*اقتلوا الإسلاميين أو اطرحوهم أرضاً يخلُ لكم وجه الغرب وتكونوا من بعدهم قوماً مدنيين!!*
¤ عام ١٨٦٣م حصلت شركة آل مورجان الأمريكية على امتياز تنقيب النفط والغاز في منطقة النوبة بشمال السودان ، وتخلَّت الشركة عن امتيازها في العام ١٨٦٨م لأسبابٍ أمنية بعد تعرض منسوبيها لأحداث عنف من الأهالي وهلك اثنان من منسوبيها.

¤ عام ١٨١٩م أنشأت الولايات المتحدة أول مكتب استخباري وتجاري في السودان بمدينة سواكن ، وعيَّنت John H Kennedy كأول قنصل أمريكي في السودان ، ونشط المكتب في رصد الأنشطة البحرية ، وفي تصدير العاج والأخشاب والرقيق ، وتم إغلاق المكتب في ١٨٩٣م بسبب الحرب الأهلية الأمريكية.

¤ في العاشر من سبتمبر ١٨٨٤م بقرية الهبَّة (تسمى اليوم أم دويمة) وأثناء فرار الباخرة عباس من حصار الخرطوم ، قتل المناصير بقيادة النعمان ود القمر كل من كانوا على متنها ، وعلى رأسهم الكولونيل دونالد ستيوارت مساعد الحاكم العام تشارلس غردون باشا ، وكان مقرباً جداً من ملكة بريطانيا ، وقُتل معه نائب القنصل البريطاني فرانك لابويرباور ، والقنصل الفرنسي هيربن ، وستة عشر يونانياً آخرين ، وغيرهم.

¤ في ٢٦ يناير ١٨٨٥م قُتِل الجنرال البريطاني تشارلس غردون باشا حاكم عام السودان ، والقنصل البريطاني السير روبرت كولسون ، والقنصل الفخري الأمريكي عازر عبدالملك ، وقُتِل معهم عشرات الغربيين من العسكر ورجال الأعمال وغيرهم ، وخسِرت الحكومة البريطانية وحدها في سقوط الخرطوم مبلغ ١١.٥ مليون جنيه استرليني مما أدى لسقوط حكومة وليام جلادستون في لندن ، وأشعل ذلك سخطاً كبيراً وتعبئةً عامةً في بريطانيا لاحتلال السودان.
¤ حاولت إسرائيل باكراً احتواء السودان ، وفي عام ١٩٥١م (بعد ثلاث سنوات فقط على تأسيسها) أرسلت وفداً تجارياً من ٥٠ شخص للخرطوم ، وكانوا رأس الرمح في خلق علاقات مع قادة الأحزاب بالسودان ، وعام ١٩٥٤م في لندن جرى أول لقاء سري بين الصديق عبدالرحمن المهدي ومحمد أحمد عمر مع مسئولين إسرائيليين ، وبحثوا ما يمكن أن تُقدِّمه إسرائيل لاستقلال السودان ، والذي لم يرغب الطرفان في وِحدته مع مصر ، وعام ١٩٥٥م جرى اللقاء الثاني في قبرص بين الصديق عبدالرحمن المهدي ومحمد أحمد عمر مع مسئولين إسرائيليين ، ثم توسَّعت العلاقات فشملت أحزاباً سودانية أخرى ، وحركاتٍ إنفصاليةٍ جنوب سودانية.

¤ بمجرد استقلال السودان انخرط في دعم المجهود العسكري المصري المضاد لإسرائيل ، وهو ما تسبب في توتر علاقاته بالولايات المتحدة وأوربا ، ودفع ذلك إلى تدخل استخباري إسرائيلي غربي فاقم من حِدة التنافس والاستقطاب القائم أصلاً بين الحزبين الطائفيين ، ودفع في اتجاه أول انقلاب عسكري قدمه حزب الأمة على طبقٍ من ذهب للمؤسسة العسكرية ، والتي خاب ظن إسرائيل والغرب فيها إذ كانوا يظنونها صنيعة بريطانية ومطية سهلة لاستتباع السودان.

¤ عام ١٩٥٨م فرضت الولايات المتحدة عقوبات على السودان بسبب القطن طويل التيلة رداً على قرار الحكومة السودانية تأميم شركة القطن السودانية ، وهي شركة أمريكية كانت تعمل في زراعة وتسويق القطن طويل التيلة في السودان.

