في السينما: نمو داخلي للعقل والروح
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
تشير فكرة المتاهة إلى حالات معقدة من الوجود والمعرفة، وهي ترتبط بصفات التشويش والالتباس وعدم اليقين، مع الرغبة في التحدي من أجل حل اللغز. أو بشكل آخر يمكن اعتبار المتاهة، كمصفوفة ضخمة، صممت بالأساس من أجل إخفاء الواقع. قد يتجلى هذا النظام المخادع في العديد من المجالات. وهكذا يتطلب الأمر عبور هذه المتاهة وتخطي حواجزها من أجل اكتشاف الحقيقة.
الأمر شبيه بما يحدث في فيلم saw أو ألعاب القتال في الفيديو، سلسلة متواصلة من الاختبارات والمحن. هل نتعلم من هذه التجارب؟ من المؤكد أن ثمة بعض الأشياء الإيجابية التي يمكن أن نجنيها، بل ويجب العمل بكل كد من أجل ذلك. غير أن الثمن يظل دائماً باهظاً. وهنا يتجلى الطابع المأساوي للحياة كما كان يسميه أونا مونو. يقول جيجسو في الفيلم: «عندما يكون لديك كل شيء لتخسره، فإن الخيار لا يمكن أن يكون سوى الشجاعة»، وهكذا فالشخصيات في الفيلم تتعلم القيمة الحقيقية للحياة، من المعاناة والقرارات الصعبة والتضحية القاسية.
مع ذلك يجب أن لا نغتر ونتوهم أنفسنا كأبطال في مواجهة العدم، على غرار ما اعتقدت الفلسفة الوجودية. فلو كان ما لا يقتلنا يجعلنا أقوياء، كما قال نيتشه لكنا قد أصبحنا عمالقة فوق الأرض. ذلك أن المحن والمكابدات التي مررنا بها، تكفي لتحويل عظامنا إلى حديد، وأعصابنا إلى فولاذ.
النمو الداخلي للذاتفي فيلم the Truman show نرى البطل ترومان بوربانك، يعيش في عالم مصطنع حيث يتم التلاعب بحياته بالكامل. عند ذلك يكتشف أنه ليس إلا شخصية محاصرة في لعبة ضخمة تتجاوزه، وأن هذه اللعبة قد صممت كي تتحدى قدراته، وهو يحاول بكل قوة كشف حقيقة هذه المتاهة والهرب منها.
تلكم حالة وصل إليها، بعد أن أزال غشاوة البداهة والوضوح فهو يحتج قائلاً:«إننا نقبل واقع العالم كما هو معروض علينا» ومعناه أن الإنسان العادي يميل إلى تقبل الواقع دون الشك أو التساؤل. وهكذا لا توجد حياة حقيقية، دون مغامرة البحث عن الحقيقة، وعدم الرضوخ للواقع المزيف.
نحن نعيش داخل هذه المتاهة، ونجاهد من أجل فهمها والتعامل مع تحدياتها، ومع مرور الوقت تظهر تحديات أخرى أكبر وأعقد كما هو الحال في الألفية الثالثة. تتشابك الخيوط وتتعقد أمام ناظرينا، فنشعر بالضياع والحيرة، ولكن مع ذلك داخل هذا القلق يكمن النمو الحقيقي، لأننا نكتشف بشكل حثيث قوتنا الداخلية، وحكمتنا في التفكير والقرار. مفروض علينا أن نتعلم من الفشل والإخفاق، كي نستخدمه كوقود للمضي قدماً. عندها نكتشف أن متاهة الوجود ليست مجرد رحلة، بل هي تحول وتطور للروح والعقل.
في فيلم الماتريكس للأخوين واتشوسكي، تعيش الشخصية الرئيسة نيو، حياة طبيعية في العالم الظاهري، لكنه مع ذلك يستشعر الشك في وجوده الحقيقي. ثم تتحول حياته إلى متاهة حقيقية عندما يكتشف أنه يعيش في واقع مزيف، وأن العالم الذي يظنه حقيقياً، هو عبارة عن سجن ضخم، تقيد فيه الآلات الذكية والشريرة العقول البشرية، حتى تحولها إلى طاقة. يقول مورفيوس مخاطبا نيو:«هل تعتقد أن الهواء الذي تتنفسه الآن حقيقياً». ثم تأتي اللحظة الحاسمة في الفيلم، بحيث يتلقى نيو رسالة غامضة على الكمبيوتر تقول:«اتبع الأرنب الأبيض» وهي عبارة تحيل على قصة أليس في بلاد العجائب، عندما تتبع هذه الأخيرة الأرنب، الذي يقودها نحو اكتشاف عوالم جديدة وخفية.
