لجريدة عمان:
2025-07-01@01:15:14 GMT

حديث ذاتي

تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT

إنَّ الفارق بين «الفعل» و«عدم الفعل» ضئيل جدًا، ومتى ما ظننا بأن الفعل وحده ما يحدد حياتنا مسيرها ومصيرها؛ فيجب أن نتأهب للعواقب عاجلًا أم آجلًا. وتمثل السلطة الخفية أحد أبرز العوامل في اختيارنا للفعل من عدمه، وهذه السلطة تتضمن العائلة والأصدقاء والأقرباء والمعارف، أو بالأحرى كل من نهتم لأمرهم ونظن بأنهم يتوقعون منا أفعالا معينة بطريقة معينة في حال معينة يكون لرأيهم تأثير علينا، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

الحرية الشخصية والوعي الحقيقي بالذات، يعدان أمران حيويان ومغيبان في الآن ذاته!؛ فالوعي بالذات يجعلنا نختار الصواب -يتحدد الصواب هنا بالقناعات التي نتبناها والمبادئ والأسس الأخلاقية لهذه القناعات- بمعزل عن السلطة الخفية وبوعي تام بوجودها، أي أن تلك السلطة تذوب تماما أمام ما اعتبرناه صوابًا. أما من يرزح تحت قيود السلطة الخفية تلك، فيظل مقيدا موجَّهَ الأفعال والتصرفات دون أن يدري!؛ وذلك لأن ما يقوم به يكون نتيجة ضغط لا يلزم بالضرورة أن يكون ضغطًا حقيقيًا، وإنما هو ضغط مُتَخَيَّلٌ يُلزِم الإنسان نفسه به ويعيش وفقًا له. وهذا ينطبق على الأمور الكبيرة والقرارات المصيرية وعلى الأمور اليومية الاعتيادية على السواء.

تنبري أمام الإنسان في لحظات الصفاء المطلق خياراته، ويصاب بالهلع أحيانًا جراء ما فعله، أو ما يعتقد أنه ينبغي عليه أن يفعله. وما بين اتخاذ القرار بوعي حقيقي، وبين اتخاذه بناء على ما سبق الإشارة إليه من سلطة وضغط غير حقيقيين؛ تكون النتائج النهائية حاسمة في تحديد مصير الإنسان. فإما أن يتطرف في اختياراته وينعزل انعزالًا كليًا عن المجتمع والحياة، أو أن يمارس حياته بوسطية تتيح له الانزواء في زاويته الخاصة في كوخه الصغير تارة، وممارسة حياته تحت أضواء المسرح تارة أخرى، ويظل محتفظًا بذاتيته الحقيقية ونقائها الذي يبذل جهده للحفاظ عليها.

الحياة طريق طويلة عسيرة، وللإنسان فيها الخيار الكامل والتام في كيفية سلوكها، ولكن هذه الطريق ذاتها هي ما تصقل المرء وتكشف معدنه؛ فإما أن يذوب في المُتَخيَّل والمُنتَظَر منه، أو أن يشق طريقه الخاص بقناعاته التي يبنيها ويهدمها منتقلا من طور إلى طور في سبيل تشييد كماله الإنساني. بعبارة أخرى، يمكن له أن يختار شلة أو جماعة أو فئة ينضوي تحتها ويعتقد معتقدها ويتبنى مواقفها الأخلاقية والثقافية والاجتماعية، أو أن يكون حرًا يختار صوابه بمعزل عن الانضواء تحت أي جماعة وتكون له آراؤه الخاصة الذاتية النابعة من قناعة صادقة وبحث متأن.

يردد المثقفون عبارة «الوعي مؤلم» ونحوها، وفي الحقيقة فإن الألم والصعوبة الحقيقيين يكمنان في الشجاعة بأن نكون نحن كما نؤمن بأنفسنا، لا كما يرانا الآخرون. أتذكر عبارة في هذا السياق لأحد الأصدقاء «بعض الناس يريدونك ضحيةً ويتجمعون حولك حين تكون ضحيةً، ويهاجمونك حين تتعافى». إن هذا السلوك لا يعدو كونه أمرًا إنسانيًا مكررًا، فالناس يحبون المسيح مصلوبا ولا يرون له قدسية أو رمزية دون ذلك الصلب!. وفي الثقافة، يكون المؤلف الشهيد أعلى قيمة من الحي؛ حتى وإن كان المؤلف الحي أكثر معرفة وأهم طرحا ومعرفة وإنتاجا. لا أحب التطرف حد القول بأن المثقف المسجون يكون رمزًا أكثر من المثقف الذي لم يذق السجن، ولكن الحياة الواقعية تفرض علينا بأن نعترف بأن هنالك مثقفين ذاقوا مرارة السجن ثمنًا لقناعاتهم الصادقة، وآخرون انتفعوا من السجن لتكوين صورة المناضل الحر وفي الحقيقة هم ينتفعون من تلك الصورة المزيفة.

