عندما نتحدث عن الإجازة فربما يكون الاسترخاء على شاطئ البحر، أو زيارة المتاحف والمواقع الأثرية الشهيرة، أو حتى تأمل جمال الطبيعة في الصحراء، أول ما يتبادر إلى الذهن. لكن هناك من يفضلون نوعا آخر من السياحة، فبدلا من الاسترخاء أو تأمل جمال الطبيعة، يذهبون لزيارة السجون ومواقع الكوارث ومقابر الموتى، محدقين في قسوة الموت عن قرب.

لا تندهش، فقد ازدادت شعبية هذه المواقع المرتبطة بالموت والدمار في الآونة الأخيرة كوجهات سياحية، فيما يعرف بـ "السياحة السوداء" أو "السياحة المظلمة".

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4السياحة الشتوية في لبنان.. رومانسية وثلج ودفء ونشاطاتlist 2 of 4“الخيمة العجيبة”.. ابتكار قد يسهم في إنعاش السياحة بالجزائرlist 3 of 4الأزمات المعيشية في سوريا تعيد الحياة إلى حمامات دمشق الشعبيةlist 4 of 4لماذا يفضل العرب والأجانب ألمانيا كوجهة للسياحة العلاجية؟end of list ما "السياحة المظلمة"؟

ظهر مصطلح "السياحة المظلمة"  للمرة الأولى في تسعينيات القرن الماضي على يد جون لينون ومالكولم فولاي، وكلاهما من أعضاء هيئة التدريس في جامعة غلاسكو كاليدونيان في أسكتلندا. ويستخدم للإشارة إلى الاهتمام بزيارة الأماكن المرتبطة تاريخيا بالموت والدمار والكوارث.

وعلى الرغم من حداثة المصطلح، فإن الظاهرة بحد ذاتها ليست حديثة، فلطالما انجذب البشر لتأمل ما هو مرتبط بالموت والمعاناة عن قرب، وهو ما نجد له جذورا تاريخية في ازدحامهم حول حلبات المصارعة في روما القديمة، أو تجمعهم في الميادين كي يشهدوا عمليات الإعدام العلنية.

في مسلسل وثائقي بعنوان "السائح المظلم" (The Dark Tourist) عرض على "نتفليكس"، استعرض الصحفي ديفيد فيرير عددا من أشهر مواقع السياحة المظلمة الشهيرة، والتي يقسمها الخبراء إلى عدة أنواع ما بين المتاحف المتخصصة في عرض رموز الموت، أو التعذيب مثل متحف أدوات التعذيب في براغ، أو المواقع التي شهدت كوارث إنسانية، مثل مواقع الكوارث النووية ومواقع الإبادة الجماعية، وهو النوع الأكثر شيوعا، وكذلك النصب التذكارية الخاصة بضحايا الكوارث.

استطلاع رأي: 82% من المسافرين الأميركيين زاروا جهة سياحية مظلمة واحدة على الأقل في حياتهم (شترستوك) لماذا يميل أناس إلى "السياحة المظلمة"؟

في يوليو/تموز الماضي، كشف استطلاع رأي شمل أكثر من 900 شخص، أن 82% من المسافرين الأميركيين زاروا جهة سياحة مظلمة واحدة على الأقل في حياتهم، وتتزايد النسبة في مواليد الجيل "زد" عن الأجيال السابقة.

ربما تتساءل عن سر ازدياد شعبية هذا النوع من السياحة، فما الذي يدفع المرء لقضاء إجازته بقرب مواقع الموت والدمار بدلا من الاستمتاع بوقته والاسترخاء؟

قد يساعدنا فهم الأثر النفسي لمثل هذه الزيارات على الإجابة، طبقا لدراسة نشرت عام 2021، بعنوان السياحة المظلمة: دوافع ونوايا زيارة السياح، توفر زيارة مثل هذه الأماكن تواصلا آمنا مع الموت، يشعر الزائر بنوع من الامتنان لعدم تعرضه لمثل هذه المآسي.