¤ خاب فأل الغرب في حكم الجيش السوداني بتزايد دعمه لمصر ، فاتهمت الحكومات الأمريكية والأوربية الرئيس ابراهيم عبود بالتطرف الديني في طرده للمبشرين لنشاطهم الاستخباري الهدام والذي اشتكت منه الطائفة القبطية في السودان ، وتراوحت أرقام المطرودين حينها بحسب المزاعم الغربية بين ٥٠٠ إلى ٢٠٠٠ مبشر ، وانتهاج الرئيس عبود (بزعمهم) سياسةً تهدف لأسلمة وتعريب الجنوب ، ورفضه التطبيع مع إسرائيل ، فدعمت إسرائيل والغرب بقوة لتأسيس حركة الأنانيا التي نادت بانفصال جنوب السودان.

¤ في عام ١٩٦٩م قامت حكومة النميري بتأميم عشرات الشركات والمؤسسات والبنوك الأوروبية العاملة في البلاد ، وشملت قطاعات المصارف وشركات التأمين والتعدين والبترول والشحن وغيرها ، وقد أدى التأميم إلى توترات عميقة مع الدول الأوروبية ، والتي فرضت بعض العقوبات على السودان ، وكان لها تأثير كبير على الاقتصاد والمجتمع السوداني.

¤ في الأول من مارس ١٩٧٣م اغتال مسلحون من جماعة إيلول الأسود الفلسطينية بعض الدبلوماسيين الأجانب في الخرطوم وعلى رأسهم السفير الأمريكي Jeorge Curtis Moore ، وتمت محاكمة القتلة في الخرطوم بالسجن المؤبد ، ولكن الرئيس النميري عفا عنهم في ١٩٧٤م ، فاستشاطت الولايات المتحدة غضباً وقطعت العلاقات مع السودان بضعة أشهر.

¤ عام ١٩٩٣م سحبت الولايات المتحدة سفيرها من الخرطوم ، وفي يونيو ١٩٩٥م تم طرد السفير البريطاني من الخرطوم ، وأوقعت الولايات المتحدة حزمة عقوبات اقتصادية على السودان ، ودفعت مع حلفائها الأوربيين مجلس الأمن لاستصدار عقوبات اخرى ، وصنفت السودان دولةً راعيةً على الإرهاب ، وموَّلت حرباً على السودان شنها الجيش الشعبي متحالفاً مع الجيش الإريتري والإثيوبي واليوغندي والمعارضة الشمالية ، وضغطت
أمريكا مع حلفائها الأوربيين وإسرائيل لانفصال جنوب السودان ، وأشعلوا تمرداً في دارفور ، وتواطئوا على إدانة السودان في المحكمة الجنائية الدولية ، ثم تمالؤوا مع بعض دول الإقليم فأسقطوا نظام الحكم.

¤ في الأول من يناير ٢٠٠٨م تم اغتيال الدبلوماسي الأمريكي John Michael Granfield وسائقه ، والذي كان يعمل موظفاً بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ، وفيها حكم القضاء بإعدام خمسة متهمين ، ولم يلبث ان لاذ ثلاثةٌ منهم بالفرار من السجن ، وعفى البشير عن الرابع ، وتم إعدام الخامس فقط ، ولا تسل عن غضبة الأمريكان لذلك.

* العلاقات السودانية الغربية ضاربة في القِدَم ، والسودان موضع اهتمامهم قبل أن تتشكل حدوده الحديثة ، وما سردناه بإيجازٍ خلال قرنين من الزمان ليس شاملاً ، ولكنها محطاتٌ ذات دلالةٍ على العداء المتجذِّر والأطماع الكبرى للغرب تجاه السودان ، وقد تعمَّدت هذه العلاقة بالكثير من الدماء مما قبل المهدية وحتى اليوم ، وانتقلت إدارة العداء الغربي تجاه السودان من المواجهة بالأصالة إلى الحرب بالوكالة .. ولقد ظل هذا العداء مستمكناً على امتداد كل العهود الوطنية .. سواءً كانت ثورية أو انتقالية أو ديمقراطية أو شمولية ، علمانية أو شيوعية أو ليبرالية أو إسلامية ، بل إن حكومة حمدوك التي ضربت رقماً قياسياً في عمالتها وخنوعها للغرب .. لم يتكرموا عليها بدعمٍ يُذكر ، لا في مؤتمرات المانحين ولا غيرها ، بل مارسوا عليها كل أشكال الإبتزاز والانتهازية ، وتركوها تسقط كخِرقةٍ باليةٍ ، وذلك أن هدفهم خنوع البلاد وشعبها وليس مجرد حفنة عملاء بلا مستقبل سياسي.

