الدين المناخي وإعادة التوازن للعلاقات بين الشمال والجنوب
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
«إعادة توجيه التمويل العالمي لفائدة المناخ...»، ذلك كان عنوان القمة التي عقدت بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون، في الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر يونيو الماضي. لقد تمخض الجبل فولد فأرا، إذ بالكاد تقرر تعليق خدمة الديون بالنسبة لبلدان الجنوب التي من المرشح أن تكون فريسة لكوارث «طبيعية».
يرى رئيس البنك الدولي أن «منح هذه الاستراحة سيتيح لهذه البلدان الوقت من أجل التركيز على ما هو مهم».
من المهم بداية إدانة هذا الكرم الزائف قبل المضي قدما في عرض مفهوم الدين المناخي، لقد تم الاعتراف منذ فترة طويلة بأن ديون الجنوب، على الرغم من كونها ديونا بغيضة وغير شرعية، قد أدّت إلى الحفاظ على علاقات غير عادلة على نحو عميق بين نصفي الكرة الأرضية، وهي العلاقات التي قامت في ما مضى على العبودية والاستعمار، وتندرج كلها تحت زاوية الهيمنة، لأسباب ثقافية أولا، ثم بعد ذلك لأسباب جيواستراتيجية على نحو متزايد، تتعلق باستخراج الموارد الطبيعية والنهب على حساب السكان المحليين دائما.
يعزز التغير المناخي من الفوارق بين الشمال والجنوب في ظلم لا يطاق، حيث إن الشمال (الولايات المتحدة، كندا، اليابان، أوروبا، وبلدان الاتحاد السوفيتي سابقا)، الذي لا يمثل سوى 20٪ من سكان العالم، مسؤول عن 80٪ من التراكم «التاريخي» لثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، بينما الجنوب، الذي يمثل نسبا عكسية على مستوى السكان والمسؤولية، هو الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي الذي سيحوّل عما قريب العديد من مناطق العالم إلى مناطق غير صالحة للسكن.
يُزعم أن هذا الظلم قد اعترفت به بلدان الشمال من خلال فكرة «المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة»، وإنشاء صندوق المناخ الأخضر عام 2011، تُرصد له ميزانية تبلغ مائة مليار دولار سنويا. غير أن التقديرات تشير إلى أن بلدان الجنوب، دون احتساب الصين، تفتقر إلى ألفي مليار دولار سنويا من أجل التعامل مع مشكلة المناخ لوحدها، أي عشرين ضعفا! أما فيما يتعلق بالاحتياجات من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك قضايا الفقر والجوع والصحة والتعليم، فهي تُقدّر بنحو ستة آلاف مليار دولار سنويا حتى عام 2030. وبالتالي فنحن بعيدون جدا عن الهدف، وعلى هذا الرهان تحديدا تعتزم فكرة الدين المناخي تقديم جواب.
إن الدين المناخي هو تقدير مالي لما شكّل احتكارا حقيقيا للغلاف الجوي من قبل بلدان الشمال من أجل تنميتها «الخاصة». يستند تقدير الدين المناخي إلى ثلاثة مبادئ أساسية:
أولا، وجود ميزانية كربونية، ويتعلق الأمر بالمساحة التخزينية التي لا تزال متاحة في الغلاف الجوي، والتي يمكن ترجمتها إلى كمية قصوى من انبعاثات غازات الدفيئة التي لا ينبغي تجاوزها لكي لا تزداد الحرارة على الأرض بأكثر من 1.5 أو 2 درجة مئوية؛
ثم التوزيع العادل لهذه الميزانية (حصص الكربون) بما يتناسب مع سكان العالم، من خلال التأكيد على أن جميع الأفراد متساوون: 20٪ لشمال العالم (الغرب) و80٪ لبلدان الجنوب،
وأخيرا، تعديل حصص الكربون الأولية هذه على النحو الذي يأخذ بالحسبان المسؤولية التاريخية لبلدان الشمال في ما يخص الانبعاثات، ولا سيما منذ عام 1950.
