ترامب والهجرة ومغالطة محدودية فرص العمل
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
ما الذي اشترك فيه كل من كيرت فونيجت الروائي وفرانسوا ميتران رئيس فرنسا الاشتراكي في الفترة من 1981 إلى 1995 مع دونالد ترامب؟ لقد اعتقدا في وقت ما بما يدعوه الاقتصاديون مغالطة محدودية فرص العمل (عدم صحتها بمنطق الاقتصاد). إنها وجهة النظر القائلة بوجود كمية محددة من العمل المطلوب أداؤه وإذا كان هذا العمل ينجزه بعض الأشخاص (مجموعة من العاملين) أو شيء ما (آلة معينة) سيعني ذلك وظائف أقل للآخرين.
من الواضح أن ترامب يشاطرهم هذا الاعتقاد والذي يشكل كما سبق أن ذكرت في مقال لي مؤخرا ركيزةَ عدائه للهجرة واعتقاده بأن المهاجرين يسمِّمون «دم» بلدنا. كما يشكل أيضا أساس سياسته الحمائية.
لذلك يبدو أن الوقت مناسب للحديث عن مغالطة محدودية فرص العمل وكيف نعرف أنها مغالطة ولماذا هي فكرة ترفض أن تموت. بل تظل مترنحة بين الحياة والموت وتفتك بعقول الناس.
أولا لنتحدث عن فونيجت وميتران. أول رواية لفونجيت اسمها «عازف البيانو» ونشرت عام 1952. تتصور الرواية مستقبلا كئيبا قادت فيه «أتمتة» العمل إلى بطالة جماعية. فالآلات يمكنها أن تفعل أي شيء. لذلك ليست هنالك حاجة للعمل البشري.
أما ميتران الذي جاء إلى سدة الحكم في بلد عانى ارتفاعا كبيرا في البطالة منذ أوائل السبعينات فقد خفَّض سن التقاعد من 65 عاما إلى 60 عاما. أحد أسباب ذلك اعتقاده هو ومستشاروه أن تشجيع المواطنين الفرنسيين الأكبر سنا على الخروج من القوة العاملة سيُخلِي وظائف للعاملين الشباب. قضى ميتران ومن خلفوه في الحكم عقودا من السنين في محاولة إصلاح العطب الذي حدث من جراء ذلك.
لماذا هنالك دائما جماعة كبيرة من الناس تهرف بما لا تعرف؟ إنها تعتقد بوجود مقدار محدود من العمل الذي يتطلب إنجازه. لذلك الآلات التي تزيد الإنتاجية تأخذ الوظائف وكذلك المهاجرون الذين ينضمون إلى قوة العمل؟
ربما لم يفكر العديد من هؤلاء الناس جيدا في وجاهة آرائهم؟ لكن من الصحيح أيضا أن شيئا مماثلا لمحدودية فرص العمل يبدو معقولا إذا فكرنا في صناعة منفردة بمعزل عن الصناعات الأخرى.
مثلا قبل فترة طويلة كان أحد أعمامي يدير مصنعا يستخدم التشكيل بحَقْن البلاستيك لإنتاج أشكال تجميلية للحدائق. لقد كان أساسا يزود ضواحي نيويورك المتمدِّدة وقتها بتماثيل طيور الفلامنجو الوردية. ونظرا لوجود طلب محدود على تماثيل الفلامنجو كما يُفترض ستقلص الآلات التي أتاحت إنتاجها بعدد أقل من العمال حجم التوظيف في هذه الصناعة، كما سينتج عن دخول منتجين جدد خفضُ وظائف العمال الموجودين.
أو، إذا أخذنا مثالا أكثر عاديّة، هنالك حدود لمقدار الغذاء الذي يرغب الناس في استهلاكه. لذلك ارتفاع الإنتاجية في الزراعة يؤدي إلى تقليل الحاجة للمزارعين. لقد تضاعف سكان أمريكا الآن مقارنة بعددهم عندما نشر فونيجت روايته «عازف البيانو» لكنها توظف الآن في الزراعة ثلث من كانوا يعملون بها وقت نشر الرواية.
