إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟
عبد الرحمن الراشد
مجرياتُ الحربين في غزةَ ولبنانَ ستعيد ترتيباتِ الصّراعِ الإيراني الإسرائيلي. كيف؟
إسرائيلُ لم تتركْ كثيراً من الخياراتِ أمامَ طهران. لا ننسَى أنَّ غزوَها لبنانَ عام 1982 قضَى على «فتح» الفلسطينيةِ كحركةِ كفاحٍ مسلَّح.
في الأشهرِ الماضية، إسرائيلُ قامت بتدميرِ حركةِ «حماس» وأخرجتْها من الصّراع.
الفارقُ بينَ حربِ 2006 والحربِ الحالية، أنَّ إسرائيلَ خطَّطت بشكلٍ دقيقٍ للقضاءِ على قياداتِ «حزب الله». هذه الحربُ عنيفةٌ وداميةٌ، لكنَّها أقلُّ دماراً من سابقتِها، لأنَّ معظمَ الهجماتِ العسكريةِ جاءتْ موجهةً ضد «حزب الله»، قياداتِه وأسلحتِه وحاضنتِه الشعبية. في الحربِ الماضية بلغَ عددُ النازحينَ الذين دفعتهم إسرائيلُ للهروبِ نحوَ مليون مهجَّر، في هذه الحرب نحو مائتي ألفٍ حتى الآن. وكانَ عددُ الضحايا ثلاثَ مراتٍ أكبر في الحربِ الماضية، وفقَ الإحصاءاتِ المتاحة. لكنَّ معركةَ اليومِ أخطرُ على الحزبِ من كلّ مواجهاتِه السابقة.
«حزب الله» هو أهمُّ الأصولِ العسكريةِ الإيرانية في الخارج، ولم يفلحْ قرارُه بالامتناعِ عن خوضِ حربِ غزة من استهداف إسرائيلَ له. لقد عزمَ الإسرائيليون منذ أكتوبر (تشرين الأول) على القضاءِ على قدراتِ الحزب، مع أنَّه لم يشاركْ في الهجوم ولم يساندْ «حماس» لاحقاً. ويمكنُ القولُ بعد جولاتٍ عديدةٍ من الهجمات إنَّ معظمَ قادتِه قضَوا من دون أن يحاربوا، ومعظمَ أسلحةِ الحزب دُمّرت وهي في مخازنِها. يَا له من موقفٍ صعب، يذكرُنا بالهجومِ الكاسحِ في حربِ 1967 حيث تمَّ تدميرُ القواتِ الجويةِ والأرضيةِ لمصرَ قبل أن تتحرَّك.
السؤالُ: هل حانتِ اللحظةُ التي ينتظرُها الجميعُ منذ سنواتٍ وهي أن تصلَ طهران، صاحبةُ القرار، إلى القناعةِ بالتَّخلِي عن أصولِها العسكرية، وتحديداً «حزب الله»؟
أجزمُ أنَّ إيرانَ لم تصلْ إلى مرحلةٍ ستتخلَّى فيها عن «حزب الله»، ولن تتخلَّى عنه، إلَّا عندمَا يحدث تغييرٌ كبيرٌ في طهران، ولا نتوقَّعُ ذلك مع القيادةِ الحالية.
الأرجحُ أنَّ طهرانَ تدركُ وتلومُ قيادةَ «حزب الله» العليا على الفشلِ الرهيب، الاختراقاتِ وإدارة المواجهة، وقد تتعرَّضُ لتغييراتٍ قياديةٍ جذرية حالَ قرَّرت إيران إعادةَ تأهيلِ الحزب. لا ننسَى أنَّ «حزب الله» يقوم بمهامَّ إيرانيةٍ في سوريا والعراق واليمن، وسيستمر في تنفيذِها.
