الحشرة القرمزية تفتك بمحاصيل التين الشوكي في المغرب العربي
تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT
تمتد زراعة التين الشوكي على طول الطريق الزراعية المؤدية إلى منطقة الشبيكة في وسط تونس، لكنها فقدت اخضرارها وغطتها طبقة لزجة تشبه الصوف الأبيض بسبب انتشار مرض "الحشرة القرمزية" التي اكتسحت دول المغرب العربي وتهدد بانهيار قطاع زراعي حيوي.
بدأ انتشار الحشرة القرمزية في منطقة المغرب العربي في العام 2014 في المغرب ثم وصلت تدريجيا إلى الجزائر وتونس في العام 2021، وهي عبارة عن طفيليات تلتصق بألواح شجرة الصبّار وتمتص عصارتها ما يتسبب في تلفها بالكامل بينما لا تشكل خطراً على الانسان والحيوان.
ويمثل التين الشوكي مصدر مهمّا للفاكهة وتستخلص منه زيوت طبيعية ومستحضرات تجميل تشكل مصدر رزق لألاف العائلات في هذه الدول.
وتلفَت ما بين 40 و50 في المئة من المساحات الاجمالية المزروعة تيناً شوكياً في تونس، ولم تتضرر بعد المساحات المهيكلة المخصصة للتصدير، وتُبذل جهود حثيثة لحماية هذه الاجزاء الي تمثل ثروة ومورد رزق اساسياً للمتساكنين، حيث يصل ثمن اللتر الواحد من الزيت الطبيعي المستخلص من النبتة الى أربعة آلاف يورو، بحسب السلطات التونسية.
لم يعد للمزارع الخمسيني في منطقة الشبيكة في وسط تونس عمر نويرة ابصيص أمل في انقاذ التين الشوكي الذي زرعه على مساحة تقدر بنصف هكتار. وكان يطمح لتصدير منتوجه بعدما أصبح قطاع تثمين هذه النبتة واستغلالها يلقى اقبالا متزايدا من الأسواق الخارجية.
تحوّل حقله بالكامل إلى نباتات جافة بعدما طالها الضرر من كل جانب، ويقول نويرة "أردت في البداية ان أجعلها مرحلة تجريبية لانتاج ثمرة +سلطان الغلة+ (التسمية المحلية في تونس) وأطوّر تدريجيا الاستثمارات وأبحث عن عملاء خارج البلاد خصوصا لزيوتها الطبيعية".
ويضيف "لكنّ المرض وصل وأصبح سلطان الغلّة عليلاً ولا يوجد دواء، وتركتُ فكرة الاستثمار".
وتنشط 40 شركة لانتاج فاكهة التين الشوكي البيولوجي المعد للتصدير وتستغل نحو 150 ألف عائلة هذه الزراعة كمصدر رزق في البلاد التي تصنف كثاني أكبر منتج لهذه الفاكهة في العالم بـ550 ألف طن سنويا، كما تستثمر 40 شركة في عمليات تحويله وتصديره.
يفضل المزارعون غرس التين الشوكي لأنه يقاوم الجفاف، ويساهم في ترسيم ملكية الحقول وحماية التربة من التآكل.
وخلال السنوات الأخيرة تحوّلت منتوجات هذه الفاكهة إلى قطاع زراعي واعد اتسعت زراعته على مساحتة 600 ألف هكتار منها نحو 150 ألف هكتارا مخصصة للاستثمار والتصدير.
أمّا في المغرب، وهو اول الدول المتضررة في منطقة المغرب العربي منذ العام 2014، فيُزرع التين الشوكي على اجمالي 160 ألف هكتار.
ونفذت وزارة الزراعة المغربية "خطة طوارئ" في العام 2016 لمكافحة الحشرة بالاعتماد على المعالجات الكيميائية واقتلاع نباتات الصبار المصابة ودفنها وإجراء الأبحاث البيولوجية لاختيار الأصناف المقاومة القادرة على الصمود أمام هذا المرض وتحييده.
وفي أغسطس 2022، قدرت السلطات الزراعية في المغرب المساحات التي تلفَت بنحو 120 ألف هكتار.
وظهرت الحشرة في الجزائر خلال العام 2021 بمدينة تلمسان الحدودية مع المغرب، وبادرت السلطات الزراعية آنذاك إلى حجر المناطق المتضررة وأمرت باقتلاع كل النباتات المصابة. وتنتشر زراعة التين الشوكي في الجزائر على نحو 60 ألف هكتار وهي ثمرة يعشقها الجزائريون حتى أن هناك مهرجاناً مخصصاً لها في منطقة القبائل. وفي ليبيا، ينمو الصبّار بشكل طبيعي في شمال البلاد وفي المناطق الزراعية حيث يتم اعتماده لترسيم حدود الحقول بتسييجها. وتستورد الثمرة بشكل حصري من تونس.
ويوضح الباحث في علم الحشرات ابراهيم الشرميطي أن مناخ المنطقة الجاف ساعدها على الانتشار بسرعة كبيرة، إذ تكيفت مع التغير المناخي الذي يتميز "بتزايد الجفاف وارتفاع درجات الحرارة".
