الدلالات القومية للدراما الرمضانية
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
في كل رمضان، تتابع الجماهير العربية الأعمال التلفزيونية المتنوعة، خاصة الدرامية منها، الأكثر تأثيرا بما تلتقي به مع تأثير القصص والروايات.
البداية كانت مع الدراما السينمائية التي عرضت في دور السينما التي تأسست في مراكز المدن العربية في أوائل القرن العشرين، ثم انتقلت إلى المدن والبلدات الأصغر، حتى إذا ما وصلنا حقبتي الستينيات والسبعينيات حتى وجدنا انتشارها كبيرا، في عرض الأفلام العربية والأجنبية.
أما الأفلام العربية، فكانت مصرية بشكل عام، شاركت بعض الدول كلبنان وسوريا والعراق، ولكن ظل النصيب الأكبر لمصر. وما يهم هنا هو أن السينما شكلت عاملا مؤثرا وجدانيا ونفسيا وفكريا قرّبت أبناء وبنات الأمة العربية.
فيما بعد، انتشرت الإذاعات حتى لم تظل عاصمة عربية إلا وامتلكت دار إذاعة، وقد كان لما سمي فيما بعد، بوسائل التواصل الجماهيري، دور وطني وقومي، سياسيا واجتماعيا وثقافيا وفنيا، خصوصا في الغناء والتمثيليات الإذاعية، والتي تم إنتاجها من الكثير من الدول العربية. ويمكن هنا تناول أم كلثوم كظاهرة فنية جذبت الملايين، إضافة إلى خطابات الوحدة والحرية.
ثم كان التلفزيون، والذي لم تأت بداية السبعينيات، حتى انتشرت التلفزيونات العربية، والتي بسبب الصورة والصوت سحرت الجماهير في كل مكان.
وهنا، نعود إلى ما بدأنا به، من إقبال الشعوب العربية على تكثيف مشاهدة التلفزيون في نهارات وليالي رمضان، مما شكل ما يشبه الوحدة الشعورية والفكرية لهذه الشعوب.
وبالطبع كان للدراما في مصر الدور الرئيسي؛ وبتتبع الدراما التلفزيونية من نمو وازدهار الدراما السورية والعراقية فالخليجية، والأردنية خاصة فيما تميزت به من الدراما البدوية، والمغاربية، بخصوصيتها، ثم انتشار ظاهرة الدراما التي تجمع شرائح سكانية عربية متنوعة، خاصة في الدراما الخليجية، فإننا إزاء ظاهرة عربية، تتعلق بتأثير عميق للدراما على الشعوب العربية.
يأتي الاهتمام بالدراما الرمضانية المصرية بشكل خاص، في جذور التحليل، في سياق ما نشأ في مصر من عادات وتقاليد رمضانية وغيرها اجتماعية وفنية زمن حكم الفاطميين، الذين اهتموا بهذه الجوانب الشعورية، والاقتصادية أيضا. وهكذا تم توظيف التلفزيون في حقبتي الستينيات والسبعينيات وما بعدهما، ليكون وسيلة إمتاع وترفيه وتسلية، وتوعية. وصار الإنتاج الرمضاني مميزا واكتسب قيمة اقتصادية حينما تمّ تسويقه ليعرض في التلفزيونات العربية الشقيقة. وكنا نسير في الوطن الواحد، والأقطار العربية، فنرى اجتماع الأسر والجيران على المشاهدة. وخلال ذلك راحت الدراما تقرّب الشعوب من بعضها بعضا نفسيا واجتماعيا ووطنيا وقوميا، خاصة مع الدراما التاريخية والعربية، خاصة تلك التي تعلقت بالصراع مع الاستعمار.
لقد كان تأثير الدراما في التوعية وتقريب المواطنين من قضاياهم المتنوعة، أكثر أثرا من المواعظ والخطابات، ونشرات الأخبار، وظل ذلك بشكل ظاهر حتى بداية الفتنة العربية أوائل التسعينيات، حيث بدأت التحولات القومية سياسيا، والتي أثرت سلبا على الشعوب. ولكن استمرت الدراما بشكل متفاوت، لكن ظلت تزدهر في شهر رمضان، ولعلنا نتذكر كيف كانت الشوارع العربية تخف من المواطنين، في فترة بث المسلسلات المشهورة، مثل ليالي الحلمية ورأفت الهجان.
عودا على بدء، فإننا في ظل ما نعانيه على المستوى الرسمي، لنجد أنفسنا مؤكدين على دور الفنون والثقافة في الوحدة، ولعل تطوير الدراما العربية، باتجاه تعميق تناول قضايانا الاجتماعية والوطنية والقومية، سيقوي الوحدة الشعورية والفكرية خاصة لدى الأجيال الجديدة.
