جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-14@17:50:44 GMT

الزلاقة

تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT

الزلاقة

 

سعود بن حمد الطائي

 

الزمن: 23 من أكتوبر 1086م

المكان: سرقسطة- الأندلس

 

كانت سرقسطة وهي من ولايات الثغر الأعلى في شرق الأندلس تُعاني من حصار خانق وشديد فرضته عليها قوات الملك الإسبانيَّ ألفونسو السادس المُنتشي باستيلائه على طليطلةَ في السنة الماضية.

عندما دخل على والديه طفل شبَّ للتو عن الطوق، وقال لأبيه: يا أبتي إني أرى جمعًا وأُبْصِر نقعًا وأسمع مِنْ وراء التلال رغاءً وثغاءً؛ فاستبشر والده خيرًا وقال له: يا بني إنه خميس المرابطين وقد جاءوا لنصرة إخوانهم في الأندلس بعد أن جاوز السيل الزبى، فهَلُم يا بني لنلحق بركبهم فعسى أن يكرمنا ربي ونكون من الشهداء المقبولين.

كان ألفونسو السادس قد علم بالعبور الكبير لقوات المرابطين من المغرب إلى الأندلس بقيادة أميرهم يوسف ابن تاشفين فأرسل إلى حكام سرقسطة من بني هود المحاصرين، إنه سوف يرفع عنهم الحصار ويعود أدراجه إذا دفعوا له مصاريف جيشه وزوّدوه بالمؤن والهدايا ولكن أخبار العبور الكبير كانت قد تناقلتها الأسماع والعيون فسخروا من رسالته وقالوا: له إنهم يكادون أن يسمعوا حوافر خيل المرابطين وهي تقترب يومًا بعد يوم.

فأسقط في يد ألفونسو وتخلى مرغمًا عن الحصار والفتح وكان على وشك أن يقطف ثماره وأنَّ عليه أن يذهب سريعًا للقاء المرابطين قبل أن يصلوا إليه وتولى عن سرقسطة وجمع كيده، ثم أتى بجنوده وفرسانه إلى سهل الزلاقة وهو يُمني النفس بالنصر العظيم وقد كتب إلى ملوك أوروبا ولجميع الكنائس أن توافيه بالمال والجنود فاجتمع لديه جمع غفير ومال كثير.

وعند وصوله إلى سهل الزلاقة كتب للأمير يوسف بن تاشفين رسالة يقول فيها: إن غدا الجمعة، وهي عيد للمسلمين يَذَرون فيها البيع ويُصلّون للإله الذي خلقهم من نطفة وأمشاج وإن السبت عيد لليهود والأحد عيد للمسيحيين يذهبون فيه إلى الكنائس؛ فالموعد الإثنين وليحشر النَّاس ضحى.

جمع يوسف أمير المرابطين ملوك الأندلس وقادة الجيوش، وقرأ عليهم رسالة ألفونسو وسألهم الرأي والمشورة، فأوجس المعتمد ملك إشبيلية في نفسه خيفةً، وعرِف أنها خديعة حرب وحقٌّ يُراد به باطل، فقال ليوسف: إن ألفونسو يُريد خداعنا وأن يأخذنا على حين غرة يوم الجمعة فلنُعِدّ له ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل نرهب به عدو الله، فأثنى يوسف والحاضرون على نصيحة المعتمد وجعله وملوك الأندلس جميعًا في مقدمة الجيش وجعل من خلفهم أشجع فرسانه وأفضل قواده داوود بن عائشة حتى إذا التقى الجمعان وحمي وطيس المعركة واعتقد ألفونسو أنْ لا جيش آخر في الميدان وعندئذ سيقوم يوسف وكتائبه السوداء بالهجوم الأخير.

وصدق المعتمد في قراءته وحدسه، فما إن بدأ أول ضوء للشمس من صباح يوم الجمعة حتى تدافعت موجات ثقيلة من الفرسان المدججين بالسلاح والدروع على جيوش ملوك الأندلس حتى أزاحتها عن مواقعها وشتت فصائلها لكثرة عددها وقوة اندفاعها ولكن فرسان المرابطين بقيادة داوود بن عائشة أعادتهم على أعقابهم، وردَّت كيدهم فعادوا مرة أخرى بأعداد أكبر  وفرسان أكثر.