كما تمثل نوعا من التطهير النفسي، يمارسه كي يخرج من منطقة الراحة المعتادة، ويتمكن من مواجهة قسوة العالم. فمع تصاعد قسوة الاضطرابات السياسية، قد يصبح الاستلقاء على الشاطئ أمرا غير مجدٍ بالنسبة لبعضهم، وقد يشعر الآخرون بنوع من الذنب.

بالإضافة للرغبة في التعلم وهي الدافع الرئيسي، حيث يساعد التعرف على هذه الأماكن عن قرب على إلقاء نظرة أكثر عمقا على التاريخ.

أشهر وجهات السياحة المظلمة

تتنوع وجهات السياحة المظلمة أو السياحة السوداء حول العالم، وإن كان بعضها يحظى بشهرة أكبر من غيره، ومن أشهرها:

تشيرنوبل في أوكرانيا: حيث وقعت واحدة من أسوأ الكوارث النووية عام 1986. افتتح الموقع أمام الزوار في عام 2010، وازدادت شعبيته بدرجة ملحوظة منذ عام 2019 مع عرض مسلسل "تشيرنوبل". محطة تشيرنوبل للطاقة النووية شهدت انفجارا نوويا عام 1986 أدى إلى إطلاق كمية كبيرة الإشعاعات (شترستوك) متحف الإبادة الجماعية في كمبوديا: كان مقر المتحف في الأصل مدرسة ثانوية حولها نظام "الخمير الحمر" إلى سجن، اعتقل فيه آلاف الأبرياء، وعذبوا وقتلوا واستخدمت أجسادهم في إجراء التجارب الطبية. ليتحول فيما بعد إلى واحد من أهم الوجهات السياحية في كمبوديا. حقول القتل: وفي كمبوديا أيضا يقبل السائحون على زيارة حقول القتل حيث قتل "الخمير الحمر" أكثر من مليون إنسان ودفنوهم في مقابر جماعية. أطلال (بومبي) في إيطاليا: في عام 79 ميلاديا، انفجر بركان فيزوف ليقضي على مدينة بومبي الرومانية التي بلغ عدد سكانها 20 ألف نسمة. ظلت المدينة مطموسة تحت الرماد البركاني حتى اكتشافها في عام 1748، والمدهش أنها بقيت على حالها، حيث حفظها الرماد البركاني، وتحجرت جثث أهل المدينة على أوضاعها وكأن الزمن توقف فيها للأبد. هيروشيما في اليابان: مع إلقاء أميركا القنبلة النووية على مدينة هيروشيما في عام 1945، أصبحت نقطة فاصلة ليس فقط في تاريخ الحرب وإنما في تاريخ الإنسانية. واليوم أصبحت هيروشيما واحدة من أشهر الوجهات السياحية، وبالإضافة لمتحف هيروشيما التذكاري للسلام، يمكنك أيضا زيارة عدد من المعالم التاريخية اليابانية مثل قلعة هيروشيما ومعبد ميتاكي ديرا. هيروشيما أصبحت اليوم واحدة من أشهر الوجهات السياحية (رويترز) معسكر أوشفيتز في بولندا: كان معسكر أوشفيتز أكبر معسكرات الاعتقال النازي وأشدها فتكا، وبعد عامين فقط من انتهاء الحرب العالمية الثانية تحول إلى متحف، ليزوره ملايين السائحين من كل أنحاء العالم.

ورغم عدم شيوعها في العالم العربي فإن المنطقة تضم عددا من الوجهات المهمة التي يمكن تصنيفها كوجهات سياحية مظلمة.

في مصر، على سبيل المثال، يمكن للسائحين زيارة قلعة صلاح الدين التي شهدت مذبحة القلعة، ويقع داخلها أيضا سجن القلعة الذي شهد عددا لا يحصى من المساجين منذ العهد المملوكي وقد افتتح كمتحف للزيارة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

جدل حول "السياحة المظلمة"

على الرغم من ذلك فالأمر لا يخلو من جوانب سلبية، حيث يعتبر بعضهم هذا النوع من السياحة غير أخلاقي، وشكلا من أشكال استغلال المآسي والمعاناة الإنسانية. خاصة مع تعامل بعض السائحين مع هذه المواقع باستخفاف، حيث يقفون لالتقاط صور "السيلفي" الضاحكة في مواقع شهدت مآسيا شديدة القسوة.

