إسماعيل كاداريه الروائي المراوغ!
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
(1)
«ليست الثقافةُ وطنيةً خالصة ولا إنسانيةً خالصة، ولكنها وطنية إنسانية معًا، وهي في أكثر الأحيان فردية أيضًا، فمن ذا الذي يستطيع أن يمحو بتهوفن من موسيقى بتهوفن؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يمحو راسين من شعر راسين؟»..
(الدكتور طه حسين في «مستقبل الثقافة في مصر»)
(2)
ربما كانت العبارة التي صدرنا بها هذا المقال لعميد الأدب العربي طه حسين أصدق تعبير وتوصيف لإبداع الأديب والكاتب والروائي الألباني الراحل إسماعيل كاداريه (1936-2024) الذي غادرنا منذ قرابة الأسبوعين عن 88 عامًا، حفلت بروائع الأعمال والروايات والقصص التي ترجمت إلى أغلب لغات الدنيا، ووضعت الأدب الألباني، واللغة الألبانية، وأدب البلقان عمومًا في صدارة المشهد الإبداعي العالمي في نصف القرن الأخير، أو يزيد!
ومهما اختلف الرأي واشتد الجدل وحمي وطيس النقاش حول مواقف الكتاب والأدباء السياسية أو الأخلاقية، ومهما كان الاتفاق أو الاختلاف معها أو ضدها، فإن ما يبقى ويظل خالدا هو "الإبداع" والنص الأدبي.
ومن ذا الذي يستطيع أن يمحو كاداريه من روايات وقصص كاداريه؟! إذا ما قمنا بالقياس والوزن على عبارة طه حسين الآنفة..
ومهما كان الرأي مع أو ضد كاداريه فيما ينظر له البعض على أنه كان يعلن مواقف مؤيدة للديكتاتورية في ألبانيا أو أن له مواقف مناهضة للعرب والفلسطينيين في الصراع العربي الإسرائيلي، فإن ذلك كله سيزول ولا يبقى إلا الفن المعبر عن السؤال الإنساني المؤرق والهم الوجودي والمعرفي الذي برع الروائي الألباني في تصويره وتجسيده في أعماله ورواياته التي حظيت بشهرة عارمة ووافرة في كل اللغات والثقافات ومنها العربية..
بل إن ثمة روايات بعينها نالت من الشهرة بعد ترجمتها إلى العربية ما لم تنلها غيرها.. ومن ينسى أصداء روايته الشهيرة «من أعاد دورونتين؟» أو روايته الأشهر «الحصار» أو بعض قصصه القصيرة التي ترجمت إلى العربية ونشرت بكبريات الدوريات الثقافية العربية (العربي الكويتية على سبيل المثال، والدوحة القطرية، وأخبار الأدب المصرية، وغيرها)
(3)
وعلى الرغم من بداياته الشعرية واتخاذه الشعر نقطة انطلاق لتعبيره الأدبي، فإنه سرعان ما اتخذ "الرواية" طريقًا للمعرفة والتأمل والتفلسف، وسبر أغوار الإنسان ذلك الكائن العجيب والغريب والمجهول!
لقد كان صادقًا وأمينًا وهو يعبر عن رؤيته للكتابة؛ فالكتابة عنده "ليست بالمهنة السعيدة أو التعيسة، هي بين هذا وذاك، هي تقريبًا حياة ثانية، أكتب بسهولة، ولكنني دائم التخوف من أنني قد لا أكون جيدًا، تحتاج إلى مزاج مستقر، أما السعادة والتعاسة فكلتاهما لا تناسبان الأدب؛ لأنك في سعادتك تميل إلى الخفة والتفاهة، وفي تعاستك تتشوش رؤيتك، عليك أن تعيش أولًا، وتجرب الحياة، ثم لاحقًا تكتب عنها"..
(من حوار معه ضمن حوارات باريس ريفيو، ترجمة أحمد شافعي)..
عندما يجابه الكاتب مضطرب المزاج أو الذي يعاني صراعًا وتوترًا غير مسبوق بين قناعاته الذاتية وبين مواءماته التي تكاد تفرض عليه فرضا فإن ذلك يقوده باللزوم وبالضرورة إلى اكتئاب حاد أو اعتلال عام ومزمن..