عمقت الحرب الظالمة على أهل غزة وبيوتهم وشجرهم سؤال التضامن العربي، وراحت تعيد السؤال القديم الجديد عن الوحدة العربية، التي ما زالت تداعب أحلام الملايين، بالرغم من كل عوامل الفرقة والتشتت.
من المهم على المستوى القطري، بث مسلسلات تجمع ما تفرّق داخل الأقطار الواحدة، كذلك بث مسلسلات تجمع ما نفرّق بين الأقطار، بمراعاة التاريخ والجغرافيا، من باب الصدق الفني، في بناء النص، حيث ثمة خصوصيات مشرقية ومغاربية، وشامية ومصرية وخليجية وهكذا.
هو دور ورسالة، وهو مجال استثماري ناجح؛ فإن إنتاج مسلسل عربيّ سيجعل الفضائيات تقبل عليه، وبالرغم مما نعاني من فرقة، إلا أن العمل الفني يثبت نفسه، ويفرض حضوره على الفضائيات.
إن تأمل فعل الدراما، في سياق نشر الثقافة والفنون، سيعيد اللحمة الشعورية والفكرية لنا، بعيدا عن الأعمال المسطحة والفارغة من المضمون الحقيقي، تلك التي وجدت من يشجعها ويستثمر بها، إما جهلا من المستثمر أو تخريبا متعمدا.
علينا استثمار ساعات شعوبنا التي تلتئم الأسر فيها في رمضان، لجمعها على مشاعر نبيلة، وأفكار مستنيرة، في الوقت الذي يمكن بالطبع توعية الجماهير بما يبث فيها من غث وسمين، باتجاه زيادة إقبال الناس على الأعمال الجيدة لا الهابطة، مما يضطر المستثمر، خشية على الربح، من اختيار ما هو أفضل دراميا.
استعادة الجمهور العربي باتجاه نفسه، وقضاياه، ليكون له دور، ومشاعر تضامن حقيقية مع الذات والمجموع، سيعني الكثير في استئناف العمل العربي المشترك، فيما هو ممكن من خلال الفن والثقافة.
تفرقة الأمة ليس أمرا جاء بالصدفة، بل هو استمرار لمبدأ «فرّق تسّد»، والذي لم نجن منه غير الخسارات والانتهاكات، وعليه، فإن الكلمة المكتوبة، والتي يتم إنتاجها دراميا، هي مسؤولية الكتاب والأدباء وكتاب الأعمال التلفزيونية والإذاعية، دون الدخول في اصطدامات ونزاعات مع أصحاب المال ورجال السياسة المتنفذين، كوننا نسعى إلى نشر ما هو مجمع عليه إنسانيا وقوميا معا، بالتركيز على القضايا الحقيقية التي نحياها.
إن إنتاج أعمال تلفزيونية ذكية في جذب الجمهور بعيدا عن الثقل والمواعظ والخطابة، سيسهم في التلقي العميق لهذا الجمهور على اختلاف مراحله العمرية، بمراعاة ضمان الإمتاع الفني والوعي معا؛ لأن الجمهور حينما سيختار مسلسلا لمتابعته سيتابعه لجوانبه الإنسانية، والتي من الضرورة تضمينها التشويق والكوميديا.
وأختم بما يدور اليوم بين من هم في الأربعينيات والخمسينيات في العمر، من المواطنين داخل البلد الواحد، أو بين الأقطار العربية، وبين الفئات فيما هو دون ذلك، للمقارنة بين عمق الاهتمام والتضامن والوعي. وبالرغم ما فعلته وسائل التواصل من تأثيرات إيجابية في هذه الحرب الظالمة، إلا أن أثر الدراما هو كأثر الكتب، أكثر عمقا وتأثيرا وزمنا.
تحسين يقين – كاتب فلسطيني – صحيفة عمان
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
تحذير إسرائيلي: الدولة ثنائية القومية وفكرة الضمّ تهددان المشروع الصهيوني
في الوقت الذي تتجه فيه الخارطة السياسية والحزبية في الاحتلال الإسرائيلي إلى اليمين بشكل متزايد وصولا إلى اليمين الفاشي، تتزايد الدعوات الاسرائيلية لإقامة حزبٍ جديدٍ يُقدِّم بديلًا أيديولوجيًا لفكرة ضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وذكر الوزير الإسرائيلي السابق، حاييم رامون أن "إسرائيل التي أحيت هذه الأيام ذكرى تأسيسها الـ77، لا يزال يُخيِّم عليها تهديدٌ وجوديٌّ كبير، ليس من إيران أو حماس أو حزب الله، بل تحوّلها ذاتها الى إلى دولة ثنائية القومية ذات أغلبية فلسطينية، لأن واقع سيطرتها على ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية منذ ستة عقود لن يدوم للأبد، ويقودها بالضرورة لدولة ثنائية القومية، والرغبة الحالية بضمّ قطاع غزة ستؤدي لتسريع العملية".
