في منتصف يناير الماضي شكلت الولايات المتحدة تحالف «حامي الازدهار» العسكري لمحاربة جماعة الحوثيين في اليمن، ردا على الهجمات المتعددة التي شنتها الجماعة على سفن تجارية في البحر الأحمر تابعة أو داعمة لإسرائيل.

وواقع الأمر، توقع الخبراء فشل الحملة في القضاء التام على الجماعة، أو ردعها عن استمرار عملياتها، قبل أن تنطلق الحملة.

وبحسب ما ورد لنا من تقارير البنتاجون، نفذ التحالف منذ انطلاق مهمته عشرات الضربات الجوية قدرت بأكثر من 100 على مواقع للجماعة ومخازن لتخزين السلاح. وبحسب التقارير أيضا، نجحت هذه الضربات في شل قدرة الجماعة على تنفيذ ضربات جديدة بنسبة تصل الى 40%.

بيد أن ضربة الحوثيين الأخيرة التي أدت إلى إغراق السفينة «روبيمار»-المزعم تبعيتها لإنجلترا- قد وضعت تلك التقارير محل شك كبير، كما أصبحت إمكانية القضاء التام على الجماعة أو ردعها تماما محل شك أيضا.

إذ كشفت تلك الحادثة أمرين غاية في الأهمية أو الخطورة. أولهما، القدرة الكبيرة للجماعة على إعادة تنظيم نفسها، وقدراتها على المراوغة، والتخطيط المدروس بدعم من حلفاء إقليميين. والثاني، الإمكانات العسكرية والبشرية الكبيرة التي تمتلكها الجماعة، وفشل قوات التحالف في تحديد أو دراسة تلك الإمكانات بدقة، لاسيما أماكن تخزين السلاح.

إذن لا تمثل الجماعة مليشيا عسكرية، بل هي قوة عسكرية تفوق قدراتها وقوتها جيوش دول صغيرة ومتوسطة. وبالتالي فمن حيث المبدأ فإن هزيمتها ليست بالأمر السهل. فضلا عن استخدامها تكتيكات حروب العصابات والقوات شبه النظامية مما يجعل هزيمتها أمام الجيوش النظامية غاية في الصعوبة-بل مستحيل في أغلب الأوقات.

علاوة على ذلك، تتبدى خلفيات أخرى هامة في صعوبة هزيمة أو ردع الجماعة تماما. ومنها أن تقويض قدرة الجماعة والحد من خطورتها، وواقع الأمر، يتبين أو يعكس نمط الضربات الانتقائي الأمريكي تجاه الجماعة، حرص أمريكي على عدم التوسع في القتال عاكس تماما لعدم الرغبة في مزيد من التركيز. فضلا عن ذلك أن شركاء واشنطن يشاركونها نفس الرغبة. فتحالف «حامي الازدهار» وفقا للخبراء لا يرقى منذ تشكيله إلى مستوى التحالف العسكري القوي، وهو بمثابة قوة عسكرية مصغرة في مهمة مؤقتة. حيث أحجم الكثير من شركاء واشنطن الأقوياء في المنطقة وخارجها عن المشاركة.

ويذهب العقلاء -ونتفق معهم- أن القضاء على خطر الحوثيين أو تخفيف هذا الخطر إلى حد كبير، يجب أن يرتكن على الحلول السياسية في المقام الأول. وتحديدا عبر ثلاثة مسارات. الأول هو الضغط على إسرائيل لإيقاف حرب الإبادة في غزة، والبدء في حل سياسي شامل للصراع العربي الإسرائيل، إذ ما دام الصراع موجودا، لن تنتهى المقاومة ضد إسرائيل.

والثاني هو إجراء تسوية سريعة أو مصالحة مع إيران وفك عزلتها الدولية. والأخير، هو العمل على إجراء مصالحة شاملة في اليمن والاعتراف بالحوثيين كفصيل وطني أصيل. فالحوثيون يمثلون ما يقرب من 15% من اليمنيين.

