لن ينسى أحد ازدراء الغرب الكامل لحياة الفلسطينيين
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
ما قيمة الحياة الفلسطينية؟ اقترح جو بايدن الأسبوع الماضي إجابة محددة لهذا السؤال، لكن لن يتقبلها إلا الذين لم تزل لديهم أوهام لم تطمرها بعد أنقاض غزة مثلما طمرت عائلات بأكملها ـ من قبيل عائلات زعرب، والقطشان، وعطا الله. فالبيان الصادر بمناسبة مرور مائة يوم على بدء الرعب الحالي، أبدى تعاطفا مستحقا مع محنة الرهائن –الذين يمثل اختطاف حماس لهم جريمة حرب جسيمة - وأسرهم المكلومة.
لم يبال الساسة ولا المنابر الإعلامية على السواء بإخفاء ازدرائهم للحياة الفلسطينية وسيكون لهذا عواقبه. والحق أن هذه الظاهرة غير جديدة، وتداعياتها باتت الآن محسوسة بعنف. فلو أن أمم العالم القوية لم تتجاهل بهذا السفور طرد ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من بيوتهم قبل ستة وسبعين عاما، ومعهم ما يقدر بخمسة عشر ألفا ماتوا ميتات عنيفة، لما كنا جنينا الآن الحصاد المرير لتلك البذور. لقد بدأت المنابر السياسية والإعلامية على ما استمرت عليه. فكم عدد أولئك الذين يعلمون أن مائتين وأربعة وثلاثين فلسطينيا لقوا مصرعهم في الضفة الغربية وحدها على أيدي القوات الإسرائيلية في العام الماضي –قبل الأعمال الوحشية التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر ولا يمكن الدفاع عنها- وأكثر من ثلاثين منهم كانوا أطفالا؟ يقولون إن الحياة رخيصة. وواضح تماما أنها عديمة المعنى لو أنك فلسطيني.
ولو أن شيئا من القيمة كان قد ارتبط بالحياة الفلسطينية فربما ما كان كل ما شهدناه من عقود الاحتلال والحصار والاستعمار غير الشرعي والأبارتيد والقهر العنيف والذبح الجماعي. ذلك أنه يصعب استمرار قهر الآخر عند الأعراف بإنسانيته.
بل إن بعض من قبلوا لامبالاة الغرب بالحياة الفلسطينية ربما توقعوا بعد هذه المذبحة القاتلة أن ينهار السد في نهاية المطاف. فلا شك أن مشاعر قوية سوف تتحرك بسبب الموت العنيف لعشرة آلاف طفل، أو الأطفال العشرة الذين تبتر لهم الساق أو الساقان كل يوم، وفي الغالب بلا تخدير. ومن المؤكد أن ينجم اشمئزاز قاهر عن وضع خمسة آلاف وخمسمئة امرأة حبلى في الشهر ـ وكثير منهن وضعوا بعمليات قيصرية تمت بلا تخدير ـ أو عن احتضار حديثي الولادة بسبب انخفاض حرارة الجسم والإسهال. ومن المؤكد أن التقديرات بموت ربع سكان غزة في غضون سنة بسبب تدمير إسرائيل للنظام الصحي وحده سوف تفضي إلى مطالبات كثيرة بشيء ما، أي شيء، لإنهاء هذا الفحش. من المؤكد أن القصص اللانهائية لعمال الإغاثة والصحفيين والأطقم الطبية إذ يذبحون هم وذووهم ـ أو أسرهم بالكامل ـ بسبب القصف الصاروخي الإسرائيلي سوف تثير في نهاية المطاف جماعات غربية هادرة في الغرب إلى أن تصيح: هذا جنون وضيع مختل لا بد من إيقافه.
وهذا لم يحدث، ولذا سوف تكون العواقب وخيمة.
ليست الاستهانة بالحياة الفلسطينية افتراضا، ولكنها حقيقة إحصائية. وفقا لدراسة جديدة للتغطية في كبرى صحف الولايات المتحدة الأمريكية، في مقابل كل وفاة إسرائيلية يشار إلى الإسرائيليين ثماني مرات - أو بمعدل ست عشرة مرة أكثر من الفلسطينيين. وفي تحليل لتغطية هيئة الإذاعة البريطانية قامت بها أخصائية البيانات دانا النجار وجان ليتافا ظهر التباين الهائل بالمثل، وظهر أن المصطلحات الإنسانية من قبيل «الوالدة» و«الزوج» أقل استعمالا في وصف الفلسطينيين، بينما المصطلحات المثيرة من قبيل «المذبحة» أو «المجزرة» لم تستعمل تقريبا إلا مع الضحايا الإسرائيليين «لفظائع» حماس.