* الغرب الذي مأسس لانفصال جنوب السودان بقانون المناطق المقفولة الصادر لسبع مناطق منذ عام ١٨٩٩م ، ثم حصرته بريطانيا لجنوب السودان فقط في عام ١٩٢٢م ، وفعل الغرب كل الممكن لاستقلال دولة جنوب السودان .. مازل إلى اليوم يمارس على دولة جنوب السودان الابتزاز السياسي والدبلوماسي ، وعلّق في رقبتها أنشوطة العقوبات ، رغم أن جنوب السودان استجابت لكل المطلوبات الغربية ، وليس بها تنظيمات إسلامية ، ولا جدال فيها على العلمانية ، وعلاقتها بإسرائيل على أطيب ما يشتهيه الغرب ، والأمثلة غير ذلك أكثر من ان تُحصى ، ومن السذاجة السياسية الاعتقاد بأن وجود الإسلاميين في السودان هو سبب العداء الأمريكي والأوربي للسودان.

* الواقع والوقائع تؤكد بأن الهرولة وراء استرضاء الغرب لن تجلب للسودان رضى الغرب ، وأن مصالح السودان الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والجيوسياسية لا ترتبط بالغرب ولا سبيل لها إلى ذلك ، وقدر السودان أن يُحسِن تموضعه إقليمياً ودولياً بما يناسب العداء الغربي الصهيوني الذي استمكن قبل ميلاد دولة السودان الحديثة ، فهذا العداء لم يكن خيار السودانيين ، ولكنه مفروضٌ عليهم ولا مناص لهم عن التعامل مع هذه السياسة الغربية بما لا ينتقص من السيادة الوطنية ، ولا يُضيع المصالح القومية ، ولا يُدخل البلاد وأهلها في معادلاتٍ خطِرة ، وأخطر ما نواجهه اليوم هو توهان الموقف الجيوسياسي للدولة ، والذي حرمها من اكتساب الحلفاء والأصدقاء ، وأدخل البلاد وشعبها تحت تهديدٍ وجوديٍّ بزوال الدولة وتجريف شعبها.

* العداء الأمريكي الأوربي الصهيوني تجاه السودان واقعٌ قديمٌ وسيستمر ، وأثبتت التجارب في السودان وغيره أن الاستجابة لضغوطهم لا ينتج عنها إلا مزيداً من الضغوط والصَّلف ، فالقوم لا يحترمون الضعفاء ، والإسلاميون في السودان تيارٌ وطنيٌّ معتبر ، وحقيقة قائمة على امتداد ولايات السودان ، ولا يخلو منهم مجتمع سوداني ، *والأصل أن لا يتشكَّل سودان بعد الحرب على إرادةٍ أجنبيةٍ غير وطنية ، وإلَّا فما جدوى النصر منقوص السيادة ، وعلام كانت الحرب إذن* ، وكما لن تستطيع أي قوىً وطنية مهما رضخت أن تقلب الموقف الغربي تجاه السودان ، كذلك سيستحيل اقتلاع الإسلاميين من هذه الأرض أو إلغاء دورهم فيها إرضاءً للغرب أو أذنابه في المنطقة ، وكِلا المحاولتين تهدِّدان وجوباً بزوال السودان ومن عليه ، والسياسة هي فن صناعة البدائل ، وليست فن الممكن كما يتداول البعض ، والذين يظنون أن ليس بالإمكان إدارة البلاد وتطويرها في ضوء هكذا تحدِّيات .. فإنما يؤكدون بأن السياسة ليست أفضل الميادين التي يستطيعون منها خدمة الوطن ، *والحقيقة أن أزمتنا الوطنية لطالما كانت في التنظيمات السياسية والعسكرية التي لا تقوم على أساس قومي إسلاميةً كانت أو يسارية ، وإنما على تلك التي تنبني على أساس إثني أو جهوي (كالدعم السريع والجيش الشعبي و…الخ) وتستنكف الانصهار في البوتقة القومية ، وهذه لا يستنكرها الغربيون ، ويستمرؤها الانتهازيون ، ويتجاهلها الغافلون ، ويغض الطرف عنها الآخرون.*

