الكتاتيب مفردها كُتّاب، وهي لفظة مشتقة من التَّكتب وتعلم الكتابة، وذكرها ابن منظور في لسان العرب بأنها “موضع الكتابة”، وفي معناها السائد مجالس تعليم القرآن الكريم واللغة العربية. وانتشرت ظاهرة الكتاتيب في العصور الإسلامية، وكان هدفها الأول تعليم الصغار مبادئ الخط والإملاء والحساب والكتابة، والثاني تعليم القرآن والحديث النبوي ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف.

تطور الكتاتيب

وزادت أعدادها مع اتساع رقعة الفتوحات الإسلامية، وكان للفاتحين دور مهم في إيجاد الكتاتيب في البلاد المفتوحة، فكثرت الكتايب في دمشق وحلب والقدس وحمص والبصرة والكوفة والفسطاط والقيروان وغزة والنوبة واليمن وبلاد أخرى، وقد عدَّ أبو القاسم بن حوقل في كتابه “المسالك والممالك” أكثر من ثلائمائة مُعلمٍ كتّاب في مدينة بلرمو بصقلية، وذكر ياقوتُ الحمويِّ بأنّ كتّابَ أبي القاسمِ البَلْخيِّ كان يضمُّ ثلاثةَ آلافِ طفلِ حتى أنَّ البَلْخيَّ كان يحتاج إلى ركوبِ حِمار حتى يتمكن من المرورِ على جميعِ التَّلاميذِ والإشرافِ عليهم، ومن جهة أُخرى اهتمَّ الخلفاء في العهدِ العباسيِّ والسلاطين الأيوبيين والعثمانيين بأمرِ الكتاتيب، وذلك لدعم الجهاز الإداري للدولة، وهنالك عدد من الوقفيات التي تبين مدى عناية الخلفاء وأفراد الأسر الحاكمة بتشييد الكتاتيب والإنفاق عليها.

ما هو نظام ومنهج التعليم في الكتاتيب؟

كان التعلُّم في الكُتاب يأخذ معظم نهار الطالب من بعد صلاة الفجر إلى صلاة الظهر أو العصر عدا يومَ الجمعةِ غالبًا، ويختلفُ منهج التعليم من كُتاب إلى آخر حسب المعلم، ومستوى ثقافته، حيث يجلس المعلّم على الأرض مواجهًا طلّابه، ويتجمّع التلاميذ المبتدئون على مسافةٍ قريبةٍ من الشيخ المعلِّمِ، ويقوم مساعدٌ له من الطلبة المتميّزين بإرشادهم، وغالبًا ما يعتمد التحفيظ على وسائل معروفة من ألواح خشبيّةٍ وأقلام.

أوّل ما يبدأ به الطالب في الكتاب هو تعلم الحروف والكتابة والقراءة عن طريق الشيخ أو عن طريق مساعديه، ثم يلقّنُهُ الشيخُ القرآنَ الكريم إلى أن يتعلّم، ويصبحَ ماهرًا يكتُبُ لوحَهُ بيدِهِ، ويُلزِمُهُمُ الشيخ باستظهار القديم قبلَ الجديدِ من المحفوظ، ولا يسمحُ بالخطأ فيه، فإن أخطأ يكلّفُه بإعادته مرّات ومرّات حتى يستظهرَه، وقد يعاقبُهُ إن أخطأ.

وإذا أتم الطفل أو المتعلم مدة الدراسة في الكُتّاب، وحفظ القرآن أو رواه؛ امتحنه المعلم لمعرفة ذلك، والتأكد منه، فإذا اجتاز الامتحان احتفل ﺑ «الختمة»، ثم يدخل معركة الحياة العملية، أو يبدأ دراسته المتعمقة في المساجد إذا ما أراد ذلك.

كانت تلك مجمل الطريقة المتبعة في الكتاتيب في مختلف أرجاء العالم الإسلامي قديماً وحتى حديثاً مع اختلافات طفيفة هنا وهناك، وربما استهجنها بعض المعاصرين لبساطتها، واعتمادها على الحفظ والتلقين، إلا أنه إذا نظرنا بتجرد وحيدة إلى مخرجات العملية التعليمية لوجدنا ما يفيد كفايتها ومتانتها؛ فالنتائج التي حصل عليها التلاميذ كانت جيدة للغاية، فقد حفظ قتادة القرآن في سبعة أشهر، وأتم سهل بن عبد الله التستري القرآن، وله ست أو سبع سنوات، ويروي ابن العديم أنه ذهب إلى المكتب، وعمره سبع، وختم القرآن، وله تسع سنوات، وقرأ بالقراءات العشر، وله عشر سنين.