وكل هذا سوف يكون له أثر عميق. ابتداء، انسوا أي مزاعم غربية مستقبلية بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي. فأغلب العالم يحتقر بالفعل هذه التصورات الذاتية بالصواب، ولم يروا فيها أكثر من خدعة جديدة لتعزيز المصالح الاستراتيجية للبلاد التي حققت ثراءها على حساب بقية العالم: لقد تولدت مرارة دائمة عن قرون الاستعمار الذي قام على الإبادة الجماعية في كثير من الأحيان، مثلما تولدت عن مجازر إضافية أحدث من قبيل حرب العراق، أو الدعم النشط للأنظمة الاستبدادية الطيعة في مختلف القارات. وبعد أن قام الغرب بتسليح إسرائيل ودعمها وهي تفرض الموت الجماعي على غزة بالقنابل والرصاص والجوع والعطش وتدمير المرافق الطبية، لن ينصت أحد إلا السذج إلى مثل هذه الادعاءات مرة أخرى.
ولا يجب أن يقتصر ذعر النخب السياسية والإعلامية الغربية على الدول الأخرى فقط. لأن هذه النخب تواجه الانهيار الأخلاقي في الداخل أيضا. إذ نشأت الأجيال الشابة في بلاد من قبيل الولايات المتحدة وبريطانيا على التعامل مع العنصرية بجدية تفوق كثيرا الأجيال السابقة، ويتبين من استطلاعات الرأي أن هذه الأجيال أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين من المواطنين الأكبر سنا. هذه الأجيال تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بغزارة، فتشاهد صورا لا تنتهي لفظائع غزة، والجنود الإسرائيليون إذ يقدمون عن طيب خاطر جرائم الحرب للتسلية العامة. وقد وصف المحامي الأيرلندي بلين ني جراليج، في أثناء عرضه لقضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، ما حدث بأنه «أول إبادة جماعية في التاريخ يبث ضحاياها دمارهم الخاص في وقت حدوثه على أمل يائس ولا جدوى منه حتى الآن في أن يفعل العالم شيئا ما». لقد ثبت أن هذه الوقائع كلها كانت مصدر معرفة أكيدا للأجيال الشابة التي شاهدت العديد من مقاطع الفيديو لأمهات صارخات يمسكن جثث أطفالهن حديثي الولادة وقد فارقتها الروح.
ما الذي يمكن أن يخلص إليه هؤلاء الشباب إذن من التغطية الإعلامية، أو تصريحات السياسيين، التي لا يبدو أنها تتعامل مع الحياة الفلسطينية باعتبارها ذات قيمة على الإطلاق؟ ما الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها في ما يتعلق بالأقليات السكانية المتزايدة في البلاد الغربية التي لا تبذل نخبها الإعلامية والسياسية جهدا يذكر لإخفاء ازدرائها للحياة الفلسطينية إذ يؤتى عليها بهذا الشكل الرهيب؟
لذلك، نعم، لقد رأينا كيف أن عدم معاملة الفلسطينيين بوصفهم بشرا قد جعل الكابوس الذي نشهده اليوم أمرا محتوما. ويمكن أن نرى المزاعم الأخلاقية التي تستعمل لتبرير الهيمنة الغربية على العالم وهي تتمزق بشكل دائم. ولكننا لم نفكر كثيرا في أن النخب السياسية والإعلامية في الدول الغربية قد أشعلت النار في سلطتها الأخلاقية، وتركتها تتقيح بجانب آلاف الجثث الفلسطينية مجهولة الهوية المدفونة تحت الأنقاض. من المؤكد أنها نقطة تحول، وأن عواقبها لن تتضح للأفهام إلا بعد فوات الأوان.
أوين جونز كاتب عمود في صحيفة جارديان
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من المؤکد أن من قبیل أن هذه
إقرأ أيضاً:
زيلينسكي يطالب الناتو بدعم الصناعة الدفاعية الأوكرانية قبيل قمة لاهاي
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يحث دول الناتو على دعم الصناعة الدفاعية الأوكرانية قبيل قمة لاهاي، في وقت تسعى فيه الدول الأعضاء إلى رفع هدف الإنفاق العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. اعلان
دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى دعم صناعة الدفاع الأوكرانية، في تصريحات أدلى بها قبيل انطلاق قمة الحلف التي تستضيفها مدينة لاهاي الهولندية.
