لجريدة عمان:
2025-12-12@21:31:04 GMT

«السلوكيات الفردية».. والسياقات العامة

تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT

هل السلوكيات الاجتماعية منبثقة؛ بالضرورة؛ من السياقات الاجتماعية في ذات بيئتها المحلية؟ وهل المحلية المشار إليها في هذه المناقشة مخصوصة بالزمان والمكان؟ ألا يمكن أن تسافر السلوكيات لتتوافق مع سياقات مجتمعية أخرى ليس لها علاقة بفاعل السلوك؟ كيف يمكن ربط سلوك الفرد ببيئته الاجتماعية الحقيقية؟ وما هي مؤشرات ذلك؟ هل هناك انتماءات معينة «ثقافية؛ اقتصادية؛ جندرية؛ سياسية؛ عرقية» لها تأثير مباشر على ماهية السلوك؛ أم أن المسألة مرتبطة فقط؛ بتفاعلات البيئة المحيطة؟ لماذا يتم تغريب سلوكيات الفئة الصغيرة على أنها تقليد أعمى لما يدور خلف الحدود الجغرافية؟ كيف سهلت وسائل التواصل الاجتماعي على المحصلة الكمية لمختلف السلوكيات التي ينظر إليها بكثير من الريبة والشك؟ وهل يؤثر التغريب الجغرافي على مسارات السلوكيات؛ أم أن ذلك لا يؤثر؛ إطلاقا؛ ولا يحدث أي تباينات على الواقع؟ والصورة برمتها هل هي خاضعة لمعايير معينة «حوكمة» أم أن المسألة عادية، وتحدث في سياقها الطبيعي المعتاد لدى كل المجتمعات؟ أسئلة كثيرة ترافق هذه المناقشة لهذا الموضوع؛ على وجه الخصوص؛ لارتباط ذلك كله بقدرة الفرد في أي مجتمع على تنظيم سلوكياته، وإدارتها بما يتوافق مع قيم المجتمع الذي يعيش فيه، ليقينه، أو إحساسه أن ما يبديه من سلوك، سواء في بيئته الأم، أو في أي بيئة أخرى - مغترب فيها - هي بالضرورة تنسب إلى هويته، وانتماءاته والمرتبطة بالبيئة الأم، ولذلك «يَجْفُلُ» كبار السن، أكثر من غيرهم عندما يرون أي سلوك شاذ يتقاطع مع قناعاتهم، وحرصهم على ما يؤمنون به، لخوفهم أن ذلك يضرب مسألة الهوية والانتماء في الصميم، بل يذهب ذلك الخوف أو التوجس إلى أبعد من ذلك، وهو التغريب الذي يشوه المجتمعات في صورتها العامة، ويحدث فيها شيئا من الخلخلة في الانتماء، وإن لم يستحضر صاحب السلوك كل هذه المحذورات وهو يمارس سلوكه عن راحة نفس، واطمئنان بال؛ وأعني هنا الفئات الصغيرة السن، التي ربما لا تستوعب الحمولة الاجتماعية الشاملة لمفهوم الهوية والانتماء، بل ترى أن ما تقوم به من سلوك هو نوع من التغيير، وما يعبر عن قناعاتها بأن ذلك لا يضير من حولهم بشيء، وكأنه نوع من حرية الاختيار، وهذا من حقهم كما يؤمنون بذلك، فهم ليسوا نسخا كرتونيا عن آبائهم وأمهاتهم.

ولذلك هنا؛ وفق هذه الرؤية، وجهتا نظر؛ الأولى تقبل أن يكون السلوك خارج عن نطاق المتعارف عليه، إن كان لا يخرج عن سياقات المجتمع؛ وهي السياقات الخاضعة للتربية الأخلاقية، والأعراف المتوارثة، والقيم السامية، فعلى سبيل المثال: أن يأمر الولد الصغير أخته الكبيرة بأن تقدم له خدمة ما، بغض النظر عن مستوى السن بينهما، وإن ثقل ذلك على الأخت بأن يتأمر عليها أخوها الأصغر، وقد تجد تعنيفا لفظيا من أحد أبويها إن هي رفضت هذا الطلب، بينما يقبل ذلك إن حدث العكس، على اعتبار أن هذا صبي وهذه بنت، أما وجهة النظر الأخرى؛ فهي لا تقبل السلوك الخارج عن سياقات المجتمع المتعارف عليها؛ خاصة إن كان ذلك السلوك سوف يغرب أو يعمل على تغريب الثقافة السائدة لكل ما هو متعارف عليه، ومتوارث عبر الأجيال، ولذلك تعيش فئات السن الصغيرة حالات من التضاد مع من يكبرهم، فهم يتقاطعون مع وجهتي النظر هذه، ولا يقرونهما، ولا يقتنعون بهما مهما كانت المبررات، ومعنى هذا حتى يصل الطرفان إلى شيء من التوافق حول وجهتي النظر على كليهما أن ينجزا عمرا تراكميا لا يقل عن (30) عاما، وهي المدة الزمنية للتحولات الاجتماعية لدى الأجيال وفق ما تذهب إليه النظريات الاجتماعية حول «سيكولوجية» الأجيال، وحتى يتم إنجاز هذا العمر الزمني، يكون كلا الجيلين انتقلا إلى مرحلة أخرى من مراحل العمر، وبالتالي ظلت التباينات بينهما قائمة، ولن يصلا إلى «كلمة سواء» فالكبار أكثر تزداد عندهم القناعة تأصيلا أكثر، والأجيال التي تلاحقهم هي الأخرى تتكون عندهم قناعات أقرب للأجيال التي سبقتهم، ولكنها أقل حدة، وهكذا تعود الصورة إلى مربعها الأول مع الأجيال اللاحقة، وتظل الدائرة تدور في محورها الاجتماعي، وكل جيل ينتصر لمرحلته العمرية، ولما أنجزه خلالها، وما تأصلت عنده من قناعات خلالها.

