من الحرب التقليدية إلى مكافحة التمرد.. مصيدة بترايوس للجيش الإسرائيلي في غزة
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
سلط المحلل الأمريكي، كولن بي كلارك، الضوء على مؤشرات تحول الحرب في غزة من النمط التقليدي إلى "حملة إسرائيلية لمكافحة التمرد"، مشيرا إلى أن هذا التحول سيعتمد على قوات العمليات الخاصة والضربات الدقيقة والغارات المستهدفة، على أن "يحتفظ الجيش الإسرائيلي بالأراضي بعد تطهيرها من مقاتلي حركة حماس"، حسب تعبيره.
وذكر كلارك، في تحليل نشره موقع "فورين أفيرز" وترجمه "الخليج الجديد" أن هذا التحول الإسرائيلي يأتي عملا بنصيحة الجنرال الأمريكي المتقاعد، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، ديفيد بترايوس، لكن تنفيذه ينطوي على تهديدات محدقة.
فالأبحاث التي أجريت حول حملات مكافحة التمرد السابقة تشير إلى أن مثل هذا النهج في غزة من شأنه أن يؤدي إلى "مستنقع" يمكن أن يمتد لسنوات عديدة، بحسب كلارك، موضحا أن هكذا سيناريو سيمكن حماس من "التكيف" مع واقعها الجديد من خلال الاعتماد على شبكة أنفاقها تحت الأرض، واستخدام البنية الأساسية المدمرة لصالحها، ما يسهل استهداف الجنود الإسرائيليين الذين يقومون بدوريات راجلة.
سيناريو الكارثة
ووصف كلارك تطبيق رؤية بترايوس لمكافحة التمرد في غزة بأنها "ستكون بمثابة كارثة بالنسبة للجيش الإسرائيلي"، موضحا: "سيتهم الفلسطينيون وغيرهم إسرائيل بإعادة احتلال غزة، كما ستزيد الغارات ونقاط التفتيش من تطرف المدنيين، وسيؤدي ذلك إلى تهميش الأصوات الفلسطينية المعتدلة، وإلهام انتفاضة بعيدة المدى، وتحفيز محور المقاومة لشن هجمات على أهداف في إسرائيل وأماكن أخرى".
ويعني ذلك أن أي حملة لمكافحة التمرد في غزة من شأنها، بدلا من إنهاء العنف، أن تنتج "حربا لا نهاية لها"، بحسب تعبير كلارك، الذي نوه إلى أن نهاية الحرب الإسرائيلية في غزة لاتزال مجهولة، لكن سيناريو "الاحتلال المقترن بمكافحة التمرد" ربما يكون الفصل التالي في الصراع، كما تدل على ذلك تصريحات القادة الإسرائيليين.
واستند كلارك في ترجيحه إلى تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن الحرب على حماس لن تنتهي حتى تحقق إسرائيل جميع أهدافها، وتأكيد وزير الجيش، يوآف جالانت بأن الحملة العسكرية "ستستمر طالما كانت ضرورية"، وإشارة رئيس الأركان، هرتسي هاليفي، إلى أن الحرب في غزة ستستمر "لعدة أشهر".
لكن كلارك يحذر من أن تبني إسرائيل لنهج "مكافحة التمرد" قد يحول "الأشهر" بسهولة إلى "سنوات"، مشيرا إلى أن الانجراف وراء هكذا سيناريو قد يحدث حتى من دون تعمد الدولة العبرية، كما حدث للولايات المتحدة في فيتنام والعراق وأفغانستان.
اقرأ أيضاً
بايدن يريد إنهاء حرب غزة.. الصفقة المرتقبة بين حماس وإسرائيل تواجه رفض المتطرفين
ويوضح كلارك أن الانجراف الأمريكية في الدول بدأ بتوسيع المهام من أهداف محدودة إلى أخرى أكثر غموضا وأكثر طموحا، ففي أفغانستان، على سبيل المثال، بدأت الحرب بنية تدمير تنظيم القاعدة، لكن واشنطن وجدت نفسها في نهاية المطاف تحاول القيام ببناء الدولة، وفي النهاية فشلت في تحقيق كلتا المهمتين.
ولا يستبعد كلارك أن تواجه إسرائيل "مستنقعا" كالذي جرى بأفغانستان في غزة، والذي يمكن أن ينتهي بطريقة مشابهة لما واجهته في جنوب لبنان، حيث انسحبت القوات الإسرائيلية بعد عقدين من الزمن دون إزالة تهديد مقاتلي حركة التحرير الفلسطينية، بل ومع ظهور عدو جديد يتمثل في حزب الله.