ملخص البيان، يذكرنا التاريخ جيدا أن هزيمة القوات شبه النظامية خاصة التي تقاتل في أماكن شديدة الوعورة مثل اليمن وأفغانستان، أمر شبه مستحيل وتعلم الولايات المتحدة ذلك جيدا. وبالتالي فاستمرار القتال العسكري ضد الحوثيين سيفضي إلى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.

إذن لا مفر من الحل السياسي كما آلت إليه كل الصراعات بين القوات النظامية وشبه النظامية التي تورطت واشنطن في الكثير منها.

د. فاتن الدوسري – الشرق القطرية

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

في اليمن ..واشنطن بلا عيونٍ وبلا غطاء

لكن ما لم يقله أُولئك المسؤولون هو أن الأجهزة الأمنية اليمنية هي من سببت ذلك العمى؛ من خلال جهود استثنائية هائلة، وأن المعلومات التي أصبحت واشنطن تفتقر إليها لا تتعلق فقط بالجانب العسكري الذي جاءت في إطاره اعترافات المسؤولين الأمريكيين، بل بمختلف جوانب حياة الشعب اليمني، وبالشكل الذي يضمن اختراقًا شاملًا يضمنُ عدمَ الحاجة إلى الاستهداف العسكري أصلًا، أَو تعويض أي قصور في هذا الاستهداف أَو غيره، وهي الصورة الكاملة التي كشفها الإنجاز الكبير وغير المسبوق الذي أعلنته أجهزة الأمن، الاثنين، وقدمت فيه تفاصيل ضبط أكبر شبكة جواسيس تتبع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية عملت في اليمن على مدى عقود.

 

السفارات الأمريكية.. جبهات مفتوحة ضد الشعوب:

 الجزء الأول الذي تم كشفه من تفاصيل الإنجاز الأمني الواسع، سلَّطَ الضوءَ على صَفٍّ متقدم من الجواسيس والذين يلاحظ أن جميعهم كانوا يعملون لدى السفارة الأمريكية في صنعاء، وهي فضيحة كبيرة للولايات المتحدة؛ فالتفاصيل الصادمة التي ذكرها الجواسيس تمثل شهادات تأريخية على أن سفارات الولايات المتحدة في البلدان هي عبارة عن جبهات استخباراتية مفتوحة لا حدود لنشاطها المعادي؛ فهي تمارس التجنيد والاستقطاب وجمع المعلومات وتصل إلى حَــدِّ مُبَاشَرَةِ وتنفيذ خطوات عملية تستهدف البلد في أكثر من مجال؛ وهو أمرٌ لم يسبق أن تم كشفُه بهذا المستوى التفصيلي من قبلُ؛ الأمر الذي يضع العالم بأكمله -شعوبًا وحكومات- أمام حقيقة خطر هذه الأوكار العدائية التي تمارس نفس النشاط في العديد من عواصم العالم.

 ويمكن القول إن مشروع الدولة في صنعاء والذي يتميز برؤية واضحة لطبيعة التواجد الأمريكي العدائي في اليمن، كان هو الأرضية الصُّلبةَ للإنجاز الأمني الكبير؛ فمن الواضح أن الأجهزة الأمنية انطلقت في جهودها بناء على إدراكها لحقيقة ما تمثله سفارة واشنطن من خطر مباشر، وهو ما يوضح أهميّة الخروج عن "السردية" التي تفرضها الولايات المتحدة بشأن سياستها الخارجية بشكل عام، وتجاه البلدان العربية والإسلامية بشكل خاص، والمكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال النظرة إلى نفوذ الولايات المتحدة على حقيقته كتهديد يجب تحجيمه والتخلص منه.

 وبناء على ذلك، قد يكون من الضروري إعادة دراسة معايير وأطر عمل السفارات الأجنبية، والتوصل إلى المزيد من الإجراءات التي يمكنها أن تسد الثغرات المفتوحة أمام نشاطات الاستقطاب والتجنيد وصلاحيات الوصول، وهو أمر يرتبط أَيْـضاً بقابلية النظام السياسي للاختراق الخارجي من خلال الوصاية.

 

حربُ المعلومات:

 من خلال اعترافات جواسيس الشبكة الأمريكية الإسرائيلية، يُلاحَظُ أن من أبرز مهامهم المشتركة كان إعداد الدراسات والتحليلات عن مختلف القضايا في اليمن؛ وهو أمر يختلف عن رفع المعلومات بصورتها الأولية؛ فهذا النوع من المعلومات سيحتاج لاحقًا إلى خبراءَ لتحليلها ووضعها في سياق واضح، وهي في العادة مهمة مراكز الدراسات المرتبطة بالمخابرات الأمريكية والتي تقوم في النهاية باقتراح التوصيات بناءً على المعلومات، لكن يبدو أن نشاط السفارة الأمريكية في صنعاء كان قد وصل إلى حَــدِّ رفع "رؤىً استخباراتيةٍ" وليس فقط مُجَـرّد معلومات، حَيثُ عملت السفارة كما يبدو على انتقاء وتأهيل جواسيسَ قادرين على إعداد دراسات متكاملة قد تعوض الكثير مما يمكن أن يغيب عن مراكز الدراسات الأمريكية؛ نتيجة افتقار هذه المراكز إلى التواجد المباشر في الميدان.

 

وبحسب الاعترافات، فقد تمكّنت الولايات المتحدة في هذا السياق أَيْـضاً من استخدام غطاء المنظمات الإنسانية ومراكز الدراسات والبحوث للقيام بجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها بصورة توفر على وكالات المخابرات الكثير من الجهد.

 هذه الآلية الاستخباراتية التي يبدو أنها أصبحت منتشرة بشكل كبير مع تعدد وتنوع الغطاءات (المدنية) لها، تضع جميع الحكومات أمام أهميّة إعادة النظر في طريقة مرور البيانات الحساسة في النظام الإداري، ووضع حدود لنشاطات وآليات عمل الجهات الخارجية وصلاحيات وصولها إلى مثل هذه البيانات، وهي ضرورة يوضحها الفرق بين ما كشفته اعترافات الجواسيس من سهولة في الاختراق والوصول في المراحل السابقة، وبين اعترافات المسؤولين والضباط الأمريكيين هذا العام بأن اليمن أصبح بمثابة "ثقب أسود" فيما يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية في الجانب العسكري.

 وفي الجانب الاقتصادي، تكشف اعترافات الجواسيس أن التقارير والدراسات التي كانوا يرفعونها حول مواضيع حساسة كـ"الميزانية" و"العملة" قد وفرت للأمريكيين بالفعل رؤية لاستهداف اليمن اقتصاديًّا ومحاولة تعويض الفشل العسكري؛ وهو أمر يجب أن ينال حقه من الدراسة والبحث لتحديد سبل سد مثل هذه الثغرات.

 

الاستهداف الاقتصادي:

 بحسب اعترافات الجواسيس فقد كانت الاقتصاد أحد أبرز المجالات التي عملوا فيها على تقديم رؤى واضحة للولايات المتحدة؛ مِن أجلِ استهداف اليمن؛ فالتقارير والتحليلات التي قدَّموها حول الميزانية والعملة والبنك المركزي (الذي قاموا بنقل شَفرته أَيْـضاً بشكل شخصي)، قد ساعدت واشنطن بالفعل في هندسة الكارثة الإنسانية في اليمن بعد العدوان والأزمات التي لم تتوقف قبل العدوان.

