرْ تُؤجرْ.. رسائل دينيّة أم تضليليّة!
مع نهاية كل أسبوع، وخصوصًا يوم الجمعة، حيث يقترن هذا اليوم العظيم برسالة دينية تأتينا من هنا وهناك، من الأصدقاء أو الخلّان، وقد ذُيلت في نهايتها بعبارة "انشر تؤجر" .... وقد تكون رسالة تعرض حديثًا نبويًا شريفًا، أو آيةً قرآنيةً كريمةً، يزعمون فيها أنّ هناك إعجازا من نوع ما، سواء كان الإعجاز عدديا أم غيره ...
والكل تأخذه العاطفة ويسارع في عمل الخيرات، فالحسنات يذهبن السيئات، ويا له من أجر هيّن، وجهد بيّن، فما عليك إلا تحويل الرسالة لعشرات الأشخاص، إنْ لم يكن الآلاف إذا أدرجتها على صفحتك الشخصية على الفيس بوك أو تويتر أو كلتيهما؛ طمعا في الحصول على أعلى أجر من الحسنات، ووصولا لأكبر عدد من الشخصيات، ويستمر الإرسال وينتشر كأنه النار في الهشيم.
لكن هل فكرتَ في ذلك قبل نشره، وهل تأكدت من صحته؟ بل هل قمت بقراءته قراءة واعية.
كلنا يعرف أنّ القرآن الكريم معجز بلفظه ومعناه، وبكل حرف فيه، فهو كتاب الله الخالد، الذي تكفل الله - سبحانه وتعالى - بحفظه من التبديل والتغيير، حيث قال تعالى:" إنَّا نحنُ نزلّنا الذّكر َوإنا له لحافظون"(سورة الحجر- 9).
كما نعرف أن كلام رسولنا العظيم – صلى الله عليه وسلم -وحي من السماء إذ قال تعالى: "وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى" سورة النجم- 3).
وعندما يتحدث بعض العلماء عن الإعجاز العددي في القرآن وهو أسلوب جديد في كتاب الله، فإنّ الهدف منه زيادة إيمان المؤمن وتثبيته.
لكن عندما تتبعت بعضًا من تلك الرسائل، لاحظت أنّ هناك أمرًا يُدبر، يجب أنْ ننتبه له، حيث يقوم بعضهم بطرح موضوعات مزيفة، حول القرآن الكريم أو السنة النبوية، ويعملون على نشرها على أوسع نطاق؛ وذلك بهدف التأثير على قطاع كبير من الجماهير، بدعوى أنه وجه من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم أو السُنة النبوية، ومن ثَمّ يصدقها الناس ويعملون على نشرها بشتى الطرق، كأنهم قاموا بعمل جليل عظيم.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل تأكدنا بأنفسنا من صحة ذلك، وهل لدينا مصدر موّثق؟
إنّ مواقع التواصل الاجتماعي لا تعدُّ مصادر مؤكدة، وخصوصا لمثل هذه القضايا المهمة التي تتعلق بالدِّين. فالذين يطلقون هذه القضايا هدفهم خبيث، فهم يريدون الطعن في القرآن الكريم، وتشكيك الناس فيه.
فنجدهم تارة يشيعون أنّ هناك إعجازًا في تكرار كلمة "شهر "اثنتا عشرة مرة في القرآن الكريم، وهو عدد شهور السنة.. وتارة أخرى نجدهم يشككون في صحة ذلك، ويقولون ما هذا إلا كذب وافتراء (وهم صادقون هذه المرة)، فكلمة شهر لا تتكرر اثنتا عشرة مرة في القرآن كما زعموا وأشاعوا في المرة الأولى، وقام الناس بتصديقهم، بل نشروا ذلك وانتشر كالنار في الهشيم. فماذا يحدث عندئذٍ؟ يحدث الشك وعدم اليقين والطعن في كتاب الله وسُنة رسوله العظيم. ومن هنا تكون البداية...بداية التشكيك في القرآن وصحته، فبعدما ينشرون خططهم الخبيثة التي يصدقها البعض، ويسير في رحابها بقصد أو دون قصد، يأتون ليشككوا فيها ويثبتوا كذبها وافتراءها، فيدخل الوهن والشك في قلوب بعض الناس وخصوصا الشباب، الذي لا يقرأ ولا يحاول أنْ يتأكد من صحة ما يعرض أمامه على مواقع التواصل الاجتماعي.
إنّ كثيرًا من الأمور والقضايا وخصوصا التي تتعلق بالدين، نجدها شاعت وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وهي في معظمها غير صحيحة ونجد في نهايتها عبارة "انشر تؤجر "
فأي شيء ننشره! وأي أجر نأخذه!!!
فالهدف من ذلك كله هو إحداث الخلط والاضطراب بين الصحيح وغير الصحيح، بل وإشاعة ونشر غير الصحيح بين الناس، فيتوهم الناس صحته، ويخطِّئون الصحيح، في وقت لم يعد الناس يقرؤون ولا يحاولون البحث عن صحة ذلك من عدمه، ومع ذلك فهم مسؤولون ومحاسبون لأنهم مقصرون.
إننا مستهدفون في عقيدتنا كما في أوطاننا، وللأسف بَعضُنَا صار وسائل فاعلة ضدنا على مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الحرب الشرسة، فأحيانا نجد صورًا ومقاطع فيديو لا تليق بنا ولا بعاداتنا ولا بأسس عقيدتنا، فلا داعي لنشرها، فضررها كبير على الفرد والأسرة، وبالتالي على المجتمع بأسره.
إني أدعو الجميع دعوة صادقة من صميم القلب، إلى عدم نشر معلومات تتعلق بالدِّين أو الوطن أيا كانت تلك المعلومات، قبل التأكد من صحتها بطرق مؤكدة موثقة، فما تظنه يخدم القضية قد يضرها ويدمرها، وأنت تكون السبب في ذلك دون قصد منك.