بوابة الوفد:
2025-05-16@19:40:19 GMT

«التفكيكية».. ثورة دريدا على التاريخ الفلسفي

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

أنهينا كبسولتنا السابقة بالتساؤل، هل هناك تشابه بين القراءة والتفكيكية، أم أن هناك اختلاف واضح وصريح بين الاصطلاحين؟ ويأتي موضعنا الآن للإجابة عن هذا التساؤل، ببيان وتحليل المقصود بمصطلح التفكيكية، ومن قام بإدخال هذا المفهوم إلى الحقل الفلسفي، وأيضًا هل استطاع هذا المصطلح المساهمة في تطوير قراءة النص الفلسفي، أو التاريخ الفلسفي ككل؟

عزيزي القارئ تُعد التفكيكية من أهم مشاريع الفيلسوف الفرنسي المعاصر جالك دريدا (1930م – 2004م)، وهي تمثل الثورة التي أحدثها على مركزية اللوغوس أو العقل في الميتافيزيقا الغربية.

حيث مارس دريدا مُنذُ البداية نوعي من التفسير لإعادة كتابة تأويل الكوجيتو الديكارتي في ضوء الهيكل العام لكتاب "تاريخ الجنون" عند فوكو، لذلك ينصب هذا الدرس على معني الكوجيتو عند ديكارت كما يقرأه فوكو، وهو الأمر الذي ينبه بالتعميم العالم لكتاب "تاريخ الجنون"، وطرح بعض الأسئلة على هامش الكتاب، وفوكو إنما يريد أن يكون الجنون ذاتًا لكتابه، وهي الذات بكل معانيها.

كما أشار دريدا إلى ما يسميه تأويلًا في هذا الخصوص إنما هو لإحدى المقاطع ذات الصلة بين ما يقدمه فوكو وما يقوله ديكارت، من اجل تصميم بنية تاريخية أو مشروع تاريخي عام، قد يسمح له بالإشارة – تخصيصًا إلى ما يقوله ديكارت. لكن عندما يحاول المرء عمومًا المرور من كلام ضمني إلى كلام صريح، يجب عليه أولًا أن يتأكد من المعني بشكل دقيق، لذلك ينبغي لمحلل النص (وهو فوكو) ان يتكلم أولًا اللغة التي يتكلمها المريض(ديكارت). ولكن هل وضع لنا دريدا تعريفًا واضح نفهم من خلاله المقصد من هذه العملية؟

عزيزي القارئ يخبرنا دريدا بأن "التفكيك ليس أداة تحليلية ولا تركيبية؛ ليس منهجًا ولا عملية، ليس فعلًا تنجزه ذات على نص؛ عوضًا عن ذلك، فإنه مصطلح يستعصي عن التعريف والترجمة". كان هذا نص ما تركه لنا دريدا عن التفكيكية، الأمر الذي يجد فيه قارئ هذه السطور صعوبة بالغة في الفهم والوضوح. 

وللوصول إلى معنى واضح لِمَا سُمي بالتفكيكية، علينا النظر بعين فاحصة ومتأنية لفلسفة دريدا ككل، وهنا نصل إلى الفهم الكافي لهذه الفكرة، ونستطيع القول بأن التفكيكية فلسفة تهاجم فكرة الأساس وترفض المرجعية، وتحاول إثبات أن النظم الفلسفية كافة تحتوي على تناقضات أساسية لا يمكن تجاوزها. فهي ليست مجرد ألية في التحليل أو منهجًا في الدراسة وإنما رؤية فلسفية متكاملة. ولكن ماذا كان يقصد دريدا بهذه الكلمات السابقة المحاطة بالغموض والاستتار؟

صديقي القارئ لا نجانب الصواب، إذا قلنا إن التفكيكيين قد خرجوا من عباءة البنيوية وبالرغم أنهم بدأوا حياتهم داخل البنيوية، وحينما فشل المشروع البنيوي في تحقيق طموحاتهم نحو تقديم مشروع متكامل للتحليل تمردوا على البنيوية، فتحول بعضهم إلى التحليل النفسي مثل لاكان، بينما تحول البعض الآخر إلى دراسة اللغة مثل دريدا، وبحكم هذه العلاقة الخاصة بالبنيوية، فإن التفكيك يعد امتدادًا لها، وبالرغم من اختلاف دريدا مع قراءة فوكو عن ديكارت، وهجومه الشديد على إعادة تفسير الكوجيتو. فإن - الكتابة الدال، المدلول، الدلالة – تظل هي محور التفسير أيضًا في التفكيك. 

