سواليف:
2025-07-04@01:25:39 GMT

د. حفظي اشتية يكتب .. أنين الساخرين 2

تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT

د. حفظي اشتية يكتب .. أنين الساخرين 2

#أنين_الساخرين (2)

د. #حفظي_اشتية

قبل حوالي خمسة عشر عاماً فيما أذكر، سألت طلابي في إحدى محاضراتي عن الفنون الأدبية، أن يذكروا أسماء بعض كتّاب الصحف الأردنية (لم تكن المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي قد انتشرت بعد) وقصدت من سؤالي التعرف إلى اهتماماتهم، وتأكيد الحسّ الوطني الأردني في ذواتهم، فتعدّدت الأسماء، لكن غلبت الإجابة شبه الجماعية على الهمهمات الفردية، وعلتْ الأصوات الحماسية: #أحمد_حسن_الزعبي.

سألت أحدهم مداعباً، وكنت توسمت فيه دوماً ألمعية وعمق فهم، ولمست عنده رجاحة العقل وغزارة الثقافة والنبوغ الشعري المبكر: لماذا تحبّ أحمد حسن الزعبي؟ ألإنّه حورانيّ مثلك؟ فقال:

مقالات ذات صلة #الأردن_حرية_سقفها_السجون .. عاصفة إلكترونية مساء الأحد 2023/08/12

أحبّه لأنه يتحدّث عمّا في نفسي، ويعبر عن لهجتي وهويتي، ويحكي قصة حياتي، ويجعلني – وأنا أضحك باكياً – أتعلّق بوطني، وأحبه أكثر وأكثر .

تذكرت هذا، وأنا أتابع أصداء الحكم الأخير الذي صدر بحق هذا الكاتب، واستحضرت الوعي التام بأننا جميعا يجب أن نمتثل لحكم القضاء، فهو ملاذنا الأخير المكين، وحصننا الحصين الأمين.

لكن تراسلتْ في الذهن مئات الحكايات عما نهضت عليه دولتنا، وبُني عليه مجتمعنا من تسامح وتسامٍ والتماس أعذار، فلاحت أمام ناظري الأمنيات بأن نجد وسيلة نفرّ بها من القضاء إلى القضاء، لعلنا نفتح نافذة للأمل، ونغلّب الرحمة على العدل.

وتذكرت مقالة لي نُشرتْ قديماً بعنوان أنين الساخرين، أُعيد عرضها مجدداً همسةً صادقةً في آذان السامعين الحكماء النابهين:

أنين الساخرين (1)

سَرَتْ في الآونة الأخيرة نغمة #حزن_دفين في مقالات بعض الكتاب الساخرين، وغابت أو كادت أن تغيب قهقهات كلماتهم التي كانت تصف أوجاعنا بسخرية باكية مريرة، تكشف الخلل، وتشير إلى مواطن التقصير بأسلوب انصهر فيه الجدّ بالهزل، يفجّر من أعماقنا ضحكا باكيا أو بكاء ضاحكا، فما الحياة الدنيا إلا شيء من هذا وذاك.

وإن بقي لدى العرب بقايا من فِراسة شُهروا بها بين الأمم، فلعلها توصلنا إلى قناعة بأن هذه الفئة من الكتاب المرموقين لا تنطوي نفوسهم على مآرب شخصية، فبيئاتهم الاجتماعية غارقة في الفاقة الشريفة والتعفف الوارف وعزة النفس الطاغية على كل هوى.

ولا يُظن أن لهم مطامع في مناصب أو مكاسب، فلو كانوا كذلك لسلكوا الطرق التي توصلهم إلى مبتغاهم، وهي كثيرة يسيرة.

ولعل الدوافع الحقيقية لكتاباتهم تكمن في حبهم العميق لوطنهم، ورغبتهم العارمة أن يكون درّة الأوطان، خاليا من كل خلل، وافر الخير، موفور الكرامة، عظيم الشأن، مهيب الجانب.

وليس ذلك ببعيد، فهذا الوطن مثل قبضة القلب، كان دوما واسطة العقد، وبؤرة الحدث، ومحط الأنظار، ومعبر الحضارات، وباكورة الشمس، ومعقل العزّ.

وكلامنا هذا ليس دفقة حماسية أو خطبة شاعرية، إنما هو توصيف دقيق للواقع، حقيق بأن يُنظر فيه ويُلتفت إليه.

