رغم أن تركيا تملك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، وتمتلك موقعًا استراتيچيًّا هامًّا تربط به بين القارات الثلاثة آسيا وإفريقيا وأوروبا، فإنها تعرضت لخذلان أعضاء الناتو، خاصة أمريكا وفرنسا واليونان وألمانيا. ويمكن تلخيص الخلاف مع أمريكا في إمداد حزب العمال الكردستاني بأسلحة حديثة من قِبل واشنطن، مع دعم مباشر لما يُسمى حركة سوريا الديمقراطية الكردية، وهي الظهير السياسي لهذا الحزب، وأوقفتِ الولايات المتحدة الأمريكية التعاون مع تركيا في إنتاج طائرات إف ٣٥ احتجاجًا على حصول أنقرة على صفقة صواريخ إس ٤٠٠ من روسيا.
وتتخذ فرنسا موقفًا عدائيًّا ضد تركيا على أسس دينية وتاريخية. وفيما تَعتبر تركيا حماس حركةَ مقاومةٍ وطنيةً، يَعُدها الاتحاد الأوروبي وأمريكا منظمةً إرهابية. وفي ظل تلك التباينات برز الدور الهام لتركيا بعد الخلافات الكبيرة لدول
الناتو مع روسيا، حيث تُعَد تركيا الدولةَ الأهم استراتيچيًّا في الحرب ضد روسيا، لقربها من موسكو أولًا، ولوجود قواعد عسكرية للناتو في تركيا ثانيًا مثل قاعدة انجرليك. وضعت كل تلك التحديات رجب طيب
أردوغان في مأزق كبير: فإما أن ينخرط مع حلف الناتو بالحرب القادمة على روسيا وتصبح الأراضي التركية ميدانَ حرب، مما يعرِّضها للدمار بشكل كامل إذا ما استُخدمت أسلحة الدمار الشامل في الحرب القادمة.. أو أن ينسحب من حلف الناتو، وهو ما يعني وضع بلاده في مواجهة شامله مع الحلف. يضيق إذًا الخناق على أردوغان الذي يحاول حتى الآن لعب دور الوسيط الدولي بين روسيا ودول الناتو، وقاد مبادرة مبكرة للسلام بين الطرفين ولكنها فشلت للتعنت الأمريكي، وتشير الدلائل إلى عدم السماح لأردوغان بلعب هذا الدور حال اندلاع الحرب. ويرى المراقبون أن أردوغان أمامه فرصة وحيدة وهي تشكيل حلف عسكري وسياسي جديد يدعو للسلام ويقف ضد نشوب حرب عالمية ثالثة، وهو الحلف الذي يتشكل من دول لا تقع تحت العباءة الأمريكية أو الروسية، ويشبه حركة عدم الانحياز التي أسستها دول العالم الثالث في مؤتمر باندونج عام 1955، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه نظرًا لتشكيل هذا الحلف من معظم دول عدم الانحياز التي يأتي على رأسها: تركيا، مصر، السعودية، باكستان، جنوب إفريقيا، إندونيسيا، بنجلاديش، البرازيل، الهند.وهذا الحلف هو المخرج أيضًا لتلك الدول التي ستمارس عليها الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطًا عسكرية وسياسية واقتصادية للانضمام لتحالفها ضد روسيا في الحرب القادمة، خاصة وأن دولة مثل السعودية التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم ستكون مطمعًا للسيطرة الأمريكية الأوروبية، إضافة إلى جميع الممرات البحرية في منطقتنا العربية باعتبارها طريق سلاسل الإمداد العالمية. مأزق أردوغان إذًا هو صورة مصغرة لمأزق جميع تلك الدول، وإن كان أكثرها تعقيدًا.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
خبير: روسيا تناور سياسياً لتأخير العقوبات الأمريكية عبر شروط غير مقبولة لأوكرانيا
قال الدكتور إيفان يواس، مستشار السياسات الخارجية في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية، إن روسيا تحاول كسب مزيد من الوقت سياسيًا من خلال مذكرة تروّج لها تتضمن شروطًا غير مقبولة، ليس فقط بالنسبة لأوكرانيا، بل لحلفائها الدوليين أيضًا.

واشنطن تطالب
موسكو بإظهار "حسن النية" في المحادثات مع أوكرانيا

سفير جامعة الدول العربية لدى موسكو: الأمن بالشرق الأوسط يؤثر على العالم

ألمانيا ترد على موسكو: دعم
أوكرانيا دفاع عن القانون الدولي وليس تأجيجًا للحرب

الجيش الأوكراني: قصفنا مواقع لإنتاج الأسلحة الروسية في موسكو
وأضاف مداخلة على قناة “القاهرة الإخبارية”، أن كييف تنظر إلى هذه الشروط باعتبارها محاولة روسية للضغط والمراوغة، مؤكدًا: "لسنا مستعدين للقبول بشروط لا تخدم مصالحنا ولا تهيئ بيئة مناسبة للتفاوض الجاد".
وأشار يواس إلى أن موسكو تعي جيدًا أن مطالبها – وعلى رأسها اعتراف أوكرانيا بسيطرة روسيا على أراضٍ محتلة – ستُقابل بالرفض القاطع، ما يعني فشلًا محتومًا لأي محادثات.
كما لفت إلى أن توقيت إعلان روسيا لشروطها مؤجل لما بعد الثاني من يونيو، لتفادي تحريك الولايات المتحدة لعقوبات جديدة ضد موسكو، وهي العقوبات التي يُرجّح فرضها في حال تعثر المفاوضات.
وأضاف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد صرّح مؤخرًا بعدم رغبته في توقيع عقوبات جديدة ما دامت هناك محادثات جارية، وهو ما تحاول روسيا استغلاله لصالحها.
واختتم الدكتور يواس حديثه بالإشارة إلى أن أوكرانيا طلبت الاطلاع على تفاصيل المذكرة الروسية بشكل رسمي، لتتمكن من تحديد موقفها التفاوضي بالتنسيق مع شركائها الدوليين، معتبرًا أن ما يجري حاليًا لا يعدو كونه "لعبة سياسية" تهدف إلى كسب الوقت وتفادي العقوبات.

طباعة شارك روسيا أوكرانيا اخبار التوك شو موسكو كييف