وإذن فالعبارة تشير إلى ضرورة اتخاذ القرار الحاسم بيقظة الوعي، وبتجاوز الواقع العادي. الاختيار بين الحبة الزرقاء أو الحمراء. الأولى تبقيه فيما اعتاد عليه، بينما الثانية تدفعه نحو خوض مغامرة اكتشاف الحقيقة. هكذا تصبح الحياة بالنسبة لنيو مغامرة مثيرة، واستكشاف للوجود، وسعي من أجل فهم الذات ومكانتها في العالم. عندها يقر قيادة زيون Sion مدينة الأحرار والمتمردين مؤكداً أن: «المصير ليس شيئاً يتم اكتشافه، بل شيء يتم إبداعه». لا ينبغي اختزال هذا الفيلم فقط في كونه يثير المخاوف، بصدد السيطرة التي تفرضها التكنولوجيا على الإنسان وبالأخص التخوفات من السيطرة الممكنة للذكاء الاصطناعي على البشر في المستقبل. إن الماتريكس موجودة بالفعل قبل وجود الكمبيوتر، بل وقبل الثورة الصناعية برمتها. الماتريكس هي سقطة الوجود، والضياع داخل الشبكة المتاهية للتاريخ والمعرفة. الانجراف وراء الهشاشة التي بلغت أوجها اليوم في عصر الرقمنة.
قوة الأفكار
أما في فيلم inception إخراج كريستوفر نولان 2010 فيتم التركيز على فكرة تحديد طبيعة الواقع والحقيقة، حيث يتابع فريق من لصوص العقول، تقنية من أجل الدخول إلى أحلام الآخرين وسرقة أفكارهم. يتلقى البطل عرضاً من أجل القيام بمهمة جديدة تتمثل في «الزرع العميق» أي زرع فكرة داخل عقل الشخص المستهدف، كي يعتقد أنها هذه فكرته الأصلية فيتصرف وفقاً لها. وهكذا يثير الفيلم تساؤلات عميقة حول مفهوم الوجود، والهوية الشخصية، وطبيعة الواقع. يقول بطل الفيلم دوم كوب: «الطريقة الوحيدة لمعرفة ما هو في وسط المتاهة، هي أن نصل إلى وسط المتاهة» وهذا معناه أهمية الاستكشاف، والتحرك إلى الامام للوصول إلى الحقيقة. ما نتعلمه من خلال هذا الفيلم كذلك هو قوة الافكار وتأثيرها البالغ، ليس فقط على تغيير حياتنا، بل تغيير العالم أجمع: «إن فكرة واحدة من عقل الإنسان يمكن أن تبني مدناً، يمكن لفكرة أن تحول العالم، أن تعيد كتابة كل القواعد».
لانهائية الحقيقة
في فيلم مولهولاند درايف لدافيد لينش 2001 وهو الفيلم الذي يعتبر تحفة سينمائية فريدة. تدور أحداث القصة حول سيدة تدعى بيتي إلمس تحاول تحقيق حلمها بأن تصبح نجمة سينمائية. ثم تلتقي بسيدة أخرى تدعى ريتا التي فقدت ذاكرتها إثر حادثة سير. وتتعاون السيدتان من أجل فهم الأحداث الغامضة التي تقع لهما. تقول بيتي إلمس: «دائماً ما يكون هنالك شيء غير عادي في الحاضر من حياتنا اليومية» هذه العبارة تدل على أن العالم ليس دائماً كما يبدو لنا. فالحياة التي نعتقد أنها بديهية وعادية، قد تحتوي على جوانب غير مألوفة. ثم تضيف بيتي إلمس في لقطة أخرى من الفيلم: «الحقيقة تكون شيئاً غريباً، ليس هناك شيء أصلي حقاً» وهكذا تشير البطلة إلى إحدى خصائص المتاهة. إنها التغيير الدائم، وانعدام الثبات في التجربة البشرية. ستظل دائماً هنالك أبعاد أخرى غير معروفة للحقيقة، تتجاوز قدراتنا الإدراكية المحدودة، وبالتالي وجود مستويات خفية وأعمق من الظاهر.
