حياة سرية خاصة عبر الإنترنت.. كيف تعيش النساء في زمن طالبان؟
تاريخ النشر: 5th, July 2024 GMT
سلطت صحيفة "واشنطن بوست" الضوء على العالم السري للفتيات الأفغانيات على الإنترنت، وذلك في ظل القيود التي تفرضها حركة طالبان عليهن بعد وصولها للحكم منذ ثلاث سنوات، ما يُحد من الخيارات المتاحة للنساء في أفغانستان.
ووفقا للصحيفة، ولاستعادة بعض ما تم أخذه منهن في عام 2021، تتلقى النساء والفتيات الأفغانيات دورات تدريبية عبر الإنترنت، ويتعلمن اللغات الأجنبية بمساعدة الذكاء الاصطناعي، ويتدربن باستخدام مقاطع فيديو للياقة البدنية ويتداولن العملات المشفرة.
وذكرت الصحيفة أنه رغم منعهن من الالتحاق بالتعليم الثانوي والعالي، تحضر الفتيات دروسًا عبر الإنترنت، ويتعلمن اللغات الأجنبية بمساعدة برامج الدردشة الآلية والكتب الإلكترونية، ويتاجرن بالعملات المشفرة على أمل أن يصبحن مستقلات ماليًا. كما حاولن التعويض عن إغلاق دور السينما، وإغلاق صالات الألعاب الرياضية للنساء، وحظر الموسيقى من خلال اللجوء إلى عروض يوتيوب للعروض الكوميدية ودروس اللياقة البدنية ومقاطع الفيديو الموسيقية.
لكن أكثر من اثنتي عشرة امرأة وفتاة أجرت "واشنطن بوست" مقابلات معهن في كابول، بشرط استخدام أسمائهن الأولى فقط خوفا من أن تثير تعليقاتها غضب المسؤولين الحكوميين وقلن إنهن يشعرن بالقلق من أن هذه الملاذات قد تكون قصيرة الأجل. وتقول الكثيرات إنهن اضطررن إلى إخفاء ملفاتهن الشخصية على إنستغرام وفيسبوك عن عائلاتهن أو أنهن يفرضن رقابة ذاتية على منشوراتهن خوفًا من أن تكتشفهن حكومة طالبان.
وأوضحت الصحيفة أن قضاء الكثير من الوقت على الإنترنت، يثير القلق من الإدمان، فين حين تواجه أخريات سرعات إنترنت بطيئة للغاية، أو كما يحدث في المناطق الريفية، لا يمكنهن الاتصال بالإنترنت على الإطلاق.
ونقلت الصحيفة عن فتاة قولها إن "الإنترنت هو أملنا الأخير. لكن لا شيء يمكن أن يحل محل الحرية الحقيقية".
ووفقا للصحيفة، سوف تواجه طالبان ضغوطا شديدة لحظر منصات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كامل، كما أن تبني ضوابط على الإنترنت على النمط الصيني سيكون مكلفا. ورغم أن النظام قد حظر تطبيق تيك توك بسبب "محتواه غير الإسلامي"، إلا أن حركة طالبان نفسها تستخدم بكثرة منصات أخرى مثل يوتيوب وإكس، ويتواصل المسؤولون الحكوميون عبر تطبيق واتساب.
وقال ذبيح الله مجاهد، كبير المتحدثين باسم الحكومة، في مقابلة أجريت معه في مدينة قندهار الجنوبية: "بالطبع نريد تطبيقات خاصة بنا تعكس قيمنا الإسلامية، لكنها باهظة الثمن، والمال في الوقت الحالي شحيح". وأضاف أن "النظام يريد منع المستخدمين من إضاعة وقتهم".
وقال هداية الله هدايت، نائب وزير الإعلام: "في يوم من الأيام، سيكون لدينا منصاتنا الخاصة".
وأشارت الصحيفة إلي أن العديد من الفتيات تستخدمن الإنترنت في وقت متأخر من المساء وفي الليل، عندما يكون أصدقاؤهن متصلين بالإنترنت أيضًا. وفي حال عدم وجود أحد للدردشة معه، تلجأ البعض إلى الذكاء الاصطناعي.