وأضاف رامون في مقال نشرته صحيفة "معاريف"، وترجمته "عربي21" أن "الخلاف بين مؤيدي رؤية أرض "إسرائيل" كاملة، ولو من خلال دولة ثنائية القومية، ومؤيدي اختيار دولة يهودية صرفة، ولو على حساب التخلّي عن وحدة الأرض، نقطة تحول فاصلة في السياسة الإسرائيلية حتى قبل قيام الدولة، فقد عرض ديفيد بن غوريون خيار الدولة اليهودية بوضوح ودقة، قائلا: إن الخيار الوحيد الذي تواجهه الصهيونية إما دولة يهودية على جزء من الأرض، أو أقلية يهودية في دولة فلسطينية على كامل الأرض".
وأشار إلى أن "بن غوريون أدرك أن السياسة والحكم يجب أن ترتكز على فن الممكن، بالقدرة على تحديد ما هو ممكن في الوضع القائم، والعمل على تحقيقه حتى لو كلفه ذلك التخلي عن المثل الأعلى، فقد سعى بلا كلل لإقامة دولة يهودية، وضمان وجودها، وأن تحقيق هذا الهدف يتطلب تقديم تنازلات مؤلمة في الأرض، وتنازلات كبيرة على الصعيد الداخلي، مثل اتفاقية الوضع الراهن مع المتدينين المتشددين، وقبل قيام الدولة، عارض بشدة النهج المتطرف الذي دعم التوسع في جميع أنحاء الدولة، لمعارضته الشديدة للدولة ثنائية القومية".
وأكد مرارًا وتكرارًا أن "غياب أغلبية يهودية واضحة في الدولة المستقبلية سيقوّض السيادة اليهودية بشدة، ويعرّض الرؤية الصهيونية للخطر، وبناءً على ذلك، قرر توسيع حدود الدولة بما يتجاوز خطة التقسيم، ولكن ليس احتلال الضفة الغربية، نظرًا لكثرة الفلسطينيين فيها، واستمر هذا المفهوم بتوجيهه لاحقًا، وفي عام 1967 كان من بين الأصوات القليلة التي دعت لاستعادة جميع الأراضي المحتلة، باستثناء الجولان والقدس، مُدركا أنه كي تكون الدولة يهودية، فيجب ضمان أغلبية يهودية كبيرة فيها".
وأضاف أنه "مع اقتراب نهاية حرب 1948، وتوقيع اتفاقية الهدنة مع الأردن، تعرّض بن غوريون لهجوم في الكنيست في أبريل 1949 لتنازله عن وحدة أراضي الدولة، لكن ردّه جاء قاطعاً بقوله "عندما طُرح سؤال وحدة الأرض دون دولة يهودية، أو دولة يهودية دون وحدة الأرض، اخترنا الثانية".
وأوضح أن "هذا الخلاف الأيديولوجي استمرّ ورافق النظام السياسي الاسرائيلي على مدى العقود الستة التالية، لكن موقف بن غوريون وخلفائه، الذين فضّلوا ضمان وجود دولة قومية للشعب اليهودي على جزء من الأرض، بدلًا من دولة ثنائية القومية على كامل الأرض، لم يعد قائمًا في النظام السياسي اليوم: فمؤيدو الضم، قانونًا وفعلًا، يلعبون ضد هدف أجوف في الساحة الأيديولوجية والسياسية، وجميع أحزاب الائتلاف وبعض أحزاب المعارضة القائمة والناشئة تدعم سياسة ضمّ الضفة بحكم الأمر الواقع، وبعضها يسعى لضمّ لغزة أيضًا".
وأشار أن "الأيديولوجية شبه المعلنة لأحزاب الضم هي تحقيق تفكيك السلطة الفلسطينية، والسيطرة على خمسة ملايين فلسطيني، وتوطين الضفة الغربية، بما فيها قلب المراكز السكانية، وعلى المستوى السياسي، يقف بتسلئيل سموتريتش في طليعة التحرك لضم الضفة، ويعمل بشكل منهجي على تفكيك السلطة، وإقامة المستوطنات في جميع أنحائها، بما فيها غير القانونية، بدعم من نتنياهو والليكود وأحزاب الائتلاف الأخرى، لكنه غير راضٍ بشكل كامل عن ضم الضفة فقط، بل يتحدث مع إيتمار بن غفير أيضًا عن ضم أجزاء من غزة".
