الميراث.. «القشة» التى قطعت صلة الأرحام
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
«رسمية» 70 عاما وما زالت تبحث عن حقها المسلوب.. و«سعاد» رضيت بالقليل ولم تحصل على شىء
محمد عاشور: أكل الأموال بالباطل عدوان على حدود الله
على المطيعى: موروث جاهلى
داليا الأتربى: ثقافة مجتمعية جديدة لتعديل المفاهيم الخاطئة
قانونى: عقوبات رادعة لمن امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه
لا يزال الميراث هو النقمة العظمى التى مزقت أوصال العديد من الأسر المصرية، وفككت شملها، كالعقد الذى تتساقط حباته، غلبت لعنة المال صلة الرحم بين الأشقاء، أفئدة ملأها الحقد والطمع والضغينة بدلًا من المودة والرحمة والدفء، ونحن الآن فى رمضان شهر الرحمة والمغفرة والمودة وصلة الأرحام التى حث عليها الإسلام، حيث يجب على كل مسلم أن يصل رحمه ليتضاعف أجره، إلا أن الطمع قطع صلة الأرحام بين الأشقاء بسبب حرمان الإناث من الميراث، ونجد من يتسابقون على الصلاة فى المساجد يمتنعون عن تسليم شقيقاتهم ميراثهن، مما دفع الآلاف منهن ممن حرمتهن التقاليد من حقوقهن التى كفلها لها الشرع والدين، للتوجه للمحاكم للحصول على الحق المسلوب لتبدأ رحلة عذاب من نوع جديد مع إجراءات لا تنتهى.
الوفد عاشت لحظات الألم والحسرة مع ضحايا الحرمان من الميراث، منهن من ضاع شبابها بحثا عن حقها الضائع، ومنهن من تنتظر.
سنوات طويلة رسم خلالها الزمن تجاعيده على ملامح وجهها، قضتها فى محاولات للحصول على ميراثها من أشقائها الذين قاطعوها بعد وفاة والدهم عندما طالبت بميراثها منهم، هذه هى حكاية «رسمية.م» البالغة من العمر 70 عامًا، إحدى سيدات قرى الجيزة، قالت والدموع تنهمر من عينيها: أنا البنت الوحيدة ولى 4 أشقاء، توفى والدى منذ 30 عامًا، انتظرت حتى بدأ أشقائى فى تقسيم التركة التى كانت تقدر بملايين، من أراض زراعية وعقارات ومحال، وأرصدة فى البنوك، والدى كان من أغنياء القرية، فوجئت أن والدى كتب لهم كل أملاكه، وعندما تحدثت معهم عن ميراثى طبقًا للشرع والقانون، ردوا قائلين «أنتِ ملكيش حاجة أصلا البنت مش بتورث» قلت لهم: حرام أنتم تخالفون شرع الله، تشاجروا معى وطردونى من بيت والدى وقاطعونى، تحدثت مع كبار العائلة والقرية فى محاولة لأخذ حقى إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، وعندما قررت اللجوء للقضاء هددونى بقتل أبنائى، فملأ الخوف قلبى عليهم وتراجعت عن رفع القضية خشية على أبنائى.
فى المحكمة
جلست «مريم» ذات الثلاثين عامًا، والدموع تملأ عينيها، لتروى ما حدث لها من شقيقها الوحيد الذى طمع فى التركة وأخذ حقها عدوانًا وظلمًا، قائلة: بعد وفاة والدى طالبت شقيقى بحقى فى الأرض والمنزل والمحل، رد «ملكيش حاجه كله باسمى مكتوب فى الوصية» تشاجرنا وبعدما فشلت كل المحاولات الودية والعرفية، قررت اللجوء للقضاء وها أنا الآن فى انتظار حكم المحكمة.
