الخرطوم- بين نهش الكلاب، والتحلل تحت أشعة الشمس؛ تنتشر الجثث في الطرقات وأحياء العاصمة الخرطوم إثر الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، بلا أمل واضح في مواراتها الثرى في ظل انعدام الممرات الآمنة.

ويكشف حسن عبد الرؤوف (تاجر) عن توثيقه انتشار أعداد كبيرة من جثث المدنيين في السوق العربي (وسط الخرطوم) منذ بدء الحرب، مرورًا بعدد من أحياء العاصمة.

وقال عبد الرؤوف -في حديث للجزيرة نت- "قضيت نحو 25 يومًا في السوق العربي منذ اندلاع الأحداث، ومع انتشار الجثث قمت بوضع بعضها في مكانٍ آمن بعيدا عن أشعة الشمس والكلاب الضالة، وأخرى أسهمت في وصولها لذويها، وكانت الجثث المنتشرة لمدنيين من مختلف الأعمار، ومن النساء والرجال والأطفال، وتحلل بعضها وأخرى نهشتها الكلاب، ولم أر وقتها جثة لمنتسبين من الجيش أو الدعم السريع".

وعقب اعتقاله من قبل الدعم السريع في السوق العربي، كشف عبد الرؤوف عن رؤيته أعدادا من الجثث منتشرة جنوب كلية كمبوني وشروني (وسط الخرطوم)، وحيي الخرطوم 2 والرياض مع انبعاث رائحة الجثث المتحللة.

وحالت الاشتباكات دون الوصول لعشرات الجثث في مدينة أم درمان (غربي الخرطوم)، وبحري، والسوق الشعبي بالخرطوم، وفقا لحسن عبد الرؤوف.

صعوبة الإحصاء

ويقر عدد من المسؤولين بصعوبة إحصاء أعداد الجثث المنتشرة في طرقات الخرطوم منذ بدء الحرب في البلاد، ورغم ذلك يُقدّر الأمين العام لمجلس البيئة بشرى حامد في حديث للجزيرة نت عددها بنحو 2000 جثة، و5 آلاف أخرى دُفنت من دون اتباع الإجراءات.

وحذر بشرى من كارثة بيئية وصحية مع ارتفاع درجات الحرارة وموسم الأمطار، وفي ظل هشاشة النظام الصحي؛ مما يؤدي إلى فرص توالد نواقل الأمراض وانتشار السعر والطاعون والكوليرا، مضيفا "هذا وضع سيقود لكارثة بيئية، من لم يمت بالحرب سيموت بتداعيات الوضع الصحي والبيئي".

مدن العاصمة

وفي مدينة بحري (شمالي الخرطوم) التي تشهد اشتباكات بين الجيش والدعم السريع، كشف مصعب كمال (أحد سكان حي كافوري) للجزيرة نت عن تحلل بعض الجثث في الشوارع منذ الأسابيع الأولى للحرب، مشيرًا إلى انتشار أخرى في مناطق شارع الصناعات وكوبر، والمنطقة حول كوبري شمبات.

وقال كمال إن تنسيقا تم مع الصليب الأحمر لدفن الجثث، ولكن عقب تعرض فرق الصليب الأحمر للاعتداء والنهب أصبح الأمر مستحيلًا.

أما في مدينة أم درمان، فتنتشر أيضا بعض الجثث في منطقة حي العرب أمام ملعب المسالمة للناشئين، حسب حديث المتطوع بمستشفى النو التعليمي سامي طلعت، في حين تواجدت أخرى منذ الأيام الأولى للحرب في حي المنارة بالمدينة نفسها.

في السياق ذاته، يؤكد المتحدث باسم لجان مقاومة الخرطوم فضيل عمر للجزيرة نت أن عددا من الجثث ملقاة في الطرقات منذ نشوب الحرب، وبعضها تحلل لصعوبة الوصول إليها وأخرى دُفنت بواسطة سكان الأحياء، مشيرًا إلى أن خطورة الوضع الأمني واستهدافهم من قبل طرفي الحرب يحول دون الوصول إليها ودفنها.

مشارح الخرطوم

ولا يبدو وضع الجثث في مشارح العاصمة أفضل من تلك المنتشرة على الطرقات، حيث يتكدس الكثير منها في مشارح مستشفى أم درمان، ومستشفى بشائر، والأكاديمي "التميز" (جنوبي الخرطوم).

وقال سكرتير نقابة أطباء السودان عطية عبد الله للجزيرة نت إن بعض الجثث تعود إلى فض اعتصام القيادة العامة في يونيو/حزيران 2019، وأخرى منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، مضيفا أن الجثث الموجودة الآن في المشارح وعلى الطرقات سواء.

بدوره، قال محجوب بابكر استشاري الطب الشرعي والسموم بهيئة الطب العدلي وعضو المجلس الاستشاري للأطباء الشرعيين بوزارة الصحة الاتحادية إن عدد الجثث المتكدسة بمشارح الخرطوم قبل الحرب تقدر بنحو 3 آلاف و17 جثة، وتتجاوز السعة الاستيعابية للمشارح، وتحللت بمرور الوقت وسوء الحفظ.

وأضاف بابكر في حديث للجزيرة نت أنه تم إغلاق مشارح ولاية الخرطوم بعد احتلال قوات الدعم السريع للمستشفيات التي توجد بها، قائلا "توجد نحو 133 جثة حديثة بمشرحة أمبدة، وتعرضت للتعفن والتحلل التام بعد احتلال الدعم السريع المستشفى وانقطاع التيار الكهربائي أكثر من شهرين".