وبناءً على هذه المبادئ وباعتماد السعر الحالي الذي يقارب مائة يورو لكل طن من ثاني أكسيد الكربون، فإن الدين المناخي لبلدان شمال الكرة الأرضية تجاه الجنوب يصل إلى حوالي 120 ألف مليار دولار، ويتضمن هذا المبلغ 80 ألف مليار دولار كديون مرتبطة بالانبعاثات التاريخية، و40 ألف مليار مرتبطة بإعادة شراء مساحة تخزين ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي التي لا تزال متاحة، (هذه المساحة في الواقع تخص بالكامل بلدان الجنوب)، وذلك طيلة الفترة الانتقالية التي تبدأ من الآن وحتى عام 2050. وللإشارة فإن هناك تقديرا أعلى بنسبة 50٪ قد ظهر في مجلة Nature Sustainability شهر أبريل الماضي، يعتمد سعرا أعلى للكربون وتاريخ انبعاثات يبدأ انطلاقا من عام 1960.
إذا قدّرنا هذا الدين في نطاق بين 120 ألف مليار و190 ألف مليار دولار، واقترضنا على مدى ثلاثين عاما، فإننا سنحصل على حوالي أربعة آلاف مليار إلى ستة آلاف مليار دولار مستحقة سنويا، مما يغطي الحاجات التي ذكرناها سابقا من أجل تحقيق أهداف باريس وتمويل أهداف التنمية المستدامة. يبدو هذا المبلغ هائلا، لكن الأمر لا يمثل سوى 4٪ إلى 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو حوالي ضعف الإنفاق العسكري على هذا الكوكب، وست مرات الإنفاق على الإعلانات، وعشرين مرة المساعدات الإنمائية الرسمية.
إن الدين المناخي لبلدان الشمال هو بالتالي أعلى بكثير من ديون بلدان الجنوب تجاه الشمال، وعلاوة على ذلك، فإنه كان يجب إلغاء هذه الديون لأنها ديون بغيضة (odious debt). ولم يعد من حق القادة والمصرفيين في بلدان الشمال الاستمرار في رفض هذا الإلغاء بحجة أن هذه البلدان ستبدو كأنها لا يمكنها الوفاء بالتزاماتها ولن تجد أحدا ليقرضها في المستقبل. إنهم مع ذلك ينوون مواصلة هذه «المساعدة» على شكل قروض، على الرغم من أن دول الشمال هي المدينة اليوم وليست الدائنة!
تترتب عن فكرة الدين المناخي آثار عديدة للغاية، بالنسبة لبلدان الشمال كما للجنوب، تمثل مسألة التملص من استضافة اللاجئين بسبب المناخ أول هذه الآثار، بالنظر إلى كونها ملحة للغاية، ولا بد من إصدار أمر بخصوص الاستقبال غير المشروط للاجئين المناخيين وجعل ذلك متناسبا مع المسؤولية التاريخية لكل بلد.
وبعيدا عن أي توبة أو صدقة أو إعفاء من المسؤولية، يتعلق الأمر باستخدام الدين المناخي من أجل إعادة التوازن إلى العلاقات بين الشمال والجنوب. لا يتعلق الأمر بإعادة التوزيع فحسب، وإنما أيضا باستبدال النهب بتقاسم الموارد والسلطة على حد سواء. لا بد أن نمنح للجميع القدرة على الفعل على المستوى الفردي والجماعي سعيا وراء الحياة الطيبة وبحثا عن عالم يصبح على الحقيقة مشتركا، محتفظا بكامل تنوعه البشري وغير البشري.
إن هذا الدين، الذي يشكل العصب الحقيقي للسلام، يستدعي أن نغادر عصر النزعة الإنتاجية، وأن نُبدع المؤسسات التي تعزز الانفتاح والرعاية والاهتمام اللازمين لهذا التحول الكبير الجديد، بدلا من الجدار الذي نتجه صوبه، والجدران التي نقيمها من أجل صد المهاجرين والبحر الذي تزداد أمواجه علوّا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدین المناخی ملیار دولار ألف ملیار من أجل
إقرأ أيضاً:
وزيرة البيئة: دمج التخطيط المناخي في السياسات التنموية أولوية لمصر
كتب- محمد نصار:
شاركت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، في الحوار رفيع المستوى بعنوان "خارطة الطريق للمهمة 1.5: المساهمات المحددة وطنياً كمحرك للتخطيط التنموي طويل الأجل"، وذلك ضمن فعاليات مؤتمر كوبنهاجن الوزاري بشأن تغير المناخ، المنعقد في الدنمارك خلال الفترة من 7 إلى 8 مايو الجاري، بحضور عدد من الوزراء وقادة العمل المناخي على مستوى العالم.
