عبر العالم، تمنح الدساتير لرئيس الدولة صلاحية إصدار العفو، حيث اعتبر منذ قرون كوسيلة تسمح للملوك بإنزال الرحمة ببعض من تبين أن القضاء كان صارما بشأنهم. وقد ارتبط العفو بالملوك حتى وصف بحق العفو، واعتبر حقا من حقوقه، ولهذا مازال يسمى إلى اليوم « بحق العفو »، حق الملك في إصداره، وقد أخذت مختلف التجارب القانونية بهذه الصلاحية في جميع القارات، للإيمان الشائع
بضرورة العفو كآلية لإشاعة المرونة والتوازن والإنسانية في الكثير من المساطر والأحكام التي قد تتسم بالصرامة الزائدة.
المغاربة يعرفون جيدا آلية العفو، فهي ترتبط في الممارسة المغربية ببعض الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية، يتدخل في أثنائها جلالة الملك من خلال صيغ مختلفة بتخفيف ما نزل وتلطيف ما حل. فتجد المغاربة، سواء من المستفيدين أو من غيرهم، يستحسنون ويستزيدون عطفه، وتجد جلالته حريصا على ممارسته، وهي ممارسة متأصلة في ما تنهل منه إمارة المؤمنين من قيم وأخلاق الدين الإسلامي الحنيف، وتنسجم مع كل المبادئ والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
العفو الأخير الذي صدر يوم 29 يوليوز 2024 بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء جلالته عرش أسلافه، كان بطعم خاص، لقد استقبل بارتياح كبير وحظي بالإشادة من جانب مختلف الفاعلين الحقوقيين والسياسيين وطنيا ودوليا، اعتباراً لبعض المشمولين به وهم صحفيين بارزين معروفين لدى الرأي العام الوطني، حتى ان بعضهم ترسخت محاكمتهم لدى الرأي العام برأيهم السياسي الذي غطى على ما حكموا من اجله من جرائم.
لقد اتيحت للبعض ممن استفادوا من العفو الملكي فرصة الإشادة بالقرار الملكي، وقد صرح في سياق ذلك أنه تم بناء على التماس تقدموا به إلى جلالة الملك، وهذه في الحقيقة توضح المساطر المتبعة والتقاليد المرعية في هذا الباب، حيث ان التعبير عن الرغبة في الاستفادة من العفو يجب ان تسبق لأنها تظهر تحقق غايات العفو التي وضع من اجلها وشروطه، ومنها ان تتحقق غاية القانون و يتحقق الذي من اجله صدر الحكم، فلا تتكرر الجريمة، وإلا فلا جدوى من القانون والقضاء، ولا غاية ترجى من العفو.
ان حديثنا عن العفو في عرف الملوك العلويين، يقودنا إلى صنف العفو العام، وهذا يذكرنا بنداء الوطن الذي أطلقه جلالة المغفور له الحسن الثاني، عندما قال في خطابه لسادس نونبر 1996 « إن الوطن غفور رحيم »، وهو نداء متجدد دائم، جاء مراعيا للتقاليد المرعية التي وضحها الخطاب المذكور، وأصبح التذكير بروحه وفلسفته مطلوبا في سبيل الأجيال الجديدة لتتشبع بروح المسيرة الخضراء.
ولقد أثار البعض على هامش العفو الأخير أيضا الحاجة إلى انفراج في شأن ما يعرف بمعتقلي حراك الريف، لاسيما وان المحكومين في إطاره قد استنفذوا من العقوبة ما يفترض ان يكون قد حقق أهدافها وغايات القانون، وما يستحق ان يتم احلال روح العفو والصفح والحلم والتسامح محل الآليات العقابية، بعدما تحقق ما يكفي من الزجر والردع.