وعندما نقول الوطن، فنحن نعني أبناءه من رئتي النهر المقدس، الذين وحّدهم الدم والألم والهمّ، كما وحّدهم التاريخ والجغرافيا ورغيف الخبز ومساقط الغيث ومواقع الكلأ، قبائل وعشائر تقطع النهر غربا أو شرقا، وتُبقي الشرايين دافقة تنقل نسغ الحياة، ونبض الفرح والألم والحنين.

حضارات تلو حضارات مرّت على هذه الأرض، شواهدها في كل شبر، وطيّ كل ذرة تراب: تلقاها في ربة عمون، وفي جبل مكاور وأذرح والحميمة والبتراء وبصيرا وذيبان وحسبان وطبقة فحل وجرش وأم الجمال وأم قيس…..إلخ والقائمة تطول ولا تكاد تنتهي، لكنها وإن تباعدت مصادرها، تتوارد على منبع واحد هو أن هذه الأرض عربية كانت وما زالت وستبقى بإذن الله. والعابرون سادوا قليلا أو كثيرا، لكنهم نكصوا وبادوا، وما زال رجع صدى هزائمهم المدوّية يتردد في اليرموك وحطين وعين جالوت…..إلخ.

وأما الطلع السرطاني الحالي الذي جرّ علينا الويلات، وهو سبب كل العلات، فلن يكون مصيره بأحسن حالا من سابقيه، ولقد كان استئصاله إبّان النكبة الأولى قريب المأخذ، وفي متناول أيدي أسود الشرى من أبطال الجيش العربي الأردني لولا مكر المستعمرين .

وتشهد على ذلك أسوار القدس وجنبات باب الواد واللطرون…… وقد قِيد كبار قادتهم أسارى صاغرين لتمرّغ أنوفهم في رمال أم الجمال. وتأكّد ذلك مجددا في تلال الكرامة التي أثبتت أن الهزيمة عابرة، وأن النصر لا محالة آت.

لكن النصر الموعود لا يتحقق إلا بتطهير الذات أولا، وتقوية أساسات البيت، ورصد مواقع التصدعات في كل مناحي الحياة.

وكثير من الكتاب النابغين يضطلعون بهذا، وفي طليعتهم الكتاب الساخرون الذين ينتزعون البسمة من بين ركام آهات الآلام.

ولا نملك إلا التمني بأن يُتركوا وشأنهم، ولا يُضيّق عليهم، ولا تُخمد أصواتهم، ولا تتحول ضحكاتهم الصاخبة بالحياة إلى أنين مجروح يندّ عن نفس مهمومة مأزومة.

اتركوا لنا بسماتهم مشاعل تبدّد بعض ظلمتنا، ومنائر نهتدي بها وتؤنس وحشتنا.

الوطن قوي بمحبيه، ولن تهزمه نكتة سالت على لسان محبّ متألم.

لقد اخترعوا جهازا لكشف الكذب، وليتهم يسارعون في اختراع جهاز يكشف عن مستوى حب الوطن في القلب، ليميز بين من يصدعون رؤوسنا صباح مساء بصراخ حناجرهم المزيف المدعي لحب الوطن، وبين المخلصين الصامتين إذا اشتكى الوطن تدمى قلوبهم وتدمع عيونهم، فليست المستأجرة كالثكلى!!!

وفي الأحباب مختصٌّ بوجدٍ              وآخر يدّعي معه اشتراكا

إذا اشتبهتْ دموعٌ في خدودٍ            تبيّـــن مَن بكى ممّـن تباكى

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كتابات)

