أسامة الأزهري: كل علمائنا دراويش وأرى نفسي عبداً فقيراً
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
قال الدكتور أسامة الأزهري، أحد علماء الأزهر الشريف، إن لفظ درويش اعتنى بالتفتيش عن أصله ومعانيه الإمام الكبير شيخ اللغويين محمد مرتضى الزبيدي، مضيفا:" انشغل بلفظ درويش وألف كتاب خاص في معنى الكلمة ودلالتها عند أهل اللغة والله وهو مخطوط ولم يُطبع بعد.
وأضاف «الأزهري» خلال لقائه ببرنامج «مملكة الدراويش» تقديم الإعلامية قصواء الخلالي المذاع على «قناة الحياة»، أن الدرويش في الوجدان المصري الدرويش له عدة تعريفات ومستويات، أبرزها هو من غلب عليه الشأن الأخروي وانشغل بالذكر، وبهذا المعنى الغالب فإن كل مشايخنا الكبار وعلمائنا أهل الله وهم كلهم درويش وصالحين ولهم عند الله قدم صدق.
وتابع: إن المصريين تعارفوا على أن الدرويش، هو من أنس بالله وتقرب إليه، موضحًا أن شيخ الأزهر الدكتور عبدالحليم محمود، وكل علمائنا دراويش وأرجو أن أكون درويشًا، ولا أرى في نفسي سوى عبد فقير.
واستطرد: إن الفتوحات من الله تعالى تكون لكل مريد صادق كثير الطرق على الباب، لأن السير إلى الله يكون بالهمم التي يحملها الناس وليس بسير القدم، مؤكدًا أنه إذا أراد الإنسان معرفة مقامه لدى الله سبحانه وتعالى فعليه أن يبحث في أي طريق أقامه، هل هو طريق الحفاظ على الفرائض وعمل الخير أم طريق الخلاف والخناقات.
وأكد أن الطريق إلى الله ليس فيه سكون، ولكنه سير دائم من أجل أن يظل الإنسان مُنكسراً وعبداً طامعاً فى الأكمل والأفضل، مضيفا: إن من أبرز العارفين بالله الشيخ الأكبر"محيي الدين بن عربي" وسلطان العاشقين "ابن الفارض"، واختلف الناس فيهما خلافات حادة وصلت للتكفير، وأُلفت في هذا كتب بالغة الكثرة.
ولفت إلى أن كل سلاسل الطرق الصوفية تنتهي في سندها إلى الإمام الحسن البصري إلا الطريقة النقشبندية تنتهي بالصحابي أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ونجد كل أرباب العلم يتفقون على الإمام الحسن البصري.
وأكمل: إن الشريعة بحر ارتوى منه العلماء، فأثمر مدارس ومناهج متعددة سواء فى الفقه أو الصوفية، مضيفاً: أنه توجد مدارس تُنكر التصوف بشكل كلي، وتصف كل شيء بالبدع، ومن هنا تنشأ أحوال واختلافات الناس، ولكن الله مقصود الكل كما يقول أهل الله.
وأردف: أن من أراد أن يحمل لنفسه نمطاً من التدين فليفعل، ولكن لا يحمل الناس عليه، ويقع كثير من الخطأ في التسلط على الخلق ويصفهم بالبدع والشرك والتكفير، وهذا يخرج إلى دائرة التطرف في فهم الشريعة ويعتبر نموذجا للفكر الإرهابي الذي عانينا منه في العقود السابقة .
واختتم: «ونقول لكل صاحب طريق وتصوف أن يجعل الأمر مبنياً على الجمال، حتى لا تتحول جمال الشريعة إلى إرهاقاً للخلق".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدكتور أسامة الأزهري أسامة الأزهري قصواء الخلالي درويش أسامة الأزهری
إقرأ أيضاً:
الكاتب الإنسان.. ما سر التعاطف الواسع مع صنع الله إبراهيم في مرضه؟
قبل أكثر من عقدين، تصدر اسم الكاتب المصري صنع الله إبراهيم واجهة الأحداث محليا وعربيا عندما رفض، لدواع سياسية، جائزة أدبية مرموقة، وها هو اليوم يعود للواجهة لكن هذه المرة، لدواع إنسانية، من سريره في المستشفى.
وأثارت الواقعة الأولى التي تعود إلى أكتوبر/تشرين الأول عام 2003 جدلا سياسيا واسعا خاصة أن صنع الله إبراهيم برر رفضه لجائزة ملتقى القاهرة للرواية العربية باعتبارات سياسية تتعلق بالحريات والديمقراطية وبالأوضاع في فلسطين وهاجم مصر لأنها "دولة تمارس التعذيب، وتقمع حرية التعبير، وتفرض الحصار على الثقافة الحقيقية".
