ترجمة: راوية التوبية -

إن أبحاثي المكثفة حول فهم العلاقة بين العمانيين ووسائل التواصل الاجتماعي قد أكد باستمرار على الدور المحوري الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في حياة العُمانيين بكافة شرائحهم، والأشخاص من ذوي الإعاقة ليسوا بمنأى عن هذا التأثير الكبير كون أن هدفهم الرئيسي هو تحقيق اندماجهم التام مع المجتمع.

مع ذلك، فإن المناقشات الأكاديمية تتمحور في الغالب حول الطرق المختلفة التي يقوم بها الأفراد والمؤسسات المعنية والمجتمع ككل بدمج الأفراد من هذه الفئة في مختلف الأنشطة المجتمعية التي تتطلب حضورًا بدنيًا.

ونظرًا لاهتمامي بتسليط الضوء على مشاركة الأشخاص من ذوي الإعاقة مع أقرانهم في دفع عجلة التنمية الشاملة والمستدامة لسلطنة عمان فقد اخترت أن أقوم بدراسة هذا النشاط من منظور مختلف وهو التركيز على نشاطهم اللاحضوري على وسائل التواصل الاجتماعي.

على وجه التحديد تتجلى الجدوى من هذه الدراسة في تسليط الضوء على الدور الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي في تحقيق وتعزيز الاندماج المجتمعي لهذه الفئة من الأشخاص مع باقي شرائح المجتمع ومع مختلف الجهات والمؤسسات، وكيف تُسهم في تحسين نمط حياتهم من خلال تلقي ونشر التوعية والتوجيه على نطاق أوسع لاسيما في منصات مثل إكس، وأخيرا كيف يساهم هؤلاء مثل أقرانهم في المشاركة المدنية (موضوع المقال السابق) الذي تم نشره في أبريل الماضي والذي يُعد جزءًا من مشروعي الممول من جامـعة السلـطان قابـوس والذي يركز على دور وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز المشاركة المدنية في سلطنة عمان IG/ARTS/ENGL/23/02) ) خصوصا في ضوء التطورات التي تشهدها مختلف منصات التواصل الاجتماعي مثل إكسبقيادة إيلون ماسك حيث يوفر التطبيق مثله مثل باقي التطبيقات فرصًا متنوعة ومربحة لجميع الأفراد بما في ذلك الأشخاص من ذوي الإعاقة، والأهم من ذلك، أن هذا البحث يهدف إلى إظهار الطرق المختلفة التي يمكننا من خلالها تبادل المعرفة والثقافة مع هذه الفئة وتحقيق الاستفادة القصوى من وسائل التواصل الاجتماعي سواء على الصعيد المهني أو الشخصي.

وحول هذا الموضوع تتبنى الأبحاث الحالية في هذا الشأن أربع وجهات نظر متباينة: الأولى تؤكد على أن وسائل التواصل الاجتماعي توفر بيئة إيجابية وخصبة للأشخاص من ذوي الإعاقة، ووجهة النظر الثانية فترى أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل تحديات لهذه الفئة، وآخرون يشيرون إلى أن التكنولوجيا في حد ذاتها قد تكون إقصائية كما يتضح من الصعوبة التقليدية التي واجهت الأفراد الذين يعانون من إعاقات بصرية وسمعية وغيرها في بداية الأمر في الوصول إلى المحتوى المرئي والسمعي على مختلف المنصات، ويؤكد المنظور الأخير أن وسائل التواصل الاجتماعي تعكس نفس التحيزات و الممارسات الإقصائية الموجودة في البيئات غير المتصلة بالإنترنت.

على سبيل المثال، إذا كانت النساء في مجتمع معين مثل المرأة العربية أقل ميلًا للمشاركة في المشاركة المدنية، فإن احتمال مشاركتهن على منصات مثل إكس أقل أيضًا. ومع ذلك، فإن هذه الحجة قاصرة بين العمانيين من أصحاب ذوي الإعاقة، حيث إن هناك بروزا ونشاطا واضحا للجنسين على مختلف المناشط والأصعدة ونذكر هنا على سبيل المثال اثنين من قادة التأثير الكبير على المجتمع العماني: أكرم المعولي وشيخة الجساسية، وهذا بمثابة شهادة على التجارب الفريدة التي أثمرتها الجهود المختلفة في هذا الشأن. وهذا ما تؤكده الأبحاث بأنه إذا لم يكن المجتمع ككل محتويا وداعما لهذه الفئة، فإن نفس الميول الإقصائية سوف تنعكس على الإنترنت وهذا الأمر قد تجاوزه المجتمع العماني بكل نجاح وسلاسة.

