يعتبر فانوس رمضان من أهم المظاهر الاحتفالية التي تدل على قدومه بمصر، وحوله دارت العديد من الصناعات والحرف اليدوية التي عملت على إنتاجه والتي تدخل في منظومة الحرف المتعلقة بالفنون التشكيلية الشعبية بعد أن أخرجت لنا الأيادي المصرية الماهرة عبر العهود المختلفة الكثير من الموديلات التي يرجع البعض منها إلى خيال الفنان وقدرته على ترجمة الزمن والواقع المحيط به، أو استجابته لبعض المناسبات المختلفة وإخراج فانوسه لهذا الغرض حتى يحقق الشهرة والانتشار حتى أصبح لدينا العديد والعديد من القطع الفنية الأصيلة لهذا الفانوس الذي ارتبط عبر أزمنة التاريخ الإسلامي في مصر والدول الإسلامية كأحد أهم المظاهر الاحتفالية لقدوم شهر رمضان، ودخول الفانوس وتشكيلاته كقطعة ديكور في العمارة الإسلامية والتراث الإسلامي والعربي.

ومن العهود الإسلامية التي ازدهرت فيها تلك الصناعة هو العهد الفاطمي بمصر ومنها ما يقال بأن أصل الفانوس يرجع إلى أن الخليفة الفاطمي يخرج لاستطلاع هلال رمضان وكان يخرج معه الأطفال ليضيئوا له الطريق مرددين بعض الأغاني لفرحتهم بقدوم رمضان، وأما عن أصل الكلمة حسب موسوعة الويكيبديا فإن كلمة فانوس تعني النمام بسبب أن الفانوس كان يظهر حامله ليلا ويفصح عنه وهناك قصة أخرى بالعهد الفاطمي بأن أحد الخلفاء أمر بإضاءة القاهرة ليلا وأمر بتعليق الفوانيس وبداخلها الشموع، ويشاع أيضا بأنه وفي هذا العصر كان يسمح للنساء بالخروج من بيوتهم ليلا ومعهم غلمان تحمل الفوانيس للدلالة على وجود سيدة ليفصحوا الرجال الطريق لها، وبعد أن تحررت النساء ظلت الفوانيس مستمرة في مظاهرها وكتقليد لهذا الشهر وبخاصة عندما يحملها الأطفال ليلا ويمشون بها في الشوارع مع الغناء فظل الفانوس رمزا لهذا الشهر وبخاصة في مصر حتى تناقلت تلك المظاهر الأجيال المختلفة ومازالت مستمرة إلى وقتنا هذا وتطورت لدرجة أن الكبار يصنعون الفوانيس المختلفة ويعلقونها بالبيوت والشوارع والحارات ابتهاجا بهذا الشهر وظلت الأطفال حريصة على اقتناء الفوانيس وحملها ليلا طوال هذا الشهر الكريم، صحيح أن شكل الظاهرة تغير عندما بدأت الفوانيس تصنع بشكل آلي بدلا من صناعتها اليدوية ولكن ظل الفانوس كرمز لهذا الشهر رغم أنه لم يعد مصنع يدويا في أغلب الأحيان.