وفي حين يوجد طلب محدود على تماثيل الفلامنجو الوردية أو القمح ليس هنالك ما يدل على محدودية الطلب على السلع عموما. فعندما يرتفع الدخل سيجد الناس شيئا ما لينفقوا أموالهم على شرائه. وهذا بدوره يوجد وظائف لأولئك العاملين الذين تحل محلهم التقنية أو الملتحقين الجدد بالقوة العاملة.
الآلات حقا تؤدي العديد من الأعمال التي كانت تتطلب توظيف أشخاص لأدائها. وإنتاج العامل يساوي أكثر من أربعة أضعاف إنتاجه عندما كتب فونيجت روايته. لذلك يمكننا الآن إنتاج ما كان ينتج في عام 1952 بربع عدد العمال. لكن عدد الوظائف في الحقيقة تضاعف ثلاث مرات.
من باب الوضوح فقط أنا لا أقول إن التقدم التقني لا يمكنه أبدا إلحاق الضرر بالعاملين أو ببعض جماعات العاملين. فالتقنية التي تتسبب إلى حد بعيد في اختفاء مهنة تقليدية (على سبيل المثال الطريقة التي أنهي بها النقل بالحاويات تقريبا الحاجةَ إلى عمال الشحن والتفريغ) يمكن أن تكون مدمرة لأولئك الذين يتم إحلالهم.
وما يوصف بالتحول التقني المتحيِّز الذي يقلل الطلب على بعض المدخلات ويزيده بالنسبة لمدخلات أخرى يمكنه خفض الدخول الحقيقية لجماعات كبيرة من الناس.
يعتقد العديد من خبراء الاقتصاد أن التحول التقني المتحيز للمهارات والذي يزيد الطلب على العاملين ذوي التعليم العالي ويقلله على العمل الأقل مهارة أحد عوامل تزايد اللامساواة على الرغم من أن آخرين عديدين، وأنا منهم، يشكّون في ذلك. ويمكن على الأقل المحاجَّة بأن التحول التقني المتحيز لرأس المال (الآلات والأتمتة) ضد العمل كان سببا في ركود الأجور الحقيقية أثناء المراحل المبكرة للثورة الصناعية. لكن القول الجزافي بأن التقدم التقني يسبب البطالة الجماعية لانعدام الحاجة الى العمال ببساطة خاطئ.
وماذا بشأن المنافسة من العمال الجدد. إذا كان ينتابك شعور بالقلق من أن المهاجرين ينتزعون الوظائف من الأمريكيين في الولايات المتحدة تأمل في الأثر الذي خلَّفه تدفقٌ ضخم حقا نحو سوق العمل. أعني بذلك التحاق النساء الجماعي بالعمل المأجور في الفترة من أواسط الستينات وحتى عام 2000. هل النساء العاملات انتزعن الوظائف من الرجال؟ أنا على يقين من أن بعض الرجال اعتقدوا أنهن سيفعلن. لكن ذلك لم يحدث بحسب معدلات توظيف الرجال والنساء في المرحلة العمرية بين 24 الى 54 عاما خلال تلك الفترة.
الارتفاع الكبير في توظيف النساء لم يأت على حساب الرجال. صحيح هنالك انخفاض قليل في توظيف الذكور خلال العقود الستة الأخيرة وربما كان ذلك يعكس تدهور الصناعة التحويلية وظهور المناطق التي تخلفت عن الركب الاقتصادي في الغرب الأوسط الأمريكي. لكن من الواضح أن ملايين النساء اللائي التحقن بالعمل المأجور لم يسلبن وظائف الرجال.
وهذا يقودنا إلى المخاوف الحالية حول الهجرة. فكما ذكرتُ في مقالي من الواضح أن ترامب والذين يحيطون به يعتقدون أن الهجرة تأخذ الوظائف من الأمريكيين. وكما ذكرت أيضا كل الزيادة في التوظيف منذ عشية جائحة كوفيد-19 ارتبطت بعمال أجانب (بالميلاد). إذن هل هذا الارتفاع في توظيف المهاجرين جاء على حساب العمال الأمريكيين (الأصلاء)؟
إذا نظرنا الى الأعداد من المهم أن نضع في البال آثار شيخوخة السكان والتي تسببت في تراجع طويل الأمد للمشاركة في قوة العمل. اريندراجيت ديوب أستاذ الاقتصاد بجامعة ماساتشوسيتس في مدينة أمهيرست وأحد كبار المتخصصين في شؤون العمل أفضل إلماما مني بدقائق بيانات مكتب احصائيات العمل. لذلك طلبت منه حساب معدلات التوظيف وسط الأمريكيين ممن تتراوح أعمارهم بين 25 - 54 عاما.
