حين قنع الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة ظاهراً وباطناً من خير في المجتمع الدولي حيال حرب السودان، قال إن الخروج منها إلى بر السلامة سيكون بـ”الملكية الوطنية للحلول” أي بالعون الذاتي. ولا أظنه طرأت له الموارد الفكرية ضمن هذه الملكية الوطنية للحلول.

وذكر البرهان هذه الموارد أو لم يذكرها فهي في حال “بيات وطني” منقطعة لعقود في صراع بين يمينها وحلف الوسط واليسار فيها.

صراع بمثابة “فش غبينة” مرضية كان الإمام الصادق المهدي زعيم جماعة الأنصار يعظ الناس من شرورها بكلمة لجده الإمام محمد أحمد المهدي (1843-1885) القائل “من فش غبينته خرب مدينته”. فلا ترى قوى الصفوة السياسة في الحرب القائمة ليومنا سوى نزاعاتها بطريق آخر. فتتراشق الجماعتان الاتهامات حول من أشعل الحرب منهما. فيرى الإسلاميون أنصار نظام الإنقاذ الذي قضت عليه ثورة ديسمبر 2018 أن من أشعل الحرب هي “قوى الحرية والتغيير” (قحت) ليعودوا إلى الحكم الذي نزعهم عنه انقلاب العسكريين عليهم خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وتذيع “قحت” أن “الفلول” أي أنصار نظام الإنقاذ هم من أشعلوا الحرب للعودة لسدة الحكم وأوعزوا للقوات المسلحة بشنها.
وعليه، فليس منتظراً أن تكون الأدبيات الكأداء لهذه الحرب الصفوية مورداً صالحاً للنهوض باستحقاق “الملكية الوطنية للحلول” للحرب القائمة، فنصوص هذه الأدبيات مصممة للتشهير لا الإحاطة بالمسألة والقبض على زمامها.

وفي هذا السياق نشر سلمان محمد سلمان خبير المياه السابق بالبنك الدولي رئيس مجلس جامعة الخرطوم السابق على الوسائط أخيراً ملخصاً وافياً لكتابه “الدعم السريع: النشأة والتمدد والطريق إلى حرب أبريل 2023″، وأراد من المقال بيان لماذا كانت لقوات “الدعم السريع” هذه المتانة العسكرية التي تجلت في الحرب القائمة. ومد أصبع الاتهام للفريق أول البرهان كونه المسؤول الأول والأساس عن توسع هذه القوات وتمددها. وبينما أحسن المقال في تبيان دور البرهان المركزي في تمكين “الدعم السريع” كما سنرى، إلا أنه انشغل بتذنيبه انشغالاً حال دونه واستثمار سرديته حسنة التوثيق لفهم أفضل للحرب.

نهابون وقطاع طرق
وقال سلمان إن “الدعم السريع” بدأ كعصبة “جنجويد” (نهابون قطاع طرق) حاربت حركات دارفور المسلحة إلى جانب القوات المسلحة، ولكنها سرعان ما كسبت صيتاً عالمياً سيئاً من فرط جرائمها في تلك الحرب مما استدعى قيام “دولة الإنقاذ”، وقد بلغ قوام الجنجويد 10 آلاف منتسب، لإعادة تنظيمها تحت مسمى “حرس الحدود”. ثم غيرت الاسم إلى “الدعم السريع” خلال عام 2013 لتصبح قوة شبه عسكرية تابعة لجهاز الأمن والاستخبارات. وقفز عدد منسوبيها إلى 30 ألفاً. وشرّعت عملها بقانون خلال عام 2017 أجازه المجلس الوطني.
وعرّفها هذا القانون في المادة السابعة منه بوصفها “قوات عسكرية قومية التكوين تهدف إلى إعلاء قيم الولاء لله والوطن”. وعددت تلك المادة مهامها لتشمل “دعم ومعاونة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في أداء مهامها”. وعلى قول القانون إنها قوة عسكرية إلا أن المادة السادسة منه رفعت عنها الخضوع للقائد العام للجيش. فبالرغم من تبعيتها للجيش فإنها ليست مأمورة منه لأنها تحت إمرة القائد الأعلى (والذي هو رئيس الجمهورية حسب تعريف القانون). وسمى سليمان ما بين المادتين، أي تبعية الدعم للجيش إلا أنه تحت قيادة رئيس الجمهورية اختلافاً إن لم يكن تناقضاً. إلا أنه عاد ليقول إن تلك الصيغة المتناقضة ضمنت لـ”الدعم السريع” “استقلالاً” من الجيش إلا في حالات استثنائية بذاتها. وجاءت تلك الحالات الاستثنائية في المادة الخامسة والمادة الثانية من القانون. فقالت المادة الخامسة (1) إن “عند إعلان حالة الطوارئ أو عند الحرب بمناطق العمليات الحربية تخضع قوات ’الدعم السريع‘ لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007 وتكون تحت إمرته”. أما المادة الثانية فخولت لرئيس الجمهورية خلال أي وقت “أن يدمج قوات ’الدعم السريع‘ مع القوات المسلحة وفقاً للدستور والقانون وتخضع عندئذ لأحكام قانون القوات المسلحة لعام 2007”.

