من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. مش هيك
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
مش هيك ..
من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي
نشر بتاريخ .. 27 / 1 / 2017
قام بإيقاف «بكمه» في ساحة ترابية تتبع لأحد الشوارع الخلفية للسوق ، ثم حمل كيساً من «الكنادر والحفّايات» المقطّعة ينوي إصلاحها من قبل أحد الاسكافيين الحداثيين الذي يستخدمون ماكنة كهربائية «ع الواقف»..مرّ من أمام العطّارين وقلائد الباميا المدلاة فوق رأس الباعة مثل «ذخيرة الكلاشنكوف» وبراميل من «الفازلين» الشفاف ، وأحجار لحفّ «الرجلين» وحنا و»زيت النملة» وغيرها من البضائع المعروضة في سوق العطارة.
.
فجأة قفز رجل أمام أبي يحيى بعكّازيه ورجله المجبّرة مخرجاً من جيبه ورقة تفيد انه مريض في السكري والضغط وتلّيف الكبد مختومة بختم غير واضح المعالم..قال بصوت محشو بالرجاء: «مساعدة لله»..قال له أبو يحيى: الله ييسّر عمي..لكن المتسوّل لم يقتنع بالجواب ،وظل مصرّاً على طلب المساعدة.. بينما أبو يحيى حاول الهاء نفسه بسؤال أحد الباعة عن الزعتر البلدي تارة وعن «الهيشي» تارة أخرى..شدّ المتسوّل جاكيت «ابي يحيى» طالباً مساعدة بإلحاح: حجي هات لله!!..قال له أبو يحيى من جديد: عمي قلنا الله ييسر لك صار لي 20سنة بشوفك بالسوق وبعطيك ورجلك بعدها ما جبرت.. كمان بعدك شب روح اشتغل يا أخي !!..بدأ الرجل بالبكاء المصطنع وأن لديه سبعة أولاد لا يوجد في بيته لا غاز ولا كاز ولا خبز ولا «حزم انترنت»..تجاهله ثانية أبو يحيى ومضى بطريقه وبيده كيس الأحذية التي يريد إصلاحها..اعترض المتسوّل طريقه ثانية ومدّ عكّازه أمامه: يا أخي بنقلك بدنا مساعدة اخجل عاد..!! وشرفي إذا ما طلّعت اللي فيه النصيب لأكسر البكم تبعك.. ترى بعرف وين بتصفّه !!..غضب أبو يحيى وصاح بوجهه: أنت بتشحد ولا يتهدد.. صرخ المتسوّل: لا تقول بشحد فهمت؟؟…هنا تدخّل أحد المارين حيث كان يرتدي بدلة رسمية أنيقة وحذاء لامعاً وظهر بمنتهى التهذيب…هدّأ أبا يحيى واعتذر منه وطيب خاطره مستنكراً طريقة الرجل العاجز وأسلوبه في طلب المساعدة..ثم ذهب إلى المتسوّل صاحب العكازين وقال له خلص ابعد الله يسهل طريقك وهاي «دينار»… أخذها الأخير وغادر…ثم رافق الرجل الأنيق الحجي وحاول ان يحمل عنه كيس الأحذية الا أن أبا يحيى رفض بشدّة وشكر ذوقه وأخلاقه العالية..وعند زاوية السوق اقترب صاحب البدلة من أبي يحيى وأخرج من جيبه فاتورة كهرباء و40 ديناراً وقال بنبرة صادقة وودودة:
الرجل الأنيق: شو بدي أقول يا طيب..كنت رايح أرجّع الكهربا كانوا قاطعينها عني.. قالوا لازم تدفع 50 دينارا وبنرجع لك إياها..لا حول ولا قوة الا بالله والله قسما بالله خجلان منك..لدّ معي 40 وظل 10 المشكلة عندي أولاد بالجامعة وامتحانات..والله اني خجلان منك..وإذا بدي أروح ع البيت وأرجع بلاقيهم مسكّرين..
أبو يحيى: ولو يا خالي الناس لبعض تفضّل هاي 10دنانير..اذا بدّك أكثر جيرة الله موجود..