وتواترت سنوات من الجفاف الحاد في المنطقة المغاربية بتراجع نسب تساقطات الأمطار وتسجيل درجات قياسية من الحرارة.
ويرى الشرميطي ان سبب انتشارها هو غياب مراقبة شديدة وصارمة لنقاط عبور المسافرين عبر الحدودية".
لا يستبعد الشرميطي اكتساح الحشرة كل المزارع في تونس بما فيها تلك المعدة للتصدير والاستثمار ويوضح "عاجلا أم آجلا ستصل بسرعة من خلال عامل الرياح"، معتبرا أن القضاء عليها مسألة "أمن قومي".
الدعسوقة
ويعرب عن اعتقاده أن "القضاء على الحشرة القرمزية مستحيل ولكن يمكن التعايش معها عبر جلب حشرة الدعسوقة والتي تفترس القرمزية ولا تؤثر على النظام البيئي".وتسير تونس على خطى المغرب. حيث يقر المكلف بالادارة العامة للصحة النباتية بوزارة الزراعة التونسية رابح الحجلاوي بأن سبب الانتشار السريع "بطء الاجراءات الادارية" للتصدي لها.
وسعت السلطات الزراعية التونسية إلى كبح الآفة في البداية من خلال اقتلاعها النبتات التالفة وردمها وحرقها، لكنّ التدخل لم ينجح واكتسحت الحشرة عشر محافظات، لذلك تم الانتقال إلى "المقاومة البيولوجية بالاعتماد أولاً على الإكثار من أصناف الصبّار المقاوِمة للحشرة ثم جلب حشرة الدعسوقة"، بحسب الحجلاوي.
وطوّر المغرب بدوره زراعة ثمانية أصناف من الصبار المقاوم للقرمزية في العام 2022 وشرع في جلب وادخال حشرة الدعسوقة، وخصص 417 ألف دولار لمساعدة المزارعين. وسلمت منظمة الأغذية والزراعة للامم المتحدة في يونيو نحو 100 دعسوقة لتونس في اطار برنامج تعاون لمكافحة الآفة بقيمة 550 ألف دولار.
وتُستعمل الدفيئات في المغرب للاكثار من "مسعودة" (الدعسوقة) لأنها "تحتاج للغذاء وإذا اختفت الحشرة القرمزية فلن تجد ما تتغذى عليه لذلك نلجأ إلى تربيتها"، وفقا لعيسى الدرهم، رئيس منظمة "مؤسسة دار سي حماد".
وتبقى مخاوف السلطات الزراعية التونسية قائمة وخصوصاً اذا طالت الحشرة مزارع المناطق الداخلية المهمشة على غرار محافظة القصرين والتي يمثل التين الشوكي مصدر الرزق الوحيد فيها تقريبا، ما قد يؤدي إلى احتجاجات اجتماعية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السلطات الزراعیة الحشرة القرمزیة المغرب العربی التین الشوکی فی المغرب ألف هکتار فی منطقة فی العام
إقرأ أيضاً:
ما وراء تشتيت المعتقلين السياسيين بتونس في سجون بعيدة؟
تونس – تتهم قوى المعارضة في تونس السلطات بمواصلة التضييق على المعتقلين السياسيين، ليس فقط من خلال الأحكام القضائية الثقيلة الصادرة بحقهم فيما تعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، بل عبر ما تصفها بإجراءات انتقامية جديدة تستهدف النيل من معنوياتهم وعائلاتهم ومحاميهم.
ومن بين هذه الإجراءات ما يصفه محامو المعتقلين بـ"التشتيت المتعمد"، إذ تم مؤخرًا نقل عدد من القيادات السياسية المحكومة من سجن المرناقية القريب من العاصمة تونس إلى مؤسسات سجنية داخلية نائية دون إعلام ذويهم أو محاميهم، الأمر الذي عدّته المعارضة "عقوبة نفسية وجسدية مضاعفة".
ووفق شهادات جمعتها الجزيرة نت، فقد شملت عمليات النقل الأخيرة مساجين صدرت بحقهم أحكام ابتدائية في قضايا التآمر، حيث تم ترحيلهم إلى سجون في محافظات بنزرت ونابل وسليانة وجندوبة وغيرها، مما جعل زيارة المحامين والأهالي أكثر صعوبة بالنظر إلى البعد الجغرافي لهذه السجون.
ويبرز من بين هذه القصص ما رواه زعيم جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، شقيق الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي المحكوم عليه بالسجن 18 عاما، والذي نقل مؤخرا إلى سجن برج الرومي في محافظة بنزرت (شمالي البلاد) على بعد نحو 60 كيلومترا من العاصمة.
وقال نجيب الشابي للجزيرة نت إن "زيارة شقيقي عصام في برج الرومي أعادت إلى ذاكرتي ماضيا مؤلما، فقد سجنت في هذا السجن عام 1967 على خلفية محاكمة سياسية، وكان عمر شقيقي حينها 11 عاما حين زارني. أما اليوم فأنا أزوره وهو في السبعين من عمره، في حين بلغت 81 عاما".