تأتي تصريحات زيلينسكي ضمن استعدادات الحلف لإصدار هدف جديد للإنفاق العسكري، وهو ما تضغط الولايات المتحدة من أجله منذ فترة طويلة.
ومن المنتظر أن يرتفع الهدف من 2% حالياً إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة عضو، بما يتضمن زيادة الإنفاق العسكري وإدراج بنود أوسع مرتبطة بالأمن.
ترامب ينتقد إسبانيا.. والخلاف حول الإنفاق مستمرفي الوقت نفسه، وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقاداً لاذعاً إلى إسبانيا أثناء توجهه إلى القمة، بعد أن أعلن رئيس وزرائها بيدرو سانشيز أن بلاده لا تنوي الالتزام بالهدف المالي الجديد للإنفاق الدفاعي.
ويرى ترامب وعدد من الدول الأعضاء أن رفع مستوى الإنفاق ضروري لمواجهة التهديدات المتزايدة، خاصة من روسيا التي أعادت تسليح نفسها بسرعة وبإسناد من الصين وتستخدم أسلحة إيرانية وكورية شمالية.
رسالة موحدة إلى موسكو رغم الخلافات الداخليةقال الأمين العام لحلف الناتو مارك روته إن الغرض من القمة هو إرسال رسالة واضحة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الناتو موحد، وأنه عازم على توسيع وتحديث دفاعاته لردع أي اعتداء محتمل.
ورغم الانتقادات السابقة التي أبداها ترامب تجاه الحلف، أكد روته أن واشنطن ما زالت ملتزمة بالناتو، لكن ذلك يأتي مع توقعات بزيادة الإنفاق الدفاعي من الدول الأوروبية وكندا.
وشدد روته على أهمية التعاون عبر الأطلسي في مجال الصناعات الدفاعية لمواجهة تحدي إعادة التسلح، مشيراً إلى أن "التفوق العسكري لحلف الناتو يواجه تحديات عدوانية من جانب روسيا".
Relatedإسبانيا ترفض مقترح إنفاق الناتو 5% من الناتج المحلي الإجمال وتعتبره "غير معقول"روته: زيادة إنفاق الناتو إلى 5% من الناتج المحلي قفزة نوعية لتعزيز الردع ضد روسيا مظاهرة في شوارع لاهاي ضد الناتو عشية انعقاد القمة الكبرى للحلفزيلينسكي: الطائرات المُسيَّرة عنصر استراتيجيمن جانبه، شدد زيلينسكي على أهمية تطوير أوكرانيا لتكنولوجيا الطائرات المُسيَّرة، التي أصبحت عاملاً استراتيجياً في الحرب المستمرة منذ 40 شهراً. وقال: "أرجو أن نضمن أن تعمل قدراتنا الدفاعية وقدرات شركائنا من أجل تحقيق السلام، وليس لخدمة جنون روسيا".
ومن المنتظر أن يلتقي زيلينسكي برئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب على هامش القمة، في لقاء قد يكون له تأثير على دعم أوكرانيا في المستقبل.
روسيا تتهم الناتو بالتصعيدفي المقابل، انتقد الكرملن بشدة خطط الناتو لرفع الإنفاق العسكري، ووصف الحلف بأنه "على طريق التصعيد العسكري المفرط"، واتهمه باستخدام روسيا كذريعة لتبرير هذه الخطوة، واصفاً موسكو بأنها "وحش من الجحيم".
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن الناتو "تحالف أُنشئ للمواجهة... وليس أداة لتحقيق السلام والاستقرار"، معتبراً أن محاولات طمأنة الحلف بشأن عدم وجود نوايا عدائية ضد روسيا "جهد مضيع".
تجدر الإشارة إلى أن روسيا قدّمت رغبة أوكرانيا في الانضمام إلى الناتو كأحد الأسباب الرئيسية لشن الحرب عليها في فبراير 2022.
يذكر أن حلف الناتو تأسس عام 1949 على يد 12 دولة غربية بهدف مواجهة الاتحاد السوفيتي الشيوعي، ويضم الآن 32 دولة عضواً.
ومع تركيز القمة على الجانب الدفاعي والأمني، فإن تطورات أخرى تُعقّد المشهد، مثل تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران وعدم استقرار الوضع في قطاع غزة، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمخرجات القمة كما يرغب المنظمون.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة