منها ألم في العظم يأتي مثل طعنة.. هذه أعراض سرطان العظام
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
سرطان العظام هو المصطلح المستخدم لوصف عديد من أنواع السرطان المختلفة التي تتطور في العظام. عندما تنمو الخلايا السرطانية في العظام، فإنها قد تلحق الضرر بأنسجة العظام الطبيعية. إن نوع الخلايا والأنسجة التي يبدأ فيها السرطان يحدد نوع سرطان العظام، وفقا لموقع عيادة كليفلاند كلينك في الولايات المتحدة.
يمكن أن يكون سرطان العظام أحد أنواع السرطان المختلفة التي تتطور في العظام، وتسمى السرطانات التي تبدأ في العظام بسرطانات العظام الأولية.
إن السرطانات التي تتكون في العظام نفسها تسمى سرطانات العظام الأولية، ويمكن لعديد من الأورام التي تبدأ في الأعضاء أو أجزاء أخرى من الجسم أن تنتشر إلى العظام، وكذلك إلى أجزاء أخرى من الجسم. وتسمى هذه الأورام بسرطانات العظام الثانوية أو النقيلية. وتنتشر أورام الثدي والبروستاتا والرئة بشكل شائع إلى العظام.
مدى شيوع سرطان العظام
إن سرطانات العظام نادرة، فمثلا هي تشكل أقل من 1% من أنواع السرطان في الولايات المتحدة. ورغم أنها يمكن أن تتطور في أي عمر، فإنها أكثر شيوعا لدى الأطفال والمراهقين والشباب مقارنة بكبار السن.
أين يبدأ سرطان العظام عادة؟يعتمد ذلك على نوع سرطان العظام الذي يعاني من الشخص.
أنواع سرطان العظامهناك 4 أنواع من سرطان العظام الأولي:
ساركوما العظام Osteosarcomaوهو النوع الأكثر شيوعا من سرطان العظام، ويتطور ساركوما العظام في الخلايا التي تتشكل فيها أنسجة العظام الجديدة. ويمكن أن يبدأ في أي عظم، ولكنه يبدأ عادة في نهايات العظام الكبيرة مثل الذراعين والساقين. يقوم الأطباء عادة بتشخيص ساركوما العظام عند الأطفال والمراهقين.
يطلق على هذا الورم أيضا اسم سرطان خلايا العظم النسيجي. وإن السبب المحدد للإصابة بورم خلايا العظم النسيجي غير معروف، مع هذا، فإن هناك بعض الحالات والطفرات الوراثية التي قد تزيد من احتمالية تطور المرض. كما أن العلاج السابق بالعلاج الإشعاعي، أو الأدوية المضادة للسرطان التي يطلق عليها اسم (Alkylating Agents)، يمكن أن تزيد من فرص الإصابة بالمرض. وإن وجود واحد أو أكثر من هذه العوامل لا يعني بالضرورة إصابة الشخص بالمرض، وهذا وفقا لمركز الحسين للسرطان في الأردن.
أعراض ورم خلايا العظم النسيجي ألم أو تورم في الطرف المصاب، ويزداد الألم في فترة الليل ولا يستجيب لمسكنات الألم. إذا كان الورم قريبا من المفصل، فيمكن أن تكون هناك محدودية في حركة المفصل. حدوث كسر في العظم دون أي سبب.يتم تشخيص ورم خلايا العظم النسيجي عن طريق صورة أشعة سينية للعظام، بالإضافة إلى أخذ خزعة لفحصها في المختبر والبحث عن وجود أي خلل. كما أن صورة الرنين المغناطيسي للطرف المصاب ضرورية لتقدير الانتشار المحلي للمرض، بينما يكون التصوير المقطعي للصدر ضروريا لتحديد إذا ما كان المرض قد انتشر للرئة. ومسح العظام ضروري لتحديد إذا ما كان المرض قد انتشر لعظام أخرى، ويتم أيضا أخذ خزعة من نخاع العظم للتأكد من عدم وصول السرطان لنخاع العظم.
ويعتبر العلاج الكيميائي الخيار الأمثل لهذا النوع من المرض، يليه إجراء جراحة لإزالة الورم دون الحاجة لبتر الطرف المصاب. وفي حال انتشار المرض إلى الرئة، فقد يتم التدخل الجراحي لإزالة الأجزاء المصابة في الرئة.
كما أن ورم خلايا العظم النسيجي غير حساس للإشعاع، لذا، فإن العلاج الإشعاعي يستخدم فقط لتسكين الألم ولا يؤدي إلى أي نتائج فعالة.
