بوابة الوفد:
2025-05-09@19:53:57 GMT

الخيميائى وطاقة الشر (٣)

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

أعداء غرباء عنا داخل مجتمعنا، أعداء من دمنا ولحمنا ورحمنا، هؤلاء وهؤلاء يضعونا فى حروب نحن فى غنى عنها، يجبرونا أن ننزل ميادين حروب صنعوها لنا لنبحث عن اسلحة دفاعية تحمينا شرورهم وغدرهم، نفقد فى هذه الحروب الكثير من وقتنا، طاقتنا، اعصابنا، واقسى الحروب كما أشرت سابقا حروب اقرب الناس لنا، قد يكون لهم أسبابهم الخفية وقد تكون بدوافع من أمراض نفسية لا نعلم اسرارها، وكل هذه الحروب تنتهى آجلا أم عاجلا بخسائر للمنتصر والمغلوب معا، ولكن هناك حرب لا تنتهى أبدا إلا بموت الإنسان شخصيا، وهى الحرب الأشد ضراوة لانها نابعة من نفسه وملازمة له كظله، إنها حرب الخوف.


والخوف شعور فطرى لدى الإنسان، لكن له معدله الطبيعى، وإذا زاد عن هذا المعدل تحول إلى مرض يلازم الإنسان، يربك حياته، يشوش رؤيته وتقييمه للأشياء، يجعله يعادى من حوله بلا مبرر، يتخبط فى الحياة شاهرا كل أسلحته المتاحة و المفترضة ليحارب كل من حوله، لاعتقاده أن الجميع أعداءه يريدون له الشر والأذية.
و يتكون هذا الخوف لدى الإنسان منذ طفولته بسبب ظروف تربيته وبيئته، أو أنه داخل اسرته كان يتعرض للتخويف من أشياء مرئية أو مجهولة، أو كان يتعرض لإيذاء بدنى ما ليلتزم الطاعة والهدوء، فينشأ هذا الشخص خائف من الناس ومن لا شىء، فى المدرسة يخاف من الرسوب والفشل، فيلجأ للغش لينجح، يؤذى المتفوقين من زملائه لشعوره بالخوف من تفوقهم عليه، ويتمدد هذا الخوف فى باقى مسار حياته، فى العمل سيخاف أن يسرق زملائه مكانه فيعاديهم ويكيد لهم ويلتزم كل طرق النفاق والتحايل ليتقدم عنهم ولو على حساب من هم أحق منه بخبرتهم وقدراتهم، خوفه سيجعله يرى أن أمنه فى إرهاب الآخرين، سعادته فى أحزان الآخرين، ثراءه فى فقر الآخرين، حتى فى زواجه، سيعتبر زوجته عدوة له وسيحول علاقته بها إلى حرب وعداء متواصل ليس به ود أو تفاهم، وسيرى دوما أن الهجوم عليها أفضل وسيلة لحماية نفسه حتى لو كانت الزوجة لطيفة مسالمة ليس لها فى تلك الحروب التى يصنعها. خوفه من الفقر سيجعله يسرق، يرتشى ويفعل كل الموبقات معتقدا أنه يؤمن حياته من الفقر، خوفه من المرض سيجعله يتناول أدوية لا تخصه معتقدا أنه يحمى نفسه، ليجد نفسه فى النهاية مريضا بالفعل بسبب تناوله أدوية ليست له.
لذا يشدد كل علماء النفس على أن طفولة الإنسان هى التى تصنع له مستقبله، حتى لو أدرك الإنسان بنفسه تلك المؤثرات السلبية التى تعرض لها فى صغره وحاول أن ينقذ نفسه من آثارها فى المستقبل، إلا أنه لا ينجو تماما من تلك الآثار مهما حاول، فالطفولة كالعجين يشكلها الآباء والمجتمع المحيط به، تجف العجينة على ما تشكلت عليه مع الأيام، وأى محاولة للتعديل والتبديل فيها يحطم ويهدم من نفسية الطفل ويؤثر على بناءه السيكولوجى مهما كانت تلك المحاولات تلتزم الدقة والحذر فى العلاج والتعديل، يعترف مؤلف كتاب «الخيمائى» وهو البرازيلى الاصل «باولو كويلو» أن طفولته كانت صعبة جدا حيث نشأ فى أسرة كاثوليكية ملتزمة، محظوراتها أكثر من المسموح به فى عهده، فتمرد تمردا مبكرا على التقاليد المغلقة، لدرجة دفعت بوالديه لوضعه فى مصحة عقلية فى مطلع مرحلة الشباب، وحين أبدى لهم تخليه عن التمرد تم إخراجه وإلزامه بدخول كلية الحقوق، لأن والده أراد ذلك وكأنه يحقق أحلامه فى ولده ليضمن عدم عودته للتمرد، فدراسة القانون التزام وسير على خط محدد لا خروج عنه، خاصة وأن باولو أعرب عن رغبته فى دخول عالم الكتابة التى رأى فيها متنفسا له ليسكب ويرسم على الورق أحلاما صادرها مجتمعه الصغير، وقوبل هذا بالرفض الهائل من والديه، فقرر باولو كسر كل قوالب الالتزام وخوفه من والديه ومما رآه قوالب تقاليد مقيتة، فبدأ بدافع الخوف على نفسه فى تدمير كل أحلام والديه فيه وقد تولدت بداخلة طاقة شر بفعل هذا الخوف، فترك كلية الحقوق، وانطلق فى رحلة طويلة إلى أمريكا الجنوبية، وأمريكا الشمالية، وأوروبا، حيث انضم إلى جماعة الهيبيز، وعاش حياة التشرد والحرية وتعاطى المخدرات، ثم عاد إلى منزل عائلته بعد بضعة سنوات وكأنه يريد أن يشهدهم على كل التمرد والتحدى الذى فعله ليتخلص من تأثيرهم عليه ومخاوفه منهم، وبدأ أمامهم فى تأليف أغانى الروك والبوب بالتعاون مع كاتب برتزيلى معروف، وتخبطه فى حياة التمرد على خوفه جعله يناهض نظام الحكم حتى تم سجنه عام 1974م بتهمة ممارسة أنشطة مناهضة للحكومة البرازيلية. وللحديث بقية.
[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: فكرية أحمد أمريكا الجنوبية