وأوضح أنه "من الناحية السياسية، لم يكن وضع معسكر الضم، وتحويل إسرائيل لدولة ثنائية القومية أفضل من أي وقت مضى، ولدى الحكومة ائتلاف واسع من 68 مقعدًا، بينما تضم المعارضة حزبين، حزب إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان، والحزب الذي سيُنشأ تحت قيادة نفتالي بينيت، وهما، وفقًا لأحدث استطلاع رأي، يمتلكان معًا 36 مقعدًا، ومواقفهما السياسية لا تختلف إطلاقًا عن مواقف حكومة نتنياهو المؤيدة للضم، حيث يتم إحياء رؤية معسكر أرض إسرائيل الكاملة، وتعني دولة ثنائية القومية ذات أغلبية فلسطينية".
الفراغ الأيديولوجي
وأكد رامون أنه "على الجانب السياسي والأيديولوجي الآخر فراغ كامل، لأكثر من عقد من الزمان، تخلى معسكر يسار الوسط عن تعاليم بن غوريون، ولم يقدم أي بديل أيديولوجي لرؤية معسكر الضم، ولا يتعامل قادة يسار الوسط مع أي قضية أيديولوجية، والقضية الوحيدة التي تهمهم هي مجرد عدم نتنياهو، مما يقودهم لعوالم وهمية، مثل دعم ليبرمان وبينيت المؤيدين للضم، حتى أن الفراغ الأيديولوجي في هذا المعسكر دفع قادته لتبنّي العديد من عناصر سياسة نتنياهو تجاه الفلسطينيين، كسياسة "احتواء حماس"، وفصل غزة عن الضفة".
وحذر أن "الإسرائيليين واهمون إذا اعتقدوا أن الفلسطينيين سيستمرون بالانتظار بصبر حتى نقرر مصيرهم فيما بيننا، لأن الوضع الذي نسيطر فيه على ثلاثة ملايين منهم في الضفة دون حقوق مدنية، لن يستمر، ومن يفحص ويُحلّل اتجاهات المجتمع الفلسطيني في الضفة يرى أن أغلبية كبيرة من الشباب تؤيد التخلي عن حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتدعو بدلاً من ذلك لإقامة دولة واحدة على كامل الأرض، يكون فيها للجميع صوت واحد".
وكشف أنه "في حواراتي مع كبار القادة الفلسطينيين الذين سيشغلون موقعًا محوريًا في القيادة التي ستبرز بعد عهد أبو مازن، أخبروني صراحةً أنه إذا لم توافق دولة إسرائيل على دولة فلسطينية مستقلة بجانبها، فإنهم ينوون التنازل عن السيادة المستقلة والمطالبة بحقوق متساوية، بما فيها التصويت والترشح للكنيست".
تشكيل حزب جديد
وضرب على ذلك مثالا أن "محمد دحلان، أحد أبرز القادة الفلسطينيين، خاطب الاسرائيليين في كانون الأول/ ديسمبر 2018: إذا أردتم الضم، فلا مشكلة، لكننا نعلن: دولة واحدة، حقوق متساوية، وحقوق تصويت، ويضيف المسؤولون الفلسطينيون أنهم لا ينوون البقاء الشعب الوحيد في العالم أجمع الذي لا يملك الحق السياسي في التصويت للحكومة المركزية".
وأوضح أن "زعيمي المعارضة الحاليين، يائير لابيد وبيني غانتس، يُكرّسان وقتهما لمهاجمة حكومة نتنياهو على أمور تافهة، ولكن عندما يتعلق الأمر بترويج الحكومة لكابوس الدولة ثنائية القومية، يلتزمان الصمت، ولا يهاجم بينيت وليبرمان الحكومة لتوسيعها المستوطنات، وضمّها الهادئ للضفة، لأنهما يدعمان هذه الخطوات بفخر، حتى يائير غولان، زعيم حزب يساري ظاهريًا، لا يشغل نفسه إلا بترديد الأفكار البلشفية، داعيًا للتمرد والعصيان، وتبني مواقف متطرفة".
وأضاف أنه "لم يعد لاختيار بن غوريون دولة يهودية، حتى بدون وحدة الأرض، أي مبرر اليوم، لم يعد هناك أي ممثل مخلص في النظام السياسي، ويكاد يكون منعدمًا، لذلك، مع اقتراب الانتخابات القادمة، لا بد من ظهور حزب بن غوريون ينقش على لوائه خيار الدولة اليهودية على جزء من الأرض، ويحارب رؤية الدولة ثنائية القومية ذات الأغلبية الفلسطينية، التي تُمثل نهاية الرؤية الصهيونية، ويعمل الحزب الجديد على إرساء ترتيبات أمنية صارمة في جميع أنحاء الأرض للحفاظ على أمن اليهود، وتطبيق سياسة براغماتية بجانب أمننة حازمة".