ساركوما يوينج Ewing sarcomaسمي على اسم الطبيب الذي وصف هذا النوع من سرطان العظام لأول مرة، وتشمل ساركوما يوينج عديدا من الأورام المختلفة التي لها صفات متشابهة ويعتقد أنها تبدأ في نفس أنواع الخلايا. يمكن أن تتكون هذه الأورام في العظام والأنسجة الرخوة المحيطة. ينمو ساركوما يوينج بشكل شائع في الوركين والأضلاع وشفرات الكتف، أو على العظام الطويلة مثل الساقين.
ساركوما الغضروف Chondrosarcomaيبدأ ساركوما الغضروف في الأنسجة التي تسمى الغضروف. الغضروف هو نسيج ضام ناعم يسمح بالحركة بين العظام والمفاصل. يتحول بعض الغضاريف إلى عظام عندما يضيف الجسم الكالسيوم إليها. يتكون هذا السرطان عادة في عظام الذراع أو الساق أو الحوض. على عكس ساركوما العظام وساركوما يوينج، يحدث ساركوما الغضروف بشكل أكثر تكرارا عند البالغين منه عند الأشخاص الأصغر سنا.
ورم الحبل الشوكي Chordomaيبدأ هذا الورم النادر في عظام العمود الفقري، عادة في قاعدة العمود الفقري أو قاعدة الجمجمة. ومثل الورم الغضروفي، يحدث الورم الحبلي غالبا لدى كبار السن. الرجال أكثر عرضة من النساء للإصابة بهذا النوع من سرطان العظام.
هل يمكن أن يتحول الورم الحميد في العظام إلى ورم سرطاني؟نعم، ولكن هذا ليس شائعا. ومع ذلك، قد يحتاج الأشخاص المصابون بأورام حميدة في العظام إلى العلاج لتقليل خطر الإصابة بأمور أخرى مثل ضعف العظام ومشاكل المفاصل وتدمير أنسجة العظام السليمة.
مراحل سرطان العظاميتم تحديد المرحلة حسب حجم وموقع الورم، وإذا ما كان السرطان قد انتشر إلى مناطق أخرى أم لا. يصنف سرطان العظام الأولي إلى 4 مراحل:
المرحلة 1: الخلايا السرطانية موضعية. المرحلة 2: لا تزال الخلايا السرطانية موضعية، ولكن الورم تطور واصبح أكثر وضوحا من حيث التغيرات في الخلايا. المرحلة 3: الورم تطور وانتشر السرطان إلى مناطق أخرى داخل العظم نفسه. المرحلة 4: انتشر السرطان من العظم إلى مناطق أخرى من الجسم، مثل الرئتين أو الكبد. أعراض سرطان العظاملا يعاني بعض الأشخاص المصابين بسرطان العظام من أي أعراض أخرى غير الشعور بوجود كتلة غير مؤلمة. وبالنسبة إلى آخرين، قد تتطور مجموعة متنوعة من الأعراض. وقد تحدث هذه الأعراض أيضا بسبب حالات أخرى، مثل التهاب المفاصل أو مرض لايم، التي قد تؤخر التشخيص. ومن العلامات الأكثر شيوعا لسرطان العظام ما يلي:
الألم (عادة ما يكون أسوأ في الليل). تورم غير مبرر. صعوبة في التحرك. الشعور بالتعب الشديد الحمى.
أسباب سرطان العظام
لا يعرف الخبراء على وجه اليقين ما الذي يسبب سرطان العظام، لكنهم وجدوا روابط بين سرطان العظام وعوامل أخرى. والعامل الأكثر أهمية هو التعرض للإشعاع أو العقاقير في أثناء العلاج من أنواع أخرى من السرطان. وتحدث بعض سرطانات العظام بسبب حالات تنتقل في العائلات (وراثية).
علاج سرطان العظاميعتمد علاج سرطان العظام على نوع السرطان، وإذا ما كان قد انتشر وإذا كان الأمر كذلك، فأين انتشر.
يتضمن علاج سرطان العظام عادة مجموعة من الأساليب. يختلف نوع ومدة هذه العلاجات اعتمادا على عدة عوامل، بما في ذلك نوع سرطان العظام وحجم الورم، وإذا ما كان قد انتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم. العلاجات الأكثر شيوعا تشمل:
1- الجراحةيقوم الجراح بإزالة الورم وبعض الأنسجة السليمة المحيطة به. ويمكن أيضا إصلاح أو إعادة بناء العظام المصابة بطعوم عظمية حقيقية أو اصطناعية. في بعض الأحيان، تجب إزالة أحد الأطراف بالكامل لعلاج السرطان. في هذه الحالة، يمكن استخدام طرف اصطناعي. في بعض الأحيان تكون هناك حاجة إلى تكرار الجراحة إذا لم تتم إزالة جميع الخلايا السرطانية في المرة الأولى.