إقرأ أيضاً:

ختام المؤتمر الدولي لقسم اللغة العربية بجامعة ظفار

صلالة- الرؤية

تواصلت اليوم فعاليات المؤتمر الدولي الثاني لقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة ظفار في يومه الثاني والختامي، حيث شهد البرنامج العلمي تقديم عدد من البحوث والمداخلات التي ناقشت موضوع "الخوف في الأدب والثقافة" من زوايا متعددة، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين من مختلف الجامعات العربية والدولية.

افتتحت الجلسة العلمية الأولى في تمام التاسعة صباحًا، وأدارها الأستاذ الدكتور بسام قطوس، حيث قدم الدكتور شقيق النوباني من جامعة ظفار مداخلة بعنوان "الخوف والموقف في مسرحيتي القبعة والنبي والباب لغسان كنفاني: دراسة في المنطلقات الوجودية".

وتواصلت الجلسة بمداخلة حول سيرة المناضلة عائشة عودة كنموذج لكسر القيد وسؤال الذات عن الحرية، ثم تناولت المداخلة الثالثة الخوف في مرويات السفر الموريسكية، واختتمت الجلسة بمداخلة بعنوان "هندسة الصمت والخوف وسبل الحماية الاجتماعية في المدن المعاصرة".

وفي الجلسة العلمية الثانية التي أدارها الدكتور بسام الشارني، ناقش الدكتور مراد الحاجي خطاب البابا أوربانوس الثاني بوصفه نموذجًا لخطاب الخوف والكراهية والعنف، أعقبتها مداخلات تناولت الخوف في الحكايات الشعبية، وفي القصيدة العمانية، وكذلك في الأمثال المحلية.

وفي الفترة المسائية، أدار الدكتور مرتضى فرح الجلسة العلمية الثالثة، والتي تضمنت مداخلات حول الخوف في الخطاب النقدي العربي، وفي تمثلات الهوية، وأثر الخوف في العلاقة بين النقد والأدب، إلى جانب دراسات سردية متنوعة.

أما الجلسة العلمية الرابعة فاختتمت البرنامج الحافل، وأدارها الأستاذ سعيد محمد المعشني، حيث شارك عدد من الباحثين بمداخلات تناولت الخوف في السرد الروائي المغربي والعماني، وتمثلاته في الكتابات التراثية والحديثة، وصولًا إلى مفهوم الخوف من الزمن في زهديات أبي العتاهية.

وقد تميز اليوم الثاني بتنوع المحاور وتكامل الرؤى، ما يعكس ثراء الموضوع وحضوره في مختلف أجناس الأدب والفكر، كما شهد تفاعلًا غنيًا من قبل الحضور في النقاشات.

يشار إلى أن المؤتمر يهدف إلى تعميق الفهم الأكاديمي لموضوع "الخوف" بوصفه مفهومًا إنسانيًا وأدبيًا، والذي يختتم أعماله اليوم بجلسة ختامية تشمل التوصيات والمقترحات العلمية.

 

 

مقالات مشابهة

  • الادخار يدشن تمويل أكثر من 2500 مزارع تراكتورات وطاقة شمسية بالروصيرص
  • غزة.. الحصول على وسائل المعيشة
  • كاتس يحذر إيران: عهد الوكلاء انتهى ومحور الشر قد انهار
  • زيلينسكي: يجب محاربة "الشر الروسي"
  • كاتس يحذر إيران: "عهد الوكلاء" انتهى و"محور الشر" قد انهار
  • ختام المؤتمر الدولي لقسم اللغة العربية بجامعة ظفار
  • دعاء القلق والتوتر ..كلمات بسيطة رددها عند الشعور بالخوف
  • ارتفاع مؤشر الخوف لا يدلل دائما على انخفاض الأسهم
  • أزمة منتصف العمر
  • فعاليتان في مديرية جحانة بالذكرى السنوية للصرخة