“الخيط الناظم”
ونبه سلمان باكراً إلى ما سماه “الخيط الناظم” في مفهوم محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد “الدعم السريع” وممارسته السياسية منذ صدور قانون 2017 إلى الاتفاق الإطاري عام 2023، وهو تمسكه باستقلالية “الدعم” عن الجيش. ونجح حميدتي في تحقيق هذه الاستقلالية لـ”الدعم السريع” عن الجيش في تعديلات أجراها البرهان على قانون “الدعم السريع” خلال أغسطس 2019، ألغى فيها حتى تلك الحالات الاستثنائية التي قلنا إن المشرع احتفظ للجيش فيها بما يمكن وصفه بـ”شعرة معاوية” مع “الدعم السريع”. فألغى التعديل المادة الخامسة من قانون قوات “الدعم السريع” لعام 2017 التي حددت الحالات الاستثنائية التي تخضع فيها “الدعم السريع” لقانون القوات المسلحة، وأعطت رئيس الجمهورية صلاحيات دمج تلك القوات في القوات المسلحة السودانية، فوقع بذلك الإلغاء طلاق البينونة بين “الدعم السريع” والجيش.

وأعرض سلمان في مقاله عن أمرين مهمين لا يستقيم من دونهما فهم “وزر” البرهان في رعرعة “الدعم السريع”، كما قال محقاً. فلم يتطرق أبداً لدوافعه من إغداق الإمكانات والمزايا التي أحسن سلمان رصدها. وصور حميدتي من الجهة الأخرى طرفاً سالباً يتلقى تلك المكرمات حامداً شاكراً ولا دور له البتة في جعلها ممكنة. فلم ينفذ سلمان إلى سرديته عن ميلاد “الدعم السريع” على يد البرهان، وهي واقعة سياسية، بسلطان التفكيك فيقف على التدافع بين قواها ومراميها. فغلب عليه هنا تدريبه كمحام صارت به السردية “حجة” بين مدع ومدع عليه يأخذ المحامي فيها جانب موكله، وهو هنا “تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية” (تقدم) التي حملت البرهان خطيئة رعايته “الدعم السريع” بعد الثورة حتى انقلب السحر على الساحر. وتغاضى كمحام عما سواها لأنه موكل بتجريم من اشتكى منه موكله. فلم يتخذ حتى سمة التحقيق النيابي الذي يتربص بالدوافع من وراء الجريمة، ويتحرى الفرص التي سنحت للمجرم بارتكابها، ويستوثق من وسائله في ارتكابها.

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القوات المسلحة رئیس الجمهوریة الدعم السریع إلا أن

إقرأ أيضاً:

ولي العهد يرعى حفل افتتاح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية بالقطاع الأوسط