وختامًا نجد أن التفكيكية إنما تحول دون استمرار صلة القرابة في تأسيس الخطاب علي مر تاريخ الفلسفة، منذ أفلاطون حتى عقلانية هيجل، لذلك يمارس دريدا لعبة اللغة التي تخلوا من الفوائد، وهي "لغة الاختلاف"، التي تبحث عن منزلة جديدة للكلمة بعد انتزاع سلطتها كأصل ومركز للغة. وفي عبارة واحدة نستطيع القول بأن إستراتيجية دريدا تقوم على تفكيك التراث الفلسفي، بهدف القضاء على هيمنة العقل وسيطرة مركزية اللوغوس على الفكر الغربي، والوصول إلى فهم صحيح ودقيق للنص الفلسفي.

 

 

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

“ثورة النسوان” تشتعل في عدن بتظاهرة حاشدة تهز ساحة العروض رفضًا للفساد والانهيار المعيشي

الجديد برس| خاص| شهدت ساحة العروض في منطقة خور مكسر بمحافظة عدن، مساء اليوم الجمعة، تظاهرة نسوية حاشدة هي الثانية من نوعها خلال أسبوع، تحت شعار “ثورة النسوان”. وأكدت مصادر محلية، إلى الآلاف من النساء خرجن في موجة غضب شعبي غير مسبوقة، للتنديد بالفساد الحكومي وتدهور الأوضاع المعيشية والخدمات الأساسية في المدينة. ورفعت المشاركات لافتات حملت رسائل قوية وهتافات مدوية طالبت بإنهاء أزمة انقطاع الكهرباء والمياه، ومعالجة الانهيار الاقتصادي المتفاقم الذي أفقد العملة المحلية قيمتها، ورفع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات خيالية، ما جعل أبسط مقومات الحياة اليومية حلمًا بعيد المنال لسكان المدينة. التظاهرة التي ما تزال تشهد توافدًا نسائيًا واسعًا حتى اللحظة، لاقت تفاعلًا كبيرًا في الشارع العدني وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وسط إشادات بهذا الحراك النسوي الذي كسر حاجز الصمت، ودعوات متصاعدة لاستمراره كوسيلة ضغط شعبي حتى تحقيق إصلاحات حقيقية تنقذ ما تبقى من الخدمات والمعيشة الكريمة. وتأتي هذه الاحتجاجات في ظل أوضاع إنسانية واقتصادية مأساوية تعيشها محافظة عدن، الواقعة تحت سيطرة الحكومة الموالية للتحالف السعودي الإماراتي، في ظل انقطاع المرتبات، وتدهور شامل للخدمات، وغياب أي حلول ملموسة تخفف من معاناة المواطنين.

مقالات مشابهة

  • عدن تشهد تظاهرة نسوية ثانية خلال أسبوع للمطالبة بتحسين الخدمات
  • “ثورة النسوان” تشتعل في عدن بتظاهرة حاشدة تهز ساحة العروض رفضًا للفساد والانهيار المعيشي
  • امغيب: في ذكرى الكرامة نحيي القائد العام والجيش على تضحياتهم للوطن 
  • مصر التي خرجت من التاريخ والسياسة وزيارة ترامب
  • كيف أشعل شي ثورة الكهرباء في الصين ؟
  • إنعام محمد علي.. رائدة الدراما المصرية التي أنصفت المرأة وكتبت التاريخ بالصورة
  • تـضـــامن مــع ثـــورة النـــسـوان
  • الرئيس أحمد الشرع: سوريا لكل السوريين بكل طوائفها وأعراقها ولكل من يعيش على هذه الأرض المباركة، التعايش هو إرثنا عبر التاريخ وإن الانقسامات التي مزقتنا كانت دائماً بفعل التدخلات الخارجية، واليوم نرفضها جميعاً.
  • مجلس البصرة يرفض تحويل الزبير إلى محافظة: لا مبرر لذلك
  • ثورة في عالم البناء: خرسانة ذكية تُصلح نفسها دون تدخل بشري!