في زمننا الحالي، حيث تتصاعد حدة الخلافات الفكرية والاجتماعية، يصبح من الضروري أن نعيد النظر في كيفية التعامل مع اختلافاتنا. لا يعني الخلاف أن تنقطع جسور التواصل أو تُهدم العلاقات، بل يمكن أن يكون فرصة للحوار والتفاهم. أحد أبرز الأمثلة على كيفية إدارة الاختلاف بحكمة تجسد في موقف الإمام الشافعي مع تلميذه يونس بن عبد الأعلى.

الإمام الشافعي ودرس في التواضع والاختلاف


القصة تعود إلى تلميذ الإمام الشافعي، يونس بن عبد الأعلى، الذي اختلف مع شيخه في مسألة علمية. احتدم النقاش بينهما حتى اشتد غضب يونس وغادر مجلس الشافعي، متجهًا إلى منزله وهو يشعر بالاستياء. ومع تقدم الليل، فوجئ يونس بطرق على بابه. وعندما سأل عن الطارق، جاءه الرد: “محمد بن إدريس”. لم يخطر بباله أن الإمام الشافعي نفسه هو الطارق. لكن عندما فتح الباب، وجد الشافعي واقفًا أمامه.

قال الشافعي ليونس كلمات أصبحت حكمًا خالدة في فن إدارة الخلافات:
_ “يا يونس، تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة!”
_ “لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات؛ فأحيانًا كسب القلوب أولى من كسب المواقف.”
_ “لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها؛ فربما تحتاجها للعودة يومًا ما.”
_ “اكره الخطأ دائمًا، ولكن لا تكره المخطئ.”
_ “ابغض المعصية، لكن سامح وارحم العاصي.”
_ “انتقد القول، لكن احترم القائل.”

من هذا الحوار البسيط بين الشافعي وتلميذه، نستلهم مجموعة من القواعد التي تساعدنا على التعامل مع الخلافات بذكاء وحكمة.

أولًا: الاتفاقات لا تمحوها الاختلافات


الإمام الشافعي أدرك أن الخلاف في مسألة واحدة لا يمكن أن ينسينا مئات المسائل التي نتفق عليها. إذا كنا نركز فقط على نقاط الخلاف، فسنفقد الرؤية الأوسع التي تجمعنا. هذه القاعدة الذهبية تنبهنا إلى أهمية رؤية الجوانب المشتركة بيننا بدلًا من التركيز على القليل من الاختلافات.

ثانيًا: كسب القلوب أهم من كسب الآراء


كثيرًا ما نجد أنفسنا في نقاشات أو خلافات حول قضايا فكرية أو اجتماعية، وقد نكون على حق في آرائنا. ولكن، هل الانتصار في هذه النقاشات هو الهدف؟ الشافعي يؤكد أن كسب القلوب يجب أن يكون دائمًا أولوية. العلاقات الإنسانية أهم بكثير من الفوز في الجدالات.

ثالثًا: لا تهدم الجسور التي بنيتها


العلاقات، سواء كانت صداقات أو علاقات أسرية أو مهنية، تُبنى على مدار سنوات، ومن السهل جدًا هدمها في لحظة غضب. الشافعي يدعو إلى الحذر والتروي في الخلافات، مشددًا على أن الجسور التي نبنيها قد نحتاجها يومًا ما، فلا يجب تدميرها بسبب خلاف عابر.

رابعًا: اكره الخطأ ولا تكره المخطئ


هذه القاعدة من أكثر القواعد التي نحن بحاجة لتطبيقها في مجتمعنا اليوم. من السهل أن نخلط بين الخطأ والشخص الذي ارتكبه. ولكن الشافعي يذكرنا بضرورة كراهية الفعل نفسه، دون تحويل هذه الكراهية إلى الشخص الذي ارتكبه. الإنسان قد يخطئ، ولكن هذا لا يعني أن ننبذه أو نحتقره.

خامسًا: ابغض المعصية وارحم العاصي


الإمام الشافعي يدعو إلى التمييز بين المعصية والعاصي. من الطبيعي أن نبغض الفعل الخاطئ أو الذنب، ولكن يجب أن نتعامل برحمة مع مرتكبيه. هذا المبدأ يعكس الرحمة التي يجب أن نتحلى بها كبشر في تعاملنا مع بعضنا البعض، حتى عندما نختلف في السلوك أو الأخلاق.

سادسًا: انتقد القول واحترم القائل


النقد يجب أن يكون موجهًا إلى الأفكار والآراء، وليس إلى الأشخاص. عندما ننتقد الآخرين، يجب أن نتذكر أن الهدف هو تحسين الأفكار، وليس تحقير الشخص الذي طرحها. الإمام الشافعي يوضح أن دورنا كأشخاص مفكرين هو معالجة الأخطاء والمشاكل، لا تدمير الأشخاص.