نفس المصير واجهته الحاجة سعاد صاحبة الـ60 عاما، والتى حكت لنا قصتها قائلة: أنا بنت وحيدة على 3 أولاد، توفى والدى منذ 3 سنوات، جلست مع أشقائى لتقسيم التركة بحضور كبار العائلة، إلا أنهم أخبرونى أن والدى كتب لهم العقارات بيع وشراء قائلين: «أحنا هنراضيكى بمبلغ لكن أنتِ أصلًا ملكيش حاجة» وافقت لتجنب الخلافات، رغم أن المبلغ لا يساوى ربع ميراثى، ومع ذلك تهربوا منى ولم آخذ منهم مليمًا واحدًا حتى الآن.
وأضافت ما ترك غصة فى صدرى هو أن والدى قبل وفاته كان مقيمًا عندى وكان كثير الشكوى من أشقائى وزوجاتهم لعدم الاهتمام به والسؤال عنه، فكيف كتب لهم كل أملاكه وحرمنى منها، ولما رفض أشقائى منحى ولو جزء من حقى طرقت أبواب المحاكم لأسترد حقى المنهوب.
ظلم كبير
حكايات المحرومات من الميراث كثيرة وجميعها تدمى القلوب، وتؤكد أن مخالفة شرع الله أصبحت هينة بعد أن ملأ الطمع القلوب وجعل الأخ يأكل حق شقيقته، وفى هذا الصدد أوضح الدكتور محمد عاشور، أحد علماء الأزهر الشريف، أن حرمان الإناث من الميراث ظلم كبير وأكل لأموال الناس بالباطل «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ» ولا يجوز التعدى على حدود الله، فأكل أموال الناس بالباطل وقطع الأرحام من الكبائر وفيها بث للأحقاد والضغائن بين الأقارب وظلم الضعيف.
وأضاف، أن حرمان الإناث من الميراث من أمور الجاهلية، حيث كانوا لا يورثون النساء، وهو ما انتشر فى بعض المجتمعات فكانوا يعتبرون أن إعطاء المرأة حقها عيب، ويعد الطمع أحد أسباب حرمان المرأة من الميراث، فكلما ازداد الإنسان جشعًا ضعف خوفه من الله عز وجل وقادة حب المال إلى ظلم الآخرين، وهناك من يتحايل بشتى الطرق ليجبر شقيقته للتنازل عن الميراث، والبعض يلجأ للتهديد بالقتل، ومن يدخل المحاكم يجد كمًا كبيرًا من القضايا المتعلقة بظلم الإناث فى الميراث، وهذا يدل على ما وصلنا إليه من بُعد عن الدين والشّرعُ.
وأضاف، أنه لا يجوز تنفيذ وصية فيها ظلم وحرمان الإناث من الميراث، وإن فعل الوالد هذا، فواجب على أبنائه أن يعودوا إلى الشّرع، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، ولا يجوز تنفيذ وصية الأب لأنه ظالم، وكل وصية فيها ظلم وتعَدٍّ على حقوق الآخرين ومعصية فإنه يؤُثّم بهذا والذى ينفذها آثَم.
وأضاف، أن بعض الناس لا يلجأون إلى الله عز وجل إلا إذا كان الشرع فى حقه، وإذا كان الحق عليه لا يلجأ إليه.
وأشار إلى أن علماء الأزهر والأوقاف عليهم دور هام للقضاء على هذه المشكلة، وهو تكثيف الخطب والدروس والمواعظ المتعلقة بهذه المشكلة على المنابر والخطب الموحدة التى تحددها وزارة الأوقاف، بحيث تشمل جميع مساجد الجمهورية، وبالتوازى مع ذلك لابد أن يكون هناك رادع قانونى للقضاء على هذه الظاهرة، موضحا أن المرأة التى يقع عليها هذا الظلم لابد عليها أولا التحدث مع أشقائها ثم تذهب إلى أقرب شيوخ لها بمنطقتها يساعدوها فى الحصول على حقها بالتراضى وإذا لم تفلح هذه الوسائل عليها اللجوء للقضاء.