الكتاتيب ونظام التعليم المدرسي

تطورات الكتاتيب الإسلامية في العصور اللحقة، وفي عام 345ه، شيّد الإمام أبو حاتمٍ البُستيِّ المحدِّثِ المشهور مدرسةً (داراً) في بلدةِ بست، وفي عام 349ه، أقام الإمامُ النينسابوريُّ من الشافعيَّة مدرسةً له بنيسابور. ولقد ظهرت في منتصف القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، مدارس التعليم الإسلامي بجهود الوزير السلجوقي نظام الملك “المدارس النظامية”. ولقد تميزت المدرسة عنِ المسجدِ ببعضِ الميِّزات، ولعلّ أهمَّها الإيوانُ أو قاعةُ المحاضراتِ والمساكنُ المعّدَةُ لسكن الطلبةِ والمدرِّسين، وكانتْ مجهَّزة بالأثاث والأدوات الضرورية للمعيشة كالأواني والموائد والمصابيحِ وغيرِها.

وبرزت في بلاد الشام نماذج متعددة، ففي دمشقَ وحلبَ العديدُ من الأمثلةِ عن تلك المدارسِ، ففي دمشق اشتهرت المدرسةِ الظاهريَّةِ، والعادليَّةِ، وفي حلب مدرسةِ الفِردَوس، والمدرسة الظاهريَّةِ البرّية، والكماليَّةَ، والشاذبخيتيَّةِ.. وغيرِها.

الكتاتيب الحديثة في سورية

عرفت المدن الشامية كغيرها من الحواضر العربية والإسلامية بأنها مؤئل للعلم والدين الإسلامي، وانتشرت المدارس الإسلامية والكتاتيب، واستمرت على نسق واحد في فترة الخلافة العثمانية وحتى ما بعد ذلك سواء في فترة الاحتلال الفرنسي أو الحكومات اللاحقة. ورغم ما شهدته من تضييق ورقابة حكومية في النصف الثاني من القرن العشرين، ولكن دور العلماء وتماسك المجتمع ساهم في استمرار عمل الكتاتيب ومدارس القرآن واللغة العربية، وبقيت تلك الكتاتيب منارات فكرية وتوعوية للناس. وبعد الأحداث في سورية، وفي ظل الانقطاع عن التعليم، وإغلاق المدارس بفعل انعدام الأمن وأسس التعليم المدرسي، حيث أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف»، في تقرير أصدرته في 2015، إن أكثر من مليوني طفل في سورية تركوا الدراسة، وأن هناك 5 آلاف مدرسة لا يمكن استخدامها لأنها تعرضت للدمار والضرر أو انها أصبحت تؤي النازحين أو تستخدم لأغراض عسكرية، لافتة إلى أن 20% من الهيئات التدريسية والمربين الاجتماعيين في البلاد تركوا حقل التدريس، والتفتوا للبحث عن الأمان في أماكن أخرى. ولذلك أدت جمعيات ومؤسسات أهلية دوراً في احتواء الأطفال واليافعين المؤهلين للتعليم، وتعليمهم وفق نظام الكتاتيب في مراكز الإيواء والمخيمات، وفي مساجد ودور التعليم القائمة في الأحياء المدينية في دمشق وحلب وحمص وإدلب، وشمل التعليم تحفيظ القرآن الكريم واللغة العربية. فأسهم ذلك بشكلٍ كبيرٍ في محاربة الجهل، وتنوير العقول، وتكسير الركون العلميّ الذي سبّبته الحرب.

لا تزال الكتاتيب القرآنية مراكز إشعاع ثقافي وحضاري مهم في المجتمع السوري، تجمع ولا تفرق، وأدت وظيفتها في تعليم اللغة العربية، والقرآن الكريم، وأسس التربية الإيمانية المعتدلة، ومحاربة الجهل والسطحية، وبدأت تؤسس لجيل قرآني على مبدأ إيماني راسخ، بأنه من أراد الدنيا فعليه بالقرآن، ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن، ومن أرادهما معًا فعليه بالقرآن.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الکتاتیب فی فی سوریة فی دمشق

إقرأ أيضاً:

مباحثات سورية باكستانية لتعزيز التعاون الطبي

دمشق-سانا

بحث وزير الصحة الدكتور مصعب العلي، مع السفير الباكستاني بدمشق عمر خان، سبل تعزيز التعاون الثنائي في المجال الصحي، بما يسهم في دعم القطاع الطبي في سوريا وتطوير قدراته.