رعى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، في مدينة الرياض اليوم اللثلاثاء، حفل افتتاح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية بالقطاع الأوسط، وذلك ضمن مشاريع التطوير الإستراتيجية لتعزيز الجاهزية القتالية للقوات الجوية الملكية السعودية.الاستقبال وعزف السلام الملكيوكان في استقبال سمو ولي العهد لدى وصوله مقر القاعدة، صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع، وصاحب السمو الأمير عبدالرحمن بن محمد بن عياف نائب وزير الدفاع، ومعالي رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الأول الركن فياض بن حامد الرويلي، ومعالي مساعد وزير الدفاع للشؤون التنفيذية الدكتور خالد البياري، وصاحب السمو الملكي الفريق الركن تركي بن بندر بن عبدالعزيز قائد القوات الجوية الملكية السعودية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } ولي العهد يرعى حفل افتتاح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية بالقطاع الأوسط - واس
أخبار متعلقة رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية دولة قطر يصل إلى الرياضفيديو.. رئيس هيئة كبار العلماء في موريتانيا يشيد بجهود المملكة في خدمة الإسلام والمسلمينالسعودية في قمة مجلس التعاون.. جهود ممتدة لتعزيز العمل الخليجي المشتركوفور وصول سمو ولي العهد، عُزف السلام الملكي، ثم تفضل -رعاه الله- بافتتاح المرافق.ثم التُقطت الصورة التذكارية لسمو ولي العهد مع ضباط المشروع.
بعد ذلك تجول سموه ميدانيًا على عدد من مرافق القاعدة، اطّلع خلالها على المنطقة الفنية والإدارية والسكنية، والمنشآت الحديثة التي جرى تنفيذها وفق أعلى المعايير العالمية في مجال البنية العسكرية.التعرف على مرافق وتجهيزات القاعدةواستمع سمو ولي العهد خلال الجولة لشرحٍ موجز عن مرافق القاعدة، تضمن مراحل إنشائها، ومكونات مشروع تطويرها من الجوانب الهندسية والتقنية، وما تضمه من منشآت فنية وتدريبية وإدارية وسكنية وخدمات مساندة متكاملة، تهدف إلى تعزيز الجاهزية القتالية للقوات الجوية بشكل خاص وللقوات المسلحة بشكل عام، وذلك من خلال دعم عمليات التخطيط والقيادة والسيطرة والإمداد، والعمليات المشتركة.
إثر ذلك، توجه سموه إلى مقر الحفل، حيث بُدئ بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم ألقى سمو قائد القوات الجوية الملكية السعودية كلمةً ثمن فيها رعاية سمو ولي العهد لحفل افتتاح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية بالقطاع الأوسط.
وعبّر عن شكر منسوبي القوات الجوية للقيادة الرشيدة على دعمها غير المحدود لتطوير قدرات القوات الجوية وتعزيز جاهزيتها القتالية، مؤكدًا أن افتتاح مرافق القاعدة يأتي امتدادًا إستراتيجيًا لخطط التحديث الشامل التي تنتهجها القوات الجوية، وتعزيزًا لما تمتلكه من قدرات وإمكانيات ومنظومات قتالية متقدمة تضم أحدث المقاتلات والتقنيات الجوية والكفاءات الوطنية عالية التدريب والاحترافية، وبما يواكب التحولات الإستراتيجية التي تشهدها وزارة الدفاع ضمن مستهدفات برنامجها التطويري.مراحل تنفيذ المشروعتلا ذلك عرض فيلم مرئي تناول مراحل تنفيذ المشروع الذي بدأ في الربع الثالث من عام 2021م، واستغرقت مراحل بنائه 38 شهرًا، وجرى تصميمه على الطراز السلماني، تجسيدًا للهوية المعمارية للعاصمة الرياض ومواكبةً لتوجهاتها العمرانية الحديثة، حيث تضمن المشروع تنفيذ 115 مبنى بمساحة إجمالية تجاوزت 126 ألف متر مربع، شملت المدارج الرئيسة والموازية وساحات وقوف للطائرات، ومهابط للطائرات العمودية، وحظائر للطائرات، وبرج المراقبة الجوية، إضافة إلى مرافق المناطق الفنية والإدارية والسكنية والأمنية.
وفي ختام الحفل، تسلّم سمو ولي العهد هديةً تذكارية من سمو قائد القوات الجوية، ثم التقطت الصورة التذكارية لسمو ولي العهد مع ضباط القاعدة.
بعد ذلك عُزف السلام الملكي، ثم غادر سمو ولي العهد مقر الحفل مودعًا بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم.
حضر الحفل، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الطاقة، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الرياض، وصاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالعزيز بن محمد بن عياف أمين منطقة الرياض، وأصحاب المعالي الوزراء وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين.

مقالات مشابهة

  • مجلس الوزراء يعفي ضباط القوات المسلحة من رسوم المركبات.. تفاصيل
  • سمو ولي العهد يرعى حفل افتتاح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية بالقطاع الأوسط
  • ولي العهد يرعى حفل افتتاح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية بالقطاع الأوسط
  • كاتب صحفي: القطار السريع سيزيد الترابط الاجتماعي بين الرياض والدوحة
  • السودان .. الدعم السريع يسيطر على أكبر حقل نفطي غرب كردفان
  • قوات الدعم السريع تسيطر على حقل هجليج الاستراتيجي.. ما دلالات الخطوة على الحرب في السودان؟
  • غسان الدهيني.. وجه جديد يقود الحملة المسلحة ضد "حماس"
  • غسان الدهيني.. وجه جديد يقودة الحملة المسلحة ضد "حماس"
  • إطلاق عملية التحقيق بأموال الدعم: 16.4 مليار دولار خرجت من الاحتياطي
  • قصف الدعم السريع لروضة أطفال جنوب كردفان