منذ تلك الواقعة المشهودة، زاد اسم صنع الله إبراهيم تداولا وحضورا في المشهد الأدبي والثقافي المصري والعربي من خلال أعمال روائية تعتبر امتدادا لمشروعه الذي بدأ مع "تلك الرائحة" (1966) وتواصل مع "نجمة أغسطس" (1974) و"اللجنة" (1981) و"ذات" (1992) وغيرها.
وقبل أسابيع قليلة، عاد اسم صنع الله إبراهيم وهو يقترب من عقده التاسع (ولد عام 1937)، بقوة لساحة التداول إعلاميا وواقعيا من سرير في مستشفى معهد ناصر بالقاهرة بعد أن نقل إلى هناك لتلقي العلاج من أثار كسر في الحوض ونزيف في المعدة ومضاعفات أمراض أخرى متصلة بالتقدم في السن.
ولا تزال مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية تضج بسيل من عبارات التعاطف والتضامن والتقدير والإشادات بصنع الله إبراهيم، حيث دعا كثيرون لإيلائه ما يستحق من عناية تليق بمقامه الأدبي وبمواقفه السياسية وقربه الدائم من نبض المجتمع سواء في حياته الخاصة أو في كتاباته ومواقفه المشتبكة مع محيطه المصري والعربي.
وعلى خلفية ذلك الطارئ الصحي، استدعى إعلاميون وكتاب من مصر وخارجها في تدويناتهم ومقالاتهم مواقف خاصة مع صنع الله إبراهيم سجلوا فيها مدى تواضع الرجل وصدقه واتساق مواقفه السياسية ورسالته الأدبية وحياته الشخصية المتسمة بالبساطة والتواضع، ووصفه الكثيرون بـ"الكاتب الإنسان".
إعلانوكتب الروائي العراقي علي بدر أن "قصة هذا الكاتب العظيم الذي يرقد الآن في المستشفى لا تتلخص فقط في رواياته ولا في سجنه، بل في قدرته العجيبة على أن يظل ثابتا في زمن التقلب، وعلى أن يبقي الكلمات مسننة، نافرة، غير قابلة للهضم. هذا هو صنع الله إبراهيم لم يكن يسعى إلى أن يحب، بل إلى أن يقلق، وهذا أعظم ما يمكن أن يفعله كاتب في هذا العالم الكسول".
وفي نفس المنحى، دون الكاتب المصري باسل رميسيس على فيسبوك أن من يحبون صنع الله إبراهيم، لا يحبونه بسبب رواياته أو لأن عمله الأدبي يفتح العيون ويحفز على التفكير أو بسبب مواقفه السياسية من قبيل رفض جائزة الرواية العربية، بل لأنه (صنع الله إبراهيم) خليط من كل ذلك ولأنه يعبر عن "حالة المثقف المتسق والفنان الحقيقي في نفس الوقت".
واتسعت موجة التعاطف مع صنع الله إبراهيم في محنته الصحية إلى الدوائر الرسمية، إذ زاره وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو للاطمئنان على حالته الصحية، عقب عملية جراحية لتركيب مفصل صناعي ودعا له باستعادة عافيته "ليواصل عطاءه الثقافي والفكري الذي أثرى به الساحة الأدبية لعقود".
مساحات من الغيابوتعليقا على هذا التضامن الواسع مع صنع الله إبراهيم، قال الناقد الأدبي السوري هيثم حسين إن الدعوات للالتفات إليه الآن لا تعبر عن تعاطف عابر بقدر ما تكشف عن مساحات من الغياب، عن مسؤوليات تركت تتراكم، وعن مؤسسات لم تكن يوما في موضع الفعل والمسؤولية. حين يصبح التفاعل بديلا عن الرعاية، ويصير النداء الثقافي بديلا عن السياسة الثقافية، يتحول الكتاب إلى جزر معزولة".
وأضاف هيثم حسين أن عودة اسم صنع الله إبراهيم إلى التداول فجأة، تكشف عن "الحاجة القديمة إلى صوت من طينته، إلى كتابة لا تبحث عن تسوية، ولا تراكم مجدا هشا.. صنع الله إبراهيم كان، وما يزال، مشروع مساءلة، وموقفا أخلاقيا وإنسانيا لا يخضع للاستهلاك، ولا يرتضي التواطؤ أو المداهنة".