وخلال كلمتها، أكدت الوزيرة أن خارطة الطريق للمهمة 1.5 تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي وتوفير بيئة داعمة لتحفيز الطموح في الدورة المقبلة من المساهمات المحددة وطنياً، بما يسهم في تعزيز العمل المناخي خلال هذا العقد الحاسم والحفاظ على هدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية. وأشارت إلى أن هذه المبادرة يقودها الترويكا الرئاسية لمؤتمرات الأطراف، والتي تضم الإمارات (COP28)، وأذربيجان (COP29)، والبرازيل (COP30)، وقد جاءت نتاجًا للتقييم العالمي الأول بموجب اتفاق باريس.
وشددت الدكتورة ياسمين فؤاد على أهمية هذا الحوار كمنصة لتبادل التجارب واستخلاص الدروس المستفادة من إعداد وتنفيذ المساهمات الوطنية، بوصفها أدوات استراتيجية للتخطيط التنموي طويل الأجل وتنفيذ سياسات مناخية طموحة، مع التركيز على مساهمتها في تحقيق التنمية المستدامة انسجامًا مع اتفاق باريس وخارطة الطريق للمهمة 1.5.
ياسمين فؤاد: قلقون من ضعف إدراك بعض الدول لفوائد التعاون الدولي في ملف المناخ
وأعربت الوزيرة عن قلقها من ضعف إدراك بعض الدول لفوائد التعاون الدولي في ملف المناخ، معتبرة أن مؤتمر الأطراف القادم (COP30) يمثل فرصة حاسمة للبناء على نتائج مؤتمري COP28 وCOP29، لا سيما فيما يتعلق بفتح آفاق جديدة لتمويل العمل المناخي وتعزيز التحول في أنظمة الطاقة، دون إغفال الدول النامية.
وأكدت ضرورة تفعيل المادة 4.7 من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، التي تربط التزامات الدول النامية بتوفير وسائل التنفيذ من جانب الدول المتقدمة، وهو ما أكدته أيضًا المادة 4.5 من اتفاق باريس. ولفتت إلى أن عدم كفاية التمويل المقدم يمثل عائقًا حقيقيًا أمام تنفيذ الدول النامية لمساهماتها الوطنية.
وأضافت الوزيرة أن مصر حرصت على مواءمة العمل المناخي مع أولوياتها التنموية من خلال تبني سياسات مترابطة وشاملة، تدمج التخطيط المناخي – بما يشمل المساهمات المحددة وطنياً وخطط العمل الوطنية – مع رؤية مصر 2030، التي تراعي التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالدولة.
البيئة: التخطيط المناخي لا يحقق أهدافه إلا إذا اقترن بتنفيذ واقعي
وأوضحت أن التخطيط المناخي لا يحقق أهدافه إلا إذا اقترن بتنفيذ واقعي مدعوم بالموارد اللازمة، مشيرة إلى أن المساهمات المحددة وطنياً لمصر مشروطة بتوفير دعم دولي كافٍ، حيث تحتاج البلاد إلى نحو 196 مليار دولار أمريكي لبرامج التخفيف، و50 مليارًا للتكيف، وهو ما لم يتم تأمينه حتى الآن.
وأشارت الوزيرة إلى أن مصر تواجه تحديات كبيرة أثناء الإعداد للمرحلة الثانية من المساهمات المحددة وطنياً، وهو ما سينعكس على سقف الطموح في إعداد المساهمة الثالثة لعام 2035. وتطرقت إلى تركيز مصر على ثلاثة قطاعات تغطي نحو 50% من انبعاثاتها، مع إحراز تقدم في تحقيق الأهداف الخاصة بها، رغم استمرار التحديات في بعض الجوانب، مثل الوصول إلى حصة الطاقة المتجددة المستهدفة.
واختتمت الوزيرة بالإشارة إلى أن المساهمة الحالية لمصر في مجال التكيف تركز على تحسين الموارد المائية، وتطوير أساليب الري، وتكيف المحاصيل، وحماية السواحل، مع توجّه لتعزيز هذه الأهداف لتشمل الحفاظ على التنوع البيولوجي المتأثر بتغير المناخ.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
وزيرة البيئة ياسمين فؤاد مؤتمر كوبنهاجنتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
وزيرة البيئة: دمج التخطيط المناخي في السياسات التنموية أولوية لمصر
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك