جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-30@04:03:46 GMT

وجع.. وجع!

تاريخ النشر: 14th, May 2025 GMT

وجع.. وجع!

نور الشحرية

وجعٌ فوق الوصف، ألمٌ لا تطيقه الكلمات ولا تحتمله الأرواح، حين نتابع أخبار فلسطين، حين نرى وجوه الأطفال وهي تتلوى تحت الألم النفسي والجسدي، نشعر أن حياتنا تفقد كل معنى، وتفقد ابتساماتنا كل نور.

صرخاتهم في آذاننا، وجعهم يسكن أيادينا العاجزة، مشاهد آلامهم كالسكاكين في عيوننا، إن فتحناها أهلكتنا الصور، وإن أغلقناها حاصرتنا الذاكرة.

وجعهم قض مضاجعنا، أثقل أيامنا وكدَّر ليالينا، هم هناك يخشون القنابل والصواريخ، ونحن هنا نخشى عليهم من صمت عربي يسمع خزيه العالم.

أي بشر هؤلاء القادة الصهاينة؟ أي روح تسكن جسد دونالد ترامب وأمثاله؟ أهم بشر أم مخلوقات من عوالم أخرى لا تعرف للرحمة سبيلًا؟

ألا يخشون على أبنائهم كما نخشى نحن على أطفال فلسطين؟ ألا يرتجف قلبهم حين يرون طفلاً ينتشل من تحت الركام؟

وجع... وجع... وجع...

وجعٌ أفنى أعمارنا بالهلع، وجعٌ أثقل السمع والبصر، وجعٌ يسكن في القلب حتى ظننا أن لا خلاص منه.

رغم الألم العميق، رغم الجراح المفتوحة، رغم قسوة المشهد، نؤمن أن الله يرى... وأن الله يسمع... وأنَّ الله لا يترك دعوة صادق، ولا دمعة مكلوم، ولا قلب مكسور.

فلسطين، يا عزيزة الأرض والسماء، لست وحدكِ… هناك قلوب في مشارق الأرض ومغاربها تلهج بالدعاء لك، ودموع تسبق الكلمات، وأكف ترتفع للسماء كل ليلة تنادي باسمك.

ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون.

كل دمعة، كل أنين، كل شهيد، يسير أمامنا نحو وعد الله بالنصر القريب.

وجعٌ… وجعٌ… وجعٌ ينفجر من بين أضلعنا، يجري أنهارًا من الدموع في عروقنا.

وجعٌ ينوح في الريح، يحمل وجوه الأطفال وهم يغفون بين الدمار، يحمل عيونًا لم تذق النوم إلا خوفًا.

وجعٌ… فوق صدور الأمهات الثكلى، فوق شوارع المدن المدمرة، فوق حجارة القدس وغزة والخليل.

وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... ينزف فوق صمت العالم، يتناثر على موائد المتفرجين، يصرخ في ليل الصامتين.

لكن رغم كل هذا الوجع، هناك في قلوبنا جذوة أمل لا تنطفئ، نور لا يخبو مهما طال الليل.

وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... نحمله على أكتافنا كما تحمل الجبال أثقالها، نصعد به دروب الصبر، ونكتب به أسطر النصر القادم.

يا فلسطين، يا زهرة الأرض، مهما اشتد الحصار، ومهما ثقلت علينا الجراح، سنبقى…

وسيبقى اسمك محفورًا في صدورنا وسيرتفع صوتك فوق المآذن، وسنحمل حجارتك ونزرعها في قلب الزمن، أشجار حرية لا تنكسر.

وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... لكنه وجع يصنع البطولة، ويصقل الأرواح، ويُبشر بوعد الله الذي لا يخيب.

حين نرفع أيدينا إلى السماء، حين تترقرق دموعنا فوق أطراف السجادة، نشعر أن أرواحنا تطير نحوكم، نحملكم بين أضلعنا دعاءً وأملًا.

نحن لا نحمل سلاحًا، لكننا نحمل قلوبًا تهتز لكم خوفًا ورجاء، ونحمل أرواحًا لا تعرف النوم إلا بالدعاء لأجلكم.

ندعو الله أن يجعل دعواتنا غيماتٍ فوق بيوتكم، أن تمطر رحمةً، وأن تُطفئ نار القصف، وأن تفرش تحت أقدام أطفالكم طرقات الأمان.

دعواتنا - وإن خفيت أصواتها عن الدنيا- تحفكم كما تحف الملائكة الطاهرين، تسند ظهوركم في المعارك، وتهدهد أرواحكم في لحظات الهلع.

حين تسقط القذائف فوق رؤوسكم، نرتجف هنا خوفًا، وحين تصرخون من تحت الركام، ننادي الله بأعلى أصوات قلوبنا أن يحميكم.

أنتم لستم وحدكم. في كل نبضة من قلوبنا دعوة، وفي كل دمعة من أعيننا رجاء، وفي كل نفس من أنفاسنا أمل أن يرفع الله عنكم ما نزل.

ثقوا أن الحب الصادق لا تحده الجغرافيا، وأن الدعوات الصادقة أقوى من أسلحة الأرض كلها، وأن قلوبنا تحف بكم كل ليلة حتى يأتي وعد الله بالنصر، ويحيا الوطن حرًا عزيزًا شامخًا كما كان ويكون.

نكتب هذه الكلمات بمداد قلوبنا التي أثقلها الحزن، ونشهد أنَّ أرواحنا بلغت من الوجع ما يخشى عليه الهلاك، شديد الألم… عظيم التحمل… لكنها رغم كل شيء، تحمل يقينًا صادقًا أن الله لا ينسى، وأن الحق لا يموت، وأن فجر النصر أقرب مما نتصور.

آه لو كان للحزن ميزان… لعلم العالم كم تثقل أرواحنا دموع فلسطين.

بكلماتنا الباكية… بأرواحنا المتعبة… نقسم ألا ننسى، وألا نصمت، وألا نكف عن الدعاء، حتى يكتب الله لنا أن نرى فلسطين حرة، وأطفالها آمنين، وأمهاتها ضاحكات بدموع الفرح، والأرض تُعانق سماءها بشوق العائدين.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حين يصبح الشاعر وطنًا.. رحيل أحمد أبو سليم وقيامته في فلسطين

غيّب الموت، يوم السبت الموافق 21 حزيران (يونيو) 2025 الشاعر والروائي الفلسطيني أحمد أبو سليم (60 عاماً)، عضو رابطة الكتاب الأردنيين، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، بعد مسيرة إبداعية متميزة، ختمها بجائزة فلسطين العالمية للآداب في دورتها الثانية في بغداد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وهناك التقينا وتعارفنا وكانت جلسة شاملة، استطعنا أن نتعرف إلى المنهجية والالتزام اللذين كان يحملهما شاعرنا الراحل، الذي ظل منحازاً للمقاومة وللقضية الفلسطينية وللشهداء.

سنعود لمضمون الجلسة بعد التعريف بالأديب الراحل

ولد الأديب والشاعر أحمد أبو سليم في الزرقاء في 14 كانون الأول (ديسمبر) 1965، أنهى دراسة الثانوية العامة في مدرسة معاوية بن أبي سفيان في الزرقاء عام 1983. سافر إلى تركيا لإتمام دراسته الجامعية، وما لبث أن غادرها إلى الاتحاد السوفياتي ليحصل على بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة "الصداقة بين الشعوب" العالمية في موسكو عام 1992. شارك في البرنامج الشهير "أمير الشعراء"، وأطلق البرنامج عليه لقب "شاعر القضية" التي التزمها في حياته وإصداراته.

كتب القصة والشعر والرواية ونشر الكثير منها في الصحف الأردنية والعربية. شارك في عدد كبير من المهرجانات في العواصم العربية.

بدأ رحلته مع الشعر في بداية الألفية الثالثة، وأصدر أربع مجموعات شعرية في العقد الأول منها. أما في العقد الثاني من الألفية، فاتجه إلى الرواية، وأصدر روايات فلسطينية هادفة، عن تجربة المقاومة وروحها، بالإضافة إلى دراسات عن ناجي العلي وغيره..

في اللقاء الوحيد بيننا، تحدثنا قرابة الساعة عن الأدب والفن والشعر والمقاومة وفلسطين. جاء متأخراً إلى فعاليات "جائزة فلسطين العالمية للآداب" التي تقدم جوائز في مختلف الآداب. فكانت هذه الجلسة عند وصوله، تعارفنا أكثر، وسألته عن روايتيه اللتين تقدّم للمشاركة بهما، رواية "أزواد" ورواية "يس".