ولما رأى ألفونسو داوود بن عائشة، ظن أنَّه أمير المرابطين يوسف بن تاشفين وأن لا جيش آخَر من بعده فجمع كل ما أحضره من جنود وفرسان ونزل بنفسه إلى الميدان في حملة واحدة فاشتد القتال وحمي الوطيس وسالت الدماء أنهارا حتى أخذت الخيول تنزلق من كثرة ما سال من الدماء وفي اللحظة التي ظنَّ ألفونسو أنَّه أوشك على النصر سمع أصوات استغاثة قادمة من خلف الجيش ورأى حراس معسكره يهربون وقد مسهم الخوف وتنادوا صائحين فتلفت ألفونسو مستطلعًا وشاهد لأول مرة في حياته كتائب سوداء وهي الحرس الخاص ليوسف بن تاشفين وهم فرسان سود طوال القامة من السنغال كان يوسف قد دربهم وجعلهم في حرسه الخاص يرتدون ملابس حمراء وفي أيديهم رماح طويلة، جفل ألفونسو ومسّه الخوف لرؤية الكتائب السوداء، وقد انبثقت من باطن الأرض واستدار بجيشه لصد هجومها المفاجئ من خلف الجيش؛ فاندفعت نحوه تلك الكتائب السوداء في قوة ومضاء وطعنت برماحها الطويلة فرسان جيش ألفونسو وأخذتهم على حين غرة فكانت مفاجأة قاسية لم يتوقعها ألفونسو وعندما استدار بجيشه لصدهم.. تَنَفسَ جيش داوود بن عايشة وملوك الأندلس الصعداء وأعادوا تنظيم صفوفهم مرة أخرى واندفعوا صفا صفا نحو جيش ألفونسو الذي وقع بين الكتائب السوداء وفرسان داوود بن عائشة من المرابطين فكانت النهاية.

تمكن ألفونسو بضغط من ضباطه وحرسه من الهرب مع خمسمائة من فرسانه وآووا إلى جبل قريب يعصمهم من سيوف المرابطين وحال بينهم الليل فكانوا من الخاسرين.

في الصباح وقد انجلى غبار المعركة وصمتت أبواق الحرب خرج يوسف من خيمته الحمراء وخرج معه ملوك الأندلس وقادة الجيش إلى ميدان المعركة، وقد تناثرت فيه جثث الفرسان والجنود فأمر بدفنهم جميعاً والصلاة على المسلمين منهم بعد فصلهم عن سائر القتلى من غير المسلمين وصلى الجميع صلاة شكر للمولى عزَّ وجلَّ.

ولم يعد هنالك من جيش أو أثر يذكر لألفونسو وجيشه الجرار الذي كان يهدد به ملوك الأندلس الضعفاء وكتب يوسف للأندلس وللإسلام أن يبقى 400 عام أخرى في الأندلس ومنحها بفضل الله عمرًا جديدًا أوشك أن ينتهي وتطوى أيامه على أيدي أصحابه وتذهب ريحهم بعد نزاعهم وفشلهم في حفظ ما تركه لهم آباؤهم، إلى أن جاء أبوعبدالله الصغير في سنة 1492م وسلم مفاتيح غرناطة وقصر الحمراء للملكة إيزابيلا وفرديناند!

وبتسليم غرناطة واستسلامها، طُوَيَت صفحة مشرقة في تاريخ الحضارة الإنسانية أشرقت أنوارها ذات يوم من جبال مكة فملأت الوجود ضياءً ونورًا.

وجاءت من بعدهم أقوام أخرى غزت القارة الأمريكية، وأعملت في شعوبها السيف وأحرقت الأخضر واليابس، ولم تُبقِ على أحد من رجال أو نساء وأطفال وقضت على حضارات إنسانية قديمة مثل المايا والأزتك والإنكا ولم يسلم من هذه الأقوام، إلّا أهرامات في المكسيك دفنتها الغابات واحتضنتها لتبقى ما بقي من أثر لها وقرية في أعالي جبال الانديز هرب الناس إليها خائفين  لتبقى شاهدة على تلك الإبادة التي لم تعرف لها الإنسانية مثيلا من قبل... فسبحان الله مُغيّر الأحوال!

"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ" (آل عمران: 26).

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جامعة فاس المغربية تمنح الدكتوراة بدرجة “مشرف جداً” للباحث اليمني يوسف الشماري

 

فاس-المغرب

حصل الباحث اليمني يوسف مقبل أحمد مدهش الشماري اليوم الاثنين 12 مايو على درجة الدكتوراة في الحقوق بتقدير مشرف جداً مع توصية بالطباعة والنشر، وهو أعلى درجة تمنحها الجامعات المغربية.

وجاء القرار بعد مناقشة لجنة مكونة ستة أكاديميين برئاسة د.أحمد أنور ناجي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بفاس للأطروحة التي حملت عنوان “الحماية الجنائية للعلامة التجارية في التشريعين اليمني والمغربي – دراسة مقارنة” وأقرت اللجنة منح الطالب لقب “دكتور”.

وحصل الشماري على درجة الماجستير بدرجة امتياز من معهد البحوث والدرسات العربية القاهرة في 15 مارس 2015 عن رسالته “اكتساب العلامة التجارية وانقضئها في القانون التجاري اليمني والمصري” ، فيما كان قد حصل على ليسانس حقوق من كلية الشرطة في صنعاء مطلع الألفية..