من ناحية أخرى يتشكك آخرون في كون بعض المواقع تستخدم لتمييع الحقائق وتبييض التاريخ طبقا لتحيزات الحكومات الحالية.

وإلى جانب الشق الأخلاقي، هناك شق آخر يتعلق بخطورة بعض مواقع السياحة المظلمة، في بعض الأحيان تدفع روح المغامرة السائحين لتجاوز الخطوط الحمراء، والمساحات المفتوحة للزيارة بحثا عن مغامراتهم الخاصة.

حادثة "فوكوشيما" عام 2011، هي الأحدث من بين حوادث محطات الطاقة النووية (غيتي إيميجز)

على سبيل المثال، هناك من يتجاوزون المناطق المسموح بزيارتها في موقع فوكوشيما النووي وهو ما قد يعرضهم لخطر الإشعاع في النقاط التي لا تزال محتفظة بمستويات خطرة من النشاط الإشعاعي.

ويمكن رؤية مثال آخر لهذا النوع من المغامرة في سراديب الموتى بفرنسا، وهي شبكة من الأنفاق التي تمتد بطول أكثر 250 كيلومترا تحت شوارع العاصمة الفرنسية، وتضم رفات أكثر من 6 ملايين شخص. وبينما لا يسمح للسائحين سوى بزيارة حوالي كيلو ونصف متر مربع من مساحتها الإجمالية، فبعضهم يغامرون باستكشاف ما وراء الحدود، وقد يضلون الطريق ويتعرضون للخطر وهو ما حدث بالفعل لاثنين من المراهقين فُقِدا 3 أيام في عام 2017.

من ناحية أخرى يندفع بعض السياح لزيارة مناطق الحروب النشطة كسائحين، بدلا من محاولة تقديم المساعدة كعاملين في المساعدات الإنسانية أو صحفيين. وهو سلوك لا يتسم بالمسؤولية.

لذلك إذا أردت أن تحصل على تجربة سياحة مظلمة مميزة فاحرص على أن  تخطط لها بعناية، اقرأ عن الموقع الذي ترغب في زيارته، واستعن بمرشد محلي متخصص، كي تحصل على تجربة مؤثرة لا تنسى، تقدم لك جرعة رائعة من الوعي والمعرفة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من أشهر فی عام

إقرأ أيضاً:

هذا موعد زيارة نتنياهو إلى واشنطن.. وجهود لعقد صفقة في غزة

رجحت مصادر إعلامية إسرائيلية توجه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى العاصمة الأمريكية واشنطن مساء السبت المقبل، تمهيداً لعقد لقاء رفيع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض يوم الاثنين المقبل، في إطار مساعٍ متسارعة للتوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من عام ونصف.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية، الثلاثاء، إن "جلسة مداولات أمنية جديدة ستُعقد الخميس المقبل، وهي الجلسة الرابعة خلال أسبوع تقريباً، في ظل تصاعد الحديث عن احتمال التوصل إلى اتفاق تهدئة أو توسيع العدوان على غزة".

وأشارت الهيئة إلى أن نتنياهو، "من حيث المبدأ"، يعتزم التوجه إلى واشنطن مساء السبت المقبل، في زيارة هي الرابعة له منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والثالثة منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير الماضي.

"صفقة كبرى" على الطاولة
وبحسب مصادر إعلامية عبرية، فإن الزيارة المرتقبة تأتي في سياق "تحرك أمريكي مكثف تقوده إدارة ترامب لعقد صفقة كبرى" تتضمن وقف إطلاق النار في غزة، وإبرام اتفاق تبادل أسرى شامل، إلى جانب دفع مسار التطبيع بين تل أبيب وعدد من الدول العربية.

وكشفت التقارير عن وجود وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، حالياً في واشنطن لإجراء محادثات تحضيرية مع مسؤولين أمريكيين، في إطار التمهيد للقاء نتنياهو – ترامب.