موروث جاهلى
وأكد الشيخ على المطيعى، أحد علماء الأزهر الشريف، أن حرمان الإناث من الميراث، موروث جاهلى، لأنهم فى الجاهلية كانوا لا يورثون الإناث، وجاء الإسلام ليعطى للمرأة حقها، وما كانت المرأة قبل الإسلام لا تأخذ شيئًا من الميراث بل كانت هى ميراثًا، يعنى من كانت له زوجة أب ومات أبيه يرث زوجة أبيه ويأخذها لنفسه، وجاء الإسلام وحارب كل ذلك.
وأضاف، لقد فرض الله تبارك وتعالى نصيبا لكل واحد من الذكر والأنثى صغيرًا كان أم كبيرًا، حتى أن علم الميراث يسمى علم الفرائض، وكون أن هناك من يحرم المرأة من ميراثها لادعاءات عدة سواء أنها ستتزوج رجلا من خارج العائلة، ويذهب المال لهذا الغريب، أو بزعم أن الذكور أولى فهذا كلام جاهلى، حرام وباطل شرعًا، فمن حرم الإناث ميراثهم سواء كان أب كتب للذكور فهذا الأب آثم شرعًا، وإذا لم يكتب وجاء الأخ وقال النساء لا ترث فهذا الذى يحرم أخواته آثم شرعًا، يعتبر أكل مالًا بغير حق فقد قال تعالى «وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا وتحبون المال حبًّا جًّما» فأكل الميراث هذا يدخل على من أكله بالنار والخراب فى الدنيا، ويأتى يوم القيامة وفى أعناقه المال الذى سرقه وهو ليس من حقه، بالإضافة إلى الأحقاد التى تكون بين الأبناء وبعضهم وتصل إلى قطيعة الأرحام وأحياناً إلى حد القتل والثأر، وهذا كله حرام شرعًا، وعلى كل رجل أن يتقى الله تبارك وتعالى فيما أوصى.
حرمان المرأة من حقها
وقالت الدكتورة داليا السيد الأتربى، عضو المجلس القومى للمرأة مساعد رئيس حزب المؤتمر لشئون المرأة: إنه للأسف الشديد فى الوقت التى تتمتع فيه المرأة المصرية بالكثير من أوجه الدعم فى كثير من النواحى إلا أنها ما زالت تعانى من مشكلة فى الحصول على الميراث، ورغم تعديل القانون ٧٧ لسنة ١٩٤٣ فى عام ٢٠١٧ والى وضع نصا عقابيا لمن يمتنع عن تسليم الإرث للأنثى تصل إلى الحبس والغرامة، إلا أنه ما زال هناك ظلما واضحًا لحقوق المرأة فى الإرث رغم إلزامية النص الدينى، ومع ذلك تتكرر هذه الظاهرة وتكثر الشكاوى من حرمان الإناث من الميراث.
وطالبت الدكتورة داليا بضرورة عمل حملات توعية لتعديل بعض المفاهيم الموروثة بشكل خاطئ، ويجب أن نزرع ثقافة جديدة فى المجتمع وهى أن الذكر والأنثى سواء، وأن الميراث حق للمرأة وغيره طبقًا للشرع والقانون، وأن يبتعد المجتمع عن فكرة «الذكورية هى الأمان»؛ لأن المجتمع ناجح بالذكر والأنثى وأن يعى كل إنسان أن أخد الحق يعطى الفرصة لإعطاء الواجبات، وأن الفكر الذى يسود فى حجب الحق هو فكر منع الخير، ويؤدى إلى زيادة الاحتقان فى المجتمع، ورجائى من عقلاء وحكماء بلادنا أن نغير ثقافة ذكورية المجتمع وأننا جميعا نعمل ولكل منا دوره فى بناء الوطن.