وحرصًا على تعزيز مواردهن المالية لأسرهن، لجأت بعض النساء إلى تطبيقات العملات المشفرة، بحسب الصحيفة التي نقلت عن هيلا، البالغة من العمر 27 عامًا، قولها إنها أصبحت مستخدمًا يوميًا لتطبيق تعدين العملات المشفرة بعد أن شجعها زملاؤها في العمل.
وتشير الأدلة المتناقلة إلى أن هذه الممارسة منتشرة على نطاق واسع، خاصة في كابول، وفقا للصحيفة.
وذكرت الصحيفة أن الحكومة في أفغانستان تتسامح إلى حد كبير مع الأعمال الرقمية مثل مبيعات الأعمال الفنية وخدمات التوصيل. ولا يزال عدد الشركات عبر الإنترنت التي تديرها النساء في البلاد محدودًا. وفي حين يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن الجهود الرامية إلى توسيع أنظمة الدفع الرقمية تظهر علامات مبكرة واعدة، فإن استخدامها لا يزال نادرا.
وقالت معظم النساء والفتيات اللاتي أجريت الصحيفة لقاءات معهن في كابول إنهن سجلن في دورة تعليمية واحدة على الأقل عبر الإنترنت منذ استيلاء طالبان على السلطة.
وأوضحت الصحيفة أن حكومة طالبان لم تحظر صراحة الدورات التعليمية عبر الإنترنت، وقد تواجه صعوبة في فرض مثل هذا الأمر، نظرا لأن العديد من مقدمي الخدمات يقع مقرهم الرئيسي في الخارج. لكن المعلمين والطلاب يشعرون بالقلق من أنهم قد يظلون في خطر.
وذكرت أنه عندما بدأت السلطات في وقت سابق من العام الجاري في احتجاز النساء بسبب فشلهن في تغطية شعرهن بشكل صحيح، انتشرت شائعات مفادها أن الشرطة كانت تتحقق من جميع الهواتف بحثًا عن أدلة على المشاركة في الفصول الدراسية عبر الإنترنت.
وأشارت الحكومة الأفغانية إلى أنها تخطط لتشديد الرقابة على استخدام الإنترنت. لم يعد بإمكان أي شخص يشتري بطاقة SIM لهاتف محمول أن يظل مجهول الهوية ويجب عليه تقديم بطاقة هوية وتفاصيل الاتصال الخاصة بخمسة من أفراد الأسرة، بحسب الصحيفة.
وقال عناية الله ألوكوزاي، المتحدث باسم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إن الجهود المبذولة لجمع المزيد من البيانات عن مستخدمي الإنترنت الأفغان تهدف إلى منع إساءة الاستخدام والاحتيال. لكن التغييرات التي طرأت على شراء بطاقات SIM أثارت مخاوف واسعة النطاق بشأن المراقبة الحكومية.
وفي الواقع، لا تزال قدرات طالبان على هذه الجبهة محدودة. وقال الكوزاي إن شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون ترفض التواصل مع مسؤولي الحكومة الأفغانية. وأضاف أن وزارته حثت مرارا منصات التواصل الاجتماعي الأميركية على التعاون مع طلبات حكومة طالبان لإزالة المحتوى، مثل تلك التي تنتحل صفة حسابات أخرى، لكن دون جدوى. والأسوأ من ذلك، كما يقول مسؤولو طالبان، هو إن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالحكومة لا تزال خارج المنصة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الصحیفة أن
إقرأ أيضاً:
السكن العشوائي في أفغانستان.. بناء فوق سفوح الجبال وعزلة دولية تفاقم المعاناة
كابل- على سفوح الجبال الوعرة المحيطة بالعاصمة الأفغانية كابل ومدن أخرى مثل مزار شريف، وهرات، وجلال آباد، وقندهار، تنتشر منازل طينية بسيطة شيدتها أيادٍ محلية، وتفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الحديثة؛ فلا ماء، ولا كهرباء، ولا طرق معبدة تصل هذه التجمعات السكنية التي باتت ملاذا لمئات آلاف الأفغان، ممن دفعتهم الظروف الاقتصادية القاسية إلى هجر الأحياء المنظمة إلى مأوى أرخص فوق المنحدرات الجبلية، وإن كان الثمن هو المخاطرة اليومية بالحياة.