ويلفت كلارك، في هذا الصدد، إلى أن سيناريو الحرب الممتدة ربما يكون محققا لـ "حافز شخصي" لدى نتنياهو في ظل الاستطلاعات التي تظهر رغبة الإسرائيليين في قيادة سياسية جديدة، ما دفعه لإعلان أهداف من قبيل "تدمير حماس ونزع سلاح غزة واستئصال التطرف في المجتمع الفلسطيني"، وهي أهداف يتطلب تحقيق أحدها سنوات من القتال، كما أن نجاحها غير مضمون في النهاية.
الصبر ينفد
وفي المقابل، بدأ صبر بعض أعضاء القيادة العسكرية الإسرائيلية في النفاد بسبب عدم وجود نهاية سياسية متماسكة للحرب، ولذا أعرب جالانت عن إحباطه لعدم وجود خطة لما يبدو عليه الصراع، قائلا: "من واجب مجلس الوزراء والحكومة مناقشة الخطة وتحديد الهدف".
ويلفت كلارك، في هذا الصدد، إلى أن تبنى الجيش الإسرائيلي لنهج مكافحة التمرد في غزة يعني أنه سيكون على خلاف مباشر مع التوصيات السياسية لإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، التي حذرت من احتلال غزة بعد الحرب، وتضغط لتقليص الحملة العسكرية بسبب مقتل أكثر من 27 ألف فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال.
وسبق أن حذر وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، من هكذا سناريو قائلا: "في هذا النوع من القتال، يكون مركز الثقل هو السكان المدنيون. وإذا دفعتهم إلى أحضان العدو، فإنك تستبدل النصر التكتيكي بهزيمة إستراتيجية".
ولأن إسرائيل ليست لديها إستراتيجية سياسية محددة لما سيحدث بعد الحرب، خاصة أن نتنياهو يعارض فكرة استعادة السلطة الفلسطينية السيطرة على غزة، خلافا لموقف إدارة بايدن، يرجح كلارك أن ينتهي الأمر بإسرائيل إلى القيام بدوريات في غزة مقابل استعداد حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية لصراع طويل الأمد ومنخفض الحدة، تواجه إسرائيل خلاله "هجمات كر وفر وكمائن مميتة وقناصة يعملون من تحت أنقاض المباني المهدمة".
اقرأ أيضاً
إسرائيل: لن نوافق على وقف إطلاق النار في غزة طالما بقيت حماس في السلطة
ويرى كلارك احتلال الجيش الإسرائيلي لغزة وانتقاله إلى نهج "مكافحة التمرد" في مصلحة حماس التي تستند استراتيجيتها إلى محاولة إرهاق جيش الاحتلال حتى يطالب الجمهور الإسرائيلي بالانسحاب، وعندئذ تعلن الحركة الفلسطينية النصر، تماما كما جرى مع الجيش الأمريكي في أفغانستان.
ويضيف أن إصرار إسرائيل على تجاهل كسب "القلوب والعقول" عبر تجاهل نتنياهو وحلفائه اليمينيين المتطرفين لجوانب الصراع السياسية، يقدم لحماس فرصة لملء فراغ السلطة وترسيخ نفوذها في غزة.
وكان من المفترض أن تعي إسرائيل هذا الدرس من تجربتها في لبنان، ومن احتلالها السابق لغزة، لكن العناصر اليمينية المتطرفة في حكومة نتنياهو تتمتع بنفوذ هائل، وتدفع إلى التفكير في احتلال غزة إلى أجل غير مسمى بحجة غياب حكومة فلسطينية مناسبة.
خيار جذاب
وإزاء ذلك، يرى كلارك أن على إسرائيل، إذا تبنت استراتيجية "مكافحة التمرد"، أن تستعد لحرب طويلة المدى، وأوضح أن بحثا قام به بالتعاون مع عدد من الباحثين في مؤسسة "راند"، على كل حركات التمرد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى عام 2009، وعددها 71، أظهر أن متوسط طول هذه الصراعات 10 سنوات، خاصة في ظل وجود دولة راعية للتمرد، في إشارة إلى إيران.
وأظهر البحث ذاته أن الجيوش التي تبنت نهج "القبضة الحديدية" لمكافحة التمرد بالتركيز على قتل المتمردين حصرا كانت ناجحة في أقل من ثلث الحالات التي تم تحليلها.
لكن "مكافحة التمرد" تبدو خيارا جذابا بالنسبة لقادة إسرائيل، لأنها تسمح لهم بتأجيل القرارات السياسية الصعبة والتركيز بدلا من ذلك على الانتصارات العسكرية قصيرة المدى، بحسب كلارك، مشيرا إلى أن هذا النمط من التفكير هو ذاته الذي وضع إسرائيل في مأزقها الحالي عبر رفض السياسيين الإسرائيليين، وعلى رأسهم نتنياهو، باستمرار لأي تسوية مع الفلسطينيين.