* في ٣ مارس ١٩٨٥م زار الخرطوم جورج بوش الأب ، وكان آنذاك نائب الرئيس رونالد ريغان ، ورافقه في زيارته تلك وليام كيسي مدير وكالة المخابرات المركزية CIA ، وأبلغا الرئيس النميري ما يشبه الإنذار الأخير بضرورة التخلص الفوري من شركائه الإسلاميين ، وإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية المعروفة بقوانين سبتمبر ١٩٨٣م ، والاستئناف العاجل لعمليات ترحيل الفلاشا التي كانت قد تعطلت بسبب تسرُّب أخبارها ، وذلك مقابل الرضى الأمريكي ، واستئناف شيفرون لعمليات التنقيب ، وتقديم مساعدات إنسانية واقتصادية ، وقد وافق النميري ، وبعد مغادرة بوش بأيامٍ قليلة .. فضًّ النميري شراكته مع الإسلاميين ، وزج بهم في السجون توطئةً لإلغاء قوانين سبتمبر ، ولم تمضي أيامٌ معدودة حتى نزع مالك الملك ملكه ، فما أغنت عنه أمريكا شيئاً ، وكان من سخريات الأيام أنّ النميري ما استطاع أن يعود للسودان إلا بعد أن حكمه الإسلاميون ، ولقد كان في قصصهم عبرة.

اللواء (م) مازن محمد اسماعيل

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الولایات المتحدة جنوب السودان تجاه السودان على السودان فی السودان

إقرأ أيضاً:

القمح مقابل الولاء.. كييف تطلق أولى قذائفها الناعمة على الخرطوم

قال المحلل السياسي، ياسين الحمد، إنه في ظلّ تصاعد النزاع الداخلي في السودان واستمرار الحرب الأهلية منذ أبريل 2023 بدأت الأزمات الإنسانية تتخذ أشكالًا جديدة، أشدّ تعقيدًا من مجرد نزوح أو انهيار اقتصادي فقد دخلت سلعة القمح  أحد أهم ركائز الأمن الغذائي في البلاد إلى قلب المعادلة السياسية، بعد قرار أوكرانيا وقف تصدير القمح إلى السودان ابتداءً من أغسطس 2025.


"دبلوماسية الحبوب".. غذاء مقابل الولاء
 

وأضاف الحمد، أن القرار، الذي جاء دون سابق إنذار، فتح بابًا واسعًا للتكهنات والتحليلات، خصوصًا في ضوء ما بات يُعرف بـ "دبلوماسية الحبوب"، حيث يُستعمل الغذاء كسلاح للضغط السياسي، بل كوسيلة ابتزاز مباشر، مضيفا أنه رغم أن كييف برّرت القرار بالظروف اللوجستية والحرب في البحر الأسود، إلا أن توقيت وقف الإمدادات — تزامنًا مع تعقّد الوضع الداخلي في السودان — يوحي بأن المسألة أبعد من مجرد حسابات تجارية.

التحديات والتطورات.. القاهرة تستضيف اجتماع رفيع المستوى لمسئولين من مصر وليبيا والسودانواشنطن ترحّل 8 رجال إلى جنوب السودان بعد معركة قانونية حاميةتحولات النفوذ الجيوسياسي في أفريقيا
 

وتابع الحمد، أن التقارير تظهر أن أوكرانيا تسعى منذ سنوات لتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية، خاصة في وجه التمدد الروسي، الذي استثمر في ملف الأمن الغذائي وساهم في إبعاد العديد من البلدان عن خط الخطر، وأنه مع اتساع رقعة المجاعة والنقص الحاد في القمح، استخدمت كييف ورقة الغذاء للضغط على دول مثل السودان، التي تقيم توازنًا مع روسيا والغرب في علاقاتها الخارجية.

السودان في مأزق مزدوج: داخلي وخارجي
 

وأوضح الحمد أن استخدام القمح كوسيلة ضغط سياسي يفتح الباب أمام موجة جديدة من "تسليح الغذاء"، وهي ممارسة خطيرة تهدد ملايين الأرواح، خاصة في دول منهارة اقتصاديًا وتعاني من هشاشة البنية الزراعية والاعتماد الكامل على الاستيراد، موضحا أن السودان في مأزق مزدوج، بمعنى جوع داخلي وضغوط خارجية، إذ يعتمد السودان بشكل أساسي على استيراد القمح لتغطية احتياجاته المحلية، خصوصًا في ظل تراجع الإنتاج المحلي نتيجة الصراعات المسلحة وتدهور البنية الزراعية.

خيارات محدودة وبدائل صعبة
 

وأكمل أنه بينما تُمثّل أوكرانيا وروسيا معًا أكثر من 60% من واردات السودان من الحبوب، فإن فقدان أحد هذين الموردين في لحظة حرجة، يشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي، لا سيما في ولايات دارفور والنيل الأزرق التي تشهد مواجهات مستمرة ونزوحًا جماعيًا، وأنه في ظل هذا الفراغ، لن تكون البدائل سهلة، فالأسواق البديلة مثل الهند أو الأرجنتين قد لا تكون متاحة بسهولة أو بأسعار مناسبة بينما السوق المحلي منهار؛ ما يزيد الاعتماد على الاستيراد بشكل شبه كامل.