التواضع في الاختلاف: سمة أهل الإيمان


ما يميز الإمام الشافعي في هذه القصة هو تواضعه. رغم أنه كان في موقع القوة كمعلم، إلا أنه هو من بادر بالذهاب إلى تلميذه. هذا التصرف يعكس قوة الإيمان والتواضع الحقيقي، وهو درس نحتاجه في زمن تكثر فيه الكبرياء والتعصب. المبادرة بالصلح والاعتراف بالخطأ دليل على الثقة بالنفس والقوة الداخلية.


من خلال قصة الإمام الشافعي وتلميذه يونس بن عبد الأعلى، نتعلم أن الاختلاف ليس سببًا للفرقة، بل فرصة للحوار والتفاهم. إذا ما اتبعنا القواعد التي أسسها الشافعي، مثل كسب القلوب واحترام الأشخاص، يمكننا أن نبني مجتمعًا أكثر تسامحًا وقادرًا على تجاوز الخلافات بحكمة. في عالم تزداد فيه التحديات، علينا أن نتعلم كيف نحترم اختلافاتنا ونستفيد منها، بدلًا من أن نجعلها سببًا للتباعد والانقسام.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الإمام الشافعی کسب القلوب یجب أن

إقرأ أيضاً:

السيد القائد يدعو إلى خروج مليوني غداً دعماً لغزة.. موقفنا ثابت ومسؤوليتنا الإيمانية مستمرة

يمانيون/ صنعاء

دعا قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أبناء الشعب اليمني إلى المشاركة الواسعة والخروج المليوني يوم غدٍ الجمعة في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، وفي ساحات بقية المحافظات، استمراراً لمناصرة الشعب الفلسطيني في غزة.

وقال السيد القائد في كلمته اليوم: “أدعو شعبنا العزيز بدعوة الله وبدعوة المسجد الأقصى إلى الخروج المليوني يوم الغد في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات والمديريات والساحات، بحسب الترتيبات والإجراءات المعتادة.”

وعبر عن أمله في أن يكون الحضور في مسيرات الغد واسعًا وكبيرًا، مؤكدًا أن ذلك يُعد وفاءً لله، وللشعب الفلسطيني، وللإسلام، وللقرآن الكريم. وشدّد على أن الشعب الفلسطيني يمر بمرحلة صعبة جدًا، مما يتطلب استمرار الأنشطة التضامنية، ورفع الصوت عاليًا، وتكثيف الحضور في الميادين.

وأكد السيد القائد أن الاستمرار والثبات هو خيار الشعب اليمني، انطلاقًا من المسؤولية الإيمانية والدينية، مشيرًا إلى أن الاستمرار في المسيرات المليونية يُعد جهادًا في سبيل الله، وأداءً لفريضة مقدسة، ووفاءً للقيم الإنسانية والأخلاقية.

وأوضح أن اليمن سيواصل موقفه المتكامل، رسميًا وشعبيًا، وعلى كافة المستويات في نصرة الشعب الفلسطيني، مبينًا أن من الشكر لله على نعمة هذا الموقف، هو الاستمرار والثبات، والعمل الجاد دون كلل أو فتور، وبوعي دائم بعظمة الموقف وأهميته، بما يرضي الله، ويجلب الشرف والفضل في الدنيا والآخرة.

كما جدد السيد القائد التأكيد على أن موقف اليمن من القضية الفلسطينية له نتائج مهمة على المستويات التربوية والنفسية والعملية، ويسهم في بناء واقع قوي لليمن، يُعزز من تطوره وقدرته على كافة الصعد المعنوية والعملية.

مقالات مشابهة

  • قرقاش: نجدد التأكيد على إدانة الإمارات للهجوم الإسرائيلي على إيران.. ونهجنا ثابت في تغليب الدبلوماسية
  • دروس الفشل الثالث للربيع السوداني
  • إدارة سجون الاحتلال تلغي جميع زيارات الأسرى التي كانت مقررة اليوم
  • محافظ كفرالشيخ يتفقد سير امتحانات الثانوية العامة بلجنة عزت الشافعي للبنات
  • كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟
  • مجدي الجلاد: الحرب العالمية الثالثة بدأت.. وواجهنا قافلة الصمود بحكمة
  • واشنطن تقفل باب التفاوض.. سعر النفط الروسي ثابت عند 60 دولاراً
  • مصطفي عماد يدعم ملك زاهر في أزمتها الصحية
  • توقعات الأبراج وحظك اليوم الجمعة 13 يونيو 2025: برج الجدي.. تعلم من دروس الماضي
  • السيد القائد يدعو إلى خروج مليوني غداً دعماً لغزة.. موقفنا ثابت ومسؤوليتنا الإيمانية مستمرة