"مطر أكتوبر".. أغنية إسرائيلية في قلب الجدل بمسابقة "يوروفيجن" وتل أبيب تهدد بالانسحاب
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
هددت إسرائيل بالانسحاب من مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" لهذا العام، في حال رفض المنظمون كلمات الأغنية التي تشارك بها، باعتبارها تنطوي على رسائل سياسية.
يأتي هذا التحذير في الوقت الذي أكد فيه منظمو المسابقة مشاركة إسرائيل في الأيام الأخيرة، على الرغم من دعوات العديد من الدول لمنعها احتجاجاً على الحرب في غزة.
وقد اختارت إسرائيل عدن جولان وأغنيتها "مطر أكتوبر" للمشاركة في المسابقة السنوية التي ستقام في مايو في مالمو بالسويد.
ووفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية، لا تذكر كلمات الأغنية بشكل صريح الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، لكنها لا تدع مجالًا للشك في أنها موضوعها، ما يعني أن كلمات الأغنية قد تتعارض مع قواعد المسابقة التي تحظر الآراء السياسية، في حال اعتبرها "اتحاد البث الأوروبي" كذلك.
وجاء في أحد مقاطع الأغنية: "أرقص في العاصفة/ ليس لدينا ما نخفيه/ خذني إلى البيت/ واترك العالم وراءك/ وأعدك أن هذا لن يتكرر مرة أخرى/ ما زلت مبتلًا من مطر أكتوبر/ مطر أكتوبر".
ووفقا لصحيفة "يسرائيل هيوم"، تضمنت الأغنية عبارات مثل "لم يعد هناك هواء لاستنشاقه" و"كانوا جميعاً أطفالاً طيبين، كلهم"، في تلميحات واضحة إلى أحداث تقول إسرائيل، إنها وقعت يوم الهجوم.
وقال اتحاد البث الأوروبي (EBU) الذي ينظم المسابقة، إنه "يدرس حالياً كلمات الأغنية" ولم يتوصل إلى قرار بعد. وأضاف: "إذا اعتُبرت الأغنية غير مقبولة لأي سبب من الأسباب، سنمنح هيئات البث فرصة لتقديم أغنية جديدة أو كلمات جديدة، وفقًا لقواعد المسابقة".
من جانبها حذرت هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية من أنها "لا تنوي استبدال الأغنية". وأضافت "إذا لم تتم الموافقة عليها من قبل اتحاد البث الأوروبي، فلن تتمكن إسرائيل من المشاركة في المسابقة".
مسابقة "يوروفيجين".. فلسطيني يسعى لتمثيل آيسلندا في مسابقة الأغنية الأوروبيةشاهد: متظاهرون في أيسلندا يطالبون بانسحاب إسرائيل من مسابقة الأغنية الأوروبية المقبلةالأعلى استماعا في إسرائيل.. أغنية تدعو إلى قتل نصرالله وهنية والضيف وميا خليفة وبيلا حديد السويد تفوز في مسابقة "يوروفيجن" للمرة السابعة بفضل لورين المغربية الأمازيغية التي صنعت التاريخسخط إسرائيلي
أثار احتمال الحظر غضب وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي ميكي زوهار، الذي وصفت الأمر بـ"الفضيحة". وكتب هذا الأسبوع على شبكات التواصل الاجتماعي أن الأغنية "مؤثرة" و""معبرة عن مشاعر شعبوية ووطنية آنية وليست سياسية سياسية".
وأضاف: "آمل أن تبقى يوروفيجن حدثاً موسيقياً وثقافياً وليس ساحة سياسية".
من جانبه الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ يوم الأحد إلى حوار "ذكي" مع اتحاد البث الأوروبي، للسماح لبلاده بالمشاركة في هذه المسابقة التي يشاهدها "مئات الملايين من الناس"، بحسب ما نقلت وسائل الإعلام المحلية في مؤتمر في القدس.
ومنحت مسابقة يوروفيجن، التي تحظى بمتابعة واسعة في إسرائيل، العديد من فنانيها اعترافاً دولياً، وتُعتبر مصدر فخر للبلاد. حيث أصبحت إسرائيل أول دولة غير أوروبية يُسمح لها بالمشاركة في المسابقة في عام 1973، وفازت أربع مرات.
