تطور الأوضاع الاقتصادية في عُمان
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
علي الرئيسي **
عقد معهد الخليج لدول العربية بواشنطن العاصمة، وهو معهد رسمي، ندوةً حول تقرير المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي عن سلطنة عمان بتاريخ 1 فبراير 2024، وقد تطرق التقرير الى تطورات الاقتصاد الكلي في السلطنة؛ حيث أوضح التقرير استمرار التحسن في المناخ العام للاقتصاد.
وقد عزا الصندوق ذلك إلى التحسن في أسعار النفط، واستمرارية الإصلاحات الاقتصادية، كما إن الاقتصاد العماني واصل نموه وتعافيه، بينما ظل التضخم تحت السيطرة.
ركّز التقرير على تحسن المالية العامة والقطاع الخارجي؛ حيث بلغ الفائض في المالية العامة حوالي 5.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ووصل الفائض في الميزان الجاري 2.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022. بينما انخفض الدين العام من 68 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 إلى 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023. ويُعزي الصندوق التحسن في هذه المؤشرات الى تحسن في الإيرادات الكربوهيدراتية (النفطية)، والى السياسة المالية المُحافِظة. التقرير يشير الى إيجابيات التحسن في المالية العامة، والميزان الجاري، وخفض الدين العام، مما أدى الى تحسن في تقييم المخاطر السيادية ورفع التصنيف السيادي من قبل شركات التصنيف العالمية.
وبالنسبة للمخاطر، يوضِّح تقرير الصندوق أن ارتفاع أسعار النفط، وتدفق الاستثمارات الأجنبية، مع خفض أسعار الفائدة العالمية، قد تساعد في زيادة الطلب العالمي، مما سيساعد في زيادة النمو الاقتصادي. يبقى أن الانخفاض في أسعار النفط فيما إذا تسارع تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، ستكون له مخاطر سلبية على الاقتصاد العُماني، وبالذات على قطاع المالية العامة والتجارة الخارجية. وبحسب الصندوق، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع في الخطوات الخاصة بالإصلاح الاقتصادي.
وبطبيعة التقارير الرسمية، لا يشير التقرير الى نسب الباحثين عن عمل في السلطنة، وإنما يذكر أن هناك زيادة بنسبة 16.2 في المائة خلال عام 2022 في معدل التوظيف، في حين أن نمو توظيف العمالة المحلية لم يتجاوز 3.6 في المائة؛ أي أن معظم الزيادة تمثلت في توظيف العمالة الأجنبية؛ مما يطرح تساؤلات جدية حول سياسات التعمين والإحلال.
التقرير يشير إلى أنَّ البنوك العمانية تتمتع بجدارة ائتمانية جيدة مع رسملة معقولة وتحسن في الربحية. لكن لا يزال نمو الائتمان الخاص ضعيفًا، فقد نما بنسبة 4.2 في المائة في عام 2022، ومن المتوقع أن تصل نسبة النمو إلى 6.3 في المائة في عام 2023. أما بالنسبة للسياسة النقدية، يعتقد الصندوق أن ربط الريال العُماني مع الدولار الأمريكي لا يزال يخدم الاقتصاد العماني، خاصة مع ضعف آلية انتقال السياسة النقدية؛ حيث إن أي تغيير في سعر الفائدة الرسمي لا يتبعه تغييرًا في سعر الفائدة على الإقراض والودائع. ويحث الصندوق منذ سنوات على اتباع سياسة تدريجية لخلق حساب موحد للحسابات الحكومية والقضاء على تشوهات أسعار الفائدة مع إلغاء سقف الإقراض على القروض الشخصية.