 هذه الجانب من الإنجاز الأمني الكبير يوفر للجميع في المنطقة والعالم مادة نادرة ووافية لفهم أساليب الولايات المتحدة وَأَيْـضاً لفهم العديد من المشاكل الاقتصادية التي تعيشها الكثير من البلدان التي تقع تحت النفوذ الأمريكي؛ فهو لا يؤكّـد فقط استخدام الولايات المتحدة الاقتصاد كسلاح وكورقة ضغط وكاستراتيجية استباقية؛ لضمان بقاء النفوذ والمصالح، بل يوضح كيفية إدارة الولايات المتحدة لهذه الجبهة ومسارات عملها التي تمتد من استهداف المؤسّسات السيادية للدولة إلى استهداف المواطن نفسه في نشاطه الاقتصادي، وليس من الخارج بواسطة العقوبات والحصار فقط، بل أَيْـضاً من الداخل.

لقد كُتِبَ الكثير عن استخدام الولايات المتحدة سلاح الاقتصاد ضد البلدان الأُخرى، لكن تلك الكتابات كانت تغفل عن الجوانب التي تعتمد فيها الولايات المتحدة على نشاطاتها الجاسوسية داخل البلدان في استخدام هذا السلاح تحت الغطاءات الدبلوماسية والإنسانية والتنموية وغيرها؛ إذ يبدو الآن وبوضوح أن العقوبات وفرض الحصار ليس كُـلّ شيء، فواشنطن تعتمدُ أَيْـضاً على عيونها داخل البلدان لرصد كُـلّ البيانات والمعلومات وتحليلها لتوجيهِ ضربات اقتصادية من الداخل للمؤسّسات وللمواطنين، سواء من خلال الاستهداف المباشر إن أمكن أَو حتى من خلال معرفة ما يمكن استغلاله إعلاميًّا لإثارة الرأي العام بالشكل الذي يسهِّلُ الاستهداف المباشر أَو يؤثر على القطاع الاقتصادي بشكل غير مباشر.

 

مرجعٌ مهمٌّ لفهم العمل الاستخباراتي الأمريكي:

 

إن كُـلّ نقطة من اعترافات جواسيس الشبكة الأمريكية الإسرائيلية التي ضبطها الأمن اليمني، تسلط الضوء على الكثير من الجوانب التي ينبغي دراستها والاستفادة من نتائجها.

 

ويمكن القول إن تم كشفه يشكل أحد أهم المراجع التفصيلية الدقيقة لدراسة طبيعة العمل الاستخباراتي الأمريكي في البلدان، وخُصُوصاً تلك التي تخضع جزئيًّا أَو كليًّا لنفوذ الولايات المتحدة، وهي دراسة لا غنى عنها لأي بلد في الظروف الحالية التي تندفع فيها واشنطن بشكل غير مسبوق تاريخيًّا لاستخدام كُـلّ أوراقها ضد الحكومات والشعوب، وبالمقابل تبرز توجّـهات كثيرة مناهضة للهيمنة الأمريكية.

المسيرة

مقالات مشابهة

  • إعلان الحوثيين ضبط "شبكة تجسسية أمريكية وإسرائيلية" يُثير التفاعل والجدل
  • في اليمن ..واشنطن بلا عيونٍ وبلا غطاء
  • الولايات المتحدة تعلن استعدادها لاتخاذ مزيد الإجراءات بما في ذلك العسكرية ضد إيران
  • واشنطن تكشف عن تزويد الحوثيين لحركة الشباب الصومالية بالأسلحة (ترجمة خاصة)
  • نهب متواصل.. دوافع تدشين الحوثيين لـ"شبكة مالية" لغسيل الأموال
  • دعوات حقوقية لممارسة الضغط على الحوثيين لإطلاق سراح المعتقلين 
  • 6 دول تجري تدريبات عسكرية.. هل الحرب العالمية على الأبواب؟
  • خبير اقتصادي يحذر القطاع الخاص من حالة التأميم غير المعلنة في مناطق سيطرة الحوثيين
  • واشنطن تفرض عقوبات جديدة على الحوثيين‎
  • واشنطن تستهدف الحوثيين بعقوبات جديدة