و"يوروفيجن" مسابقة غنائية ينظمها الاتحاد الإذاعي الأوروبي منذ عام 1956، وتعد أكبر حدث غير رياضي من حيث عدد المشاهدين، الذي يقدر بما بين 100 و600 مليون شخص حول العالم في السنوات الأخيرة.
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية المجلس الرئاسي الليبي يؤكد للبرهان دعمه لاستقرار السودان الخارجية الفلسطينية تعتبر خطة نتنياهو إعادة احتلال لقطاع غزة..فيم تتمثل الخطة؟ وزيرة إسرائيلية: "فخورة بالدمار الذي أحدثه جيشنا في غزة وسنقطع رأس السنوار" مسابقة يوروفيجن للأغاني قطاع غزة حركة حماس حظر الصراع الإسرائيلي الفلسطينيالمصدر: euronews
كلمات دلالية: قطاع غزة حركة حماس حظر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة إسرائيل حركة حماس ألمانيا قطاع غزة فلسطين احتجاجات عمال رفح معبر رفح روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة إسرائيل حركة حماس ألمانيا قطاع غزة کلمات الأغنیة یعرض الآن Next مطر أکتوبر حرکة حماس
إقرأ أيضاً:
انهيار عقيدة الوطن الآمن في إسرائيل.. الهجرة المعاكسة تهدد بنية الدولة من الداخل
نظرية الطيور المهاجرةمنذ تأسيسه، سعى المشروع الصهيوني إلى بناء دولة تقوم على ثنائية "الوعد بالأمن" و"الوعد بالرخاء"، باعتبارهما حجر الزاوية في جذب يهود الشتات واستدامة البنية السكانية للدولة المحتلة الناشئة. غير أن تطور الأحداث الأخيرة، خصوصًا ما بعد عملية "طوفان الأقصى"، كشفت عن تصدع متزايد في هذه العقيدة، تُرجم عمليًا في انكشاف أمني، وتراجع في منسوب الثقة المجتمعية، وظهور مؤشرات خطيرة على ظاهرة الهجرة المعاكسة.
يتطلب فهم هذا التحول قراءة في الخلفيات العقائدية والتاريخية التي بُني عليها الأمن الإسرائيلي، في ضوء المقاربات النظرية في العلاقات الدولية، التي ترى أن بقاء الدول يعتمد على قدرتها على تأمين ذاتها في بيئة دولية فوضوية، وأن الأمن شرط لبقاء الدولة وليس مجرد وظيفة من وظائفها.
الأمن كركيزة تأسيسية للدولة العبرية.. مراجعة سريعة للتاريخ
تأسست إسرائيل عام 1948 كمشروع كولونيالي-ديني يستند إلى شرعية مزدوجة: دينية رمزية تزعم الحق التاريخي في "أرض الميعاد"، وواقعية سياسية برعاية استعمارية (بريطانيا، ثم الولايات المتحدة) كرّست عبر "وعد بلفور" والانتداب البريطاني البنية التحتية للمشروع الصهيوني.
في ضوء الهزائم والضربات التي أصابت المشروع الأمني الإسرائيلي، لجأت إسرائيل إلى ما يمكن توصيفه بسياسة "الإبادة الجماعية المنظمة" في قطاع غزة، والتي تستهدف تدمير البنية السكانية والاجتماعية الفلسطينية بغرض إعادة تشكيل الحالة النفسية للمجتمع الإسرائيلي واستعادة الشعور بالأمان.وقد شكلت الوكالة اليهودية للهجرة الذراع التنفيذي لهذا المشروع، إذ لم يكن تأسيس إسرائيل ممكنًا من دون الحشد الديمغرافي المكثف. وبالفعل، اعتمدت الاستراتيجية الصهيونية على "نقل السكان" عبر إقناع يهود الشتات بالهجرة إلى فلسطين، من خلال آليتين متكاملتين:
ـ الوعد بالأمن: أي أن "إسرائيل" ستكون الملاذ الأخير والوحيد الآمن لليهود، خاصة بعد المحرقة النازية (الهولوكوست) وفشل أوروبا في حمايتهم؛
ـ والوعد بالرخاء: عبر "سلة المهاجر"، التي تضمنت حوافز اقتصادية واجتماعية مثل السكن، العمل، التأمين الصحي، التعليم، والدمج المؤسسي في الحياة العامة.
تجلت هذه العقيدة الأمنية في مقولة بن غوريون: "لا وجود لإسرائيل من دون تفوقها العسكري"، وهو ما ينسجم مع مفهوم "الردع الاستراتيجي"الذي أصبح بمثابة الدين المدني للمؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، حيث يُفترض أن يحول الردع دون تفكير أعداء إسرائيل في مهاجمتها، تحت طائلة الرد الكاسح والمباغت.
ضمن هذا السياق، فإن وجود الدولة بات مشروطًا بتحقيق أمن مطلق (Absolute Security)، وهو مفهوم يتنافى مع منطق الأمن الجماعي أو التوازن الردعي الذي تقترحه النظريات الليبرالية في العلاقات الدولية، ويجعل من إسرائيل حالة استثناء أمني دائم.
زلزال 7 أكتوبر ـ انهيار الردع الاستراتيجي ونشوء ظاهرة الهجرة المعاكسة
تأسس الأمن الإسرائيلي على عقيدة الردع الاستراتيجي، والتي تقوم على فرضية أن قوة الجيش وتفوقه تمنع أي طرف معادٍ من التفكير في الاعتداء، خصوصًا عبر إحداث ردود كاسحة وفورية. استنادًا إلى نظريات الواقعية الجديدة في العلاقات الدولية، حيث تُعد الدولة هنا لاعبًا عقلانيًا يسعى لتحقيق أقصى درجات الأمن والبقاء عبر تفوق عسكري بدون منافس إقليمي.
إلا أن عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر مثلت حدثًا صادمًا، حيث قوضت هذه العقيدة، ومع فشل العدوان الإسرائيلي في القضاء على حركات المقاومة وفي استرجاع اسراه بالقوة، تراجعت الثقة في الأجهزة الأمنية والعسكرية.
كما أدى هجوم 7 أكتوبر إلى ضرب الثقة الجمعية في قدرة الجيش على حماية السكان، وتحطيم ما يُسمى "الهالة الأمنية"، الأمر الذي يشير إلى انهيار عقيدة الوطن الآمن واختراق الحواجز النفسية والاستراتيجية.
ظاهرة الهجرة المعاكسة كدليل على انهيار الشعور بالأمن
على المستوى الديموغرافي والاجتماعي، كان لهذا الانهيار الأمني تداعيات عميقة عبر مسارعة أعداد كبيرة من اليهود المقيمين داخل إسرائيل إلى مغادرتها، حيث تشير تقديرات حديثة إلى أن أكثر من 700 ألف شخص قد غادروا الأراضي المحتلة منذ أكتوبر، وهو رقم غير مسبوق مقارنة بالأعوام السابقة، بالإضافة إلى ارتفاع طلبات الحصول على جنسيات ثانية، خصوصًا من دول أوروبية مثل البرتغال وإسبانيا، حيث تقدم إسرائيليون بطلبات انتساب لجنسيات جديدة هربًا من الواقع الأمني المتدهور ، مع تسجيل ظاهرة التخلي عن الجنسية الإسرائيلية للتخلص من عبء الضرائب ، وهو ما يعكس رغبة حقيقية في قطع الصلة بالدولة، لا لأسباب اقتصادية فحسب، بل أيضًا بسبب شعور عميق بعدم الأمان والمستقبل المهدد.
تلك الظاهرة تجسد عمليًا ما تصفه نظريات العلاقات الدولية ب "الأمن الداخلي" (Internal Security)
الذي لا يقل أهمية عن الأمن الخارجي، لأن استقرار الدولة وبقاؤها مرتبطان بشكل مباشر بثقة مواطنيها وقدرتهم على الشعور بالأمان.
من منظور التاريخ السياسي، لا تعد هذه الظاهرة جديدة بالمعنى الكلي، إذ إن الاستعمار الاستيطاني في مناطق متوترة أمنيًا اجتماعيًا ينتج توترات ديمغرافية متكررة، وخصوصًا ظواهر النزوح والهجرة المعاكسة، كما حصل في مستعمرات أخرى عبر التاريخ (مثل المستعمرات الأوروبية في أمريكا وأفريقيا)، لكن الذي يميز الحالة الإسرائيلية هو الأبعاد الدينية والوجودية، حيث يعتبر الأمن والاستقرار في هذه الأرض رمزًا لهوية قومية ودينية لا تقبل التفاوض، وهو ما يجعل الهجرة المعاكسة تهديدًا وجوديا يتجاوز البعد الديموغرافي إلى عمق الهوية الوطنية.
