أماني الطويل
انشغل الرأي العام المصري مؤخرًا بالإعلان عما يسمى بـ"اتحاد القبائل العربية" الذي يترأسه أحد القيادات القبلية في سيناء والذي يُعد متنفذًا في دوائر السلطة الحاكمة بمصر، حيث جرى تقديمه كراعي لأحداث ثقافية وفنية هامة على الصعيد القومي.
وقد أثارت هذه الخطوة حفيظة الشعب المصري على كافة المستويات من زاويتين؛ الأولى: أنه لأول مرة في مصر يتم الاعتماد على تكوين له سمت قبلي في إنفاذ أي من السياسيات أو التوجهات المصرية أيًا ما كانت الأدوار المنوطة بها أو مبررات هذه الأدوار، حيث يحتفي المصريون كثيرًا بأنهم الدولة الأقدم تاريخيًا في العالم ويفخرون أنهم يملكون اندماجًا وطنيًا سمح لهم بتكوين الأمّة المصرية التي هي قوام دولتهم الحديثة القائمة على فكرة المواطنة لا غيرها.
هذا التكوين المصري سمح ببلورة هوية متوافق عليها استطاعت أن تدحر المشكلات الطائفية التي قد تطفو بين المسلمين والمسيحيين بين الحين والآخر، وذلك على الرغم من محاولات عواصم غربية ومؤسسات أمريكية معنية بالحريات الدينية اختراق هذه اللحمة التي حرص عليها المسيحيون قبل المسلمين ورفضوا، في أداء وطني محفوظ القيمة ومثمن، كل محاولات إضعافها.
) تكوّنت ظاهرة "الدعم السريع" من رحم النظام الرسمي السوداني كما يولد حاليًا اتحاد القبائل العربية في مصر(
كما ساهمت هذه الهوية المصرية في مقاومة بل وإسقاط مشروع "الإخوان المسلمين" في حكم مصر الذي سعى إلى تذويب الهوية الوطنية في ماعون أكبر هو الهوية الأممية الإسلامية، وربما تكون هذه النقطة هي من أهم دوافع التوافق الشعبي في المظاهرات التي نتج عنها إنهاء حكم "الجماعة" في ٣٠ يونيو/حزيران عام ٢٠١٣.
أما الزواية الثانية التي أثارت حفيظة المصريين، فمرتبطة بكونهم دولة جوار مباشر للسودان، يتابعون تطورات تداعيه الراهن، بل ويملكون وجدانًا مشتركًا مع الشعب السوداني ويشعرون بأوجاعه. وفي هذا السياق، فإنّ بروز ظواهر الفاعلين العسكريين السودانيين غير الرسميين، وأبرزهم "قوات الدعم السريع" هي محل تأمّل ومتابعة من جانب الفضاء المصري العام، حيث تكوّنت هذه الظاهرة من رحم النظام الرسمي السوداني على عهد الرئيس السابق عمر البشير، كما يولد حاليًا اتحاد القبائل العربية في مصر، وتم تكليف كيان "قوات الدعم السريع" بأدوار نيابةً عن الدولة حتى لا يتحمّل النظام السياسي أعباء قد تكون مكلفة له على الصعيد الداخلي، وهو أمر منوط أيضًا باتحاد القبائل العربية طبقًا لما رشح من تسريبات ولكن بأدوار خارجية في النموذج المصري مرتبطة بتداعيات التفاعلات العسكرية في غزّة.
وقد يكون أكثر ما يقلق المصريين في هذه المرحلة، طبقًا للخبرات المتراكمة على الصعيدين الإقليمي والدولي بشأن الفواعل غير الرسمية، أنه على الرغم من أنّ الوعي بأنّ قبضة الدولة المصرية قوية ومؤسساتها نافذة ومتماسكة إلا أنّ تقديراتها بشأن تحكّمها بالمطلق في كافة التفاعلات تشوبه شكوك كبيرة مرتبطة بطبيعة طموحات الفاعل غير الرسمي في كافة النماذج، وإمكانية تغيير ولائه من الدولة إلى غيرها، وكذلك إمكانية تحالفه مع فواعل خارجيين من دول أو قوى سياسية قد يكونون من أعداء الدولة نفسها، أو من الفصائل السياسية الداخلية المختلَف عليها - الإخوان في الحالة المصرية -، كما تبرز إمكانية اختراق مؤسسات الدولة ذاتها ونخبها بآليات الإفساد المالي، وهو الأمر الذي يترتب عليه إضعاف آليات تحكّم الفاعل الرسمي والشرعي في الفاعل غير الرسمي الذي صنعه.