أقول عندما يترجم هذا الكاتب الذي يعاني ذلك إلى كتابة عظيمة وإنسانية وصادقة، فأنا أعتبره ضمن هذه السبيكة الفذة من الروائيين الكبار الذين قرروا أن يترجموا كل هذه الصراعات والتوترات والاعتلالات إلى أدب رفيع وإلى كتابة لا مثيل لها في رهافتها ومجازيتها وتصويرها وتوسلها بكل أساليب الخيال والجمال والمفارقة الممكنة،
ولذلك، فيما يرى عماد فؤاد فيما كتب عنه، عُدت "الرمزية" و"الغموض" أساسين جوهريين في كتابة إسماعيل كاداريه الروائية بشكلٍ عام، فالمبالغة كانت أداته الأسلوبية الرئيسية، وقد أبدع معظم أعماله وأفضلها في ظل ديكتاتورية أنور خوجة الفجّة، والتي أخرست الجميع، فقد كانت الكتابة في ألبانيا في عهد خوجة -كما هي تحت سلطة أية ديكتاتورية- "لعبة محفوفة بالمخاطر، تشبه السير على حبل مشدود بين نقطتين غير مرئيّتين"، بحسب وصف كاداريه نفسه.
وقد كان كاداريه من هؤلاء الكتاب الذين لا تتوقف كثيرًا أمام مواقفهم المعلنة وتشابكات علاقاتهم بالسلطة في زمنهم بقدر ما تتوقف عند طبيعة مواقفهم الفنية في أعمالهم الإبداعية لأنها هي الأصدق والأبقى والأكثر خلودا من وقائع وأحداث حياتهم التي ستنتهي بنهاية رحلتهم في هذه الحياة.
بهذا المعنى -فيما أتصور- يتقاطع كاداريه ومسارات إبداعه مع الكاتب والروائي اليوناني العظيم نيكوس كازانتزاكيس الذي كتب «المسيح يصلب من جديد» مثلما كتب «زوربا» المدهش العجيب اللعين!
وهو بهذا المعنى يشترك بل يكاد يتفق مع نجيب محفوظ الذي يستحيل أن تطابق بين مواقفه المعلنة تجاه السلطة والسياسة ومجرياتها في بلده وفي العالم العربي والعالم كله، وبين ما عبر عنه في أدبه ورواياته التي حملت أصدق وأهم تعبير فني عن تلك الأحداث والمجريات!
ومثلهم جميعًا (كادارايه وكازانتزاكيس ونجيب محفوظ وصلاح جاهين وغيرهم) وكل الكتاب العظماء الذين ترجموا صراعاتهم المعلنة والداخلية إلى نصوص خوالد..
(4)
قبل كاداريه لم يكن أحد يعلم شيئًا عن "الأدب الألباني" أو "اللغة الألبانية"؛ وليس ثمة خلاف حول أن كاداريه هو الذي نقل الألبان وأدب البلقان عمومًا من دوائر التلقي المحدودة بحدود المتكلمين بهذه اللغة إلى آفاق لا تحد بعد ترجمة روايته الشهيرة «جنرال الجيش الميت» التي ترجمت إلى الفرنسية عام 1970، ثم إلى الإنجليزية، وعنهما إلى لغات عديدة أخرى.
"ألبانيا" في نصوص كاداريه بلاد صغيرة، وشعب عريق، تاريخ مأساوي ونصف عدد السكان خارج الحدود (يوجدون في كوسوفو) شعب طيب بل بالغ الطيبة والمسالمة ونظام فاسد رزح بثقله وكراهة ديكتاتوريته قرابة نصف القرن على قلب هذا الشعب الطيب وهذه البلاد الجميلة، يصفها كاداريه على لسان الإمبراطور الإيطالي الذي كان يزور ألبانيا للمرة الأولى (في قصة قصيرة له نشرت ترجمتها العربية بمجلة "العربي" الكويتية قبل سنوات طويلة)، يقول:
"لقد حدثوه عنها، إنها بلاد ساحرة، جبالها شامخة وأساطيرها عريقة، ورجالها أشداء، فلما شاهدها الإمبراطور أول مرة، تأكد في سره (أن ألبانيا ذات طبيعة ساحرة حقًا)، وارتاحت عيناه وهو يسرح نظره من سيارته المكشوفة في امتداد الجبال في الأفق"...