استراتيجية الإبادة الجماعية .. محاولة استعادة الأمن عبر تصفير الاخطار
في ضوء الهزائم والضربات التي أصابت المشروع الأمني الإسرائيلي، لجأت إسرائيل إلى ما يمكن توصيفه بسياسة "الإبادة الجماعية المنظمة" في قطاع غزة، والتي تستهدف تدمير البنية السكانية والاجتماعية الفلسطينية بغرض إعادة تشكيل الحالة النفسية للمجتمع الإسرائيلي واستعادة الشعور بالأمان.
تُعد الولايات المتحدة الحليف الأبرز والأقوى لإسرائيل، حيث توفر الدعم العسكري، السياسي، والاقتصادي، في إطار شراكة استراتيجية متجذرة، ويشمل الدعم الأمريكي توفير الأسلحة، الذخيرة، والاستخبارات، فضلاً عن الغطاء السياسي في المحافل الدولية، وتعكس هذه العلاقة استراتيجية تعتمد على موازنة مصالح الأمن القومي الأمريكي مع الالتزامات الحليفة.هذه الاستراتيجية التي تنسجم مع المفهوم الواقعي الجديد الذي يرى في القوة لا مجرد أداة دفاع، بل وسيلة لاستعادة توازن النفوذ والتأثير، حيث تتحول القوة إلى أداة تهديد وترهيب من أجل إعادة فرض الهيمنة، ومن هنا نفهم خطاب رئيس الوزراء نتنياهو الذي يركز على "النصر المطلق" فهو ليس مجرد خطاب عسكري تقليدي، بل هو رسالة موجهة للمجتمع الإسرائيلي بغرض إعادة بناء الإحساس بالأمان الداخلي، عبر ترويج فكرة القضاء التام على ما يُعتبر مصدر التهديد، أي قطاع غزة، وفرض معادلة جديدة تقوم على عدم وجود حياة طبيعية للفلسطينيين في القطاع، ورفض أي حلول تفاوضية أو سياسية، والتمسك بسياسة الحسم العسكري حتى على حساب أرواح الأسرى الإسرائيليين، ناهيك عن انتهاك .
قواعد القانون الدولي الإنساني بشكل ممنهج، والإصرار على استخدام جميع الأساليب العسكرية التي تندرج تحت تعريف "لإبادة الجماعية" أو "جرائم ضد الإنسانية"، والعمل من أجل التهجير القسري الذي يعد جريمة حرب وفق اتفاقيات جنيف.
غير أن هذا التصعيد القانوني والسياسي هو الذي عزز حالة العزلة الدولية المتزايدة على إسرائيل، رغم الدعم الأمريكي، ومحاولة ترامب البديلة عبر طرح فكرة تهجير كل سكان غزة إلى بلدان أخرى في العالم.
غير أن هذه المحاولة فشلت سريعا في ظل تشبت الفلسطينيين بأرضهم، حتى مع استمرار مسلسل التقتيل اليومي للفلسطينيين، مما سيدفع إسرائيل الى محاولة يائسة جديدة لاسترجاع صورة القوة التي فقدتها. وذلك عبر الذهاب إلى إزالة الخطر الأكبر الذي تراه يهدد وجودها، وهو إيران.
العدوان العسكري على إيران.. محاولة للتغيير القسري للسلطة في إيران
من أجل استعادة الشعور بالأمن عند المواطن الإسرائيلي في الداخل راهنت إسرائيل بشراكة كاملة مع الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية اخرى على توجيه ضربة عسكرية مباغتة لإيران، تقضي فيها على قيادات الصف الأول السياسية والعسكرية والعلمية في مجال الطاقة النووية، من أجل احداث صدمة كبيرة تسقط النظام وينتهي كل شيئ.
انطلاقا من يقينها بأن القوة العسكرية والاستخباراتية التي تمكنت من جمعها في التحالف شبه المعلن المشار إليه سيمكنها من ذلك.