الرجل الأنيق: لا سلامة خيرك الأمور مستورة..انا بس بدي أخلص منهم اليوم ما كنت حاسب حسابي.. أمانة بدي تلفونك عشان أرجعهم..
أبو يحيى: له يا رجل..بيكفي أسلوبك وأخلاقك!!
الرجل الأنيق تناول العشرة بخجل وقال :بارك الله فيك..!
ثم صافحه وغادر..
تابع أبو يحيى طريقه نحو الاسكافي ، بينما تلاقى الرجل الأنيق بالمتسوّل صاحب العكّازين..وقال له: ظلّك باطح عشان ليرة..هاي أخذنا 10وهو مبسوط… ولك احنا متفقين ع المبدأ..بس مختلفين ع الأسلوب!.
احمد حسن الزعبي
#86يوما
#الحرية_لأحمد_حسن_الزعبي
#صحة_احمد_في_خطر
#سجين_الوطن
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الحرية لأحمد حسن الزعبي سجين الوطن حسن الزعبی أبو یحیى
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (نحن…)
ونرسم السودان الراحل وكأننا نحتفظ بصورة للمرحوم.
وشرق فندق وسط الخرطوم كان مبنى صغير له باب صغير هو صحيفة (الرأي العام).
وكل صباح وأمام الباب يضع (الولد) مائدة حديدية لها سطح مستدير، ومن حولها ست كراسي خيزران.
وكل صباح يأتي الشيوخ الستة ومنهم سكرتير الرياضة في أفريقيا، ويجلسون… وقليلاً ما يتحدثون.
(وأبطال عرس الزين ــ الطيب صالح ــ راقدين على ظهورهم في الليل أمام دكان الطاهر ود الرواسي، كانوا يظلون صامتين. وفجأة يقول واحد منهم بخفوت:
فلان… زول مطموس.
والآخرون يسمعون وقد عرفوا… والغريب وحده هو الذي لا يعرف من هو فلان ولا لماذا هو مطموس).
مثلهم كان الجلوس أمام باب الصحيفة هناك.
ونعبر من هناك والزمان يعبر.
ويوماً نرى أحد المقاعد فارغاً… (صاحبه مات).
وشهور قليلة ونرى مقعداً آخر فارغاً… وثالث.
لكن (الولد) يظل يضع المقاعد الست كل يوم في أماكنها حول التربيزة الحديدية…
ويوماً نرى من يجلس هناك وحيداً…
كان المشهد من أقسى ما شهدت…
وقفت أمام الرجل الصامت وبكيت. وبكيت… ولا الرجل قال لي شيئاً ولا أنا قلت له.
لكنا سودانيين.
(٢)
وفي أيام النميري… قمة أفريقية تُرتَّب. والقذافي يتصل برئيس الدولة التي تستضيف القمة ويقول:
أما أنا… وأما النميري…
ورئيس الدولة المضيفة يسمع القذافي حديثاً هو في عالم الدبلوماسية كومة من الشتائم…
والقذافي يرسل وزير خارجيته مكلفاً بمهمة واحدة… هي… الشوشرة على خطاب النميري.
والنميري يبدأ خطابه، ووزير القذافي يقاطعه ليصيح بأي حديث لا معنى له… وثانية… وفي الثالثة النميري يلتفت إلى حرسه ويطلب طبنجة… يتناولها ويضعها أمامه ثم يقول لوزير القذافي:
أقسم بالله… تفتح خشمك تاني إلا أديك طلقة في (……).
والوزير بعدها يقول:
حكيت للقذافي كل شيء وما قاله النميري، والقذافي قال لي:
ارجع… النميري دا بيعملها…
……
في الحديث قالوا:
النميري لم يكن اقتصادياً، ولا طبيباً، ولا سياسياً… لكنه ينجح في كل هذا بشيء واحد:
النميري كان شجاعاً…
آخر قال:
النميري أول من بعج مسألة تطبيق الشريعة، وأول من حطم أضخم حزب شيوعي في أفريقيا… ولولاه لكانت المحمودية الآن حزباً له نواب وأنياب.
إسحق أحمد فضل الله
إنضم لقناة النيلين على واتساب