تعامل عاجل

في المقابل، وصف مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم صديق حسن فريني الحديث عن انتشار الجثث بغير الدقيق، حيث يتم التعامل معها بصورة عاجلة من المتطوعين.

وقال فريني -في حديثه للجزيرة نت- إنه نسبة لاحتدام المعارك في بعض المناطق فإن الجثث تنتظر أياما ولا تحظى بالدفن، خاصة تلك المعزولة نسبيا عن حركة السكان، بينما تتولى منظمة "حسن الخاتمة" دفن الموتى في بعض محليات الولاية، إلا أنه تابع بأن الأوضاع الإنسانية في الخرطوم صعبة.

ممرات آمنة

من جانبه، يقر المتحدث باسم الصليب الأحمر عدنان حزام بصعوبة الوصول للخرطوم في ظل ورود أنباء عن انتشار الجثث، لافتا في حديث للجزيرة نت إلى أنه تم تدريب نحو 40 متطوعا من الهلال الأحمر السوداني على عملية إدارة الجثث للإسهام في الاستدلال عليها حتى يعلم أهلها مصيرها.

من جانبه، أكد سكرتير نقابة أطباء السودان عطية عبد الله صعوبة المساهمة في دفن الجثث في ظل انعدام الممرات الآمنة وصعوبة تحرك الفرق الطبية، محذرًا من كارثة بيئية وأخلاقية في المقام الأول.

وقال إن "أعدادا كبيرة من الجثث دُفنت من دون مراعاة القواعد الإنسانية والقانون الدولي، وهي تعدّ جريمة ضد الإنسانية، وكان يجب التعامل معها وفق البروتوكول العالمي الذي انتفت شروطه في ظل الحرب التي نشهدها الآن".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الدعم السریع انتشار الجثث الجثث فی

إقرأ أيضاً:

مجزرة في السودان.. قصف قوات الدعم السريع يحصد عشرات القتلى في سوق شعبي

شنّت قوات الدعم السريع، الأحد، قصفاً استهدف سوقاً داخل مخيم للنازحين في إقليم دارفور، ما أسفر عن مقتل 14 شخصاً وسط تعذر حصر العدد الكامل للضحايا بسبب تدهور الوضع الأمني في المنطقة، وفق مصادر إغاثية وبيان غرفة الطوارئ في معسكر أبو شوك.

وأكد البيان تعرض سوق نيفاشا وأجزاء من المعسكر للقصف، مترافقاً مع انتشار المجاعة في المخيم، وأشار إلى أن سوء الأوضاع الأمنية حال دون إحصاء شامل للضحايا والمصابين، ويقع معسكر أبو شوك بمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطق الإقليم بينما تحافظ قوات الجيش على آخر المدن الكبرى في المنطقة.

وتأتي هذه الهجمات في سياق تصاعد العمليات العسكرية بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، خاصة بعد خسائر الدعم السريع في الخرطوم قبل شهرين، مع استمرار محاولات السيطرة على مناطق استراتيجية في دارفور والمناطق المحيطة.

في تطور موازٍ، اتهمت منظمة “محامو الطوارئ” الحقوقية الجيش وقوات مساندة له بشن هجوم على قرية الحمادي في جنوب كردفان، أدى إلى مقتل 18 مدنياً وجرح العشرات، إضافة إلى عمليات نهب واعتقالات تعسفية، مما دفع المدنيين للنزوح في ظروف إنسانية صعبة.

على صعيد العاصمة، حذرت منظمة أطباء بلا حدود من تدهور الخدمات الصحية في الخرطوم، إثر انقطاع الكهرباء الكامل بسبب هجمات بطائرات مسيرة نفذتها قوات الدعم السريع على محطات كهرباء رئيسية، وأدى انقطاع التيار إلى شلل في المياه والمستشفيات ومرافق حيوية أخرى، مما يزيد من معاناة السكان، وهدد بإغلاق مستشفى النو، المستشفى الرئيسي الذي يخدم مناطق الخرطوم وأم درمان وبحري.

وحذرت المنظمة من تفشي الكوليرا نتيجة نقص مياه الشرب، وأدانت جميع الهجمات على البنية التحتية المدنية، مطالبة بوقف استهداف المرافق الحيوية فوراً.

يذكر أن السودان يشهد منذ أبريل 2023 حرباً مدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، أودت بحياة عشرات الآلاف وأجبرت أكثر من 13 مليون شخص على النزوح، في أزمة إنسانية تعد من الأسوأ في التاريخ الحديث.

مقالات مشابهة

  • على بعد أسابيع من الانهيار.. ما سياق حديث وزير خارجية أمريكا عن حكومة الشرع؟
  • الجيش السوداني يعلن ولاية الخرطوم خالية من قوات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يعلن رسميًا.. الخرطوم خالية من الدعم السريع
  • القذائف غير المنفجرة.. أفخاخ الموت في الخرطوم
  • عاجل | الجيش السوداني: نعلن اليوم اكتمال تطهير كامل الخرطوم من أي وجود للدعم السريع
  • انفجارات واشتباكات بين الجيش والدعم السريع في أم درمان
  • عاجل | مصدر حكومي سوداني للجزيرة: مسيرة للدعم السريع تقصف كلية التربية بجامعة الخرطوم جنوبي أم درمان
  • 14 قتيلا في قصف لقوات الدعم السريع على مخيم للنازحين غرب السودان
  • مجزرة في السودان.. قصف قوات الدعم السريع يحصد عشرات القتلى في سوق شعبي
  • الجيش السوداني يحاصر آخر معاقل الدعم السريع غرب الخرطوم