كما أظهرت الأبحاث أن العديد من الأفراد من ذوي الإعاقة يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لأغراض مختلفة، بما في ذلك التواصل مع الآخرين الذين يشاركونهم إعاقات مماثلة، والتحدث مع الأصدقاء والعائلة حول حالتهم الصحية، والدفاع عن أنفسهم والآخرين، ومشاركة تجاربهم وخبراتهم الشخصية وتأسيس أعمال تجارية وخيرية على مختلف المنصات، كما أنهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للاحتجاج على السياسات التي تؤثر على نوعية حياتهم والتعبير عن التغييرات المجتمعية المنشودة لتحقيق الإدماج الكامل، والأهم من ذلك، تشير الأبحاث إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل أيضًا كأداة لتفكيك الحواجز، مما يسمح للأفراد الذين يعانون من درجات متفاوتة من القيود بتأكيد وجودهم على الإنترنت وفي المجتمع، وتحدي الصور النمطية المحيطة بالإعاقة، وخلق الفرص واغتنامها لأنفسهم وللآخرين.

وباختصار لعب تطور أدوات الاتصال اليوم، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، دورًا حاسمًا في سد الفجوة بين مختلف فئات المجتمع، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة شريان حياة للكثيرين في مختلف المجالات، حيث إن الإنترنت كان سببًا للتغلب على مختلف العوائق المادية وغير المادية، وكان هذا واضحًا بشكل خاص خلال جائحة كوفيد-19، عندما انتقلت العديد من الأنشطة من أرض الواقع الحضوري إلى الإنترنت، مما أتاح الفرصة لهذه الفئة للمشاركة دون التحديات اللوجستية للحياة اليومية. رغم ذلك، سلطت الأبحاث الضوء أيضًا على التأثير السلبي المحتمل لوسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية للأشخاص من ذوي الإعاقة، حيث تحتوي المنشورات أحيانا على محتوى سلبي وغير واقعي الأمر الذي يترك انطباعات مغلوطة في بعض الأحيان عن هذه الفئة ويحملهم أعباءً إضافية مرتبطة بالإعاقة التي يعانون منها.

ختاما، أشارت نتائج الدراسة التي قمت بها و التي تتمحور حول العلاقة بين المواطنين من ذوي الإعاقة ووسائل التواصل الاجتماعي إلى أن هذه الفئة تقوم باستخدام التطبيقات لأغراض مماثلة لنظرائهم في باقي العالم، وإن كان ذلك مع فروق طفيفة إضافية يفرضها التأثر بالثقافة العمانية والمحيط والتجربة الشخصية. على سبيل المثال، تستخدم هذه الفئة منصة إكس للتواصل مع الجميع، ولعرض اهتماماتهم وهواياتهم الشخصية وأبحاثهم والتعبير عن آرائهم وغيرها. وتجسد شيخة الجساسية- إحدى أبرز الشخصيات العمانية المؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي من ذوي الإعاقة البصرية- هذا النهج من خلال منشوراتها الشيقة حول حياتها وأسفارها، والتي تثبت أن هويتها تتجاوز إعاقتها. ونتيجة لذلك، فقد حصلت على اعتراف واسع النطاق في مختلف الوسائل الإعلامية بما في ذلك فرصة التحدث في فعاليات تيد بالعربي- Ted Arabia.

يستخدم العمانيون من ذوي الإعاقة أيضًا إكس للاندماج في المجتمع العماني على نطاق أوسع، مثل مشاركة صور العيد على مختلف الهاشتاجات بالإضافة إلى ذلك لنشر المعلومات حول الأحداث المتنوعة، ورفع مستوى الوعي حول الإعاقة، ومشاركة الأخبار الشخصية والمعرفة العامة، وتمكين أنفسهم والآخرين من خلال تبادل الخبرات الدولية، والدفاع عن حقوقهم وطلب التغييرات اللازمة من خلال التعامل المباشر مع السلطات ذات الصلة.

هذا النوع من البحث والدراسة لهذا النشاط عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبالذات نشاط وتفاعل هذه الفئة عبر إكس أكسبني معرفة ثاقبة ودقيقة حول هذه الفئة، بل وتعلمت أيضًا دروسًا قيمة في قوة تأثير هذه المنصات ومعنى أن تكون مؤثرا اجتماعيا خصوصا مع النماذج الناجحة الموجودة لدينا في سلطنة عُمان والتي أثبتت أن الإعاقة ليست سوى فارق اجتماعي بسيط وليست عائقًا طبيًا.