وكان الهدف هو ضرب ما تعتبره "رأس الأفعى" المتمثل في النظام الإيراني، الذي يُنظر إليه كتهديد وجودي لها بالإضافة إلى كونه الداعم الرئيس لحركات المقاومة المسلحة ضد إسرائيل.
هذا الرهان الذي تبين أنه مقامرة غير واقعية البتة (وهوما يحتاج إلى تفصيله في مقال خاص)، أدى إلى تعقيد الموقف الاستراتيجي الإسرائيلي، وجعل الأزمة الراهنة تعكس مأزقاً حقيقا في استراتيجية الأمن الوجودي لإسرائيل، بحيث وجدت نفسها غير قادرة على حسم الصراع أو فرض شروطها عبر القوة العسكرية وحدها، وهو ما دفعها إلى استجداء التدخل الأمريكي العلني المباشر.
الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للاحتلال بين الدعم والخوف من التورط
تُعد الولايات المتحدة الحليف الأبرز والأقوى لإسرائيل، حيث توفر الدعم العسكري، السياسي، والاقتصادي، في إطار شراكة استراتيجية متجذرة، ويشمل الدعم الأمريكي توفير الأسلحة، الذخيرة، والاستخبارات، فضلاً عن الغطاء السياسي في المحافل الدولية، وتعكس هذه العلاقة استراتيجية تعتمد على موازنة مصالح الأمن القومي الأمريكي مع الالتزامات الحليفة.
لكن، على الرغم من الدعم المعلن، تظهر واشنطن ترددًا واضحًا في الدخول بشكل مباشر في الصراع المسلح، بسبب الضغوط الدستورية والسياسية الأمريكية، إضافة إلى أن الحساسية الأخلاقية تجاه الحروب الخارجية تفرض قيوداً على دور الولايات المتحدة، وهو ما استعاضت عنه بما تسميه ب"الضربات الاستراتيجية" (كالاستهدافات المحدودة لمنشآت نووية) بما يمثل محاولة للحفاظ على التوازن بين الدعم لإسرائيل وعدم التصعيد المباشر، لكن الغرض الرئيسي من هذه الضربات يندرج بدوره ضمن هدف استعادة الشعور بالأمن لدى المهاجر اليهودي.
وهو ما ينسحب على الموقف الأوروبي أيضا، رغم تباينه في الخطاب، بحيث يميل إلى دعم إسرائيل عسكريًا ودبلوماسيًا، لكنه يواجه تصاعدًا في الحراك الشعبي الرافض للمجازر في غزة، هذه الضغوط المتنامية تضع واشنطن أمام معادلة صعبة بين دعم حليفها وإدارة الأزمات الإقليمية.
والخلاصة:
أن الحالة الإسرائيلية تؤكد أن تراجع الإحساس بالأمان والتشكيك في قدرة الدولة على إنهاء التهديدات الوجودية التي تحيط بها، سيتسبب في انهيار عقيدة الوطن الآمن التي تأسست عليها دولة الاحتلال، وأن القوة العسكرية للدولة أو تدفق الدعم الدولي لها، ليس كافيا لاستعادة التوازن النفسي للمهاجر اليهودي الذي وجد نفسه بعد سبعة عقود أمام حقائق صادمة.
إن الطيور تهاجر بحثا عن الاستقرار، فهي لا تستقر في أرض تفتقر إلى الطمأنينة، ولا تبني أعشاشها إلا حيث تنمو مشاعر الأمن والأمان، وقد كشف العدوان الأخير عن هشاشة الرؤية الأمنية للمشروع الصهيوني، حيث باتت ظاهرة الهجرة المعاكسة دليلاً على انهيار القاعدة النفسية لتشكل الدولة، مما يعيد طرح أسئلة وجودية حول مستقبل هذا الكيان في ظل تراجع مقومات الإحساس بالأمن.. ويشير واقع الهجرة المعاكسة أن الاستقرار الحقيقي لا يمكن بناؤه على العسكر و الاستخبارات والقوة وحدها، وأن فكرة "الوطن النهائي" هي بمثابة سراب سرعان ما سيتبخر كما تبخرت أسطورة الجيش الذي لا يقهر.