د. هشام إبراهيم يكتب: حوار اقتصادي مهم
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
وثيقة الرؤية الاستراتيجية للولاية الرئاسية الجديدة 2024-2030 تمثل صياغة لأولويات التحرك الاقتصادى خلال السنوات الست المقبلة بعد الاستماع إلى آراء الخبراء والمتخصصين لتحقيق أكبر توافق مجتمعى حول الوثيقة قبل صدورها فى شكلها النهائى. نتحدث عن 6 سنوات بالغة الأهمية فى ظل صعوبات دولية وإقليمية، فتلك الاستراتيجية ستمثل خطط برامج قابلة للتنفيذ خلال السنوات المقبلة ومعرفة نسب تنفيذها، لذلك يجب أن يكون هناك حوار وطنى ورؤية استراتيجية لتلك الوثيقة.
ما قدمه مركز المعلومات بمجلس الوزراء استغرق 6 أشهر من العمل، بعد سلسلة من الجلسات وورش العمل التى عقدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء مع نحو 400 من الخبراء المحليين والدوليين؛ لوضع أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصرى فى ضوء الأزمات العالمية الحالية والمتوقعة مستقبلاً، حيث خلصت الوثيقة إلى 873 توصية داعمة لأداء الاقتصاد المصرى، وذلك تمهيداً لطرحها أمام جلسات الحوار الوطنى، بما يحقق أكبر توافق مجتمعى حول سياسات وآليات تنفيذ مستهدفات الوثيقة خلال السنوات الست المقبلة، وبما يتفق فى الوقت نفسه مع الأهداف طويلة المدى ضمن استراتيجية مصر للتنمية المستدامة «مصر 2030».
أدعو لضرورة النقاش والحوار حول حجم الاستثمارات وحجم الصناعات فى إطار سياسة ملكية الدولة وفى إطار برنامج الطروحات، كذلك الحديث حول الاستثمارات العامة وسبب تراجعها نسبياً، كذلك المشروعات الاستراتيجية، والتنمية بدءاً من سيناء وجنوب صعيد مصر حتى مرسى مطروح، ودعم الاستثمارات الخاصة، وحل جميع المشاكل التى تواجهها، خاصة أنها ستلعب الدور الأهم على مستوى القطاع الاقتصادى خلال السنوات المقبلة، فنحن بحاجة لرقم من الاستثمارات للقطاع الخاص يكون مرضياً للاقتصاد المصرى، السؤال الأهم: هل القطاع الخاص قادر وجاهز لتحقيق الرقم المطلوب أم لديه مجموعة من التحديات والمشاكل التى يجب علاجها ومواجهتها وتذليل العقبات أمام القطاع الخاص؟
أطرح أيضاً أن يحدث توافق ما بين الحكومة ومجتمع الأعمال ومجلس النواب فى قوانين الاقتصاد والاستثمار، وفى الإطار التشريعى، خاصة بعد طرح وثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصرى للفترة الرئاسية الجديدة بالمرحلة الثانية لجلسات الحوار الوطنى، الذى انطلق بدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، لمشاركة جميع أطياف المجتمع فى صياغة أولويات العمل الوطنى.
وفى ظنى أن ثمار ذلك خروج رؤية استراتيجية متكاملة تتضمن برامج وخططاً للمشروعات المهمة بالأرقام والتفاصيل، فعلى سبيل المثال؛ قطاع حديد التسليح أو قطاع الاستثمار لا بد من معرفة الفجوات وتغطيتها بناء على الرؤية الاستراتيجية، التى بالتأكيد سيكون مشاركاً فيها أهل الرؤى من اتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية ورجال الأعمال ورجال الاقتصاد والحكومة والبرلمان وكل من له شأن اقتصادى لترجمة خطة شاملة.
مصر لديها رؤية شاملة وطموحة ممثلة فى استراتيجية مصر للتنمية المستدامة «مصر 2030»، وهى المرجع الرئيسى والرؤية الأشمل والأعم للدولة المصرية، والوثيقة هى جهد بحثى يستهدف تحقيق بعض المستهدفات الواردة بتلك الرؤية بما يدعم الخطط التنموية للدولة على صعيد النمو والاستثمار والتصدير وغيرها، وذلك بعد إجراء دراسات تحليلية لمسارات الاقتصاد المصرى خلال 40 عاماً.
والنقاش حول بنود الوثيقة والتأكد من توافقها الكامل مع «رؤية مصر 2030» ضمن جلسات الحوار الوطنى سيعزز من صدورها فى شكلها النهائى، وكل ذلك يصب فى مصلحة المواطن وإيجاد رؤية اقتصادية شاملة للفترة الرئاسية المقبلة، خاصة أن العالم يشهد حالة من عدم الاستقرار منذ انتشار وباء كورونا، الذى ما زالت أصداؤه تؤثر على تحركات أكبر اقتصاديات العالم حتى الآن، الأمر الذى تطلب ضرورة التحرك لصياغة خطة لمستقبل الاقتصاد خلال السنوات الست المقبلة لتعزيز مرونته فى مواجهة الأزمات.