ظاهرة البناء العشوائي، التي تفاقمت بشكل لافت خلال السنوات القليلة الماضية بعد عودة حركة طالبان إلى السلطة في أغسطس/آب 2021، ليست وليدة اليوم، بل وجدت خلال الحكومة السابقة، لكنها اتخذت أبعادا أكثر خطورة في ظل الأزمة الاقتصادية والعزلة الدولية الحالية.
رغم الخطرفي حي "قلعة فتح الله" الجبلي شرق كابل، يروي محمد طاهر، موظف حكومي، قصته للجزيرة نت قائلا: "استأجرت بيتا وسط المدينة بـ70 دولارا شهريا، وهو مبلغ يتجاوز راتبي، فاضطررت لشراء قطعة أرض صغيرة على سفح الجبل وبناء منزل طيني، لا طرق تصل إليه، ونحمل المياه على ظهورنا يوميا".
قصة طاهر ليست استثناء، بل نمط حياة يعيشه مئات الآلاف من الأفغان الذين فروا إلى الجبال هربا من ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض الرواتب.
إعلانوفي المنطقة 15 من مدينة كابل، بُني أكثر من 39 ألف منزل عشوائي، يقع العديد منها على سفوح الجبال، لا سيما جبل "خواجه بغرا"، حيث سُجل نحو 6 آلاف منزل، كما شهدت المنطقة 13 (دشت برتشي) غرب العاصمة، توسعا كبيرا في البناء غير المخطط.
ووفق تصريحات رئيس هذه المنطقة، فإن "نحو 70% من مدينة كابل بنيت بشكل غير منظم"، مما يشكل تحديا كبيرا أمام تقديم الخدمات الأساسية كالطرق والمياه والكهرباء.
ومع سيطرة طالبان على الحكم، تفاقمت الأزمة بسبب تجميد الأصول الأجنبية للبنك المركزي الأفغاني، وفرض عقوبات على أعضاء الحكومة، وتعليق معظم المساعدات الدولية التي كانت تشكل العمود الفقري للاقتصاد. وأصاب توقف دعم البنك الدولي والمانحين مشاريع البنية التحتية وبرامج الإسكان بشلل، مما زاد من اعتماد المواطنين على أنفسهم بوسائل بدائية.
يقول خبير التنمية الحضرية عبد الله رضايي، للجزيرة نت: "غياب سياسة إسكان واضحة، وانعدام خرائط حديثة للمدن، وتدهور القدرات المالية للحكومة، سمح بانتشار البناء العشوائي دون ضوابط، والمشكلة لم تبدأ مع طالبان بل كانت خلال الحكومة السابقة، التي فشلت بوضع حلول جذرية بسبب الفساد وسوء الإدارة".
ويضيف رضايي "الأزمة الحالية أكثر تعقيدا بسبب العقوبات وغياب الدعم الدولي".
ولا تقتصر معاناة سكان الأحياء العشوائية على نقص الخدمات الأساسية، بل تمتد إلى تهديدات بيئية خطيرة؛ وحسب بيانات بلدية كابل، فقد شُيِّدت آلاف المنازل فوق سفوح جبال العاصمة، وهو ما يعرض سكانها للمخاطر، كالانهيارات الأرضية والسيول، حيث تتساقط الصخور في الشتاء وتهدد الأمطار الغزيرة صيفًا بتدمير البيوت الطينية الهشة.
إعلانويقول جلال الدين تيمور، أحد سكان منطقة جبلية في جلال آباد "كل شتاء نعيش في خوف من انهيار الجبل، ولا توجد جدران دعم أو قنوات لتصريف المياه، ونعتمد على إمكانياتنا البسيطة لترميم المنازل".