والمتوقع أن تخفّضَ إيرانُ مستوى صراعِها ضد إسرائيل، سواء بسببِ الهزائمِ المتكررة، حيث فقدتْ جناحيها العسكريين اللبنانيَّ والفلسطينيَّ، أو انسجاماً مع توجُّهِ إيرانَ الجديدِ بتحسين العلاقةِ مع الرئيسِ الأميركي المقبل.
لا بدَّ أنَّ القيادةَ الإيرانية تُدرك جيداً أنَّ توازنَ القوةِ مع إسرائيل لم يعدْ في صالحِها. حربُها الثالثةُ مع إسرائيل أظهرت أربعَ حقائق: أوَّلُها أنَّ إسرائيلَ قادرةٌ على خوضِ حربٍ طويلة، هذه الحربُ ستكملُ نحوَ سنة. الثانية: أنَّ الرأيَ العامَّ الإسرائيليَّ تغيَّر وأصبحَ مع الحرب، وله إجماعٌ في الشَّارعِ الإسرائيلي يساندُها. ونتيجة لهذا أصبحَ نتنياهو زعيماً تاريخياً عند مواطنيه بعد أن كانَ مكروهاً. الثالثة: أنَّ إسرائيلَ لم تعدْ تبالي كثيراً بخسائرِها البشريَّة، حيث وقعَ آلافُ القتلى في صفوفِها، وهو الأكثر في تاريخ حروبها، ومع هذا فَتحت جبهة لبنانَ بعد غزة. الرابعةُ: أكَّدتِ الحربُ الحاليةُ حقيقةَ أنَّ إسرائيلَ أصبحت قوةً عسكريةً واستخباراتية لا تُقارع، بهجماتِها على إيران وسوريا ولبنانَ واليمن الحوثي وغزة.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومإسرائيل إيران الحوثي اليمن بنيامين نتنياهو حركة فتح حزب الله حماس سوريا غزة لبنانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إسرائيل إيران الحوثي اليمن بنيامين نتنياهو حركة فتح حزب الله حماس سوريا غزة لبنان حزب الله
إقرأ أيضاً:
"حزب الله".. بين ثبات القدرات وتغيّر الحسابات
خالد بن سالم الغساني
يشكل استشهاد رئيس أركان حزب الله، القائد هيثم علي الطبطبائي، الذي يُعد الرجل الثاني في الهرم العسكري للحزب، محطة شديدة الحساسية في مسار المُواجهة المفتوحة بين الحزب وإسرائيل.
ولا تكمن خطورة الحدث في فقدان شخصية مركزية فحسب؛ بل في غياب أحد أبرز العقول التي راكمت خبرة الحزب في إدارة الحروب والملفات الأمنية المعقدة. إنَّ رحيل هذا القائد الكبير يضع الحزب أمام مرحلة أكثر دقة في الحسابات، وسط اندفاع إسرائيلي أهوج، وثقة عمياء تغذيها مظلة الدعم الأمريكي التي تمنح سلطات الاحتلال شعورًا بأنَّ اللحظة سانحة لكسر التوازن أو إعادة صياغة قواعد الاشتباك.
ومع ذلك تكشف القراءة العقلانية أن ميزان القوى لم يتبدل كما يتخيله الكيان المحتل، ولا كما يحاول إيهام واشنطن ودوائر القرار في البيت الأبيض؛ فالحزب رغم الخسارات المتلاحقة واستهداف نخبة من قادته، ما يزال يمتلك من القدرات والخبرات والكوادر ما يجعل الرهان على ضعفه وهمًا لا يستند إلى واقع.
