من سيناديني أبي؟.. دموع رجل فقد 103 من أقاربه في حرب غزة
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
تتدفق الدموع بلا توقف من عيني أحمد الغفري، وهو يسترجع تفاصيل مقتل 103 من أفراد عائلته في غزة، بينما بقي عالقا في الضفة الغربية، بعيدا عنهم.
ولا يزال أحمد الذي فقد زوجته وبناته الثلاث، إضافة إلى أمه و4 من إخوته وأفراد آخرين من عائلته الممتدة، يحاول استيعاب الفاجعة غير قادر على تصديق ما حدث: "أشعر وكأنني في حلم.
وكان أحمد يعمل في موقع بناء في تل أبيب عندما هاجمت حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، ولم يتمكن من العودة إلى زوجته وبناته تالا ولانا ونجلاء بسبب الحرب التي تلت ذلك، والحصار العسكري الذي فرضته إسرائيل على القطاع.
يقول أحمد لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إنه بقي على تواصل شبه يومي مع أسرته، حتى الثامن من ديسمبر، صباح يوم الهجوم الذي استهدف منزل عمه، حيث تحدث مع زوجته التي "كانت تعلم أنها ستموت"، يضيف: طلبت مني أن أسامحها على أي شيء سيء ربما فعلته بي. أخبرتها أنه لا داعي لقول ذلك. وكانت تلك آخر مكالمة بيننا".
وأدى هجوم كبير بالقنابل على المنزل الذي كان يؤوي العشرات من أفراد عائلته، إلى سقوط أكثر من 100 قتيل في المجموع. وبعد مرور أكثر من شهرين، لا تزال جثث بعضهم عالقة تحت الأنقاض.
وفي الأسبوع الماضي، احتفل أحمد بعيد ميلاد ابنته الصغرى، نجلاء التي كانت ستبلغ الثانية من عمرها، ويستحضر بألم، ووجهه، تحت الدموع، بلا حراك، أنه لم يكن هناك معهم.
وصرح حامد الغفري، أحد أقارب أحمد الناجين، لـ"بي بي سي"، إنه عندما بدأت الضربات، نجا أولئك الذين فروا إلى أعلى التل، وقُتل أولئك الذين احتموا بالمنزل.
وأضاف: "لقد كان حزاما ناريا، كانت هناك غارات على المنازل الأربعة المجاورة لمنزلنا. كانوا يضربون منزلا كل 10 دقائق".
وتابع: "كان هناك 110 أشخاص من عائلة الغفيري، أطفالنا وأقاربنا.. لقد قُتلوا جميعا باستثناء عدد قليل منهم".
ويقول الناجون من القصف، إن أكبر الضحايا سنا، جدة تبلغ من العمر 98 عاما، فيما كان أصغرهم، طفل ولد قبل تسعة أيام فقط.
ووصف قريب آخر، وهو ابن عم يُدعى أيضا أحمد، انفجارين كبيرين ناجمين عن غارة جوية، مشيرا إلى أنه "لم يكن هناك أي تحذير مسبق".
وأضاف: "لو لم يكن بعض الناس قد غادروا هذه المنطقة بالفعل، أعتقد أن المئات كانوا سيقتلون. المنطقة تبدو مختلفة تماما الآن. كان هناك موقف للسيارات، ومكان لتخزين المياه، وثلاثة منازل، بالإضافة إلى منزل كبير. ودمر الانفجار منطقة سكنية بأكملها."
وقال حامد، إن الناجين عملوا حتى الساعات الأولى من الصباح لانتشال الجثث من تحت الأنقاض.
وقال ابن العم، أحمد: "كانت الطائرات تحوم في السماء، وكانت طائرات درون رباعية المراوح تطلق النار علينا بينما كنا نحاول سحبهم للخارج".
وبعد مرور شهرين ونصف، ما زال أفراد العائلة الناجين يحاولون الوصول إلى بعض الجثث المدفونة تحت الأنقاض. قامت الأسرة بجمع المال لاستئجار حفار صغير لإزالة الأنقاض.
وأشار أحمد لبي بي سي: "لقد انتشلنا أربع جثث الاثنين، بما في ذلك زوجة أخي وابن أخي محمد، اللذين تم انتشالهما أشلاء. لقد ظلا تحت الأنقاض لمدة 75 يوما".
وفيما يبقى أحمد عالق في أريحا ولم يزر أقاربه، يتساءل باستنكار "ماذا فعلت لأحرم من أمي وزوجتي وأولادي وإخوتي؟.. كانوا جميعا مدنيين".
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية، إنها تواصلت مع الجيش الإسرائيلي للتعليق عن استهداف منزل العائلة بغارات جوية، وقال في رده، إن القوات اتخذت "الاحتياطات الممكنة للتخفيف من الأضرار التي لحقت بالمدنيين" في حربه مع حماس.
ووقع قتال عنيف بين القوات الإسرائيلية ومسلحي حماس في منطقة الشجاعية، على بعد بنايات قليلة جنوب منزل الغفيري، في الأيام التي سبقت مقتل عائلة أحمد وبعدها مباشرة.