جريمة
والتقط أطراف الحديث أيمن محفوظ المحامى قائلا: إن عادات الجاهلية ما زالت منتشرة فى ربوع الوطن، ومن أخطر تلك العادات التى أصبحت ترتقى لمرتبة الجريمة هو حرمان الإناث من الإرث بدعوى أن أموال الإرث لا يجب أن تذهب إلى زوج البنت لأنه غريب، وأحياناً حينما تكون الفتاة غير متزوجة تحرم أيضاً من الإرث، وأصبح الأمر كأنه عرف فوق التشريع السماوى، وهو ظلم بَيِّنٍ حرمه الله على نفسه وبعض الناس يفتخرون بذلك الظلم، رغم أن الشرع قد نظم قواعد الإرث، ولا يجوز مخالفة تلك الأمور، حتى وإن كان الابن أو الابنة غير بارين بأبويهما، لأن الحق فى الإرث سببه النسب وليس الإحسان للوالدين، فالحرمان من الإرث يكون لسبب وحيد هو قتل المورث لأن القاتل لا يرث.
وأوضح أن على كل فتاة أن تعى بأن الحرمان من الإرث طبقًا لنص المادة 917 مدنى يعتبر جريمة.
وأوضح أنه إذا تم الحرمان من الميراث بعد وفاة المورث فإن ذلك لا يجوز طبقًا لقانون المواريث الذى وضع عقوبات رادعة فى حالة الامتناع عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعى من الميراث، حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة من 20 إلى 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه، وفى هذه الحالة يجوز للمحروم من الإرث مقاضاة من حرمه من نصيبه الشرعى، ويجوز التصالح فى أى مرحلة من مراحل التقاضى وفى هذه الحالة تنقضى الدعوى الجنائية بالتصالح.
وأوضح أنه رغم النصوص القانونية والشرعية التى تحمى إرث الوارث، إلا أن الإناث غير متمتعين بشكل كامل بتلك الحماية لأسباب تتعلق بطبيعة الأنثى من خلال رقة مشاعرها وعدم الرغبة فى خلق خصومة بينها وبين أشقائها.
وأضاف أن بعض العائلات تحرم الفتاة من الإرث فقط لكونها أنثى، وهذا أمر مخالف للشرع والقانون وقبل ذلك فهو مخالف للقواعد الإنسانية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الميراث صلة الأرحام الأسر المصرية الإسلام عن تسلیم من الإرث لا یجوز إلا أن
إقرأ أيضاً:
الرئيس السيسي: أطالب الرئيس ترامب ببذل كل ما يلزم من جهود لوقف إطلاق النار فى غزة
دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ببذل الجهود لوقف إطلاق النار في غزة.
وقال الرئيس خلال كلمته في القمة العربية ببغداد : أطالب الرئيس "ترامب"، بصفته قائدا يهدف إلى ترسيخ السلام، ببذل كل ما يلزم من جهود وضغوط، لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة،
وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن الاجتماع تناول الأوضاع الإقليمية، وما تشهده المنطقة العربيةمن تحديات جسيمة، خاصة ما يتعلق بالحرب الجارية في غزة، فضلاً عن الأوضاع في سوريا والسودان وليبياوالصومال، كما ناقش الاجتماع جهود الارتقاء بالعمل العربي المشترك بما يتفق مع تطلعات الشعوب العربية.
وأضاف السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن الرئيس ألقى كلمة مصر خلال القمة، والتي تناولت رؤية مصر بشأن مختلف القضايا محل النقاش، وفيما يلي نص كلمة الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي فخامة الرئيس عبد اللطيف رشيد..
رئيس جمهورية العراق، رئيس الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..
قادة الدول العربية الشقيقة،
معالى أحمد أبو الغيط..
الأمين العام لجامعة الدول العربية،
الحضور الكريم،
﴿ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ﴾
أستهل كلمتى بتوجيه خالص الشكر والتقدير، إلى أخى الرئيس "عبد اللطيف رشيد"، وشعب العراق الشقيق،على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، والمشاعر الطيبة التى لمسناها، منذ وصولنا إلى بغداد .. متمنيا لفخامته كلالتوفيق فى رئاسة الدورة الحالية.