وكان الرئيس الأمريكي قد أعرب في تصريحات عدة خلال الأيام الماضية عن "تفاؤله بقرب التوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب"، مشيراً إلى أن مثل هذا الاتفاق سيكون "وشيكاً جداً"، ومؤكداً رغبته في تحقيق تقدم ملموس على صعيد التطبيع العربي الإسرائيلي.


مأزق نتنياهو وتكتيكات المماطلة
وتأتي زيارة نتنياهو المرتقبة وسط تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية عليه، حيث اتُهم مراراً من قِبل معارضيه في الداخل الإسرائيلي، وكذلك من قبل حركة "حماس"، بـ"تعمد إطالة أمد الحرب" وتخريب فرص التهدئة من أجل "تحقيق مكاسب سياسية شخصية، وضمان بقائه في السلطة، رغم كونه مطلوباً للعدالة الدولية".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد تنصل في آذار/مارس الماضي من استكمال اتفاق وقف إطلاق نار دخل حيّز التنفيذ جزئياً في يناير، متذرعاً بضرورة تحقيق "أهداف الحرب" قبل أي تسوية، وفي مقدمتها "نزع سلاح الفصائل" و"تغيير الواقع الأمني في غزة"، بحسب زعمه.

وفي المقابل، تؤكد حركة "حماس" استعدادها المستمر لعقد صفقة تبادل أسرى شاملة، تشمل إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين مقابل إنهاء العدوان، ورفع الحصار، والإفراج عن آلاف المعتقلين الفلسطينيين، لكنها تصطدم برفض نتنياهو لـ"الحلول الشاملة" وإصراره على صفقات "تدريجية" تُبقي على الحصار والاحتلال.

معطيات إنسانية كارثية
وتُقدر سلطات الاحتلال وجود نحو 50 أسيراً إسرائيلياً في قطاع غزة، بينهم ما لا يقل عن 20 على قيد الحياة، في حين يقبع في سجون الاحتلال أكثر من 10 آلاف و400 فلسطيني، يعانون من ظروف إنسانية قاسية تشمل التعذيب، والإهمال الطبي، والتجويع، ما أسفر عن وفاة العديد منهم، وفق تقارير فلسطينية وإسرائيلية موثقة.

منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ويشنّ الاحتلال الإسرائيلي حرباً شاملة ضد قطاع غزة واصفة إياها بـ"المفتوحة"، شملت عمليات قصف وتدمير وتجويع وتهجير قسري، وسط تجاهل فاضح للنداءات الدولية، ورفض صريح لأوامر محكمة العدل الدولية بوقف العدوان.

وبحسب أحدث الإحصاءات، تسببت الحرب، التي تحظى بدعم مطلق من إدارة ترامب، في سقوط أكثر من 190 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، فضلاً عن فقدان ما يزيد على 11 ألف مدني، ومجاعة خانقة أودت بحياة عشرات الأطفال.

مقالات مشابهة

  • هل ورد ذكر يوم عاشوراء في القرآن الكريم؟.. تعرف الآيات التي أشارت له
  • ترامب يحقق انتصارا تشريعيا بقانون الضرائب والإنفاق.. ماذا تعرف عنه؟
  • رئيس هيئة الرقابة: لا تعيينات دون إعلان واختبارات وكفاءة مالية
  • ما سر اندفاع الصين نحو إحياء الإكرانوبلان الغامضة؟.. ماذا تعرف عنه؟
  • ترامب يشمت بسلفه بايدن خلال زيارة لـ "سجن التمساح"
  • زيارة ولي عهد إيران السابق تشعل لندن بالاحتجاجات.. ماذا دار بينه وبين جونسون؟
  • مصرف ليبيا المركزي يُطلق خطة حاسمة لمحاربة السوق السوداء
  • هذا موعد زيارة نتنياهو إلى واشنطن.. وجهود لعقد صفقة في غزة
  • تعرف على قواعد شراكات السياحة للتعاقد على طيران العمرة
  • حماد يجري زيارة رسمية إلى بيلاروسيا