يمن مونيتور13 مايو، 2025 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام 23 مليون دولار دعم سعودي لمواجهة انعدام الأمن الغذائي في اليمن مرصد عالمي للجوع: سكان غزة بالكامل يواجهون خطر المجاعة مقالات ذات صلة أردوغان يثني على قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه 13 مايو، 2025 مرصد عالمي للجوع: سكان غزة بالكامل يواجهون خطر المجاعة 13 مايو، 2025 23 مليون دولار دعم سعودي لمواجهة انعدام الأمن الغذائي في اليمن 13 مايو، 2025 لماذا أعلن ترامب فجأة “النصر” على الحوثيين؟.. نيويورك تايمز تجيب 12 مايو، 2025 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق مجتمع شرطة تعز تلقي القبض على متهم بقتل شقيقه في المدينة القديمة 8 مايو، 2025 الأخبار الرئيسية أردوغان يثني على قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه 13 مايو، 2025 مرصد عالمي للجوع: سكان غزة بالكامل يواجهون خطر المجاعة 13 مايو، 2025 جامعة فاس المغربية تمنح الدكتوراة بدرجة “مشرف جداً” للباحث اليمني يوسف الشماري 13 مايو، 2025 23 مليون دولار دعم سعودي لمواجهة انعدام الأمن الغذائي في اليمن 13 مايو، 2025 لماذا أعلن ترامب فجأة “النصر” على الحوثيين؟.. نيويورك تايمز تجيب 12 مايو، 2025 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك شرطة تعز تلقي القبض على متهم بقتل شقيقه في المدينة القديمة 8 مايو، 2025 الهجرة الدولية تكشف أرقام صادمة عن النزوح في اليمن 7 مايو، 2025 صراع على قطرة: اليمن بين جفاف الطبيعة واستنزاف السياسة 2 مايو، 2025 “الدفاع اليمنية” تعلن فتح باب القبول في الكلية الحربية بعدن 2 مايو، 2025 تحذير أممي من كارثة إنسانية في اليمن بسبب نقص التمويل 30 أبريل، 2025 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 19 ℃ 26º - 18º 50% 0.8 كيلومتر/ساعة 26℃ الثلاثاء 28℃ الأربعاء 28℃ الخميس 27℃ الجمعة 27℃ السبت تصفح إيضاً أردوغان يثني على قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه 13 مايو، 2025 مرصد عالمي للجوع: سكان غزة بالكامل يواجهون خطر المجاعة 13 مايو، 2025 الأقسام أخبار محلية 30٬127 غير مصنف 24٬213 الأخبار الرئيسية 16٬394 عربي ودولي 7٬728 غزة 10 اخترنا لكم 7٬350 رياضة 2٬550 كأس العالم 2022 88 اقتصاد 2٬383 كتابات خاصة 2٬166 منوعات 2٬105 مجتمع 1٬925 تراجم وتحليلات 1٬942 ترجمة خاصة 177 تحليل 24 تقارير 1٬694 آراء ومواقف 1٬598 ميديا 1٬521 صحافة 1٬501 حقوق وحريات 1٬405 فكر وثقافة 950 تفاعل 850 فنون 502 الأرصاد 462 بورتريه 68 صورة وخبر 40 كاريكاتير 33 حصري 29 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 3 مايو، 2024 تفحم 100 نخلة و40 خلية نحل في حريق مزرعة بحضرموت شرقي اليمن 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 29 نوفمبر، 2024 الأسطورة البرازيلي رونالدينيو يوافق على افتتاح أكاديميات رياضية في اليمن أخر التعليقات haber-7

It is so. It cannot be otherwise....

عبدالعليم محمد عبدالله محمد البخاري

سلام عليكم ورحمة الله وبركاتة...

أحمد ياسين علي أحمد

رسالة المعلم أهم شيئ بنسبة لهم ، أما الجانب المادي يزعمون بإ...

jameel hazaa

يلعن اب#وكم يا ولاد ال&كلب يا مناف&قين...

ابوسلمان المريسي

نقدرعملكم الاعلامي في توخي الصدق والامانه في نقل الكلمه الصا...

مقالات مشابهة

  • بالسعودية.. تفاصيل مسرحية «الحكاية سعيدة» لـ يوسف المنصور
  • المصري يحسم موقف فخر الدين بن يوسف بنهاية الموسم.. وغموض حول مصير دغموم
  • خالد الغندور: المصري يحسم موقف فخر الدين بن يوسف بنهاية الموسم.. وغموض مصير دغموم
  • وزير التعليم العالي يبحث مع وفد من جامعة الأندلس الخاصة واقع التعليم العالي الخاص والمعوقات التي تعترضه
  • يوسف خميس: أجانب النصر يتعلمون كرة القدم من جديد.. فيديو
  • جامعة فاس المغربية تمنح الدكتوراة بدرجة “مشرف جداً” للباحث اليمني يوسف الشماري
  • طارق سليمان: أبلغت محمد يوسف ان سيحا هو الأفضل.. قولتله "خده على ضمانتي"
  • طارق سليمان: أبلغت محمد يوسف ان سيحا هو الأفضل.. قولتله «خده علي ضمانتي»
  • عائشة يوسف: دخل الزوجة يحتسب ضمن دخل الأسرة لأنها شريك أساسي (فيديو)
  • شمس البارودي تفتح قلبها: هكذا كان حسن يوسف.. الزاهد العابد الذي لم يرد سائلًا يومًا