ويومًا في الطريق يقفز إلى ذهني… عثمان…
عثمان الذي لم أره منذ عشرين سنة.
وخطوات… وعثمان يخرج من طريق جانبي،
ليصبح ظهوره هذا حدثًا من سلسلة طويلة… أحداث لا تفسير لها… والأمر يتكرر… وتخطر بالذهن أغنية… وخطوات… والأغنية هذه تطل من راديو سيارة، أو محل.
ويخطر للذهن أن مشاجرة سوف تنفجر هنا… ولحظات… ومشاجرة تنفجر و…
والظاهرة هذه نجدها عند كثيرين…
والظاهرة توحي إلينا بقصة…
وفي القصة…
عثمان ينظر إلى وجهه في المرايا، لكن ما يراه في المرايا لم يكن هو صورته… عثمان يرى صورة رجل آخر.
وعثمان يخرج من البيت، وفجأة يجد أمامه الرجل الذي رآه في المرايا قبل قليل…
في يوم آخر، عثمان يرى في المرايا وجهًا ليس هو وجهه… ثم يرى الرجل هذا وهو يرتكب جريمة أمس…
وعثمان يصبح معتادًا على رؤية وجوه في المرايا… ثم رؤية ما في نفوس هذه الشخصيات…
ويومًا، عثمان الذي يعمل مدرس رياضيات، يخرج من بيته ويتجه إلى المستشفى، وكان شيئًا يقوده… وفي المستشفى يستقبله العاملون هناك، وكلهم يرحبون به في احترام عميق:
— أهلًا دكتور بركات… المريض جاهز في غرفة الجراحة.
وعثمان يدخل غرفة الجراحة، وفريق طبي ينتظره هناك… وعثمان يقوم بالجراحة الدقيقة، ويعود إلى بيته، وينظر إلى المرايا، ويجد أن وجهه في المرايا… وكل جسمه… هو وجه وجسم دكتور بركات الطبيب الشهير…
والوجه في المرايا كان يحدثه بعيون تقول له إنها تفهم…
وعثمان يجلس إلى نشرة الأنباء، ويجد أن الجراح العظيم بركات توفي صباح ذلك اليوم…
وعثمان ينظر في مواقع الشبكة الإلكترونية، ويجد أن الأطباء الذين كانوا معه في غرفة العمليات ينكرون بشدة خبر الوفاة…
وعثمان يندفع إلى بيت الطبيب بركات، وهناك يجد صيوان العزاء، لكن ما يدهشه هو:
— كيف رأى الأطباء وجهي، وأنني كنت هناك دكتور بركات… بينما هنا في صيوان العزاء كنت أحمل وجهي العادي؟
عثمان يجد أن ما يراه… لما كان يرى وجوه آخرين، ويرى ما فعلوه… يتطور الآن بحيث يصبح ذاته الجسم الذي يرتديه الآخرون هؤلاء، ويجعله كل أحد أسلوب التخفي الأعظم.
……
والجزء أعلاه مقتطع من رواية نكتبها…
لكن ما يجعلنا نتوقف هو الشعور العميق بأن الأيام هذه ليست هي أيام الرواية، ولا الشعر، ولا الفن، ولا… ولا…
المجد الآن للرغيف… ولمن ينظرون إلى السماء في الفاشر ينتظرون طائرات الإغاثة… ولمن يبايعون الله على أن يلقوه وأيديهم ليس فيها شيء… وقلوبهم فيها كل شيء.
……..
وذكرى الإنقاذ تطل،
وعام 2019 يرسل إلينا الأستاذ علي عثمان كتابًا فيه مذكراته…
مذكرات الرجل الذي قاد كل شيء ولم ينطق بحرف…
والمذكرات تُرسل إلينا/ وإلى أربعة آخرين/ لإبداء الرأي فيها، مع الالتزام الصارم بألا نشير إلى حرف فيها.
والمذكرات فيها ما لا يستطيع أحد أن يشير إليه.
وفي فقرة عابرة نشير إلى المذكرات، وعلي عثمان في غضبة حارقة يسترد الكتاب منا…
ولما كنا لا نستطيع الإشارة إلى المذكرات هذه، فإننا نتمنى أن يقوم الأستاذ حسين خوجلي بـ (انتزاع) المذكرات هذه ونشرها…
حسين… هذا كنز لا يُهمل.

إسحق أحمد فضل الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: مصر التى فى خاطري !!
  • الذكاء الاصطناعي يكتب ملاحظات المجتمع في منصة إكس
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كتابات)
  • بلال قنديل يكتب : هذا المساء
  • في دورته العشرين.. مكتبة الإسكندرية تعلن عن انطلاق معرض الكتاب الدولي
  • مبروكة: يجب مراجعة محتوى الكتاب المدرسي للحفاظ على عقول الطلبة
  • حسين خوجلي يكتب: وخزة الكراسي
  • “أنين حواضرنا هو صوتنا”.. حملة لمناصرة المدن المحاصرة في السودان
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (الصورة…. ٢)
  • طلاب الثانوية الأزهرية بالفيوم: امتحان التوحيد جاء من الكتاب والوقت كان كافيًا للمراجعة