* أستاذ الاستثمار والتمويل بجامعة القاهرة
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الاقتصاد الدولى دور مصر الرائد الثورة الصناعية الاقتصاد الأخضر خلال السنوات
إقرأ أيضاً:
المهندس سعيد المصري يكتب : هوية اقتصاد السوق الاجتماعي: ثنائية الكرامة الإنسانية والحداثة المستقبليه
صراحة نيوز- بقلم / المهندس سعيد المصري
يواجه الأردن تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة في ظل سعيه لتحقيق نمو شامل وعادل. هذه التحديات تتطلب نمطًا اقتصاديًا يوازن بين كفاءة السوق وحماية الفئات الأضعف، وهو ما يوفره نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي نشأ في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية وحقق توازنًا لافتًا بين الرأسمالية والإصلاح الاجتماعي. يقوم هذا النموذج على مبادئ واضحة تشمل حرية السوق والمنافسة، ودور منظم وفاعل للدولة، وشبكة أمان اجتماعي شاملة، ونظام ضريبي تصاعدي عادل، مع ضمان عدالة توزيع الفرص والموارد.
في السياق الأردني، يبدو هذا النموذج ملائمًا بدرجة كبيرة، خاصة في ظل التركيبة الديمغرافية الشابة، ووجود فجوة واضحة في عدالة توزيع الثروة والفرص بين المركز والأطراف. كما يوفّر اقتصاد السوق الاجتماعي أرضية صلبة لتحقيق التحديث الاقتصادي دون التفريط بالبعد الاجتماعي، ما يعزز فرص الاستقرار السياسي والاجتماعي ويقوي العقد الاجتماعي.
أحد المحاور الجوهرية لهذا الطرح يتمثل في إعادة تعريف شبكة الأمان الاجتماعي، بحيث لا تقتصر على الإعالة، بل تتحول إلى رافعة للتمكين من خلال أدوات ذكية. من بين هذه الأدوات التحويلات النقدية المشروطة، وربط المعونة بالتشغيل، وتوفير برامج تأمين ضد البطالة، وتوجيه الإنفاق نحو البنية التحتية الاجتماعية كالصحة والتعليم والتدريب. كما يُقترح إنشاء صناديق استثمار اجتماعي تتولى تمويل هذه البرامج بشكل مستدام، بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
يتطلب هذا النموذج أيضًا إصلاحات هيكلية في النظام الضريبي، تركز على توسيع القاعدة الضريبية بدلاً من رفع النسب، وتصنيف السلع ضمن شرائح ضريبية تحمي الفقراء وتحقق العدالة. كما يدعو إلى اعتماد مؤشرات العدالة الاقتصادية ضمن آليات تقييم الأداء الحكومي، وتوجيه التعليم الفني والتقني نحو احتياجات السوق في قطاعات الزراعة والطاقة والتكنولوجيا، بما يدعم تشغيل الشباب والنساء، وخاصة في المناطق الأقل حظًا.
يتعزز مبرر تبني نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي بحقيقة أن الأردن لم يعد يملك رفاهية تأجيل التحول الرقمي والولوج العميق إلى عصر الذكاء الاصطناعي، إذ بات من الحتمي إدماج التكنولوجيا والإبداع في صلب منظومة العمل الحكومي والخاص على حد سواء. المرحلة القادمة تتطلب بنية اقتصادية قادرة على التفاعل الإيجابي مع ثورة التحول الرقمي، بحيث تصبح التكنولوجيا محركًا أساسيًا للنمو الاقتصادي والحوكمة الرشيقة. لكن هذا التحول، رغم ضرورته، يهدد بإلغاء عدد كبير من الوظائف التقليدية في القطاعات الاقتصادية وحتى في الجهاز الحكومي، وهو ما يفرض وجود شبكة أمان اجتماعي متماسكة وعصرية تضمن حماية الكرامة الإنسانية للعاملين المتضررين، وتوفر لهم فرصًا لإعادة التأهيل والاندماج ضمن بيئة الاقتصاد الجديد ومجتمع المعرفة. ومن خلال هذه الشبكة، يمكن للأردن تحويل تحديات الأتمتة والرقمنة إلى فرصة لبناء قوى عاملة أكثر مهارة ومرونة، وتعزيز شمولية النمو بدلًا من تعميق الفجوات الاجتماعية.
التقاطع بين هذا النموذج وبين رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن واضح ومباشر، فالرؤية تسعى لخلق مليون فرصة عمل خلال عقد، وتعتمد على تمكين القطاع الخاص وتحديث البنية التشريعية والإدارية للدولة. غير أن أي تحديث اقتصادي دون شبكة أمان اجتماعي عادلة سيظل عرضة لعدم الاستقرار وضعف التأييد الشعبي، وهو ما يعالجه اقتصاد السوق الاجتماعي من خلال تقاسم أعباء الإصلاح بشكل منصف وتعزيز الشعور بالعدالة والكرامة لدى المواطنين.
لقد أثبتت تجارب التحول الكبرى حول العالم أن النماذج الاقتصادية القادرة على التوفيق بين الكفاءة والعدالة هي وحدها القابلة للاستمرار والقبول الشعبي. ولأن الأردن يقف اليوم على أعتاب تحول اقتصادي طموح، فإن تبني نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي ليس فقط خيارًا سياسيًا أو اجتماعيًا، بل يمثل هوية اقتصادية جامعة يمكن أن تسهّل تنفيذ الرؤية الوطنية وتمنحها شرعية مجتمعية واسعة، وتخلق حالة من الثقة المتبادلة بين الدولة والمواطن، وهي الثقة التي لا تنجح بدون عدالة اجتماعية ملموسة ومؤسسات فعالة