في دراسته عن المنازلات التي استمرت لسنوات بين إسماعيل كاداريه، وبين الديكتاتور الألباني أنور خوجة، يؤكد الناقد الفرنسي فريديريك كاسوتي على خصوصية ألبانيا في التاريخ الأوروبي المعاصر، فيما ينقله عنه عماد فؤاد، فهي من ناحيةٍ: "بلد غير عادي، ضاعفت عزلته الطويلة عن بقية العالم منذ سقوط الشيوعية من غرابته، وهو بلد حديث إلا أن شعبه أقدم، وصحيح أن المنطقة استقلت عن الدولة العثمانية عام 1913، إلا أنها كانت مستعمرة إيطالية لفترة قصيرة، كما أن ألبانيا دولة بلقانية، وليست لاتينية، وهي علمانية، وإن كان أغلب سكانها من المسلمين، وهي شرقية رغم أن سكانها ينحدرون من أصول أوروبية، ويزعم كثير منهم أنهم ينحدرون من العرق الأتروسكي"!
هنا بالضبط تكمن عظمة الأدب وخلوده وبراعة الكتاب والأدباء والروائيين، هنا سنعرف عن ألبانيا ونراها بعين الخيال أكثر مما نعرفه من الخرائط وكتب التاريخ والجغرافيا! شغف القراء غير العرب وبالتحديد الأوروبيين بقاهرة نجيب محفوظ والقاهرة الفاطمية أكثر مما قرأوا عنها من دراسات وكتب متخصصة! الأمر نفسه في يونان كازانتزاكيس وكريت التي لم يكتب أحد عنها وعن ناسها وطبائعهم وخرافاتهم وأساطيرهم وصراعاتهم مثلما كتب صاحب «الإخوة الأعداء»!
(5)
ينضم كاداريه إلى هؤلاء العظماء برصيد يقترب من 50 رواية (نشرت أعماله الكاملة في طبعتها الفرنسية في سبعة مجلدات).. كتب في العديد من الأنواع الأدبية، واستعمل العديد من الأدوات الكتابية، فكتب الأليجوريا، والملهاة، والأعمال التاريخية، والأسطورية، هربًا من رقابة خوجة القاسية وانتقامه الدموي من المعارضة مهما يكن الشكل الذي تتخذه. وتمثل أعماله تأريخا لتلك العقود الرهيبة برغم أن قصصه غالبًا ما تجري في الماضي السحيق، وفي بلاد غير بلده (من حوارات باريس ريفيو، ترجمة أحمد شافعي)..
سيبقى من كاداريه ما يستحق البقاء، وبالتأكيد سبكون ممثلا في نصوصه وأعماله.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
قوافل لدعم الموهوبين ولقاءات للاحتفاء برموز الأدب وعروض مسرحية بالمحافظات
ضمن برامج وزارة الثقافة، وبرعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، تقدم الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، أجندة حافلة بالفعاليات الثقافية والفنية والأدبية هذا الأسبوع، تنطلق اليوم الأحد، وحتى السبت المقبل 24 مايو، وتنفذ بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة.
قوافل تثقيفية لدعم الموهوبين بقرى البحيرةتستقبل محافظة البحيرة هذا الأسبوع مجموعة من القوافل الثقافية والفنية عبر المسرح المتنقل، بقرى مركز أبو المطامير.
وانطلقت أولى الفعاليات بقرية "النجيلة" وتستمر حتى غدا الاثنين، وتتضمن القافلة تنفيذ عدد من الورش الفنية والحرفية، بالإضافة إلى فقرة اكتشاف مواهب، وعروض مسرح عرائس وورش حكي، وعروض فنية.
وتنتقل الفعاليات إلى قرية "جناكليس" في الفترة من 21 إلى 23 مايو، وذلك بهدف اكتشاف ودعم الموهوبين، وتعزيز الفنون الحرفية والتراثية، وبناء الوعي بالقرى الأكثر احتياجا للخدمات الثقافية.