2- العلاج الإشعاعييعمل هذا العلاج على تقليص حجم الأورام بجرعات عالية من الأشعة السينية. غالبا ما يستخدم مقدمو الرعاية الصحية الإشعاع قبل الجراحة لتقليص حجم الورم بحيث يتعين إزالة أنسجة أقل.
3- العلاج الكيميائييقتل هذا النوع من العلاج الخلايا السرطانية في جميع أنحاء الجسم بالأدوية. يتلقى الأشخاص هذا الدواء عادة عن طريق بلع حبة أو حقنه في الوريد. يمكن لمقدم الرعاية استخدام العلاج الكيميائي لعلاج سرطانات العظام الأولية أو سرطانات العظام التي انتشرت.
الوقاية من سرطان العظامنظرا لأن الخبراء لا يعرفون حقا ما الذي يسبب سرطان العظام، فلا توجد حاليا طريقة معروفة للوقاية منه. ولأن العلاج الإشعاعي (سبب آخر معروف لسرطان العظام) ضروري لعلاج أنواع أخرى من السرطان، فلا يمكن تجنبه تماما.
هل سرطان العظام مميت؟ليس عادة. ورغم أن بعض الأشخاص يموتون من سرطان العظام، فإن عديدا من الآخرين يتعافون تماما. معدل البقاء النسبي لمدة 5 سنوات لسرطان العظام هو 66.8%. وهذا يعني أن 66.8% من المصابين بسرطان العظام ما زالوا على قيد الحياة بعد 5 سنوات من تشخيصهم.
ضع في اعتبارك أن معدلات البقاء على قيد الحياة هي تقديرات مبنية فقط على عدد الأشخاص الذين أصيبوا بسرطان العظام في الماضي. ولا يمكن التنبؤ بمدة حياة الشخص أو ما يمكن توقعه في حالته الفريدة.
كيف يشعر المصاب بسرطان العظام؟العرض الأكثر شيوعا لسرطان العظام هو الألم، رغم أن هذه الأورام لا تكون مؤلمة في بعض الأحيان. قد يكون الألم خفيفا أو شديدا. يصفه كثير من الناس بأنه نابض أو مؤلم أو طعني. يصاب بعض الأشخاص بتكتل في المنطقة قد يكون صلبا أو ناعما عند اللمس.
هل هناك علاقة بين هشاشة العظام وسرطان العظام؟نعم. في حين أن هشاشة العظام ليست مقدمة لسرطان العظام، فإن عديدا من الأشخاص المصابين بسرطان العظام (أو أنواع أخرى من السرطان، وخاصة سرطان الثدي أو البروستاتا) يصابون بهشاشة العظام نتيجة لذلك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الخلایا السرطانیة العلاج الکیمیائی العلاج الإشعاعی من سرطان العظام لسرطان العظام بسرطان العظام الأکثر شیوعا هذا النوع من أکثر شیوعا إذا ما کان فی العظام یمکن أن تبدأ فی
إقرأ أيضاً:
كاش كوش.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القديم
على مرتفعات الحجر الجيري المطلة على وادي لاو في شمال المغرب، وتحديدا في موقع يعرف باسم "كاش كوش"، كان فريق من الباحثين المغاربة الشبان يزيح الغبار عمّا تبقى من زمن منسي. لم يكونوا يبحثون عن كنوز، بل عن دلائل. ولم تكن الأدوات الفاخرة ولا القصور القديمة مبتغاهم، بل عظام بشرية متهالكة، وقطع فخارية متآكلة، وآثار نباتات وأطعمة حملتها أيدي أناس عاشوا هنا منذ آلاف السنين. هؤلاء الباحثون، وفي مقدمتهم حمزة بنعطية، انطلقوا في مغامرة علمية هدفها قلب فرضيات قديمة ظلت سائدة عقودا.
لطالما اعتقد بعضهم أن شبه جزيرة طنجة، في أقصى شمال غربي أفريقيا، كانت منطقة معزولة هامشية في عصور ما قبل التاريخ، مجرد ممر أو فراغ حضاري. لكن هذا الاعتقاد بدأ يتهاوى تحت وطأة الأدلة المتزايدة التي كشف عنها الموقع. كانت البداية مع تأريخ بالكربون المشع لطبقات الأرض، ثم التنقيبات التي كشفت عن وجود ثلاث مراحل استيطانية متتالية، تعود إلى ما بين 2200 و600 قبل الميلاد. مجتمع زراعي مستقر كان يعيش هنا، قبل زمن الفينيقيين، بل ويتفاعل مع الثقافات المتوسطية دون أن يذوب فيها.