فهو قد ختم تجربته بهذين العملين، سألته عن الأولى فقال إنها رواية الواقع الفلسطيني، كتبتها عن عملية الأسير ثائر حماد الشاب الصغير الملقّب بقناص وادي الحرامية، والمحكوم بأحد عشر مؤبداً بعد عمليته النوعية التي نفّذها عام 2002 ضد جنود الاحتلال، إذ قتل أحد عشر جندياً منهم باستخدام بندقية قديمة، كانت لجده المجاهد القديم "عياض". أذهلتني التفاصيل التي ذكرها، وعودته بالتاريخ إلى معلومات مجهولة، فأوضح لي أنه زار العائلة في سلواد، واطلع على تفاصيل التحقيقات، وزار وادي الحرامية وزار المكان الذي كمَن في ثائر، وانتظرهم طويلاً ومعه الزوادة، ومن هنا نحت اسم الرواية "أزواد".

تحدثنا بالكثير من القضايا الأدبية الفلسطينية، وانتقلنا إلى حفل المهرجان الذي فاز فيه بالجائزة الثانية مناصفة مع رواية "الرعب" لأيمن العتوم.

أعماله

ـ دمٌ غَريب، شعر، بيروت، 2005.
ـ مذكرات فارس في زمن السقوط، شعر، دمشق، 2006.
ـ البوم على بقايا سدوم، شعر، بيروت، 2008.
ـ آنستُ داراً، شعر، بيروت، 2010.
ـ الريح لا تكفي الوحيد، شعر (مشترك)، 2010.
ـ " الحاسة صفر، رواية، عمان، 2011.
ـ ناجي العلي.. نبض لم يزل فينا، (دراسة توثيقيَة بالاشتراك مع سليم النجار ونضال القاسم)، 2013.
ـ الكنعاني، (دراسة توثيقية بالاشتراك مع صلاح أَبو لاوي ونضال القاسم)، 2015.
ـ ذئاب منوية، رواية، بيروت، 2016.
ـ ضد قلبك، شعر، عمان، 2017.
ـ كوانتوم، رواية، عمان، 2018.
ـ بروميثانا، رواية، عمان، 2020.
ـ دمهم مطر، شعر، بالانجليزية، ترجمة نزار سرطاوي، عمان..
ـ يس، رواية عن مجزرة دير ياسين، عمان، 2021
ـ أزواد، رواية، عمان، 2023

نمذج من شعره

الشَّمس تشرق فوق غزة مرَّتين
لا تَغسِلوا أَمواتَكم بالماءِ
قد غسَّل الرَّصاصُ ذُنوبَهم
لا تُشعِلوا في ليلهم ناراً تدفِّىءُ بردَهم
فالشَّمس تشرقُ فوق غزَّة
كلَّ يومٍ........مرَّتينْ
لا تَحفروا أَشعاركم فوق الشَّواهد
عارُكم.....هو عارُكم
والصَّمت أَبلغُ في المقابر
من مقامات الحنينْ
في الموت طفلٌ لم يَجِدْ
قَبراً يلُمُّ عظامهُ
رَجُلٌ يفَتِّشُ عَن مَلامِح وجهِه
بعضُ الثِّيابِ تقيَّأَتْ
جَسداً تعفَّرَ بالتُّرابِ
وَطِفلَةٌ
نَسي المؤذِنُ صوتَه
عند الولادَةِ في ثَنايا أُذْنِها
فتقافَزَتْ "الله أَكبر" مع بقايا لحمِها
في الموتِ موتٌ ضائعٌ
خوفُ الجنودِ من الضَّحايا
كُلَّما سقطَ الشَّهيدُ على الشَّهيدِ
تناسَلتْ من روحهِ أَحياءُ غزَّةَ في العَراءِ
كَأَنَّما
للمرءِ يولَدُ صاحبٌ
ظلٌّ قرينٌ واحدٌ
أَمَّا بغزَّة للقرينِ مُقاتلٌ
بَشَرٌ... ولكنْ في الحُروبِ
بأَلفِ أَلفِ مُقاتلٍ
نحنُ الأَوائلُ
والأَوائِلُ
والأَوائلُ
لا نَموتُ
دِماؤنا
نَهرٌ يهرولُ صاعداً
نحو اليقينْ
نحنُ الأَوائلُ
من ملامحِ كلِّ طين صورة لسلالة
من لحمنا قُدَّت بلادٌ
صورةً أُخرى لنا
تركت على أَجسادنا
آثار جرح غائر بعظامنا
"فلسطينْ"
"فلسطينْ"
"فلسطينْ"

هذا دمي

هذا دَمي، حَنُّونُ أَرضي رَدِّدي                   ..               خَلفي تَراتيلَ الخُيولِ وَزَغرِدي
صَلَّيتُ كالأَشجارِ حُراً واقِفاً                        ..                والأَرضُ تَقطُرُ كالغَمامَةِ مِن يَدي
والشَّمسُ خَلفي تَصطَلي بالرُّوحِ مِن       ..                 َولِ الخُشوعِ، وَلَفحِ حُزنِ المَشهَدِ
أُمَّاهُ ما أَحنيتُ ظَهري لا ولا                      ..                  صَلَّيتُ يَوماً تَحتَ نَعلِ المُعتَدي
قَد عِشتُ طِفلاً ظامِئاً أَرنو إلى                 ..                   سَبأ تُزَيِّفُ صَمتَها بِالهُدهُدِ
وَالرُّبعُ خالٍ لا صَدى صَوتٍ وَلا                   ..                   أُرجوحَةٌ ما بَينَ أَمسٍ وَالغَدِ
وَالرِّيحُ تَعوي، والدِّماءُ تَكَلَّسَتْ              ..                   وَالخَوفُ حِكمَةُ كُلِّ شَيخٍ مُهتَدِ
وَالذِّئبُ حيناً في الكَنيسَةِ يَشتَري           ..                     صَكَّاً وَحيناً يَحتَمي بالمَسجِدِ
كُلُّ الذِّئابِ قَدِ اشتَرَتْ نَسَباً لِرَ                   ..                       بٍّ أَو نَبيٍّ أَو إمامٍ سَيِّدِ
وَأَنا اللَّقيطُ أُفَتِّشُ التَّاريخَ عَن                 ..                       جَذرٍ جَريحٍ بالتُّرابِ مُضَمَّدِ
لا جَذرَ لي، سَرقوا مَعالِمَ سِدرَتي            ..                       سَرقوا النَّشيدَ، وَكُلَّ فيهٍ مُنشِدِ
سَرَقوا حِكاياتِ الرُّجولَةِ والبُطو             ..                       لَةِ مِن كِتابي المَدرَسيِّ، وَمِذوَدي
سَرَقوا بِلادي، زَوَّجوها قاتِلاً                  ..                       زُفَّتْ إليهِ بِثَوبِ عُرسٍ أَسوَدِ
سَرَقوا التُّرابَ وَشَيَّعوني فَوقَ صَخـ     ..                       رٍ ناتئٍ بِدَمِ المَسيحِ مُعَمَّدِ
فَبأيِّ آلاءِ العَذابِ أُكَذِّبُ                          ..                     والنَّارُ كانَتْ مُنذُ وَعدي مَوعِدي

*كاتب وشاعر فلسطيني

مقالات مشابهة

  • ما عاد في العمر متسع للعتاب
  • فلسطين تحذر من أكبر موجة نزوح في غزة
  • ارتفاع عدد شهداء فلسطين في قصف على قطاع غزة إلى 37 شهيدًا
  • حلا شيحة توجه رسالة مؤثرة للمسلمين في فلسطين وسوريا والسودان بمناسبة العام الهجري الجديد
  • انتصار السيسي: قلوبنا يعتصرها الألم على بناتي ضحايا حادث المنوفية الأليم
  • إجابات امتحان اللغة الإنجليزية 2025 توجيهي فلسطين
  • طقس فلسطين: ارتفاع آخر على درجات الحرارة اليوم
  • حين يصبح الشاعر وطنًا.. رحيل أحمد أبو سليم وقيامته في فلسطين
  • أدمى قلوبنا| شيخ الأزهر ينعى فتيات قرية كفر السنابسة بالمنوفية.. ويطالب باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرار هذه الحوادث
  • حزب الله يعزي خامنئي باستشهاد مسؤول ملف فلسطين والقدس