إعلانوعن مكانة الرجل في السياق الثقافي العربي، قال هيثم حسين، في حديث مع الجزيرة نت، إن "صنع الله إبراهيم من القلائل الذين يتعرف بهم تاريخ الرواية العربية على ملامحه المتقلبة، لا يختصر في سيرة ولا يقاس بحجم التغطيات. هو أحد الذين نقلوا الكتابة من حيز الحكاية إلى حيز الاشتباك، من السرد المطمئن إلى السرد الكاشف الذي يفتح الأعين على الندوب".
وساق المتحدث نماذج من أعمال صنع الله إبراهيم، بينها "بيروت… بيروت"، و"ذات"، و"تلصص" وقال إنها "تخرق السائد، تمضي في الزواريب والحطام، لا لتأريخ ما حدث، بل لتفكيك آلياته وخباياه، وتكشف عن ملامح أخرى من مشروعه، حيث التوغل في ما هو شخصي كي يكشف عن العام، والرواية بوصفها فعلا سرديا مقاوما".
وعن التحام مؤلف "اللجنة" مع الواقع، يرى الناقد هيثم حسين أن صنع الله إبراهيم "لم يكتب الواقع كما يراد له أن يروى، لكنه نبشه وفتت لغته ونظامه، واجهه متلبسا بأقل أدوات الزينة. وحين تنقل الكتاب بين الأنواع والموضات والترضيات، ظل وفيا لذلك الهاجس العميق؛ أن تكون الكتابة في موقع المواجهة، لا في مقعد الشرح".
وإلى جانب التعاطف الإنساني، شكلت هذه الوعكة الصحية، مناسبة لإعادة تسليط الضوء على أعمال صنع الله إبراهيم وعلى مواقفه السياسية منذ محنته في السجن (1959-1961) في غمرة الاعتقالات التي شنها نظام الرئيس جمال عبد الناصر في أوساط الشيوعيين، وما عاناه لاحقا في ظل حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك.
وعن الدور التأسيسي لصنع إبراهيم في معمار الرواية العربية، قال الروائي السوري فواز حداد إنه "في استعادة صنع الله إبراهيم، يمكن القول، ليس جيلنا الذي تلا جيله مدينا له فقط، وإنما الأجيال التالية أيضا، سواء في رواياته أو مواقفه".
إعلانويرى حداد، في تصريح للجزيرة نت أن صنع الله إبراهيم "فتح منافذ كانت مغلقة في وجه الرواية، بدأها في روايته الأولى "تلك الرائحة" التي قرأها اللبنانيون والسوريون قبل المصريين، لأنه منعت في مصر، ونشرت في عدد خاص في مجلة "شعر"، وكانت في الستينيات تمثل التجريب والحداثة في الأدب".
وأضاف حداد أن اتجاه صنع الله إبراهيم في الكتابة الروائية تبلور في "اللجنة" بأجوائها الكافكاوية، لجهة النقد السياسي والاجتماعي، الذي تجلى بشكل رئيسي في تشريح هيمنة الدولة الأمنية وفضح آليات التسلط، ومن الجانب السردي تمردت الرواية على الشكل التقليدي للرواية العربية، وتدفقت باقي أعماله توغلا في الواقع بالاستعانة بمادة وثائقية، كسر من خلالها تابوهات السياسة والجنس.
صنع الله إبراهيم الإنسانوإلى جانب الاهتمام بصنع الله إبراهيم الكاتب، توقف كثيرون عند صنع الله إبراهيم الإنسان في مسكنه وفي ملبسه وفي باقي مناحي حياته الشخصية في الشارع وفي الحافلة وفي غيرها من المواقف التي تصوره شخصا عاديا يمشي في الأسواق ويشبه مرتاديه.
وفي السياق استعاد الصحفي المصري خيري حسن أجواء مقابلة صحفية عام 2007 مع صنع الله إبراهيم في بيته الذي "يقع على أطراف حي مصر الجديدة -بالقرب من شارع جسر السويس- شرق القاهرة.. في الدور السابع بدون أسانسير.. الشقة متوسطة قد لا تزيد على 80 متر تقريبا".
وردا على زميله المصور الذي استغرب كيف أن كاتبا كبيرة يعيش في شقة متواضعة وسبق له أن رفض جائزة تبلغ قيمتها المالية حوالي 24 ألف دولار، كتب خيري حسن أن صنع الله إبراهيم "لو أراد أن يسكن في المنتجعات السياحية لسكن. ولو أراد السكن في فيلا لسكن. ولو أراد أن يسكن في شقة 500 متر لسكن. لكنه رفض كل ذلك (ليسكن) في قلب وعقل وضمير مصر التي أحبها وكتب وأخلص في حبها".