كما أتوجه بالشكر، لأخي جلالة الملك "حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة"، ملك مملكة البحرين، رئيس الدورة السابقة، تقديرا للجهود المخلصة، التى بذلها فى دعم قضايا الأمة، وتعزيز العمل العربى المشترك.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
تنعقد قمتنا اليوم، فى ظرف تاريخى، حيث تواجه منطقتنا تحديات معقدة، وظروف غير مسبوقة، تتطلب منا جميعا- قادة وشعوبا - وقفة موحدة، وإرادة لا تلين.. وأن نكون على قلب رجل واحد، قولا وفعلا .. حفاظا على أمن أوطاننا،وصونا لحقوق ومقدرات شعوبنا الأبية.
ولا يخفى على أحد، أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة من أشد مراحلها خطورة، وأكثرها دقة.. إذ يتعرض الشعبالفلسطينى، لجرائم ممنهجة وممارسات وحشية، على مدار أكثر من عام ونصف، تهدف إلى طمسه وإبادته، وإنهاءوجوده فى قطاع غزة .. حيث تعرض القطاع لعملية تدمير واسعة، لجعله غير قابل للحياة، فى محاولة لدفع أهله إلىالتهجير، ومغادرته قسرا تحت أهوال الحرب. فلم تبق آلة الحرب الإسرائيلية، حجرا على حجر، ولم ترحم طفلا أوشيخا.. واتخذت من التجويع والحرمان من الخدمات الصحية سلاحا، ومن التدمير نهجا .. مما أدى إلى نزوح قرابةمليونى فلسطينى داخل القطاع، فى تحد صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية.
وفى الضفة الغربية، لا تزال آلة الاحتلال، تمارس ذات السياسة القمعية من قتل وتدمير .. ورغم ذلك يبقى الشعب الفلسطينى صامدا، عصيا على الانكسار، متمسكا بحقه المشروع فى أرضه ووطنه.
ومنذ أكتوبر ٢٠٢٣، كثفت مصر جهودها السياسية، لوقف نزيف الدم الفلسطينى، وبذلت مساعى مضنية، للوصول إلى وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية .. مطالبة المجتمع الدولى، وعلى رأسها لولايات المتحدة، باتخاذ خطوات حاسمة، لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية.
ولا يفوتنى هنا، أن أثمن جهود الرئيس "دونالد ترامب"، الذى نجح فى يناير ٢٠٢٥، فى التوصل إلى اتفاق، لوقف إطلاق النار فى القطاع .. إلا أن هذا الاتفاق، لم يصمد أمام العدوان الإسرائيلى المتجدد، فى محاولة لإجهاض أى مساع نحو الاستقرار.
وعلى الرغم من ذلك، تواصل مصر بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، شريكيها فى الوساطة، بذل الجهود المكثفةلوقف إطلاق النار، مما أسفر مؤخرا عن إطلاق سراح الرهينة الأمريكى/ الإسرائيلى "عيدان ألكسندر".
وفى إطار مساعيها، بادرت مصر، بالدعوة لعقد قمة القاهرة العربية غير العادية، فى ٤ مارس ٢٠٢٥ .. التى أكدت الموقف العربى الثابت، برفض تهجير الشعب الفلسطينى، وتبنت خطة إعادة إعمار قطاع غزة، دون تهجير أهله .. وهى الخطة التى لقيت تأييدا واسعا؛ عربيا وإسلاميا ودوليا. وفى هذا الصدد، أذكركم بأننا نعتزم تنظيم، مؤتمر دولى للتعافى المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة، فور توقف العدوان.
وقد وجه العرب من خلال قمة القاهرة، رسالة حاسمة للعالم، تؤكد أن إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها "القدس الشرقية"، هو السبيل الأوحد، للخروج من دوامة العنف، التى ما زالت تعصف بالمنطقة، مهددة استقرار شعوبها كافة.. بلا استثناء.
وأكرر هنا، أنه حتى لو نجحت إسرائيل، فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية.