وفي سؤال من أحد الحاضرين في الندوة تعليقًا على أن التقرير في مجمله "إيجابي"، في حين أنه عند التحدث إلى العمانيين ثمة إحساس بعدم التفاؤل من نتائج السياسات الاقتصادية، علاوة على القلق من زيادة عدد الباحثين عن العمل، وقد أجاب المُحاضِر أن هذا الشعور قد يعود الى انخفاض الأجور والعلاوات، وكذلك الى الزيادة المضطردة في أعداد العمال الوافدين مقابل زيادة في أعداد الباحثين عن عمل والمُسرَّحين؛ حيث قامت الحكومة خلال الأعوام الماضية بخفض العلاوات في القطاع الحكومي، المُشغِّل الأساسي للعمالة الوطنية، إضافة إلى خفض الدعم الحكومي للمياه والكهرباء وغيرها من الخدمات.
يُشير التقرير كذلك إلى انخفاض الإنفاق الرأسمالي؛ حيث لم يتجاوز 1.9 مليار دولار أمريكي، والمعروف في الدول النفطية أن الإنفاق الحكومي هو الذي يقود النمو الاقتصادي، وخاصة عندما يتسم القطاع الخاص بالضعف الهيكلي والهشاشة. والجدير بالملاحظة هنا أن الاستثمار الكلي يتوقع أن يبلغ 24.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يبلغ الاستثمار الحكومي 6.6 في المائة في عام 2023.
من ناحية أخرى، يُقدِّر الصندوق أن الادخار الكلي سيصل الى 27.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، وأن الادخار العام سيصل إلى 14.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما سيصل الادخار الخاص إلى 12.9 من الناتج المحلي الإجمالي. وهذان المؤشران مهمان بالنسبة للنمو الاقتصادي.
لا تخلو تقارير وسياسات صندوق النقد الدولي من الانتقادات، من ضمنها أن الصندوق يُركِّز غالبًا على الأولوية لتحقيق الاستقرار النقدي والمالي على المدى القصير، عوضًا عن الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل؛ مما يدفع بالحكومات إلى اتخاذ تدابير تقشفية يُمكن أن يكون لها آثار اجتماعية ضارة. ويرى البعض أن سياسات الصندوق قد تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، وتفشل في معالجة القضايا الهيكلية في البلدان المتلقية لقروض الصندوق أو نصائحه. وهناك "وصفة نيوليبرالية" جاهزة لمعظم البلدان بصرف النظر عن خصوصية المشاكل التي يُعاني منها هذا البلد أو ذاك!
** باحث في قضايا التنمية والاقتصاد
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لماذا تتصادم السنغال مع صندوق النقد الدولي؟
السنغال في مواجهة مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ عاجلة تحتاجها لسد فجوة كبيرة في ماليتها العامة.
الصندوق يريد من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا أن تعيد هيكلة مؤلمة قبل الموافقة على الإنقاذ، بينما ترفض السنغال ذلك، خاصة بعد أن خُفّض تصنيفها الائتماني إلى مستوى "سندات رديئة".
وفي وقت سابق من نوفمبر/تشرين الثاني، خفّضت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف السنغال إلى "سي سي سي+" بسبب ضعف ماليتها العامة.
وقالت الوكالة "على الرغم من الإجراءات المتخذة لتعزيز النمو وجمع الضرائب، فإن مستوى الدين وحجم فاتورة الفوائد يبقيان المالية العامة في وضع هش، خصوصا في غياب برنامج دعم رسمي شامل".
والعام الماضي، علّق صندوق النقد الدولي حزمة تمويل بقيمة 1.8 مليار دولار بعد أن اكتشفت الحكومة نحو 7 مليارات دولار من الاقتراض المخفي من قبل الإدارة السابقة.
وتستمر المفاوضات بين داكار والصندوق حول شروط إنقاذ جديدة، لكن الطرفين لم يتوصلا بعد إلى اتفاق.
ما حجم الدين العام في السنغال؟وفق مراجعة ستاندرد آند بورز الأخيرة، بلغ الدين العام 42.1 مليار دولار (119% من الناتج المحلي الإجمالي) بنهاية 2024، ما يجعل السنغال من أكثر الدول مديونية في أفريقيا. وهذا لا يشمل ديون الشركات الحكومية التي تمثل نحو 9% إضافية من الناتج.