تنظم هيئة قصور الثقافة عددا من اللقاءات الأدبية احتفاء برموز الأدب والفكر على مدار الأسبوع، بمشاركة لفيف من الشعراء والأدباء والنقاد، وذلك للتعريف بالمبدعين الذين أثروا الحياة الثقافية بأعمالهم وتجاربهم المتنوعة.
ويشهد اليوم الأحد الاحتفاء بمسيرة الشاعر الكبير أحمد عنتر مصطفى، ببرنامج "العودة إلى الجذور"، في السادسة مساء بقصر ثقافة الجيزة، للحديث عن مشروعه الشعري وملامح قصائده.
كما يستضيف الصالون الثقافي لقصر ثقافة الإبداع الفني بالسادس من أكتوبر، غدا الاثنين الكاتب الصحفي حسن عبد الموجود، في حوار مفتوح للحديث عن كتابه الجديد "أم كلثوم من الميلاد إلى الأسطورة"، وذلك في تمام السابعة مساءً.
ويوم الأربعاء، تقيم هيئة قصور الثقافة لقاء لتكريم اسم الشاعر الراحل أحمد زرزور، ضمن برنامج "عطر الأحباب"، في السادسة مساء، بقصر ثقافة شبين الكوم، بمحافظة المنوفية، تقديرا لعطائه الأدبي والفني.
عروض مسرحية مجانية بـ 8 محافظاتتقدم هيئة قصور الثقافة هذا الأسبوع مجموعة من العروض المسرحية المجانية، في محافظات: الوادي الجديد، الإسماعيلية، الفيوم، الإسكندرية، الشرقية، الغربية، القليوبية، أسيوط، وذلك ضمن عروض الموسم المسرحي الجديد.
ويشهد اليوم الأحد، 4 عروض مسرحية، حيث يستقبل قصر ثقافة موط بالوادي الجديد العرض المسرحي "حجر القلب" إخراج أسامة عبد الرؤوف في الثامنة مساء، ويشهد مسرح مجلس مدينة الفيوم العرض المسرحي "هو الذي يصفع" إخراج أحمد السلاموني في التاسعة مساء، وعلى مسرح قصر ثقافة الإسماعيلية يقدم عرض "التحول" إخراج محمد عجيزي، فيما يشهد قصر ثقافة الزقازيق بالشرقية العرض المسرحي "كوبري الناموس" إخراج عبد الرحمن سالم.
تكريم اسم الشاعر سيد حجاب ضمن برنامج "رموز القرية"ضمن برنامج الاحتفاء برموز القرى المصرية، يشهد اليوم الأحد الاحتفاء بشاعر العامية الكبير سيد حجاب، بتكريم اسمه في مسقط رأسه بمحافظة الدقهلية، بحضور عدد من أقاربه ومحبيه.
تنفذ الفعاليات في السابعة مساء ببيت ثقافة زكريا الحجاوي، وتتضمن لقاء للحديث عن نشأته ومسيرته وأبرز أعماله الشعرية والدرامية، إلى جانب ورش فنية مخصصة للأطفال، وأمسية شعرية بمشاركة نخبة من شعراء وأدباء المحافظة.
أفلام عربية وأجنبية بقصر السينمايعرض قصر السينما بجاردن سيتي هذا الأسبوع مجموعة من الأفلام المجانية للجمهور في تمام الثامنة مساءً، ويعقب بعضها ندوات نقدية، في ضوء نشر الثقافة السينمائية.
تبدأ العروض غدا الاثنين مع الفيلم العربي "قلب الليل" ضمن نادي بين الرواية والفيلم.
ويقدم نادي السينما العالمية يوم 20 مايو فيلم الجريمة الكوميدي" The old man & the gun"، وأحداثه مستوحاة عن قصة حقيقية، يليه يوم 21 مايو عرض فيلم "Victoria".
كما تحفل الأجندة بمجموعة متنوعة من الندوات واللقاءات التوعوية والتثقيفية، هذا بالإضافة إلى الورش الأدبية والفنية، والأنشطة المنفذة بمناسبة اليوم العالمي للتنوع الثقافي، وعيد العمال، وذلك داخل قصور الثقافة وخارجها.