دعوة لصياغة سياسة غذائية مستقلة
 

واستطرد: "قرار أوكرانيا لم يأتِ من فراغ، بل ضمن سياق أوسع من إعادة رسم النفوذ الجيوسياسي في إفريقيا، فروسيا تستثمر منذ سنوات في ملف القمح، وتستخدمه لدعم علاقاتها مع أنظمة غير مستقرة أو محاصرة.. وأن أوكرانيا، التي خسرت أسواقًا ضخمة في إفريقيا لصالح روسيا منها دول عربية مثل تونس والسودان، التي تحاول اليوم استعادتها، لا من خلال المنافسة الاقتصادية، بل عبر فرض مواقف سياسية مرتبطة بالولاء. وفي حالة السودان، فإن الرسالة واضحة: إما الاصطفاف مع كييف وحلفائها، أو فقدان رغيف الخبز".

وأكد أنه رغم ما يُقال عن الدور الإنساني لأوكرانيا في تصدير الحبوب، تكشف الوقائع أن أفريقيا لم تكن يومًا ضمن أولويات كييف التجارية، فمعظم صادرات القمح الأوكراني عالي الجودة خصوصًا الذي يحتوي على نسب بروتين مطابقة للمعايير الدولية تتجه بشكل أساسي إلى الاتحاد الأوروبي، مستفيدة من التسهيلات الجمركية واتفاقيات السوق المفتوحة، أما الدول الأفريقية، فتُركت غالبًا لقمح الدرجة الثانية أو الأقل جودة، وهو ما جعل العديد من الأسواق — مثل كينيا ونيجيريا — تتحوّل تدريجيًا إلى المورد الروسي الذي يقدّم مواصفات أعلى وسعرًا أقل.

وشدد الحمد على أن تصوير أوكرانيا كمزوّد موثوق للقارة السمراء لا يعكس الواقع التجاري الفعلي، بقدر ما يُعبّر عن رغبة كييف في استثمار الملف الغذائي سياسيًا عندما تقتضي الحاجة، موضحا أنه أمام هذا المشهد المعقّد، يُطرح السؤال الأهم: كيف يرد السودان؟.. الواقع يفرض على صانعي القرار في الخرطوم التحرّك السريع نحو تنويع مصادر القمح بعيدًا عن المورّدين المتقلبين سياسيًا وربما الاعتماد على روسيا في هذا الملف الحساس، وبناء شراكات استراتيجية جديدة مع دول لا تستخدم الغذاء كأداة تفاوض، فما يحدث اليوم هو إنذار بأن الدول التي لا تملك أمنًا غذائيًا مستقلًا، ستظل رهينة المواقف، والصفقات، والتحالفات المتقلّبة.

وأشار إلى أنه لم تعد الحروب في القرن الحادي والعشرين تُخاض بالسلاح فقط، بل بسلع الحياة الأساسية والقمح بقدر بساطته  تحوّل إلى أداة تفاوض وترويض، وأحيانًا عقاب جماعي، وأن السودان، الذي يئنّ تحت وطأة الجوع والانقسام، يجد نفسه اليوم عالقًا بين نار الحرب الأهلية ومطرقة الابتزاز الغذائي، وأن مواجهة ذلك يتطلّب إرادة سياسية جديدة، تضع مصلحة المواطن فوق موازين الحلفاء، وكرامة الإنسان قبل صفقات القمح.

طباعة شارك السودان الأزمات الإنسانية دبلوماسية الحبوب النزاع الداخلي في السودان الغذاء كسلاح

مقالات مشابهة

  • “كيانات شرق السودان” تكشر عن أنيابها في وجه الإمارات
  • مدن سودانية تنهض من رماد الحرب والخرطوم تتراجع
  • “شل شل شل كب لي جالون”.. تعود من جديد إلى الخرطوم
  • الجوع يهدد أطفال السودان بـ«وفيات جماعية»
  • بعد تحريرها من التمرد.. الخرطوم بانتظار سكانها المهجرين
  • الأمم المتحدة تخصص 5 ملايين دولار لمكافحة تفشي الكوليرا في السودان
  • جامعة الخرطوم لصناعة التظلم
  • كتلة هوائية حارة تتموضع جنوب المملكة يزداد اقترابها الأيام القادمة فهل تتطور إلى موجة حارة ؟
  • فريني يشهد افتتاح ورشة الحماية والتوثيق التي نظمتها معتمدية اللاجئين
  • القمح مقابل الولاء.. كييف تطلق أولى قذائفها الناعمة على الخرطوم