وفي إقليم بكتيكا، كشف زلزال عام 2022 عن هشاشة هذه التجمعات، حيث تسبب في مقتل أكثر من ألف شخص وإصابة 1500 آخرين، معظمهم من سكان المنازل الطينية العشوائية.
جهود محدودة
من ناحيتها، تعترف السلطات الأفغانية بأزمة البناء العشوائي، لكن الإمكانيات المحدودة تعيق أي تقدم ملموس.
وقال مصدر في وزارة التنمية الحضرية، للجزيرة نت، إن الحكومة تعمل على إجراء إحصاء شامل للمناطق العشوائية في كابل والمدن الكبرى، لتقنين أوضاعها وتوفير الحد الأدنى من الخدمات كالمياه والصرف الصحي". لكنه أقرّ بأن "الموارد المالية واللوجستية محدودة للغاية، ما يجعل هذه الجهود بطيئة ومتعثرة".
من جانبه، قال المتحدث باسم بلدية كابل نعمة الله باركزي للجزيرة نت إن "البلدية تبذل جهودها لضبط المخالفات وتنظيم النمو العمراني ضمن الإمكانيات المتاحة"، حيث منعت خلال الأشهر الخمسة الماضية تشييد 34 مبنى عشوائيا، وأوقفت أعمال البناء في 77 أخرى، بسبب مخالفات فنية، كما أشرفت هندسيا على أكثر من 1240 مبنى بأنحاء العاصمة.
وأضاف باركزي أن "البلدية أنجزت خلال السنوات الثلاث الماضية شق 260 كيلومترا من الطرق داخل كابل، وتسعى لتوسيع هذه المشاريع رغم التحديات المالية"، مؤكدا أن مشروع "كابل الجديدة" لا يزال قيد الدراسة ضمن رؤية شاملة لمعالجة أزمة السكن والاكتظاظ.
وفي محاولة للتخفيف من معاناة سكان المناطق الجبلية، بدأت بلدية كابل -بالتعاون مع جهات دولية- في بناء سلالم حجرية (أدراج) لتسهيل وصول المواطنين إلى الأحياء السفلية، وأنجز نحو 2600 متر من هذه السلالم في المنطقة الأولى، بما حسّن نسبيا حركة التنقل.
إعلانوسابقا كان هناك مشاريع إسكان مدعومة دوليا، لكنها لم تصل إلى الفئات الأكثر احتياجا، واليوم، تحاول الحكومة الأفغانية التعاون مع منظمات دولية لتوفير دعم تقني وإنساني، لكن العقوبات الدولية والضغوط السياسية تحدّ من ذلك.
ويقترح خبراء التنمية الحضرية حلولا طويلة الأمد تشمل وضع سياسات وبرامج إسكان واضحة وميسورة التكلفة، وتحديث الخرائط العمرانية.
ويقول رضايي "لا يمكن حل الأزمة بالملاحقات القانونية أو هدم المنازل، بل بإستراتيجيات تنموية تأخذ في الاعتبار الواقع الاجتماعي والاقتصادي".
من جهته، يرى المحلل الاقتصادي أحمد رشيدي، أن "جذب استثمارات دولية، مثل الاتفاقيات مع الصين لاستخراج النفط أو مشاريع الحزام والطريق، قد يوفر موارد مالية لإعادة بناء البنية التحتية".
لكن التحدي الأكبر -حسب رشيدي- يظل استعادة الثقة الدولية بحكومة طالبان، التي تواجه انتقادات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة ضد النساء.
وتظل أزمة البناء العشوائي في أفغانستان مرآة تعكس تحديات اقتصادية وبيئية وسياسية عميقة، فعلى سفوح الجبال، يواصل الأفغان بناء منازلهم الطينية رغم المخاطر.
وبينما تحاول الحكومة الأفغانية اتخاذ خطوات محدودة، كما تُظهر جهود بلدية كابل في شق الطرق وبناء السلالم، يقول الخبراء إن الحلول الحقيقية تتطلب تخطيطا حضريا شاملا وتعاونا دوليا وإرادة سياسية لإعادة بناء اقتصاد منهار وبنية تحتية متهالكة.