ومنذ 2008، اعتمدت السنغال على الاقتراض لتمويل مشاريع البنية التحتية. لكن أزمة كورونا وارتفاع أسعار الفائدة عالميا زادا من تكلفة الدين في حين تراجعت الإيرادات، ما فاقم الضغوط المالية.
وتأمل الحكومة في خفض العجز المالي من 12.6% من الناتج في 2024 إلى 5.4% العام المقبل، وصولا إلى 3% بحلول 2027.
لكن توقعات ستاندرد آند بورز أكثر تشاؤما، إذ تتوقع عجزا عند 8.1% في 2025 و6.8% في 2027، مع بلوغ نسبة الدين إلى الناتج 123% العام المقبل.
ما الذي أدى للمأزق الحالي مع صندوق النقد الدولي؟في مارس/آذار 2024، فاز باسيرو ديوماي فاي بالرئاسة، في حين أصبح المعارض عثمان سونكو رئيسا للوزراء. وفي سبتمبر/أيلول، أمرت الحكومة الجديدة بتدقيق مالي كشف أن الإدارة السابقة قلّلت من حجم الدين الحقيقي، إذ أخفت نحو 7 مليارات دولار من الاقتراض.
وقدّر ديوان المحاسبة أن نسبة الدين إلى الناتج كانت أقرب إلى 100% بدلا من 70% المعلن سابقا، نتيجة عدم إدراج التزامات الشركات الحكومية.
إعلانوأيد صندوق النقد نتائج التدقيق واعتبرها قرارا متعمدا من إدارة ماكي سال لإخفاء حجم الدين، وعلّق على إثرها حزمة التمويل التي كان قد وافق عليها في 2023.
لماذا لم يتخذ صندوق النقد قرارا بعد؟في نوفمبر/تشرين الثاني، قال رئيس بعثة الصندوق إلى السنغال، إدوارد جميل، إنهم "منخرطون ومصممون على التحرك بسرعة للمساعدة".
لكن فريقه أوصى بإعادة هيكلة الديون عبر استبدالها بديون جديدة أقل تكلفة، وهو ما رفضه رئيس الوزراء عثمان سونكو، معتبرا أن ذلك سيؤدي إلى تقليص الإنفاق العام وإبطاء النمو.
ما الذي أثر ذلك على اقتصاد السنغال؟رفض سونكو لخطة الصندوق أثار قلق المستثمرين؛ إذ تراجعت سندات السنغال بشكل ملحوظ، وارتفعت تكلفة التأمين ضد التعثر.
وقال محللون إن الصندوق يشترط إعادة الهيكلة قبل تقديم أي دعم جديد، بينما الحكومة لا تتجاوب، ما يطيل أمد الأزمة.
وفي خطاب جماهيري، أكد سونكو أن "السنغال دولة فخورة، ولن تُعامل كدولة فاشلة. تعبئة الإيرادات أفضل من إعادة هيكلة الديون".
كيف أثر ذلك على الوضع السياسي في السنغال؟رئيس الوزراء يرفض إعادة الهيكلة لأنها تتعارض مع وعوده الانتخابية باستعادة السيادة الوطنية. لكن هذا الموقف يضع البلاد أمام أزمة تمويلية حادة ويزيد التوترات السياسية بينه وبين الرئيس فاي.
وعلى الرغم من أنه رئيس وزراء، يُنظر إلى سونكو باعتباره صاحب النفوذ الأكبر في رسم السياسات، وغالبا ما يتصرف باستقلالية عن الرئيس.
كيف يمكن للسنغال معالجة مشكلة ديونها بطرق أخرى؟في الأسابيع الأخيرة، فرضت الحكومة ضرائب جديدة على التبغ والكحول والمقامرة والتحويلات المالية عبر الهاتف، كما قلّصت الإنفاق على السفر والمشتريات الحكومية.
لكن التوازن بين الإصلاح المالي وتلبية توقعات المواطنين يظل صعبا، وقد يؤدي أي تنازل للصندوق إلى خيبة أمل شعبية وربما اضطرابات اجتماعية.