اتضح أن المهاجرين كجماعة، رغم كونهم وراء كل الزيادة التي شهدها التوظيف مؤخرا، ما كانوا يأخذون الوظائف من الأمريكيين الذين غالبا ما يتم توظيفهم في ذروة سنوات العمل (بين 25- 55) مقارنة بفترة ما قبل الجائحة.
بالمناسبة لقد ذكرت في وقت سابق أن حمائية ترامب تنطوي على شيء من مغالطة محدودية فر ص العمل والتي تتخلل آراءه حول الهجرة. ترامب ومن هم حوله من أمثال بيتر نافارو كبير مستشاريه التجاريين والذي يواجه حاليا عقوبة السجن بتهمة ازدراء الكونجرس مهووسون بالعجوزات التجارية.
إذا أطلعتم على ما سيقولونه حول هذا الموضوع من الجلي أنهم يتخيلون وجود كمية ثابتة من الطلب في العالم وأن أية حصة منه تذهب الى الأجانب تشكل خسارة للولايات المتحدة.
الآن بالطبع لا أعتقد أن هذه الأدلة ستغير تفكير ترامب حول المسألة. لكن هنالك بعض الناس الذين يتخيلون أنهم أذكياء وبعيدي النظر في حين أن ما يفعلونه في الواقع مجرد إعادة صياغة لمغالطات قديمة.
الذكاء الاصطناعي والأتمتة بكل التحولات التي ربما نتجت عنهما لن تأخذ الوظائف في نهاية المطاف. ولن تفعل ذلك الهجرة أيضا.
بول كروجمان أستاذ اقتصاد متميز بمركز الدراسات العليا - جامعة مدينة نيويورك وحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008.
الترجمة لـ $ عن «نيويورك تايمز»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الوظائف من
إقرأ أيضاً:
كم عدد القنابل والصواريخ التي استخدمتها واشنطن في هجماتها ضد إيران؟
شنّت الولايات المتحدة هجومًا منسقًا واسع النطاق على المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية، مستخدمةً ترسانتها العسكرية الأكثر تطورًا. اعلان
وقد أسفرت العملية، التي تمثل تصعيداً كبيراً في التوترات الإقليمية، عن تدمير المراكز العصبية للبرنامج النووي الإيراني. وقد تم تنفيذ الهجوم الأمريكي بدقة عسكرية باستخدام قاذفات استراتيجية من طراز B-2 Spirit وصواريخ توماهوك كروز التي تم إطلاقها من المنصات البحرية.
ووفقًا للمعلومات التي قدمها مراسل قناة "فوكس نيوز" شون هانيتي، بعد محادثات مباشرة مع الرئيس دونالد ترامب، فقد استخدمت في العملية ما بين خمس إلى ست قنابل خارقة للتحصينات ألقيت من قاذفات B-2، متجاوزة التقديرات الأولية التي كانت تشير إلى قنبلتين فقط للمهمة.
شملت المنشآت التي هوجمت المجمّعين النوويين في نطنز واستيفان اللذين تم تحييدهما بـ30 صاروخ توماهوك أُطلقت من مسافة 640 كيلومترًا تقريبًا. وكان الهدف الرئيسي هو منشأة فوردوالتي تعتبر حجر الزاوية في البرنامج النووي الإيراني والتي، وفقًا لمصادر نقلت عنها شبكة فوكس نيوز، "تم تدميرها بالكامل". وقد أيد هذه المعلومات الرئيس ترامب نفسه الذي غرّد على تويتر قائلاً:"لقد دمرتفوردو".