لانهائية الحقيقة هي الفكرة ذاتها التي يعرضها علينا فيلم عداء المتاهة the maze ruer إخراج ويس بول 2014. هناك مجموعة من الشباب الذين يستيقظون في مكان معزول، لا يتذكرون هوياتهم ولا كيفية الوصول إلى هذا المكان، ومن تمة يتعين عليهم التنقل في بيئة غامضة ومعقدة، من أجل مهمة استكشاف المتاهة، والبحث عن مخرج منها. بكل ما يفرضه ذلك من تعامل مع التحديات والألغاز. يقول ألبي موجهاً نصائحه للزائر الجديد: «تذكر، حاول ألا تموت هذه هي القاعدة الأولى». في نهاية الفيلم يكتشف البطل طوماس وأصدقاؤه أنهم كانوا جزءاً من تجربة واسعة، تشرف عليها شركة غامضة تدعى wckd ورغم أنهم سيتمكنون من الهروب، فإنهم سيخرجون نحو عالم مدمر بالكامل. ويظهر المشهد الأخير من الفيلم أن النجاة نفسها، كانت جزءاً من الخطة التي قامت بإعدادها هذه الشركة بشكل مسبق. تقول إحدى الشخصيات:«كانت المتاهة مجرد اختبار. نحن الآن في المرحلة التالية». أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: السينما الثقافة الذكاء الاصطناعي الثورة الصناعية فی فیلم من أجل
إقرأ أيضاً:
هل يدمّر الماء جهازك الهضمي إذا شربته أثناء الأكل؟.. مختص يكشف الحقيقة
صورة تعبيرية (مواقع)
لطالما ترددت نصائح وتحذيرات حول عادة شرب الماء أثناء تناول الطعام، وسط جدل واسع بين من يراها ضارة بصحة الجهاز الهضمي وبين من يعتقد أنها آمنة تماماً.
وفي هذا السياق، خرج الدكتور فهد الخضيري، الباحث المتخصص في أبحاث المسرطنات، ليحسم هذا الجدل القائم ويوضح الحقائق الطبية بعيداً عن الشائعات.
اقرأ أيضاً طهران تُشعل أجواء التفاوض: لا اتفاق نووي إذا أصرّت واشنطن على هذا الشرط الحاسم 19 مايو، 2025 الريال اليمني يواصل الانحدار أمام العملات الأجنبية في عدن – الدولار يكسر حاجز الـ2550 19 مايو، 2025وفي تغريدة نشرها عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، أكد الخضيري أن شرب الماء أثناء الأكل لا يسبب أي ضرر صحي، بل هو أمر طبيعي، مشدداً في الوقت نفسه على أهمية الاعتدال وعدم المبالغة في الكمية التي يتم تناولها أثناء الوجبات.
متى يكون شرب الماء أكثر فائدة؟:
أشار الخضيري إلى أن شرب الماء قبل تناول الطعام بنحو ربع ساعة قد يكون أكثر فائدة لبعض الأشخاص، وخصوصاً لأولئك الذين يتبعون أنظمة غذائية لتقليل الوزن، حيث يساهم في تقليل الشهية وكبح الجوع، نتيجة تشابه الإشارات العصبية التي يرسلها الجسم عند الشعور بالعطش أو الجوع.
وأضاف: "الكثيرون لا يفرقون بين العطش والجوع، وقد يكتفي الشخص بكوب ماء فقط إذا شعر بالجوع، ليكتشف أنه لم يكن بحاجة للطعام فعلاً".
لا للمبالغة.. نعم للاعتدال:
رغم نفيه للضرر الصحي من شرب الماء أثناء الطعام، شدد الدكتور الخضيري على أهمية الاعتدال وعدم شرب كميات كبيرة بشكل مفاجئ، تجنباً لأي تأثير سلبي على عملية الهضم، خاصة لدى من يعانون من مشاكل هضمية سابقة.
الخلاصة:
شرب الماء أثناء الأكل ليس مضراً.
الأفضل شرب الماء قبل الأكل بـ15 دقيقة لتقليل الشهية.
الاعتدال في الكمية هو المفتاح.
بهذا التصريح، يضع الدكتور فهد الخضيري حداً لواحدة من أكثر "الخرافات الصحية" انتشاراً، داعياً الجمهور إلى التسلح بالوعي والمعلومة العلمية الموثوقة، بعيداً عن المفاهيم المغلوطة التي تتناقلها وسائل التواصل دون سند طبي.