وإذا تم التسليم جدلا؛ أن الجيل السابق أكثر ما يرتكن إليه في المسألة السلوكية هو حرصه على الهوية والانتماء أكثر من أي شيء آخر، حيث تظل عبارة «لم نعهد ذلك من آبائنا» فما الذي يحفز الجيل اللاحق لأن يخرج عن سياقاته الاجتماعية المتوارثة ليخطط لنفسه نموذجا آخر للسلوك؟ قد ترى بعض التعليلات أن الأدوات التي لم تكن موجودة من قبل؛ هي التي تحفز الجيل لأن يتقاطع مع الجيل السابق، على اعتبار أن كل جيل له أدواته الخاصة، وهذه الأدوات، وإن كانت مادية بعضها؛ إلا أنها؛ مع مرور الزمن؛ ترسخ قناعات ذهنية في النفس، فتؤثر على سلوكياته، وعلى مجريات حياته اليومية، فعلى سبيل المثال: يعاب اليوم على الجيل الحالي بأنه جيل يذهب إلى العزلة أكثر؛ حيث تتراجع الثيمة الاجتماعية لديه بكل حمولتها، إلى حد كبير، والمسألة مرشحة للزيادة، فهل للأداة الحاضرة التي يستخدمها دور في ذلك؟ أقول: نعم؛ وبكل وضوح، فوسائل التواصل الاجتماعي؛ وهي واحدة من أهم هذه الأدوات؛ تلعب دورا محوريا في تقليص المشاركة الاجتماعية المادية ، وهي غالبا؛ ما تكون مباشرة وملموسة، فقد حولت معظم الحوارات الاجتماعية إن لم تكن كلها إلى الفضاءات الإلكترونية، فتقارب مفهوم السبلة من حالته المادية المعروفة؛ إلى حالتها الحالية غير الملموسة، فالمجموعات الـ «وتسابية» التي تضم المئات من الناس من مختلف الأماكن، والفئات والأعمار، فهي مثال حي يمكن القياس عليه في هذا التحول ، فقد أسست هذه المجموعات سلوكيات لم تكن موجودة حتى عهد قريب - ولعلني واحد من الأفراد الذي يعيش التجربتين؛ أو يمكن أن ينظر إلي وإلى جيلي؛ على أننا حلقة وصل بين الطرفين - فلا أنا قادر على أن أتماهى تماهيا مطلقا مع سلوكيات الجيل الحالي، ولا أنا يمكنني أن أنقطع انقطاعا مطلقا عن الجيل الذي سبقني - ولأنني في هذا الموقع الاستثنائي، فلربما أستطيع أن أكون مُوَفِقًا من الطرفين، كما أستطيع أن أتحاور معهما إلى حد ما؛ كذلك، وهذه المناقشة واحدة من هذا التصور الذي أراه.

ربما هنا؛ ووفق ما جاء أعلاه، يصعب الجزم بحتمية الانتماء السلوكي لسياقات محددة بالمجتمعات، لوجود مشتركات عامة بين أفراد المجتمعات الإنسانية اليوم؛ أكثر من أي وقت مضى، وليكن اللباس على سبيل المثال، حيث يشترك الجميع في مشارق الأرض ومغاربها على لباس واحد (قميص/ بنطلون) وبالتالي فأينما تحل في أي مجتمع يكون لن يميزك عن من حولك أي شيء، فهويتك مندسة بين دهاليز نفسك، وربما قد تسبب لك أذية ما لو أبديتها بصورة مباشرة أمام الآخر، وقد تكون هناك فرصة لإبداء هذه الهوية في شيء ما محدد؛ عندما تكون خارج نطاقك الجغرافي، وهذا ما يحدث في المناسبات والمهرجانات الدولية التي يشارك فيها جمع كبير من شعوب العالم، أما غير ذلك فيصعب الخروج عن السياق العام «الدولي» هذا مما يتفق عليه إلى حد كبير، أما التصرفات الفردية، فتبقى من الصعوبة بمكان أن تنسب إلى مجتمع دون آخر، ويحكم عليها في الغالب الأعم: «هذا تصرف فردي؛ ولا يمكن أن يعبر عن مجموعته الأصل التي ينتمي إليها وإلى هويتها العامة» وهذا أمر أيضا؛ متفق عليه إلى حد كبير، وبذلك ستبقى خصوصية ممارسات السلوكيات في سياقاتها الاجتماعية الخاصة عندما تحتضنها بيئاتها الخاصة فقط، أما في حالة تحررها من بيئاتها الخاصة، فهي تصنف في السياقات العامة الواسعة التي تستوعب كل السياقات الاجتماعية دون تحديد مطلق ضيق.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى حد