الانتشار العسكري الأمريكيفي الأسابيع التي سبقت الهجوم، نشرت واشنطن قوة عسكرية كبيرة في الشرق الأوسط. وشمل هذا الانتشار حاملة الطائرات "يو إس إس نيميتز"، ومقاتلات من طراز "إف-16" و" إف-22" و" إف-35" التابعة للقوات الجوية،** بالإضافة إلى قاذفات "بي-2" التي شاركت في العملية. وأقلعت عدة قاذفات من طراز B-2 إلى المحيط الهادئ بعد إتمام المهمة، بعد أن غادرت المجال الجوي الإيراني بحلول وقت الإعلان الرسمي.
كان الرئيس ترامب واضحًا بشأن الأهداف الأمريكية في المنطقة. فقد قال في تصريحات نقلتها شبكة فوكس نيوز:"نحن لا نبحث عن وقف إطلاق النار. نحن نبحث عن النصر التام والكامل. وأكرّر، أنتم تعرفون ما هو النصر: لا أسلحة نووية". هذا التصريح يؤكد عزم الولايات المتحدة على القضاء التام على القدرات النووية الإيرانية، بعيدًا عن السعي إلى اتفاقات مؤقتة أو وقف إطلاق النار.
الترسانة العسكرية المستخدمة: تحليل تقني للصواريخ والقنابلالقنابل الخارقة للتحصينات GBU-57تمثل القنابل الخارقة للتحصينات المستخدمة في العملية أحدث تكنولوجيا في أسلحة الاختراق العميق. وقد تم تصميم هذه الأسلحة خصيصاً لتحييد الأهداف المحصنة تحت الأرض، مثل المنشآت النووية الإيرانية.
الخصائص التقنية:
الوزن: ما بين 14,000 و30,000 رطل (6,350 إلى 13,600 كجم) حسب الطراز.القدرة على الاختراق: حتى 200 متر في الخرسانة المسلحة.الرأس الحربي: رأس حربي: شديد الانفجار مع تأخير التفجير بعد الاختراق.التوجيه: نظام تحديد المواقع عالي الدقة مع إمكانية التصحيح أثناء الطيران.صواريخ توماهوكتمثل صواريخ توماهوك الثلاثين المستخدمة في الهجوم المعيار الذهبي في صواريخ كروز بعيدة المدى للبحرية الأمريكية.
مواصفات توماهوك:
المدى: يصل إلى 2,500 كيلومتر في أحدث إصداراته.السرعة: حوالي 880 كم/ساعة (دون سرعة الصوت).الرأس الحربي: 450 كيلوغراماً من المتفجرات التقليدية.التوجيه: نظام الملاحة بالقصور الذاتي مع نظام تحديد المواقع العالمي ورسم خرائط التضاريس.الدقة: هامش الخطأ أقل من 10 أمتار.منصات الإطلاق: غواصات هجومية من طراز فيرجينيا ولوس أنجلوس ومدمرات من طراز أرلي بيرك.قاذفات B-2 سبيريتيشير استخدام من خمس إلى ست قنابل خارقة للتحصينات إلى مشاركة ثلاث قاذفات من طراز B-2 سبيريت، كل منها قادرة على حمل قنبلتين عاليتي الاختراق.
قدرات B-2
تقنية التخفي: لا يمكن للرادار التقليدي اكتشافها فعلياً.المدى: 11,000 كيلومتر دون إعادة التزود بالوقود.الحمولة: ما يصل إلى 23,000 كيلوغرام من الأسلحة.الطاقم: طياران بقدرة 44 ساعة طيران متواصلة.التداعيات الإقليمية والعالميةتعتبر هذه الضربة نقطة تحول في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران وتشكل سابقة مهمة في مكافحة الانتشار النووي. إذ أن تدمير المنشآت الرئيسية مثل فوردو هو انتكاسة كبيرة للبرنامج النووي الإيراني الذي كان هدفاً للعقوبات الدولية والدبلوماسية النووية لأكثر من عقد من الزمن.
وتظهر العملية أيضًا قدرة الولايات المتحدة على تنفيذ ضربات دقيقة بعيدة المدى ضد أهداف شديدة التحصين باستخدام أكثر تقنياتها العسكرية تقدمًا.
في هذه المرحلة، يمكن لإيران إما أن تصعّد هجماتها إلى حرب أو أن توقع اتفاقية سلام وحظر انتشار التكنولوجيا النووية كما سعى ترامب في البداية.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة