نور الشحرية
وجعٌ فوق الوصف، ألمٌ لا تطيقه الكلمات ولا تحتمله الأرواح، حين نتابع أخبار فلسطين، حين نرى وجوه الأطفال وهي تتلوى تحت الألم النفسي والجسدي، نشعر أن حياتنا تفقد كل معنى، وتفقد ابتساماتنا كل نور.
صرخاتهم في آذاننا، وجعهم يسكن أيادينا العاجزة، مشاهد آلامهم كالسكاكين في عيوننا، إن فتحناها أهلكتنا الصور، وإن أغلقناها حاصرتنا الذاكرة.
وجعهم قض مضاجعنا، أثقل أيامنا وكدَّر ليالينا، هم هناك يخشون القنابل والصواريخ، ونحن هنا نخشى عليهم من صمت عربي يسمع خزيه العالم.
أي بشر هؤلاء القادة الصهاينة؟ أي روح تسكن جسد دونالد ترامب وأمثاله؟ أهم بشر أم مخلوقات من عوالم أخرى لا تعرف للرحمة سبيلًا؟
ألا يخشون على أبنائهم كما نخشى نحن على أطفال فلسطين؟ ألا يرتجف قلبهم حين يرون طفلاً ينتشل من تحت الركام؟
وجع... وجع... وجع...
وجعٌ أفنى أعمارنا بالهلع، وجعٌ أثقل السمع والبصر، وجعٌ يسكن في القلب حتى ظننا أن لا خلاص منه.
رغم الألم العميق، رغم الجراح المفتوحة، رغم قسوة المشهد، نؤمن أن الله يرى... وأن الله يسمع... وأنَّ الله لا يترك دعوة صادق، ولا دمعة مكلوم، ولا قلب مكسور.
فلسطين، يا عزيزة الأرض والسماء، لست وحدكِ… هناك قلوب في مشارق الأرض ومغاربها تلهج بالدعاء لك، ودموع تسبق الكلمات، وأكف ترتفع للسماء كل ليلة تنادي باسمك.
ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون.
كل دمعة، كل أنين، كل شهيد، يسير أمامنا نحو وعد الله بالنصر القريب.
وجعٌ… وجعٌ… وجعٌ ينفجر من بين أضلعنا، يجري أنهارًا من الدموع في عروقنا.
وجعٌ ينوح في الريح، يحمل وجوه الأطفال وهم يغفون بين الدمار، يحمل عيونًا لم تذق النوم إلا خوفًا.
وجعٌ… فوق صدور الأمهات الثكلى، فوق شوارع المدن المدمرة، فوق حجارة القدس وغزة والخليل.
وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... ينزف فوق صمت العالم، يتناثر على موائد المتفرجين، يصرخ في ليل الصامتين.
لكن رغم كل هذا الوجع، هناك في قلوبنا جذوة أمل لا تنطفئ، نور لا يخبو مهما طال الليل.
وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... نحمله على أكتافنا كما تحمل الجبال أثقالها، نصعد به دروب الصبر، ونكتب به أسطر النصر القادم.
يا فلسطين، يا زهرة الأرض، مهما اشتد الحصار، ومهما ثقلت علينا الجراح، سنبقى…
وسيبقى اسمك محفورًا في صدورنا وسيرتفع صوتك فوق المآذن، وسنحمل حجارتك ونزرعها في قلب الزمن، أشجار حرية لا تنكسر.
وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... لكنه وجع يصنع البطولة، ويصقل الأرواح، ويُبشر بوعد الله الذي لا يخيب.
حين نرفع أيدينا إلى السماء، حين تترقرق دموعنا فوق أطراف السجادة، نشعر أن أرواحنا تطير نحوكم، نحملكم بين أضلعنا دعاءً وأملًا.
نحن لا نحمل سلاحًا، لكننا نحمل قلوبًا تهتز لكم خوفًا ورجاء، ونحمل أرواحًا لا تعرف النوم إلا بالدعاء لأجلكم.
ندعو الله أن يجعل دعواتنا غيماتٍ فوق بيوتكم، أن تمطر رحمةً، وأن تُطفئ نار القصف، وأن تفرش تحت أقدام أطفالكم طرقات الأمان.
دعواتنا - وإن خفيت أصواتها عن الدنيا- تحفكم كما تحف الملائكة الطاهرين، تسند ظهوركم في المعارك، وتهدهد أرواحكم في لحظات الهلع.
