أثير- مكتب أثير في دمشق

“أمانة تعالوا خدوني أمانة”
وانقطع الاتصال مع الإنسانيّة، كلمات كررتها طفلة الخمس سنوات وهي مسجونة مع الموت في بقايا سيارة خالها الذي قتل مع أبنائه وزوجته.
ساعات بطيئة ثقيلة وكلّ ثانية فيها تعادل الملايين من سنين الرعب وربما أكثر، ساعات مرّت على طفلة صغيرة لم تعرف بعد ما معنى أن تكون هدفا ثمينا وحيدا لآلة الموت الإسرائيلية.


هند طفلة ذنبها الوحيد أنها تعيش في بقعة منكوبة مظلومة من هذا العالم، لم تكن تعرف أن الحق في الحياة ليس للجميع على هذه الأرض، فالكرامة والعزة والأنفة لا تكفي لتبقى على قيد الحياة، بل قد تدفع حياتك ثمنا لهذه المبادئ.
تظهر أنياب الظلم، وفي عينيه طفلة تنوء تحت حمل الواقع الذي حصل منذ ثوان معدودة، تحولت الحياة من حول هند إلى عدم، تلفّتت حولها، الكل نيام للأبد، الدخان يختمر مع الهواء ليكوّن رائحة الموت.
هند أدركت بحسّ غامض أنه لا فائدة من إيقاظهم، والحلُّ بعيد عن هنا، وباتصال مع الحياة، الهلال الأحمر، تصرخ هند: تعوا خدوني….
هند طفلة البرد والرّعب، طفلة العيش لساعات طويلة في حضن العدم على هدير الدبابات وأزيز الرصاص في مواجهة طواغيت هذا القرن.
دعونا نكمل القصّة على الشّكل الآتي:
اقتربت الدبابة الإسرائيلية من السيارة المحروقة فوجدت الطفلة ما تزال حيّة بين الجثامين، فأخذتها كأسيرة حرب رغم سنواتها الخمس، فهم (الإسرائيليون) متمرّسون في أسر الأطفال حتى في بطون أمهاتهم، لكن وقتها كان دعاة الإنسانية والحرية سيربتون بأكفّهم على كتف إسرائيل مهنّئين لها على إنسانيتها المتفرّدة، ولكن حتى هذه التمثيلية المصطنعة لم تعد تعني إسرائيل.
إذا….لنكمل القصة كما حصلت تعو خدوني، كانت هند تربط نفسها بالحياة وتحاول أن تلوذ بصوت المرأة التي تحدّثها من الهلال الأحمر، وتستصرخها ، تعو خدوني، وتلك المسعفة تفتح من مفرداتها حضنا يحتوي هند بينما يتدبرون الوصول إليها.


في هذه الأثناء، دبابة إسرائيلية تقترب، لم يزدد رعبها بالتّأكيد لأن عتبة الرعب عندها كانت قد بلغت عنان السماء السابعة.
“تعوا خدوني أمانة” لا أدري إن كانت قد استطاعت البكاء فالرّعب يجفّف ماء الحياة.
سيصل المسعفون بعد قليل، وكانت هذه حقيقة.
وصل المسعفون بلا خوف من آلة الدّمار الإسرائيلي، فهناك طفلة تطلب اللّجوء إلى الأمان، إلى الحق في الحياة، إلى الإنسانيّة.
كانت الطفلة وما تزال تشدّ طرف خيط الحياة والمسعفة ترمي لها حبل الأمان.
ارتفع صوت إطلاق النار، وانطفأ صوت الطفلة، وانقطع الاتصال مع الإنسانيّة بقذائف دبابة على طفلة بعمر الخمس سنوات.
وفي ركام سيارة محروقة..المسعفان يدركان أنه بات من المؤكد أنّهما في طريقهما إلى السماء، لكنهما لن ولم يتراجعا، سيارة الإسعاف تلك كانت تؤسّس لإنقاذ حياة، فكانت هدفًا لآلة الموت، والضّمير العالمي يشيح بنظره ويصمّ آذانه، فهو لا يحب ولا تعنيه روايات الرّعب التي أبطالها فلسطينيون من لحم ودم …أقصد ضحاياها

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

 الموت لحماس؟ أم الحياة لغزة؟

 الموت لحماس؟ أم الحياة لغزة؟
د. #هشام_عوكل – أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية
الموت لحماس… #ترامب يعود بحفّار القبور!
اعتدنا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن ينقلب على الصديق  ويضرب الحليف  ويطرد الموظف عبر تغريدة! لكن أن ينتقل إلى موقع “حفّار قبور سياسي”   فهذا جديد حتى على مقاييس الرجل.
في خطابه بتاريخ 25 يوليو الحالي  أعلن ترامب أن “حماس لا تريد السلام بل تريد الموت”… والأسوأ من ذلك أن مستشاره  ويتكوف  لم يتردد في الدعوة إلى “إعادة النظر في أسلوب تعامل واشنطن مع حماس”  في تلميح واضح إلى تجاوز المسار التفاوضي نحو خيار التصعيد الشامل. وكأن الإدارة الأمريكية  من خلال مستشاريها، تتعمد تجاهل مبادرة حسن النية التي قامت بها حماس حين أفرجت عن رهينة يحمل الجنسية الأمريكية إلى جانب الإسرائيلية  في خطوة أرادت بها إيصال رسالة إيجابية إلى الجانب الأميركي. ومع ذلك  لم تُقرأ هذه المبادرة كما ينبغي  ولم تُحسب في ميزان السياسة الأميركية التي تبدو منشغلة بمنطق القوة أكثر من منطق التفاهم.