وطبقًا لنموذجَيّ "فاغنر" في روسيا و"قوات الدعم السريع" في السودان، يمكن أن نستخلص الدروس الآتية:
أنّ الإنجازات العسكرية التي حققها قائد "فاغنر" السابق يفغيني بريغوجين رفعت مستوى طموحاته إلى درجة التمرّد على صانعيه الروس في توقيت حرج وهو الحرب على أوكرانيا، وكانت نتائج ذلك أن دفعت الدولة كل تكاليف وأثمان أفعال "فاغنر" التي تكوّنت أساسًا بهدف تفادي تكلفة أدوراها، وهو ما يعني فساد وعدم منطقية مبررات صناعة الفاعل غير الرسمي.
)اللجوء إلى الفواعل غير الرسمية لا بد أن يكون في أُطر دولة حديثة لا تلعب فيها الانتماءات الأولية أية أدوار(
وفي الحالة السودانية، فإنّ تغيير ولاء حميدتي عن صانعه البشير الذي كان يلقبه بحمايتي أولًا ثم تغيير ولائه مرة ثانية ضد عبد الفتاح البرهان شريكه السياسي والعسكري على مدى أربعة أعوام، ساهم بشكل أساسي في تفاعلات الحرب السودانية التي سبقتها قدرات متراكمة لحميدتي و"قوات الدعم السريع" في اختراق مؤسسات الدولة الرسمية وكذلك النخب السودانية، منتجًا في النهاية اقتتالًا أهليًا يهدد الدولة السودانية حاليًا.
الشاهد؛ أنّ اللجوء إلى الفواعل غير الرسمية لا بد أن يكون في أُطر الهوية المصرية التي تتأطر في دولة حديثة لا تلعب فيها الانتماءات الأولية أية أدوار، كما أنه من المطلوب أن تكون رموز هذه المنظومات مقبولة من الرأي العام المصري في أطر النزاهة وحسن السلوك الأخلاقي والسياسي والمالي.
(نقلا عن "عروبة 22")
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع القبائل العربیة غیر الرسمی
إقرأ أيضاً:
السيسي يؤكد احترام الدولة المصرية للتعدد والتنوع في النسيج الإنساني ويشدد على حماية دير سانت كاترين
أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، في مؤتمر صحفي مع رئيس وزراء اليونان، على احترام الدولة المصرية للتعدد والتنوع في النسيج الإنساني، مشيرًا إلى أن مصر كانت دائمًا ملتزمة بمبادئ التعايش السلمي بين مختلف الطوائف الدينية والثقافات، وجاءت تصريحاته ردًا على ما أثير بشأن دير سانت كاترين.
وقال الرئيس السيسي، ردا على ما تم تداوله حول الدير: "موضوع دير سانت كاترين كان من الممكن أن نكتفي بكلام دولة الرئيس، ولكن أود أن أؤكد خلال العشر سنوات الماضية أننا كنا نركز على نقاط محددة في خطابنا العام في مصر وخارجها، وهي احترام شديد جدًا لتعدد الأديان والتنوع الموجود في النسيج الإنساني المصري".
عاجل| الرئاسة تكشف تفاصيل مباحثات الرئيس السيسي ونظيره اليوناني عاجل- السيسي يشيد بدور اليونان في دعم مصر خلال فترات الاضطراب السياسي التزام الدولة المصرية بسياسة التنوع الدينيوأوضح الرئيس السيسي أنه على الرغم من وجود محاولات لتشويه الصورة بشأن دير سانت كاترين، إلا أن السياسة المصرية ثابتة ولن تسمح بأي مساس بمكانة الدير أو غيره من الأماكن الدينية.
وأضاف: "هذا لا يتعارض مع ثوابت السياسة المصرية التي تؤكد على التعايش السلمي بين الأديان".
كما تطرق الرئيس السيسي إلى الإجراءات التي اتخذتها الدولة لتدعيم التنوع الديني في مصر، حيث قال: "عندما حرق المتطرفون 65 كنيسة في مصر، قمنا بإعادة بناءها، ونحن نبني دور عبادة للمسلمين والمسيحيين في التجمعات السكنية الجديدة، وإذا كان لدينا مواطنون يهود، سنقوم ببناء معابد لهم أيضًا".
دير سانت كاترين وحمايتهوأشار الرئيس إلى أن التعاقد بين مصر ودير سانت كاترين هو تعاقد أبدي لا يمكن المساس به، قائلًا: "أي شيء يتعلق بالدير نحن مستعدون للتعامل معه بكل المودة، لأن هذا المكان يحمل بين طياته إرثًا تاريخيًا ودينيًا هامًا".
وشدد على أن مصر تشرف بوجود دير سانت كاترين، وهو موقع تاريخي يرتبط بقديسة عظيمة توفيت منذ أكثر من 1500 عام.