إقرأ أيضاً:

الجيل: حقوق الإنسان منظومة شاملة تبدأ بتحسين معيشة المواطن وتعزيز الخدمات

أكد أحمد محسن قاسم، أمين التنظيم بحزب الجيل الديمقراطي، أن الاستراتيجية الوطنية لـ حقوق الإنسان تمثل خطوة محورية في تعزيز منظومة الحقوق والحريات في مصر، موضحًا أنها وضعت إطارًا شاملًا للعمل الحقوقي في جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يؤكد جدية الدولة في تطوير هذا الملف وفق رؤية واضحة ومستدامة.

وقال قاسم، في تصريحات صحفية اليوم بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، إن تحديث الاستراتيجية بشكل دوري أصبح ضرورة وطنية، لضمان مواكبتها للتغيرات المتسارعة، سواء على المستوى الدولي أو الداخلي، ولتظل قادرة على دعم مسار الإصلاح في كل ما يخص حقوق المواطن وحياته اليومية.

وأضاف أن الدولة المصرية حققت خطوات مهمة على أرض الواقع خلال السنوات الماضية، مشيرًا إلى أن التشريعات الحديثة، وفي مقدمتها قانون الإجراءات الجنائية الجديد، جاءت لتعزيز الضمانات القانونية وتحقيق العدالة الناجزة، وهو ما يعكس التزامًا واضحًا بتطوير المنظومة الحقوقية بما يتوافق مع المعايير الدولية.

أكاديمية الشرطة تنظم محاضرتين للإحتفال باليوم العالمى لحقوق الإنسانالمجلس القومي لحقوق الإنسان يتابع إعادة التصويت بالدوائر الملغاة.. صور

وأوضح أمين تنظيم حزب الجيل أن المبادرات القومية الكبرى، وعلى رأسها المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”، أسهمت بشكل ملموس في تحسين جودة حياة ملايين المواطنين، من خلال الارتقاء بالخدمات الأساسية في القرى والمراكز، وتوفير بنية تحتية تليق بالمواطن المصري، معتبرًا إياها أحد أهم مشروعات دعم حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية.

وشدد قاسم على أن حقوق الإنسان ليست ملفًا سياسيًا فقط، بل هي منظومة متكاملة تشمل تحسين مستوى المعيشة، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية، وخلق فرص حقيقية للعمل، مؤكدًا أن تعزيز هذه الجوانب هو الطريق الأقوى لرفع ترتيب مصر في المؤشرات الدولية.

وأشار إلى أن الدفع المستمر بملف الحقوق والحريات يتطلب تعاونًا بين الدولة والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، مع استمرار تنفيذ البرامج التنموية التي تضع المواطن في قلب عملية التطوير، باعتباره المستفيد الأول من كل الجهود الوطنية.

واختتم أحمد محسن قاسم تصريحاته بالتأكيد على أن حزب الجيل الديمقراطي سيظل شريكًا فاعلًا في دعم الدولة وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، والعمل من أجل تحقيق العدالة والكرامة والتنمية لكل أبناء الوطن.

طباعة شارك الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان حقوق الإنسان حزب الجيل حزب الجيل الديمقراطي أحمد محسن قاسم

مقالات مشابهة

  • 9 مرشحين فازو إلى الآن.. الوفد يحصد أول مقاعده الفردية بانتخابات النواب
  • النقل تواصل حملة "سلامتك تهمنا" للتوعية بمخاطر السلوكيات السلبية في مرفق السكك الحديدية
  • كيا تقدم الجيل الثاني من سيلتوس 2026 الرياضية
  • تفاصيل وشروط التسجيل في برنامج النخبة التأمينات الاجتماعية
  • الجيل المستهدف .. حين يتحول الترفيه إلى سلاح
  • الجيل: حقوق الإنسان منظومة شاملة تبدأ بتحسين معيشة المواطن وتعزيز الخدمات
  • رابطة محترفي التنس ATP تعلن قائمة المشاركين في نهائيات بطولة الجيل القادم في جدة
  • الهوس بالتريند.. كيف تتحول السلوكيات الخطيرة إلى تحديات بين المراهقين؟
  • إعلام المنوفية يناقش " النشء ومحددات السلوك" بالمدرسة الأمريكية
  • وإريكسون تطلقان شراكة جديدة لبناء الجيل المقبل من الاتصال في الأردن