وأضاف الشابي أن هذه الحكاية ليست مجرد مأساة عائلية، "بل تعكس تراجيديا وطن يواصل تدمير نفسه من الداخل، وينهش نخبه السياسية والفكرية عبر العقود"، معتبرا أن نقل المساجين هو شكل من أشكال العقاب الذي يستهدف عزيمتهم، كما يحمل أعباء إضافية لأسرهم ومحاميهم.
إعلانوأشار إلى أن حملة الاعتقالات التي انطلقت في فبراير/شباط 2023 وشملت سياسيين ونشطاء وإعلاميين، جاءت في سياق "سياسة أمنية غير مسبوقة" ومحاكمات "انتقامية"، مستنتجا أن السلطة تعتمد سياسة "العزل والإرهاق" للمعارضين داخل السجون.
تواصل السلطات التونسية التنكيل بالمعتقلين/ات السياسيين/ات بنقلهم/ن إلى سجون بعيدة عن مقارّ سكنهم/ن، في خرق لقواعد نيلسون مانديلا، ما يزيد من معاناة العائلات ويكرّس سياسة العقاب الجماعي.#جمعية_تقاطع_من_اجل_الحقوق_والحريات #تونس pic.twitter.com/Cc54RApi25
— Intersection association for rights and freedoms (@Intersectionuno) June 12, 2025
محاكمات سياسيةورأى الشابي أن هذه الإجراءات لا تنفصل عن محاولات تقويض المعارضة، مؤكدا أن نقل المساجين السياسيين إلى مناطق بعيدة لم يكن مجرد قرار إداري روتيني بل هو إجراء مدروس يستهدف تحطيم معنوياتهم وتقييد حقوقهم الأساسية.
كما لم يخف شكوكه بشأن مستقبل مسار المحاكمات، لاسيما أن جلسة النقض لم تحدد بعد، وقال "القضاء التونسي اليوم واقع تحت هيمنة السلطة، وبالتالي فإن القرار بشأن موعد الجلسة لا يعود إليه، بل إلى وزارة العدل والسلطة التنفيذية".
وتابع "لا أستبعد أن تؤيد محكمة الاستئناف الأحكام الابتدائية الثقيلة بحق عشرات من قيادات المعارضة، لأن الغاية من هذه المحاكمات ليست العدالة، بل ترهيب المجتمع وتصفية المعارضين ضمن نظام حكم فردي يقوده الرئيس قيس سعيد".
من جهته، أكد القيادي في حركة النهضة عماد الخميري للجزيرة نت أن "نقل المساجين السياسيين إلى سجون بعيدة يمثل امتدادا لسياسة تنكيل ممنهجة تنتهجها السلطة الحالية للهروب من استحقاقات الحوار الوطني والمطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين".
وقال إن ما يحدث اليوم يعيد إلى الأذهان الممارسات القمعية التي كانت سائدة في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، مشيرا إلى أن نقل المساجين آنذاك إلى مؤسسات سجنية بعيدة عن مقرات سكن ذويهم كان أداة عقابية إضافية ترهق الأسر وتضاعف الألم.
وأضاف أن "الإجراءات العقابية الأخيرة تأتي في إطار مسار سلطوي متكرر، حيث يتم استخدام القضاء والسجون وسيلة لتصفية الحسابات السياسية، مما يتعارض مع الحد الأدنى من المعايير الإنسانية والحقوقية".
وأكد الخميري أن "جبهة الخلاص الوطني"، التي تعد حركة النهضة أحد أبرز مكوناتها، ستواصل تحركاتها الميدانية والاحتجاجات السلمية للمطالبة بإطلاق سراح جميع المساجين السياسيين، مشددا على أن "استمرار الاستبداد لا يفاقم الأزمة السياسية فقط، بل ينعكس أيضا على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي".
صمت رسميوشهدت العاصمة تونس السبت الماضي وقفة احتجاجية نظمتها جبهة الخلاص وحركة النهضة، رفع خلالها المحتجون شعارات تطالب بالإفراج عن المساجين السياسيين، كما اتهموا منظومة الحكم الحالية بالسعي لتكريس "نظام حكم فردي" وإقصاء المعارضة.
وفي بيان أصدرته يوم 29 مايو/أيار الماضي، قالت المعارضة إن السلطة القائمة "تستخدم القضاء والسجون لتصفية خصومها السياسيين خارج أي إطار دستوري"، ونددت بما سمّته "استمرار التنكيل" بالمعتقلين، داعية إلى وقف هذه السياسات فورا.
إعلانورغم الاتهامات الموجهة إلى وزارة العدل وإدارة السجون، فإن السلطات لم تصدر أي توضيحات بشأن أسباب نقل المساجين أو معايير توزيعهم بين المؤسسات السجنية، مما يثير تساؤلات بشأن الشفافية والإجراءات القانونية المتبعة.
يشار إلى أن العشرات من السياسيين المعارضين من مختلف الأطياف حوكموا ابتدائيا في قضايا التآمر على أمن الدولة أو التخابر مع جهات أجنبية، وتراوحت الأحكام بين 13 و66 عاما، مما تعدّه المعارضة استهدافا سياسيا وتقويضا للحريات العامة في البلاد.