اقرأ أيضاً
واشنطن بوست: تطبيع السعودية يدفع أمريكا للضغط على حماس وإسرائيل للتهدئة بغزة
المصدر | ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة حماس ديفيد بتريوس مكافحة التمرد الجيش الإسرائيلي فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
سقوط 32 شهيدا في غزة على خلفية توسيع إسرائيل هجومها رغم تزايد دعوات الهدنة
أفاد الدفاع المدني في قطاع غزة بمقتل 32 شخصا على الأقل، مع إعلان الجيش الإسرائيلي توسيع نطاق هجومه رغم الدعوات الدولية المتزايدة لوقف إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بعد 19 شهرا من الحرب المدمرة في القطاع الفلسطيني المحاصر.
في غضون ذلك، أعلن مسؤول في حماس بدء جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة مع وفد إسرائيلي في الدوحة « بدون شروط مسبقة » بوساطة مصرية قطرية.
وبعيد اختتام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جولة خليجية، قال الجيش الإسرائيلي إنه شن الجمعة « ضربات مكث فة » وأرسل « قوات للسيطرة على مناطق في قطاع غزة »، واضعا ذلك « في إطار المراحل الأولية لعملية عربات جدعون وتوسيع المعركة في قطاع غزة بهدف تحقيق كل أهداف الحرب، بما فيها إطلاق سراح الرهائن وهزيمة حماس ».
وللمرة الثانية في غضون ثلاثة أيام، أعلنت الخارجية الأمريكية أن الوزير ماركو روبيو بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الوضع في قطاع غزة.
وناقش المسؤولان « الوضع في غزة وجهودهما المشتركة لتأمين إطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا محتجزين »، بحسب المتحدثة باسم الوزارة.
وفي مقابلة مع شبكة « سي بي اس » تبث الأحد، كرر روبيو الدعوة إلى الهدنة.
وقال « نحن نؤيد إنهاء النزاع، ووقف إطلاق النار. لا نريد أن يعاني الناس كما عانوا، ونلوم حماس على ذلك، ولكن الحقيقة تبقى أنهم يعانون »، مؤكدا أنه « في غياب مثل هذا الاتفاق (على وقف إطلاق النار)، نتوقع أن تواصل إسرائيل عملياتها »، من دون التعليق مباشرة على توسيع الهجوم الإسرائيلي.
واستأنفت إسرائيل في 18 آذار/مارس ضرباتها وعملياتها العسكرية في غزة إثر هدنة هشة استمرت نحو شهرين. وهي قامت منذ الثاني من الشهر ذاته بمنع دخول المساعدات الإنسانية الى القطاع.
وأعلنت حكومة نتانياهو مطلع أيار/مايو خطة « للسيطرة » على القطاع، ونقل معظم سكانه البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة، واضعة ذلك في إطار الضغط على حركة حماس للإفراج عن الرهائن.
ميدانيا، أفاد الدفاع المدني في القطاع أن حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي السبت بلغت 32 على الأقل.
وقال المتحدث باسم الجمعية محمود بصل لفرانس برس « نقلت طواقم الدفاع المدني 32 شهيدا على الأقل، أكثر من نصفهم من الأطفال وعدد من النساء، وعشرات المصابين… جراء سلسلة من الغارات الإسرائيلية العنيفة والدموية منذ فجر السبت في مناطق مختلفة في قطاع غزة ».
وفي دير البلح (وسط) حيث تعرضت خيم النازحين للقصف، تساءلت جمالات وادي « لمن نشكو يا عالم يا أمة؟ لمن نقول؟ يكفي مجازر، يكفي قتل، يكفي قصف ».
وبعد الغارات، نزح الكثير من سكان جباليا سيرا، بينما تكدس آخرون مع بعض ممتلكاتهم الشخصية في سيارات أو في عربات صغيرة، بحسب لقطات فرانس برس. واصطف آخرون ممن بقوا، من بينهم أطفال، وسط الدمار للحصول على وجبة طعام أعدتها إحدى الجمعيات الخيرية.
وكما كل سبت، تظاهر مئات الإسرائيليين في تل أبيب ضد حكومة نتانياهو، حاملين لافتات تطالب بإنهاء الحرب وإبرام اتفاق للإفراج عن الرهائن.
واحتلت إسرائيل غزة بين العامين 1967 و2005 حين انسحبت من جانب واحد وفككت المستوطنات. وعقب اندلاع الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023، أطبقت الدولة العبرية حصارها المفروض منذ أكثر من 15 عاما على القطاع. وبينما بقي دخول المساعدات ممكنا بكميات متفاوتة، منعت إسرائيل بالكامل اعتبارا من الثاني من آذار/مارس.
(وكالات)
كلمات دلالية اعتداء شهيد غزة هجوم