لقد أثبتت التجارب أن بنية حزب الله لا تقوم على فرد مهما بلغت مكانته؛ فالقائد هيثم علي الطبطبائي كان ركنًا أساسيًا، كما كان قبله عماد مُغنية ورفاقه من القادة الشهداء، وكما هو أمينه العام السيد حسن نصر الله. ومع ذلك فإن منظومة الحزب مبنية على تراكم الخبرات وتوزيع الأدوار، وعلى بنية تنظيمية قادرة على احتواء الضربات وتوليد البدائل، والمضي بخطط بعيدة المدى. وعليه فإن الضربة الإسرائيلية، على قسوتها، لم تُحدث خللًا جوهريًا في قدرة الحزب على الاستمرار. فالحزب ليس جسدًا هشًّا، إنه كما تحدثنا الوقائع على الأرض، مؤسسة عسكرية وسياسية متمرسة تدرك عمق الصراع وتدير خياراتها بوعي وحنكة.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط الداخلية على الحزب؛ سواء من الحكومة اللبنانية أو من القوى السياسية التي تخشى انزلاق البلاد إلى مواجهة واسعة، يبقى الحزب محكومًا بضرورة الرد، ولو بحدّه الأدنى المحسوب. فمن غير الممكن أن يمر استشهاد قائد بمستوى الطبطبائي بلا إشارة واضحة تؤكد أن قواعد اللعبة لم تتغير. لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع أن يمنح خصومه ما يطمحون إليه من خلال ردّ مُتسرِّع قد يجُر لبنان إلى حرب لا قدرة للدولة على تحمل تبعاتها، خصوصًا في ظل أزمات اقتصادية وسياسية عميقة، وجيش غير مجهز لخوض مواجهة مع إسرائيل. ولهذا، يسير الحزب على خط بالغ الدقة، يحافظ فيه على الردع دون المساس باستقرار الداخل.
وتبرز هنا قدرة الحزب على المزج بين الاستراتيجية والمرونة؛ إذ قد يلجأ إلى رد غير مباشر، أو غير مُعلن، أو يأتي في توقيت غير متوقع، وقد يعتمد وسائل تستهدف صورة العدو السياسية أكثر من الميدان العسكري المباشر. كما قد يختار ساحات أخرى لتنفيذ ردّه، بما يحقق الهدف دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة. وهذا الأسلوب ليس جديدًا؛ بل يمثل جزءًا أصيلًا من منهجية الحزب في إدارة الصراع خلال العقود الماضية.
في المقابل، تبدو إسرائيل مقتنعة بأن الضغط المستمر سيُنهك الحزب، مستندة إلى دعم "العم سام" الذي يمنحها مجالًا أوسع للمناورة. إلّا أن هذا المنطق يحمل مخاطر كبيرة، فقد أساء الكيان المحتل مرارًا تقدير خصمه، وظن أن الضربة القاسية كفيلة بتغيير المعادلات، قبل أن يفاجأ بردّ أكثر عمقًا وتأثيرًا. ورغم أن قيادة الاحتلال تعتبر استهداف الطبطبائي إنجازًا نوعيًا، إلا أنها تدرك أن الحزب قادر على تحويل الخسارة إلى فرصة لإعادة البناء وتطوير الأدوات، كما فعل في محطات مفصلية عديدة.
إنَّ استشهاد القائد هيثم علي الطبطبائي «السيد أبو علي» يمثل خسارة موجعة للحزب، لكنه لا يفتح باب الضعف؛ بل يفتح أبواب القوة والتجدد. فالحزب يمتلك من القدرات والجهوزية ما يؤهله للبقاء لاعبًا أساسيًا. والرد سيأتي، بالشكل والتوقيت اللذين ينسجمان مع معادلته الثابتة المتمثلة في حماية الردع، وتجنب الحرب الشاملة، والحفاظ على توازن الساحة اللبنانية. وفي هذا تتجلى قوته الحقيقية وقدرته على تحويل الألم إلى قوة، والخسارة إلى دافع لمزيد من الثبات.
فمتى يدرك الكيان المحتل أن سقوط شهيد يولِّد مئات المقاتلين، وأن غياب قائد في ساحة الشرف والكرامة يعني ولادة قادة جُدد يحملون الراية ويواصلون الطريق بعنفوانٍ أكبر؟
رابط مختصر