ومن هذا المنطلق، فإننى أطالب الرئيس "ترامب"، بصفته قائدا يهدف إلى ترسيخ السلام، ببذل كل ما يلزم من جهود وضغوط، لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، تمهيدا لإطلاق عملية سياسية جادة - يكون فيها وسيطا وراعيا - تفضى إلىتسوية نهائية تحقق سلاما دائما، على غرار الدور التاريخى الذى اضطلعت به الولايات المتحدة، فى تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل فى السبعينيات.
السيدات والسادة الحضور،
إلى جانب القضية الفلسطينية، تواجه أمتنا العربية تحديات مصيرية، تستوجب علينا أن نقف صفا واحدا لمواجهتها،بحزم وإرادة لا تلين. فيمر السودان الشقيق بمنعطف خطير، يهدد وحدته واستقراره.. مما يستوجب العمل العاجل،لضمان وقف إطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، والحفاظ على وحدة الأراضى السودانية ومؤسساتها الوطنية .. ورفض أى مساع، تهدف إلى تشكيل حكومات موازية للسلطة الشرعية.
وبالنسبة للشقيقة سوريا، فلابد من استثمار رفع العقوبات الأمريكية، لمصلحة الشعب السورى .. وضمان أن تكون المرحلة الانتقالية شاملة؛ بلا إقصاء أو تهميش .. والمحافظة على الدولة السورية ووحدتها، ومكافحة الإرهاب وتجنب عودته أو تصديره.. مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلى من الجولان، وجميع الأراضى السورية المحتلة.
وفى لبنان، يبقى السبيل الأوحد لضمان الاستقرار، فى الالتزام بتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، وقرار مجلس الأمن رقم "١٧٠١"، وانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبنانى، واحترام سيادة لبنان على أراضيه، وتمكين الجيش اللبنانى من الاضطلاع بمسئولياته.
أما ليبيا، فإن مصر مستمرة فى جهودها الحثيثة، للتوصل إلى مصالحة سياسية شاملة، وفق
المرجعيات المتفق عليها.. من خلال مسار سياسى ليبى، يفضى إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، تمكن الشعب الليبى من اختيار قيادته، وتضمن أن تظل ليبيا لأهلها.. مع خروج كافة القوات والميليشيات الأجنبية من ليبيا.
وفى اليمن، فقد طال أمد الصراع، وحان الوقت لاستعادة هذا البلد العريق توازنه واستقراره، عبر تسوية شاملة تنهى الأزمة الإنسانية، التى طالته لسنوات، وتحفظ وحدة اليمن ومؤسساته الشرعية .. وأشير هنا، إلى ضرورة عودة الملاحة إلى طبيعتها، فى مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وتهيئة الأجواء للاستقرار، والبحث عن الحلول التى تعود بالنفع على شعوبنا.
كما لا ننسى دعمنا المتواصل للصومال الشقيق .. مؤكدين رفضنا القاطع لأي محاولات للنيل من سيادته، وداعين كافة الشركاء الإقليميين والدوليين، لدعم الحكومة الصومالية، للحفاظ على الأمن والاستقرار.. فى بلدها الشقيق.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
فى الختام، أقولها لكم بكل صدق وإخلاص: "إن الأمانة الثقيلة التى نحملها جميعا، واللحظة التاريخية التى نقف فيها اليوم، تلزمنا بأن نعلى مصلحة الأمة فوق كل اعتبار، وأن نعمل معا – يدا بيد - على تسوية النزاعات والقضايا المصيرية، التى تعصف بالمنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؛ القضية المركزية التى لا حياد فيها عن العدل.. ولا تهاون فيها عن الحق".
"فلنعمل معا على ترسيخ التعاون بيننا، ولنجعل من وحدتنا قوة، ومن تكاملنا نماء .. مؤمنين بأن شعوبنا العربية،تستحق غدا يليق بعظمة ماضيها، وبمجد حضارتها .. فلنمض بثبات وعزيمة، ولنجعل من هذه القمة، خطوة فاصلة،نحو غد أكثر إشراقا.. لوطننا العربى".
وفقنا الله جميعا، لما فيه صالح شعوبنا العربية..
﴿ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ﴾