ربما بات خيار نتنياهو نحو توسيع حرب غزة باتجاه حرب إقليمية بحثا عن خلاص سياسي مريح لوضعه الحرج، السيناريو الأرجح بعد الضربات الصاروخية ومسيرات الرد الإيراني قبل يومين على اغتيال قادة إيرانيين في قنصلية طهران بدمشق.
الجميع في مختلف عواصم القرار في العالم اليوم بات حذرًا ومتوجسًا من رد فعل نتنياهو ومجلس حرب حكومته المرتقب على هجمات إيران، إذ لم تعد واشنطن تثق بالرجل وليس لها قدرة على ضبط ردود فعله -وهو في هذه الحالة من الاضطراب- لهذا فإن الساعات القادمة ستعتبر محكًا حقيقيًا لتوجهات نتنياهو وما إذا كانت خياراته في الرد أقرب للسياسة المتوافقة مع العالم للحد من تورط الشرق الأوسط في حرب إقليمية كبرى، أم أنها ستصب في أفق المصالح الشخصية لنتنياهو وتدفع المنطقة إلى حرب لا يرغب فيها الجميع سوى نتنياهو وحكومته.
وبحسب معطيات سابقة في خيارات نتنياهو وطريقة إدارته للحرب في غزة (التي اتسمت بتكرار الأخطاء في كل مرة على نحو أكبر وخطير) فإن مؤشرات كثيرة تنحو بالاتجاه الذي يرجح بأن الرجل اليوم قد يتهور في اتخاذ قرار خطير بشأن الرد الحربي الإسرائيلي على إيران.
وإذا ما بدت الضربات الصاروخية والمسيرات الإيرانية ضربات محسوبة بدقة على إيقاع ينحو بوضوح لحفظ ماء الوجه، أكثر من كونها ضربات مؤثرة ومدمرة، فإن ذلك الخيار الواضح في الرد الإيراني ينبغي أن يكون إشارة لنتنياهو، لا سيما وأن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل عدم الرد على الضربات الإيرانية حذر الوقوع في حرب إقليمية كبرى تنزلق فيها المنطقة على نحو خطير وغير مسبوق.
هنا في هذا السياق تحديدا سيواجه نتنياهو العالم بخيار الرد الإسرائيلي المرتقب.
بطبيعة الحال هناك ذرائع قد يتخذها نتنياهو لتبرير ضربات إسرائيل؛ فالمبررات باسم الكرامة الوطنية وأمن إسرائيل دائما موجودة، لكن طبيعة الرد العسكري الإسرائيلي المرتقب وتأثيره هي التي ربما ستحدد ردود فعل إيران.
لكن إيران هي الأخرى، وقد أدركت تمامًا ما يعنيه دخول كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لتحييد أثر ضرباتها عبر انخراط منظومات دفاع تلك الدول إلى جانب إسرائيل لصد ضربات إيران إلى إسرائيل قبل نهاية الأسبوع الماضي، قد تدرك حجم التحدي حتى في حال تعرضها لضربات إسرائيلية موجعة ومؤثرة، تجنبا لحرب كبرى قد تنخرط فيها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى جانب إسرائيل.
ورطة نتنياهو في حرب غزة ورطة كبيرة وغير مسبوقة في أزمات التاريخ السياسي للرجل، لهذا فإن العالم اليوم يرتقب ردود الفعل غير المتوقعة من هذا الرجل - وهو في حال لا يحسد عليها.
الجهود الدبلوماسية المحمومة التي تنشط فيها أوروبا وأمريكا، لاسيما عبر زيارات مسؤولين غربيين كبار - كوزيرة الخارجية الألمانية التي بدأت زيارة لإسرائيل يوم أمس - من الواضح جدا أنها جهود تبذل في سبيل الحيلولة دون أن تكون الضربة الإسرائيلية القادمة ضربة موجعة وذات آثار كارثية على مستقبل الشرق الأوسط، وواضح جداً من خلال عدم الثقة في نتنياهو أن هناك خوفا من اتجاه نتنياهو نحو إشعال المنطقة وتوريطها في حرب تكون بمثابة خلاصه الشخصي.
إسرائيل اليوم تتخبط في سياسات واحتمالات لردود فعل كارثية قد تنجم على أي رد إسرائيلي عسكري موجع لإيران ورغم التضامن البسيط الذي وجدته إسرائيل من أثر ضربات إيران، إلا أن احتمال تورط نتنياهو في جر المنطقة لحرب إقليمية كبرى وارد بقوة.