تتميز السواحل الأوروبية للبحر الأبيض المتوسط بديناميات اجتماعية ثقافية واقتصادية معروفة جيدا خلال العصر البرونزي والعصر الحديدي المبكر (2200–550 قبل الميلاد)، لكن في المقابل يظل فهمنا للسواحل الأفريقية غامضا نسبيا. يؤكد موقع "كاش كوش" فاعلية المجتمعات المحلية، متحديا فكرة أن شمال غربي أفريقيا كانت أرضا خالية قبل وصول الفينيقيين.
يعرف هذا العصر البرونزي أفضل بفضل مشاريع في مناطق أخرى على طول المغرب الأطلسي والمتوسطي، بما فيها رشقون في الجزائر، وقرطاج وليكسوس وعتيقة (أوتيك) في تونس. لكن المرحلة التي تسبقه مباشرة (المعروفة إقليميا بالعصر البرونزي المتأخر، نحو 1300–900 قبل الميلاد، وهي فترة حرجة لدراسة المجتمعات المحلية القائمة) تبقى مجهولة تقريبا. وفي أماكن أخرى من المغرب الكبير، تبقى هذه الفترة غامضة أيضا؛ ففي تونس يرتبط طراز سكني من الهياكل الحجرية بفترة تسبق الواردات الفينيقية، لكنه لا يعود لأكثر من 1000 عام قبل الميلاد.
إعلان"خلافا لما كان يعتقد، لم تكن هذه المنطقة خالية، بل كانت مليئة بالحياة والطقوس والنشاط الزراعي"، يقول حمزة بنعطية، الباحث في جامعة برشلونة، في حديث لوكالة الأنباء الألمانية. ويضيف: "أظهرت تحليلاتنا أن الناس هنا لم يكونوا معزولين، بل كانوا جزءا من شبكة واسعة تشمل جنوب إيبيريا وشرق المتوسط".
اهتزت الأوساط العلمية العالمية عام 2017 لاكتشاف مذهل في منطقة جبل إيغود قرب مدينة آسفي وسط المغرب. هناك، تحت طبقات من الصخور الرسوبية، عثر على بقايا عظام بشرية وأدوات حجرية. لم تكن مجرد بقايا، بل كانت أقدم ما عثر عليه للنوع البشري العاقل (Homo sapiens)، تعود إلى 300 ألف عام.
لم يعد شرق أفريقيا وحده مهد الإنسان الحديث، كما كانت تعتقد النظرية السائدة، بل أصبح المغرب فاعلا رئيسيا في فهم بداية الإنسان وتطوره. لم تكن هذه الجماجم سوى البداية لسرد طويل ومتشعب عن حياة كانت تدب هنا، حين كانت الأرض بكرا والسماء أرحب.
تظهر نتائج الأبحاث الأخيرة المنشورة في عدد من المجلات العلمية أن سكان "كاش كوش" مارسوا الزراعة بانتظام، وربوا الماشية، واستعملوا أدوات متقدمة نسبيا. وحتى في غياب الكتابات أو المدونات، فإن ما تبقى من طعامهم، وأدواتهم، وهياكلهم العظمية، كان كافيا لرسم صورة عن مجتمع متوازن ومستقر. ومع مقارنة هذه النتائج بمواقع أخرى مثل جبل إيغود وسط البلاد، وتافوغالت في شرقها، ودروة زيدان شمالا، تبرز صورة أكثر ثراء عن تاريخ المغرب ما قبل التاريخ.
لكن المفاجآت لم تتوقف عند حدود الزراعة والاستقرار. فداخل إحدى المغارات المكتشفة في "كاش كوش"، وجد الفريق العلمي ثلاثة هياكل عظمية تعود إلى العصر الحجري الحديث، نحو 4900 عام قبل الميلاد. وإذا ما تمكن العلماء من استخراج الحمض النووي من هذه البقايا، كما يطمح حمزة بنعطية، فسنكون أمام واحدة من أهم المحطات في إعادة بناء تاريخ الهجرات البشرية.