وفي تحديث يومي بتاريخ 9 ديسمبر، قال الجيش إنه "حدد عددا من الإرهابيين المسلحين بصواريخ مضادة للدبابات" يقتربون من القوات في الشجاعية، ودعا إلى توجيه ضربة بطائرة هليكوبتر عليهم.
وقال أيضا، إن الطائرات المقاتلة قصفت أهدافا إرهابية في قطاع غزة، مع استمرار العمليات البرية.
وأصبحت منطقة الزيتون، حيث كان يوجد منزل العائلة، الآن محور العمليات الجديدة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي.
وفي أريحا، لا يزال أحمد يتصل أحيانا بأقاربه الباقين على قيد الحياة في غزة. ولكن بعد أشهر من بقائه محاصرا بعيدا عن منزله، لم يعد متأكدا من رغبته في العودة، يقول: "لقد تحطم حلمي في غزة".
ويضيف: "إلى من سأعود؟ من سيناديني يا أبي؟ من سيناديني يا حبيبي؟ كانت زوجتي تقول لي إنني كنت كل حياتها. من سيخبرني بذلك الآن؟".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: تحت الأنقاض
إقرأ أيضاً:
نتيجة حرب ترامب على اليمن كانت عكسية
محمد حسن زيد
بعقليةِ الحريصِ على تحقيقِ ربحٍ مالي سهلٍ ظن ترامب أن القوةَ العسكريَّةَ الأمريكية أدَاةٌ مهمَّةٌ لممارسة الضغوط أثناء المفاوضات في حروبه التجارية التي فتحَها مع العالم، لكنه لم يدخل البيتَ الأبيضَ إلا وهو يعلمُ أنها مكلفةٌ جِـدًّا.
وبالتالي؛ لا بد من تقليص ميزانيتها؛ كونها سببًا رئيسًا لوصول ديون أمريكا إلى أرقام فلكيةٍ يصعب أن نتخيلها، لكنه كلاعب “بوكر” محترف أراد أن يلوِّحَ بالقوة العسكرية الأمريكية كورقةٍ رابحة؛ فبحث عن أضعفِ نقطة ممكنة ليستعرضَ فيها قوةَ أمريكا فوجد اليمن!
بلدٌ مدمّـر لم ينفض غُبارَ الحروب والصراعات منذ العام 2011م. بلدٌ فقيرٌ يعد من أفقر بلدان العالم؛ ومفكّك لن يشكِّلَ أيَّ تَحَدٍّ، بل سيكونُ المكانَ المثاليَّ لاستعراض عضلات أمريكا الفتَّاكة، وتوجيه رسائلَ قوية للصين وروسيا وإيران ودولِ الخليج والعالم أجمعَ، لترميمِ ما تآكل من هيبة أمريكا أَيَّـام “أوباما وبايدن”. لكن ما الذي حدث؟
اليمن التي ظنها ترامب أضعفَ نقطة تحوَّلت إلى تحدٍّ عظيم ومعضلة خطيرة، الطائرات الشبحية الاستراتيجية لم يكن لها التأثيرُ المرجو، بل أصبحت هدفًا قريبَ المنال بعد إسقاط أكثرَ من عشرين طائرة “درون – إم كيو9″، ثم طائرة “إف 18”.
حاملةُ الطائرات العملاقة ووَحْشُ البحار الفتاكة “ترومان”، لم تكن بمنأىً عن مشاهدَ من مسلسل الإذلال؛ فقد نابها الجزءُ الأخطرُ في تاريخها، وفرَّت هاربةً إلى شمالي البحر الأحمر، بعد أن استعانت بأُخرى أكبرَ منها ظلت بعيدةً ومتواريةً عن الأنظار اليمنية وسط َالمحيط الهندي.
وفيما بنكُ الأهداف المتاحة أصبحت الأسواقَ والموانئ المدنية والمقابرُ وبعضُ المنازل السكنية، ظهر العملاءُ عاجزين جبناءَ يبحثون فقطْ عن المال والمناصب الجاهزة، واتضح أن لا إمْكَانيةَ لديهم في تحقيق أيِّ اختراق عسكري.
ليس هذا فحسب، بل ظل اليمن -وهو تحَت أقسى الضربات الأمريكية- مُستمرًّا في إسناد غزة، وفارضًا قواعد اشتباك لم يشهد التاريخ أن سبقهُ إليها أحدٌ من العالمين، في معركةٍ أدخل ضمنها أسلحةً أكثر فتكًا وأبعد مدىً، وبما يستجيب لكل مراحلها.
هُنا؛ وجد ترامب نفسه مضطرًّا لإعلان وقف العدوان على اليمن؛ فصدم الإعلانُ العدوَّ قبل الصديق، وباتت الحقيقةُ جليةً؛ أن نتيجةَ حرب ترامب على اليمن جاءتْ بنتائجَ عكسيةٍ تمامًا؛ فهيبةُ أمريكا تآكلت أكثرَ، ومَن راهنوا عليها خائفون أكثر، وأعداؤها آمنون أكثر.
ومن نافلة القول: إن كانت الولاياتُ المتحدة الأمريكية قد عجزت عن تركيعِ اليمن، وهي بكامل قوتها وجبروتها وغطرستها؛ كيف بها سترفعُ عينَيها غدًا أمامَ الصين أَو روسيا أَو إيران؟!