د. نجمة الزدجالية أستاذ مشارك بقسم اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة السلطان قابوس.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أن وسائل التواصل الاجتماعی من ذوی الإعاقة لهذه الفئة هذه الفئة على مختلف من خلال

إقرأ أيضاً:

أوقاف الشرقية تنظم 100 ندوة توعوية حول مخاطر وسائل التواصل

واصلت مديرية أوقاف الشرقية تنفيذ فعاليات مبادرة "صحّح مفاهيمك" من خلال تنظيم أكثر من 100 ندوة توعوية وتفاعلية خلال شهر نوفمبر الجاري في مختلف مراكز ومدن المحافظة، وذلك بهدف توعية الشباب والأهالي بمخاطر الاستخدام غير الرشيد لمواقع التواصل الاجتماعي وتعزيز الفهم الصحيح للقيم الدينية والاجتماعية.

وأكد المهندس حازم الأشموني، محافظ الشرقية، أن المبادرة تمثل خطوة مهمة لترسيخ القيم الدينية والأخلاقية وتعزيز روح الانتماء واحترام الآخرين، مشيراً إلى أن الوزارة تتبنى عدداً من المبادرات الشبابية التي تشجع على الاستخدام الإيجابي للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.

 وأوضح المحافظ أن المبادرة تأتي تحت رعاية الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بالتنسيق مع عدد من الجهات والوزارات المعنية، بهدف مواجهة المفاهيم المغلوطة التي تنتشر عبر الشائعات وتصحيح المفاهيم الدينية والاجتماعية الخاطئة، إلى جانب نشر قيم التسامح والوسطية والوعي بالانتماء الوطني، وتمكين الشباب من التفكير النقدي والتعامل الواعي مع المعلومات.

ومن جانبه، أشار الدكتور محمد إبراهيم حامد، وكيل وزارة الأوقاف بالشرقية، إلى أن المديرية تواصل تنفيذ فعالياتها الميدانية وأنشطتها التفاعلية بالتعاون مع مديرية التربية والتعليم في المحافظة، مؤكداً أن هذا التعاون يهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي ونشر القيم الأخلاقية السليمة بين طلاب المدارس والمجتمع المحلي.

 وأضاف أن القوافل التوعوية ركزت على توعية الشباب بخطورة الإدمان الرقمي وتأثيره على الفرد والأسرة والمجتمع، بما يضمن الاستخدام الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف وكيل وزارة الأوقاف أن الندوات أقيمت في عدد من المدارس بمراكز بلبيس ومنيا القمح وهيها وكفر صقر وأبو كبير والإبراهيمية والقرين، وتستمر حتى نهاية الشهر، حيث تناولت عدة محاور أساسية شملت مخاطر الإفراط في استخدام الإنترنت والآثار النفسية والاجتماعية للتعلق الرقمي وأهمية التوجيه السليم للتكنولوجيا، إلى جانب الحفاظ على العلاقات الأسرية وتنمية الوعي واستثمار الوقت بما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع.

كما ركزت اللقاءات على كيفية الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي من منظور ديني وتربوي شامل، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على القيم والأخلاق ومراعاة عادات وتقاليد المجتمع المصري فيما يتم نشره، مؤكدين أن الكلمة المكتوبة لا تقل في تأثيرها وخطورتها عن الكلمة المنطوقة. 

وشددت الندوات على الدور المحوري للأسرة والمؤسسات التعليمية والدينية في توعية النشء وبناء جيل واعٍ يعتمد على المبادئ الأخلاقية السليمة وغرس قيم النزاهة والشفافية.

وتأتي هذه الجهود ضمن خطة مديرية الأوقاف في محافظة الشرقية لتعزيز الثقافة الرقمية لدى الشباب والأهالي، ورفع مستوى الوعي المجتمعي بما يضمن حماية المجتمع من السلوكيات السلبية على منصات التواصل الاجتماعي، وتحقيق بيئة رقمية آمنة تسهم في تنمية الفرد والمجتمع على حد سواء.

مقالات مشابهة

  • استعدادات مكثفة لانطلاق بطولة العالم للإبحار الشراعي لذوي الإعاقة
  • مصر للطيران : خطة تحديث أسطولنا مستمرة وننتظر 34 طائرة جديدة
  • كيف يغير أسبوع واحد بدون وسائل التواصل الاجتماعي صحتك النفسية؟
  • البرلمان الأوروبي تحظر استخدام التواصل الاجتماعي لمن دون 16 عامًا
  • دراسة: تقليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يحسن الصحة العقلية
  • رسميًا.. لا استخدام لـ"وسائل التواصل" لمن دون 16 سنة في أوروبا
  • أوقاف الشرقية تنظم 100 ندوة توعوية حول مخاطر وسائل التواصل
  • الاغتصاب الاجتماعي: سجل الجرائم التي يعجز الورق عن حملها
  • ورشة حول «منع استغلال وسائل التواصل في ترويج المخدرات»
  • هل يقلل الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي لمدة 1 أسبوع الاكتئاب والقلق؟