"نحن نبحث حاليا عن أدلة جينية تؤكد وجود تزاوج واختلاط بين سكان جنوب أوروبا وشمال أفريقيا عبر مضيق جبل طارق"، يقول بنعطية، موضحا أن هناك شواهد تدعم هذه الفرضية، تعود إلى ما بين 5000 و7000 عام قبل اليوم. الأمر لا يتعلق فقط بتفاعلات ثقافية أو تجارية، بل بعبور أناس، واستقرار، ودماء امتزجت. هذه الهجرات، كما يقول بنعطية، لم تكن طارئة ولا محدودة، بل كانت جزءا من دينامية طويلة الأمد تربط بين ضفتي المتوسط.
اللافت أن تاريخ هذه المنطقة لم يتوقف عند المجتمعات الزراعية، بل استمر في التطور ليفرز مع مرور الوقت تنظيمات أكثر تعقيدا. بداية من القرن الرابع قبل الميلاد، شهد المغرب، بحسب بنعطية، نشوء نظام ملكي مبكر، أطلق عليه اسم "الملكية المورية". وهو نظام لم تعرفه الضفة الشمالية للمتوسط في تلك المرحلة، حيث كانت تسود المدن-الدول الصغيرة. ويضيف: "كانت المملكة المورية تمتد من طنجة إلى وليلي وربما أبعد، ما يجعلنا نتحدث عن كيان سياسي قوي ومنظم".
هذه المعطيات تفتح نقاشا تاريخيا مهما: لماذا احتل الرومان شبه الجزيرة الإيبيرية قبل 200 عام من الميلاد، بينما لم يدخلوا إلى المغرب إلا بعد 40 عاما من الميلاد؟ الجواب، وفقا لبنعطية، يكمن في قوة الدولة المغربية آنذاك، مقارنة بتشتت إسبانيا إلى دويلات صغيرة. وقد اقتصر الوجود الروماني في المغرب على منطقة محدودة جنوب وليلي قرب مدينة مكناس، وتركزت آثارهم في قلاع محددة.
إعلانلكن ما توصل إليه الفريق العلمي لا يمثل سوى البداية، كما يؤكد حمزة بنعطية: "ما نراه اليوم ليس إلا واجهة الواجهة. ولو أتيحت لنا الإمكانيات والوقت الكافي، فأنا أضمن لكم أن ما سنكتشفه قادر على إعادة كتابة تاريخ شمال أفريقيا والمتوسط وغرب أوروبا بأكمله".
ويشير إلى وجود مواقع أثرية هائلة لم تمس بعد، خاصة في محيط مراكش وعلى امتداد الساحل الأطلسي من الرباط إلى الجديدة، قائلا: "نحن نتحدث عن أراض ممتدة على عشرات الهكتارات، وقد تحتوي على مقابر جماعية ومراكز حضرية مجهولة. ثلاث سنوات فقط من البحث العلمي الجاد كفيلة بإحداث ثورة معرفية".
يضع الباحثون آمالا كبيرة على استخراج الحمض النووي من أحد الهياكل التي عثر عليها في الموقع الأثري. "هذا الاكتشاف سيكون الأول من نوعه في شمال أفريقيا إذا نجحنا في الحصول على الحمض النووي. لكن الأمر مرهون بنسبة الكولاجين، التي نأمل أن تكون كافية، وسنعرف ذلك خلال ثلاثة أشهر"، يوضح بنعطية.
وتكمن أهمية هذه العينات في ارتباط العصر البرونزي بهجرات كبيرة شهدتها أوروبا من الشرق إلى الغرب، وتحديدا من مناطق مثل روسيا وأوكرانيا نحو غرب أوروبا، وهو ما أثبته علم الجينات سابقا. في حال التأكد من وجود روابط جينية مشابهة في المغرب، سيكون ذلك مؤشرا دامغا على أن شمال أفريقيا كان جزءا من هذه الموجات البشرية الكبرى، لا مجرد مستقبل سلبي لها.
كل هذا يعيد صياغة موقع المغرب القديم في السردية العالمية لتاريخ البحر الأبيض المتوسط. لم يكن المغرب مجرد هامش أو صدى لما يجري في الشمال، بل كان مركزا قائما بذاته، يشع حضارة وتنظيما سياسيا واجتماعيا مبكرا.
من "كاش كوش" إلى "جبل إيغود"، ومن طقوس العصر الحجري إلى تشكل الممالك، يتضح أن شمال المغرب لم يكن أرضا خاملة كما ساد الاعتقاد، بل كان قلبا نابضا في ذاكرة المتوسط. ولا يزال في جعبة الأرض أسرار كثيرة، تنتظر من ينبشها بعين الباحث وشغف المؤرخ.