كل هذا يعيدنا إلى حقيقة ترامب كما عرفناه: لا يؤمن بالوسطاء  ولا بالحلول  بل بالتهديد المباشر… حتى لو كان الثمن إشعال الشرق الأوسط بأكمله.
الولايات المتحدة: راعٍ للصراع لا للسلام
بعيدًا عن كوميديا ترامب السوداء  ما تكشفه هذه التصريحات هو انقلاب حقيقي في سلوك واشنطن  من دور “الوسيط” إلى دور الشريك المباشر في الحرب.
وإذا كانت الولايات المتحدة تدّعي دومًا أنها تلعب دورًا إنسانيًا في حماية المدنيين  فإن ما يحدث في غزة – من إبادة بطيئة وصمت عالمي مدوٍّ – لا يمكن فهمه إلا بوصفه تواطؤًا صريحًا ومباشرًا.
بل إن الحديث المتكرر عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” أصبح غطاءً أميركيًا جاهزًا لإلغاء وجود الشعب الفلسطيني من على الخارطة. وهذا يجعل واشنطن تتحمّل مسؤولية سياسية  وأخلاقية  وتاريخية في هذه المجازر.
اعترافات بلا مخالب: هل يعنينا أن تعترف فرنسا؟
بعدما أعلنت دول مثل إيرلندا وإسبانيا والنرويج اعترافها بدولة فلسطين  تساءل كثيرون: هل بدأ الغرب يُعيد النظر في مواقفه؟
لكن الحقيقة أن هذه الاعترافات  رغم رمزيتها  لا تملك أي قوة تنفيذية ما دامت غير مرتبطة بإجراءات عملية تُلزم إسرائيل بوقف الاحتلال والتوسع.
وما دام البيت الأبيض لم يُعلن موقفًا داعمًا لهذا التوجّه  فإن هذه الاعترافات تبقى أقرب إلى بطاقات تهنئة حزينة توزّع في جنازة جماعية… لا تغيّر شيئًا من حقيقة الموت تحت الركام.
ماكرون وترامب… خطبة اعتراف ومجزرة موازية
حين أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نية بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية  تحرك ترامب فورًا للرد، مؤكدًا أن هذا الكلام “خارج السياق”، وملوّحًا بتهديد مباشر لحماس  وكأن الاعتراف الفرنسي جريمة تستوجب العقوبة الجماعية!
وهنا يتجلّى التناقض الفاضح في الأداء الغربي: اعتراف لفظي بحق الفلسطينيين يقابله دعم مادي وسياسي كامل لإسرائيل.
ماكرون يلقي خطبة رومانسية عن “السلام”، ثم يصمت حين تُقصف مدارس الأونروا!
وواشنطن تصرخ “الموت لحماس”  ولا ترفّ لها جفن أمام آلاف الأطفال المشوّهين.
أسئلة بلا إجابة… أم إجابات بلا أمل؟
وسط كل هذا الركام  تبرز تساؤلات تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تقرر مصير غزة برمّتها:
هل ما زال مشروع “الهدنة لستين يومًا” الذي تحدّثت عنه بعض الوساطات قابلاً للتطبيق؟
وهل إعلان حماس استعدادها للتخلي عن السلطة مجرّد مناورة إعلامية أم واقع جديد يُفرض على الأرض؟
وأخيرًا  هل بات تسليم سلاح حماس للسلطة الفلسطينية خيارًا مطروحًا… أم مستحيلًا يُراد فرضه بالقوة؟
زاوية حادة تسئل
في هذه السلسلة الدرامية  حيث يُوزّع الموت بالمجان  وتُدفن العدالة تحت الأنقاض  نقف أمام سؤال لا يطرحه السياسيون في مؤتمراتهم  ولا الإعلاميون في نشراتهم:
من يطعم أطفال غزة؟
من يكفكف دموعهم؟
ومن يمنع عنهم الموت القادم من السماء… ومن الجدار… ومن الصمت العربي؟

مقالات مشابهة

  • شاهد | الحقيقة الكاملة للسفينة “ETERNITY C”.. طاقمها يعترف والوجهة كانت أم الرشراش
  • منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية: إسرائيل تنفذ إبادة جماعية في قطاع غزة
  • جاليت: “مباراتنا الودية ضد نجم بن عكنون كانت فرصة لمعاينة لاعبينا”
  • كانت قادمة من حفظ القرآن.. سيدة تسرق قرط طفلة وتلقى بها فى المصرف ببنى سويف
  •  الموت لحماس؟ أم الحياة لغزة؟
  • “الديمقراطية”: مناورة “الممرات الإنسانية” الصهيونية لن تنقذ قطاع غزة من الموت
  • مأساة الطفلة أشواق.. الموت جوعًا في أحد مخيمات حجة (تقرير)
  • “سم لا ترياق له”.. معلومات جديدة قد تحل لغز مأساة حصدت حياة أسرة مصرية
  • إنقاذ طفلة من الغرق على شاطئ بفايد ضمن جهود مبادرة إسماعيلية بلا غرق
  • فيلم “العودة من الموت”.. عمل وثائقي عن نادي الفتح