وأكد الوزير العلي خلال لقاء عقد اليوم في مبنى الوزارة أهمية توسيع آفاق التعاون مع باكستان، ولا سيما في مجال تزويد المشافي السورية بالأدوات والتجهيزات الجراحية، إضافة إلى إتاحة فرص تدريب وتأهيل الكوادر الطبية السورية في المؤسسات الصحية والتعليمية الباكستانية.

وأشار الوزير العلي إلى أن تعزيز التعاون الصحي يشكل ركيزة أساسية في دعم جهود القطاع الصحي السوري لمواجهة التحديات الراهنة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

من جانبه، أعرب السفير الباكستاني عن استعداد بلاده لتقديم الدعم اللازم للقطاع الصحي في سوريا، سواء عبر المساعدات الطبية أو من خلال برامج التدريب وتبادل الخبرات.

ويأتي هذا اللقاء في إطار الجهود المشتركة لتعزيز العلاقات الثنائية بين سوريا وباكستان، وتبادل الخبرات في القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها الصحة.

السفير الباكستاني بدمشق عمر خان وزير الصحة الدكتور مصعب العلي 2025-06-30Belalسابق العربية للطيران تستأنف رحلاتها إلى سوريا بعد توقف لسنوات انظر ايضاً الصحة والهلال الأحمر تبحثان تعزيز الخدمات الصحية في سوريا

دمشق-سانا بحث وزير الصحة الدكتور مصعب العلي مع رئيس منظمة الهلال الأحمر العربي السوري الدكتور …

آخر الأخبار 2025-06-30العربية للطيران تستأنف رحلاتها إلى سوريا بعد توقف لسنوات 2025-06-30فرق الإطفاء تتابع جهود إخماد أكثر من 10 حرائق حراجية في ريف اللاذقية 2025-06-30مجلس الأمن يمدد ولاية قوة الأمم المتحدة في الجولان السوري “أوندوف” 2025-06-30فيدان: استقرار سوريا يعود بالنفع على المجتمع الدولي بأسره 2025-06-30الوزير الشيباني يبحث مع رئيسة البعثة الفنلندية العلاقات الثنائية بين البلدين 2025-06-30محافظ حلب يبحث مع وفد أممي برنامج دعم التعافي في حلب وريفها 2025-06-30الخطوط الجوية القطرية تستأنف رحلاتها إلى سوريا 6 تموز القادم 2025-06-30تشكيل لجنة صياغة نهائية لمشروع قانون الخدمة المدنية في سوريا 2025-06-30سوريا تتصدى للمخدرات… إعلام وطني وعمليات أمنية حاسمة 2025-06-30مراسلة سانا بدمشق: وزارة الصحة تتسلم 4 سيارات إسعاف و4 عيادات متنقلة مقدمة من صندوق الأمم المتحدة للسكان بتمويل من مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية ‏والحماية المدنية “إيكو”

صور من سورية منوعات شركة صينية تطرح روبوتاً لإزالة الأعشاب الضارة بالليزر 2025-06-30تحذير علمي: ارتفاع الحرارة يؤثر في القدرات الإدراكية 2025-06-29فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • الحوثيون يفجرون منزل ومسجد الشيخ حنتوس في ريمة والأخير يوصي قبل نجاته
  • سورية .. ضبط أحد أبرز رجالات سهيل الحسن
  • سانا تواكب عمليات تصحيح أوراق امتحانات شهادة التعليم الأساسي
  • "ترامب عدو الله".. فتوى لمرجع ديني إيراني تشعل جدلًا واسعًا
  • لأنها سورية
  • مباحثات سورية باكستانية لتعزيز التعاون الطبي
  • الأسرة والمجتمع في فكر المسيرة القرآنية
  • العربية للطيران تستأنف رحلاتها إلى دمشق 10 يوليو
  • وزير الإعلام: المشروع سيقام على مساحة تقارب 2 مليون متر مربع ضمن دمشق ويشمل استديوهات خارجية تحاكي طراز العمارة التاريخية في المدن العربية والإسلامية واستديوهات داخلية مزودة بأحدث تقنيات البث
  • إصلاحات سورية تفتح الباب أمام الاستثمارات الأوروبية