إن ذروة التناقض التي بدت عقدتها اليوم ممثلة في طبيعة الرد الإسرائيلي القادم واحتمالاته هي بمثابة الفصل الأخير الذي ظل نتنياهو يعمل على تصعيد أحداثه الكارثية عبر تخبطه في إدارة الملف العسكري في مواجهة تداعيات عملية طوفان الأقصى.
يوما بعد يوم، بدأ يتضح أن إصرار إسرائيل على الفشل العسكري في غزة ستكون له أثمان باهظة ونتائج محددة لا تخلو من احتمالين اثنين أحدهما؛ حرب إقليمية كبرى قد يكون أي رد عسكري كبير وموجع من طرف إسرائيل على الضربات الإيرانية أحد أسبابها، فيما الاحتمال الثاني هو دولة فلسطينية كاملة، وبكل تأكيد أن نتنياهو يرفض بشدة هذا الاحتمال الأخير، ما سيعني أن أحد احتمالي الرد العسكري الإسرائيلي المرتقب قد يكون احتمالًا موجعًا يدخل منطقة في المجهول، وهو ما يجعل المنطقة تحبس أنفاسها اليوم جراء هذا الرد الإسرائيلي المرتقب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإسرائیلی المرتقب فی حرب
إقرأ أيضاً:
معاريف: هذه أوراق نتنياهو التي أفلتت من جعبته قبل الانتخابات
تحدثت صحيفة "معاريف" العبرية، اليوم السبت، عمّا وصفتها أوراق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو التي أفلتت من جعبته قبل إجراء الانتخابات المقبلة، مؤكدة أن الورقتين الرابحتين التي خطط نتنياهو لتحقيقهما قبل الانتخابات، هما إعادة إعمار غزة دوليا والتطبيع مع السعودية.
وشددت الصحيفة على أنّ هاتين الورقتين باتتا تنهاران على أرض الواقع، منوهة إلى أن هناك فجوات متزايدة باستمرار بين الخطط المرسومة على الورق وما يصر الواقع على وضعه أمام تل أبيب.
وتابعت: "هذه الفجوة تفتج جبهتين كانتا تُقدمان حتى وقت قريب على أنهما أوراق نتنياهو الرابحة: خطة ترامب لغزة، وخاصة الانتقال الجوهري إلى المرحلة الثانية، واحتمال اتفاق تطبيع مع السعودية"، مستدركة: "قُدمت كلتاهما على أنهما خطتان مشرقتان ومستقرتان وشبه حتميتين، وكلاهما تحطم على أرض الواقع".
وذكرت أنه "على الورق تبدو خطة ترامب لغزة وكأنها نتاج فريق مرموق من الاستراتيجيين الأمريكيين: نظام واضح وتقسيم إلى مراحل وخريطة طريق لإعادة إعمار القطاع، الذي تعرض للتدمير المادي والمؤسسي".
وأضافت أنه على أرض الواقع فالأمر مختلف تماما، موضحة أن "الخطة لم تفشل، ليس بعد، لكنها عالقة. عالقة بعمق. عالقة في مزيج نادر من المشاكل الهيكلية، والصراعات الإقليمية، والمصالح الخارجية، والأهم من ذلك كله، غياب الشروط الأساسية التي تسمح بالانتقال إلى المرحلة الثانية".
وأردفت: "هذا المأزق يزداد صعوبة يومًا بعد يوم، لدرجة أنه يصعب اليوم تصور كيف سيبدو تنفيذ المرحلة الثانية في ظل الظروف الحالية"، لافتة إلى أن "حماس التي كان من المفترض أن تضعف إلى درجة الخلل الوظيفي، لم تختفِ، ولم تنكسر، بل على العكس من ذلك: نجحت في التعافي في أجزاء كبيرة من القطاع حيث قلص الجيش الإسرائيلي وجوده".
وأشارت إلى أن "البلدان التي يجري الحديث عنها باعتبارها تلك التي سترسل قوات إلى غزة في المرحلة الثانية (مصر والسعودية وقطر وتركيا) تواجه صعوبة في الاتفاق على هوية المشاركين، ناهيك عن نوع التفويض والتمويل وفترة الانتشار وهيكل القيادة".
ورأت أن "مصر ليست مستعدة لتحمل المسؤولية المباشرة عن الأمن الداخلي في غزة؛ والمملكة العربية السعودية غير مستعدة لدفع ثمن سياسي إقليمي لدخول منطقة لا تزال حماس القوة المهيمنة فيها؛ وتركيا تطالب بأن تكون جزءاً منها، وترى إسرائيل في هذا الطلب خطراً مباشراً؛ وقطر، التي لديها المال للدفع، ليست مستعدة لإرسال قوة تقاتل الكتل الخرسانية في غزة".