وإذ نحيل على هذه الفئة من المواطنين المغاربة أبناء هذا الوطن الشاسع الذي يسع عفوه وغفرانه الجميع، فإننا على ثقة في حلم جلالته، لكن قبل ان يوضع هذا الملف أمام نظره، فان الجهات التي تعمل على إعداده عليها أن تتصف بالمزيد من الصبر والحكمة، وعلى الأطراف الطامحة اليه ان تنضبط للقواعد والأعراف والتقاليد المؤطرة لآلية العفو في المملكة المغربية، خصوصا وان الشروط الأساسية لنجاح مبادرة مماثلة كانت دائما ناضجة و قائمة، ونخص بالذكر هنا النضج القائم لدى الأطراف، بشأن ثوابت المملكة، والحاجة إلى صونها ضد كل عدوان متحرش بالمملكة.
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
الخيالة السلطانية تشارك في عرض وندسور الملكي للخيول
العُمانية: شاركت سلطنة عُمان في عرض وندسور الملكي للخيول لعام ٢٠٢٥م، الذي يقام بساحة قلعة وندسور الملكية في بريطانيا، ويستمر حتى الـ ١٨ من شهر مايو الجاري.
واستهلت الخيالة السلطانية المشاركة بعرض مرئي حمل اسم "سلطنة عُمان جوهرة العرب"، اشتمل على أبرز المقومات التراثية والسياحية التي تتميز بها سلطنة عُمان؛ تعزيزًا لمكانتها كونها وجهة عالمية تجمع بين التراث الثقافي والطبيعي.
وتشارك الخيالة السلطانية باستعراضات في رياضات الخيل التقليدية التي تشتهر بها سلطنة عُمان، إذ قدم فرسانها وفارساتها استعراضات لتنويم وتجليس الخيل وركض العرضة، وعزفت موسيقى الخيالة السلطانية مقطوعات موسيقية عُمانية وعربية.
ويتزامن مع العرض إقامة مسابقات دولية لقفز الحواجز والقدرة والتحمل وأدب الخيل، إلى جانب استعراضات لقيادة العربات وعروض للخيول الصغيرة، بمشاركة عددٍ من دول العالم.
وقال العقيد توبي براون قائد الخيالة الملكية البريطانية ورئيس عرض وندسور الملكي للخيول: "إنّ العلاقات بين سلطنة عُمان والمملكة المتحدة مهمة للغاية، وإننا محظوظون جدًا لتمتعنا بعلاقات جيدة مع سلطنة عُمان لقرون عديدة"، لافتًا إلى أنّ مواطني المملكة المتحدة استمتعوا بمشاركة الخيالة السلطانية، إذ لخّص العرض المرئي الذي قدمته جمال سلطنة عُمان.
وأضاف: "سُررنا بمشاركة الخيالة السلطانية بعددٍ من العروض عبر السنوات الماضية خلال عهد الملكة الراحلة إليزابيث، والآن في عهد الملك تشارلز، مما يؤكد بلا شك على علاقة بلدينا ببعضهما".
من جانبه أوضح سعادة المهندس هلال بن محمد الوائلي رئيس شؤون الخيل والهجن والمزارع والحدائق السلطانية بشؤون البلاط السلطاني أنّ المشاركة تبرز الموروث الثقافي والحضاري لسلطنة عُمان، وتسهم في التعريف بما تتمتع به من مقومات ثقافية ذات أهمية وعلاقة بموروث الخيل.
وأشار الدكتور سرحان بن سالم الزيدي مدير عام الخيالة السلطانية إلى أنّ الخيالة السلطانية تشارك في عرض وندسور الملكي للخيول لعام ٢٠٢٥م باستعراضاتٍ متنوعة في رياضات الخيل التقليدية التي تتميز بها سلطنة عُمان، منها ركض العرضة وتنويم الخيل، مؤكدًا على أن هذه الاستعراضات تبيّن براعة وقدرات فرسان وفارسات الخيالة السلطانية وعلاقتهم الوطيدة مع الخيل التي جذبت أنظار الحضور لفعاليات العرض.