التواصل الاجتماعي.. الحقيقة والخبر
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
التواصل الاجتماعي.. الحقيقة والخبر
الإعلام الجماهيري المفتوح قد يسبب في حالة غياب التنظيم مخاطرَ كثيرةً على الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي.
مواقع التواصل الاجتماعي هي نصوص بدون مضامين ولا رسائل، إنها قنوات فارغة، يمكن لكل فرد أن يملأها بما يريد..
في السنغال، تبادر الدولةُ إلى تعليق شبكة الإنترنت المحمول خلال لحظات التأزم الحاد، لقطع الطريق أمام تأجيج العنف والشغَب.
المشكل الحقيقي الذي تَطرحه الثورةُ الرقميةُ الجديدةُ هو الانفصام المزدوج بين الحوامل التقنية والمحتويات المضمونية وبين الخبر والحدث.
انعكاس جوهري للتواصل الاجتماعي على مهنة الإعلام والصحافة التي تغيرت في العمق بالنظر لانهيار الوسائط الضرورية بين منتج الخبر ومتلقيه.
أصبح «التواصل الاجتماعي» ضرباً من التسمم الجماعي، «ففي السابق، كان يتم التبادل بين حقائق تحرر الوعي، واليوم أصبح التواصل نوعاً من الحرب بين الكذَبة».
وُضعت تشريعاتٌ صارمةٌ لضبط المضامين المتنقلة عبر الوسائط الاتصالية، لكنها لم تُفْض أغلب الأحيان إلى نتائج ملموسة بحجم التحديات القائمة والأهداف المقصودة.
* * *
قال لي مسؤول سياسي أفريقي سامي إنه يعتقد جازماً أن العالَمَ سائر حتماً إلى نمط من الحرب الأهلية الشاملة، إذا لم يتم ضبط شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت رخيصةَ الثمن، شديدةَ التأثير، سهلةَ الاستخدام ومنتشرةً في كل الأصقاع والمواقع.
في البلدان الأفريقية، كما حدث مؤخراً في السنغال، تبادر الدولةُ إلى تعليق شبكة الإنترنت المحمول خلال لحظات التأزم الحاد، لقطع الطريق أمام تأجيج العنف والشغَب.
وفي بلدان أخرى وُضعت تشريعاتٌ صارمةٌ لضبط المضامين المتنقلة عبر الوسائط الاتصالية، لكنها لم تُفْض في أغلب الأحيان إلى نتائج ملموسة بحجم التحديات القائمة والأهداف المقصودة.
وللجدل الراهن ارتباط وثيق بالإشكالات المحورية التي انجرَّت عن تحرير المجال السمعي البصري في كثير من بلدان العالم بدايةً من ثمانينيات القرن الماضي، وقد امتدت إلى العالم العربي والساحة الأفريقية بدايةً من نهاية التسعينيات.
وقيل أوانها إن الإعلام الجماهيري المفتوح قد يسبب في حالة غياب التنظيم مخاطرَ كثيرةً على الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي. وفي هذا الباب، تم الحديث عن الإذاعة الخاصة الرواندية «التلال الألف» التي كان لها الأثرُ البالغ في الأحداث العرقية وإبادة قومية التوتسي في هذه البلد الأفريقي الذي عرف أبشع أنواع الحرب الأهلية في عام 1994.
ولأجل ذلك، شكلت الدولُ الديمقراطيةُ مؤسساتٍ للتنظيم والضبط مكلفة بتقنين ورقابة المجال السمعي البصري الخاص ومنح تراخيصه، وفق معايير ثلاثة أساسية هي: قيم وأخلاقيات المهنة الإعلامية من التزام بالحقيقة والموضوعية والمهنية الاحترافية، ومحددات التعددية الفكرية والمجتمعية والثقافية التي هي أساس النظام الليبرالي المفتوح، ومتطلبات التسامح والسلم الأهلي والأمن الاجتماعي.
ورغم اختلاف المساطر الإجرائية بين دول العالم بخصوص استراتيجيات الضبط والتنظيم، فإن المبدأ العام المتَّبع في هذا النهج هو ضمان استقلالية وتجرد الهيئة المكلفة بالإشراف على الحريات الإعلامية الخاصة وتخويلها سلطةَ الرقابة والعقوبة لحماية النظام العام والحريات الفردية. ولقد اعتبر عالِمِ السياسة الفرنسي «بيار روزنفالون» أن مؤسسات الضبط تدخل في إطار المفاهيم الجديدة للشرعية التي تتجاوز معايير التمثيل والانتخاب التي كانت في السابق الأداة الوحيدة لقياس الديمقراطية الليبرالية.
إنها تدخل في نطاق مؤسسات الخدمة العمومية المجردة التي تعبِّر عن البناء المركزي للدولة في ما وراء اختلاف وتضارب المصالح والمواقع الحزبية الظرفية. حضرتُ مؤتمرات عديدة في أوروبا، خلال عضويتي في مجلس الاتصال السمعي البصري في موريتانيا، حول المقاربات الممكنة في ضبط الإعلام الإلكتروني الجديد الذي أصبح يشكّل أساسَ المجال التواصلي.
وقد برزت في هذا السياق أطروحتان أساسيتان: أطروحة الضبط الأخلاقي الذاتي باعتباره الخيار الوحيد المتاح نتيجةً لصعوبة رقابة المضامين الرقمية الكثيفة، وأطروحة الضبط القانوني وفق منوال الإعلام التقليدي الذي طرح إشكالاتٍ مماثلةً في بدايته، على الأقل في البلدان التي اعتمدتْ منذ بداية القرن الماضي استراتيجيةَ تحرير البث الإذاعي كما هو حال بريطانيا والولايات المتحدة.
بيد أن المشكل الحقيقي الذي تَطرحه الثورةُ الرقميةُ الجديدةُ هو الانفصام المزدوج بين الحوامل التقنية والمحتويات المضمونية وبين الخبر والحدث.
في المستوى الأول، نلمس الغياب الحقيقي للمؤلف أو لما سمَّته نظريةُ الاتصال الكلاسيكي بالباثُّ أو المرجع، بحيث تكون الرسالة بدون مصدر ولا تتبع أي نسق أو قناة توصيلية. ومن هنا الانعكاس الجوهري على مهنة الإعلام والصحافة التي تغيرت في العمق بالنظر لانهيار الوسائط الضرورية بين منتج الخبر ومتلقيه.
وفي المستوى الثاني، ندرك التحول الابستمولوجي الهائل المتعلق بطبيعة الخطاب الذي تبثه المواقع الاتصالية، من حيث كونه لم يعد يقوم على ثنائية الحقيقة- الإقناع، بل على الانفعال والعاطفة والأهواء المتقاسَمة.
وإذا كانت البنية المنطقية العميقة للفكر الإنساني تقوم على التمييز بين أحكام الواقع وأحكام القيمة، أو بين الظواهر والمعاني، فإن ما نعيشه راهناً هو انحسار مفهوم الحقيقة بما يدل عليه من مصادرة استقلال الواقع عن التصور أو التمثل.
وفي هذا السياق، يقول الفيلسوف الألماني بيتر سلوتردايك إن مواقع التواصل الاجتماعي هي نصوص بدون مضامين ولا رسائل، إنها قنوات فارغة، يمكن لكل فرد أن يملأها بما يريد.. ومن هنا أصبح «التواصل الاجتماعي» ضرباً من التسمم الجماعي، «ففي السابق، كان يتم التبادل بين حقائق تحرر الوعي، واليوم أصبح التواصل نوعاً من الحرب بين الكذَبة».
*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني
المصدر | الاتحادالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أفريقيا التواصل الاجتماعي الحرب الأهلية السلم الأهلي الأمن الاجتماعي التواصل الاجتماعی فی هذا
إقرأ أيضاً:
منتدى التواصل الحكومي يستضيف رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة
صراحة نيوز ـ يعقد أمين عام وزارة الاتصال الحكومي الدكتور زيد النوايسة، ورئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة المهندس فايز النهار لقاءً إعلامياً مع ممثلي وسائل الإعلام بعنوان “هيئة الخدمة والإدارة العامة في عامها الثاني .. الإنجازات والتطلعات” وذلك في تمام الساعة الواحدة من ظهر يوم غد الأربعاء.
ويتناول اللقاء دور الهيئة في قيادة التحديث في القطاع العام من خلال تطوير سياسات إدارة الموارد البشرية وتعزيز الشفافية والكفاءة في التوظيف وبناء منظومة حديثة ترتكز على الكفايات والتميز.
كما يستعرض أبرز المشاريع التي تنفذها الهيئة منها مركز تقييم الكفايات ومنصة التوظيف الذكي ومبادرات تعزيز الثقافة المؤسسية، وذلك ضمن رؤية شاملة لإعادة بناء الثقة في الجهاز الحكومي.
ودعت وزارة الاتصال الحكومي الصحفيين الراغبين بتغطية أحداث اللقاء الحضور إلى مقرها قبل 20 دقيقة من موعد اللقاء وإبراز الوثيقة اللازمة التي تثبت عمله لدى أي من وسائل الإعلام