تتطلب الحياة التي تموج بنا في هذه البحار الهائجة من النار والسم الذي نظنه عسلا، أن نتروى قليلا وننزوي في جبلنا أو مزرعتنا الروحيتين ونفكر في المسار الذي نسلكه والطريق الذي نشقه. وكما أن على الإنسان أن يعمل بجد، فعليه أن يرتاح قليلا ليلتقط أنفاسه؛ كي لا تتوقف عضلة القلب عن العمل بعد مجهود فاق قدرتها التشغيلية! وهذا ينطبق على طوفان الأقصى والإبادة التي يتعرض لها أشقاؤنا الفلسطينيون؛ فالانغماس الكلي في مشاهدة القتل وقراءة الأخبار السلبية وحدها يميت القلب ويصيب المرء باليأس، لكن «استراحة المحارب» وفرصة التقاط الأنفاس قبل العودة إلى ميدان النضال -الذي قد لا يتعدى النشر في مواقع التواصل الاجتماعي- مطلب مهم ليكون التأثير حقيقيًا وناجعًا في مواجهة طوفان الشر الاستعماري، وكذلك في مواجهة طوفان الزيف في الحياة. فمرة أخرى، تعلمنا من طوفان الأقصى أن الدعاية التي آمنا بها طورا ودافعنا عنها ذات مرة؛ تنحسر وتكشف عن حقيقتها عند المآسي الإنسانية، ويصبح متبني تلك الدعايات أمام مأزق حقيقي، مأزق لا يتيح له الذوبان والاختباء، بل يصبح مطالبا بقول إحدى الكلمتين «لا/نعم».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حكم العيسى أبو عمر السوري.. أحد مهندسي طوفان الأقصى

أحد أبرز القادة العسكريين في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). انتقل إلى قطاع غزة عام 2005، وشارك في تطوير البنية القتالية للمقاومة الفلسطينية، وكان أحد أبرز مؤسسي منظومة التدريب العسكري، وهو أحد مهندسي عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية عام 2023. وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي اغتياله في يونيو/حزيران 2025.

المولد والنشأة

وُلد حكم العيسى -المعروف باسم "أبو عمر السوري"- في الكويت عام 1967 لأسرة فلسطينية تعود جذورها إلى بلدة رامين قضاء طولكرم شمال غرب الضفة الغربية.

ووفق مصادر فلسطينية، أقام العيسى في الكويت قبل أن يتنقّل بين سوريا ولبنان.

الدراسة والتكوين العلمي

درس العيسى في مدارس ضاحية عبد الله السالم والعديلية بالكويت، ثم أنهى تعليمه الجامعي في الهند. انخرط مبكرا في الأعمال المناصرة للقضية الفلسطينية قبل أن يغادر الكويت بعد الغزو العراقي متجها إلى الأردن.

التجربة العسكرية

انخرط أبو عمر السوري مبكرا في العمل المقاوم، إذ تنقّل -وفقا للإعلام الفلسطيني- بين عدد من الدول وساحات الصراع المختلفة، أبرزها أفغانستان والشيشان وسوريا ولبنان، مما أكسبه خبرات ميدانية واسعة.

واستقر لاحقا في سوريا ثم انتقل إلى قطاع غزة عام 2005، وبدأ فيها مرحلة العمل العسكري التنظيمي داخل كتائب القسام. وارتبط اسمه بمشاريع بناء المواقع والمنشآت القتالية حتى أُطلق عليه بين الكتائب لقب "أبو المواقع".

ولعب دورا محوريا في تأسيس منظومة التدريب والتطوير داخل كتائب القسام، وأشرف على إنشاء الأكاديمية العسكرية التابعة لها، وامتد تأثيره إلى إدخال تخصصات علمية وفنية دقيقة في مجالات عسكرية متعددة.

ويعد "أبو عمر السوري" أحد أبرز المهندسين العسكريين الذين أسهموا في وضع الأسس الأولى للخطط الدفاعية في قطاع غزة، كما كان له دور بارز في التخطيط والمشاركة في عدد من العمليات الهجومية الكبرى، وعلى رأسها عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

الاغتيال

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيان يوم 29 يونيو/حزيران 2025 اغتيال حكم العيسى في قصف استهدف حي الصبرة بمدينة غزة، ووصفه بأنه أحد مؤسسي حركة حماس وآخر القيادات العليا للحركة وجناحها العسكري داخل القطاع.

إعلان

ووفق وكالة الأناضول، لم يصدر أي تعليق من حركة حماس أو كتائب القسام بشأن إعلان الجيش الإسرائيلي اغتيال العيسى.

مقالات مشابهة

  • عندما يكون الإنسان أكثر وحشية من الآلة!
  • إعلام عبري: يجب ان يكون الدور على مصر بعد ايران
  • مايكل روفائيل: ثورة 30 يونيو انتصار حقيقي على الفكر المشبوه والتدين المزيف
  • حزب الوعي: ثورة 30 يونيو كانت تجسيدًا حقيقيًا لإرادة الشعب المصري
  • رئيس مجلس إدارة شركة المها الدولية محمد العنزي: على بعد كيلو مترات من هذا القصر ولدت أول أبجدية عرفتها البشرية وعلى هذه الأرض خط الإنسان أولى الحروف التي تحولت لاحقاً إلى حضارات وتراث إنساني لا يزال نوره يهدي العقول والأمم ومن هنا من دمشق نطلق مشروعنا الث
  • هل طوفان الأقصى ورطة؟
  • حكم العيسى أبو عمر السوري.. أحد مهندسي طوفان الأقصى
  • عندما يكون حظك سىء ومصمم تعيش
  • العثور على رضيع حديث الولادة داخل جامع في كركوك
  • رئيس الأساقفة: الاهتمام بالفرد هو استثمار حقيقي في مستقبل المجتمعات