كان أول من عرف الفانوس هم المصريين منذ دخول المعز لدين الله الفاطمي مصر في الخامس من رمضان 358 هجرية عندما خرج المصريون حاملين الفوانيس لاستقباله في الطريق ليلا حتى ارتبطت بعدها بإضاءة الشوارع لتصبح عادة سنوية ويصبح الفانوس رمز وتقليد محبب لشهر رمضان، ثم انتقلت بعده فكرة الفانوس إلى باقي البلاد العربية وبخاصة المغاربية ودمشق وحلب والقدس وغيرها من البلاد الإسلامية، وفي هذا الصدد يقول المستشرق الإنجليزي إدوارد ويليام لين في كتابه المصريون المحدثون 1827 م " بأنه عندما كان يصل خبر رؤية الهلال بمجلس القاضي فإن جزء من المجتمعون حوله يتجهون إلى القلعة والآخرون إلى الأحياء معلنين للناس بدء الصيام وعندها تضاء لمساجد وتعلق المصابيح فوق شرفات المآذن ويجوب الأطفال الشوارع حاملين الفوانيس في أيديهم صائحين وحوي يا وحوي إيوحه رحت يا شعبان جيت يا رمضان وحوي يا وحوي، ثم يعترضون المارة من الكبار طمعا في الحصول على هبة أو نفحة مرددين " حاللو يا حاللو رمضان كريم يا حاللو حل الكيس وادينا بقشيش لا نروح ما نجيش يا حاللو " وهي الأغنية التي مازالت تردد إلى الآن وعن صناعة الفوانيس في مصر في هي صناعة مستمرة طوال العام ويتم ابتكارها وصناعتها وتخزن لرمضان القادم، وتعتبر مدينة القاهرة من أهم المدن الإسلامية التي اشتهرت بتلك الصناعة، وتعد منطقة تحت الربع القريبة من الأزهر والغورية من أهم المناطق التي اشتهرت بصناعة الفوانيس وتعاقبت خلالها أجيال من الحرف والصناع من عائلات وأسماء شهيرة توارثت تلك الصناعة وتفننت فيها، كما أن هذه الصناعة تمر بمراحل مختلفة مرتبطة بتشكيل الصفيح وتلحيمه وإشغاله بالقطع الزجاجية الملونة بزخارف هندسية مختلفة معتمدة على ألوان موروثة كالأخضر الفيروزي والأحمر الفوشيا وغيرها وكانت تصنع يدويا، وهناك موديلات وأسماء مختلفة كالفانوس البيضاوي والفانوس المربع والمسدس والمثمن وغيرها من الأشكال الهندسية التي تدخل في نطاق العمارة والفنون التشكيلية الإسلامية، أو أسماء مرتبطة بالسلطة والباب العالي كالفانوس البرلمان المرتبط بالبرلمان المصري بالقرن الماضي، أو المسمى فاروق عندما صمم للاحتفال بمولد الملك فاروق في القصر الملكي، أو بفانوس السيسي الآن، ثم تطورت صناعة الفوانيس لتصنع بشكل آلي خارج مصر من خامات مختلفة كالبلاستيك وتعتمد في إنارتها على الكهرباء وبطاريات الجيب بدلا من الشموع، ثم تطور الفانوس من مجرد الإضاءة إلى الفانوس الناطق الذي يغني مقتطفات غنائية لأشهر الأغنيات التراثية المرتبطة برمضان، ورغم ذلك مازالت بعض الأسر المصرية محتفظة بشرائها للفانوس المصري التقليدي الذي يعبر عن الحرف التقليدية الشعبية وكرمز أصيل من مظاهر قدوم شهر رمضان والدليل هو أن منطقة تحت الربع بالقاهرة مازالت معبرة عن تلك الظاهرة الفلكلورية وينتشر بها تصنيع وبيع الفانوس الرمضاني الشهير، وأثناء تجوال جريدة الأسبوع بمنطقة تحت الربع التقيان بأحد السيدات المصريات التي تملك نصبة جميلة لبيع الفانوس الرمضاني وتحافظ على تلك المهنة منذ فترة طويلة هي السيدة أم مدحت التي قدمت لنا المساندة وسمحت لنا بالتصوير متمنية لمصر التوفيق والسداد.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: شهر رمضان احتفال المصريين الفانوس هذا الشهر

إقرأ أيضاً:

طقس الأحد صحو نهاراً ورطب ليلاً

توقع «المركز الوطني للأرصاد» أن يكون طقس الأحد، صحواً إلى غائم جزئياً ومغبرّاً أحياناً نهاراً، ورطباً ليلاً وصباح الإثنين على بعض المناطق الساحلية والداخلية، مع فرصة تشكل الضباب أو الضباب الخفيف، والرياح خفيفة إلى معتدلة السرعة تنشط أحياناً مثيرة للغبار والأتربة، تؤدّي إلى تدنّي الرؤية الأفقية أحياناً على بعض المناطق المكشوفة. وذكر المركز، في بيانه اليومي، أن الرياح ستكون شمالية غربية / 15 إلى 25 تصل إلى 40 كلم/س، ويكون الموج في الخليج العربي متوسطاً ويضطرب أحياناً غرباً، ويحدث المدّ الأول الساعة 18:38 والثاني 04:34، والجزر الأول الساعة 11:05، والثاني 22:16.
وفي بحر عُمان يكون الموج خفيفاً، ويحدث المدّ الأول الساعة 14:03 والثاني الساعة 01:19، والجزر الأول الساعة 20:16 والثاني 08:00.

مقالات مشابهة

  • مشهد جوي ساحر لمشعر منى ليلاً.. صور
  • تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور
  • بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس احتفال ختام الشهر المريمي بكنيسة قلب يسوع
  • مروان الركيبات يستقبل المهنئين بقدوم حفيده شهم في ديوانه بمنطقة دابوق بعمان…
  • بيان حكومي: الدبيبة بحث مع وفد من بني وليد  إنهاء مظاهر التسلح خارج الشرعية
  • 472 مسيرة روسية استهدفت أوكرانيا ليلا
  • مشيخة العقل هنأت الدروز بعيد الأضحى: للتخفيف قدر الإمكان من مظاهر الابتهاج
  • رسائل تهنئة بقدوم عيد الأضحى لعائلتي وأصدقائي
  • أستاذ علم نفس: الاعتقاد في السحر يعتبر مظهر من مظاهر المرض النفسي
  • طقس الأحد صحو نهاراً ورطب ليلاً