حين تسقط القذائف فوق رؤوسكم، نرتجف هنا خوفًا، وحين تصرخون من تحت الركام، ننادي الله بأعلى أصوات قلوبنا أن يحميكم.
أنتم لستم وحدكم. في كل نبضة من قلوبنا دعوة، وفي كل دمعة من أعيننا رجاء، وفي كل نفس من أنفاسنا أمل أن يرفع الله عنكم ما نزل.
ثقوا أن الحب الصادق لا تحده الجغرافيا، وأن الدعوات الصادقة أقوى من أسلحة الأرض كلها، وأن قلوبنا تحف بكم كل ليلة حتى يأتي وعد الله بالنصر، ويحيا الوطن حرًا عزيزًا شامخًا كما كان ويكون.
نكتب هذه الكلمات بمداد قلوبنا التي أثقلها الحزن، ونشهد أنَّ أرواحنا بلغت من الوجع ما يخشى عليه الهلاك، شديد الألم… عظيم التحمل… لكنها رغم كل شيء، تحمل يقينًا صادقًا أن الله لا ينسى، وأن الحق لا يموت، وأن فجر النصر أقرب مما نتصور.
آه لو كان للحزن ميزان… لعلم العالم كم تثقل أرواحنا دموع فلسطين.
بكلماتنا الباكية… بأرواحنا المتعبة… نقسم ألا ننسى، وألا نصمت، وألا نكف عن الدعاء، حتى يكتب الله لنا أن نرى فلسطين حرة، وأطفالها آمنين، وأمهاتها ضاحكات بدموع الفرح، والأرض تُعانق سماءها بشوق العائدين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المخرجة أريج السحيري ترفع علم فلسطين في كان قبل عرض فيلمها
بالتزامن مع مشاركتها الرسمية بمهرجان كان السينمائي الدولي، قامت المخرجة التونسية أريج السحيري بالتزين بالعلم الفلسطيني مع جلسة تصوير لها قبيل انطلاق العرض العالمي الأول لفيلمها الجديد "سماء بلا أرض" Promised Sky والذ يفتتح قسم "نظرة ما" (Un Certain Regard)، أحد أبرز الأقسام الرسمية في المهرجان والمعني بتسليط الضوء على رؤى سينمائية جديدة ومتميزة، وهو ثاني أهم مسابقات المهرجان الفرنسي بعد المسابقة الرسمية.
رفع العلم الفلسطيني على أزياد المخرجة التونسية، يأتي مع استمرار تواجد الجناح الفلسطيني والذي يقدم عدد من الفعاليات، أهمها دعم السينما المحلية والتي تشارك أيضا هذا العام في نفس المسابقة بفيلم "كان يا مكان في غزة".
"سماء بلا أرض" هو عمل إنساني يمزج بين الحميمي والواقعي، يتناول قصة ثلاث نساء مهاجرات من خلفيات مختلفة يعشن في تونسفي ظروف مختلفة، ويعيشن في منزل واحد، لكن علاقتهن تختبر عند وصول كنزة، طفلة يتيمة في الرابعة من عمرها تم إنقاذها من حادث غرق مأسوي.
ويسلط الفيلم الضوء على تحديات المهاجرين في تونس، ويستعرض بأسلوب شاعري صراعات الهوية والانتماء والتضامن النسوي في وجه الظروف القاسية.
مهرجان كان السينمائي على موعد الليلة مع تقديم أخر أجزاء سلسلة "المهمة المستحيلة" وسط استعدادات كبيرة تحيط قصر المهرجان، وفي الخلفية تلعب موسيقى الفيلم الشهيرة في حضور النجم توم كروز، الذي حرص بدوره على التقاط عشرات الصور مع الجماهير المصطفة.
تُقام الدورة الـ78 من المهرجان خلال الفترة من 14 إلى 25 مايو 2025، وتضم مجموعة من الأقسام الرسمية، من أبرزها:
المسابقة الرسمية (الأفلام المتنافسة على السعفة الذهبية)
نظرة ما (Un Certain Regard)
أسبوع النقّاد
أسبوعا المخرجين
Cinéfondation (لدعم السينمائيين الشباب)
وتشهد هذه الدورة مشاركة عربية بارزة، حيث تسلط الأضواء على قضايا الهجرة، الهوية، والتنوع، ضمن سياق عالمي متوتر، مع مشاركة فيلمين من مصر وحضور غير رسمي كبير، بخلاف عودة جناح مصر في سوق مهرجان كان، الذي غاب لسنوات طويلة.